الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشتراط المتصوفة للسند في تلقي العلم الشرعي
المجيب أحمد حسان
داعية إسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/11/1426هـ
السؤال
لدي صديق عزيز مقيم معنا في بلدنا، هذا الصديق تعرف على المنهج السلفي من خلالي، وبدأ يخالطنا منذ سنوات، حتى ظننت يقينا أنه منا، إلا أني فوجئت منذ فترة أنه -وبعد زيارة إلى وطنه- قد تحول إلى صوفي، وأنه كان في دورة علمية صوفية لأحد دعاة الصوفية المناوئين للدعوة السلفية التي تحارب الشرك والغلو في الصالحين، فتحول صديقي إلى صوفي يكذّب مشايخنا، ويتهمهم بالكذب والخديعة والوقيعة بين أفراد الأمة بالزور والبهتان وأننا -أدعياء السلفية- ليس لنا سند في العلم الشرعي بمختلف فروعه من فقه وعقيدة وحديث وتفسير، بل زعم أن التزكية تتلقى بالسند كذلك وأننا لسنا لنا سند فيها ولا في غيرها، فهل صحيح أن العلم الشرعي لا يُتلقى إلا بالسند؟ وهل حدث هذا أصلاً في التاريخ العلمي للإسلام؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فنشكرك أخي على تواصلك معنا، وهذا دليل على بحثك ونشدانك للحق والصواب فيما يتعلق بأمر دينك.
أولاً: إن الطريق الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، ذو العقيدة الصافية والمنهج السليم، واتباع السنة والدليل.
وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا الثبات، فتأمل واسأل نفسك: لماذا ضل كثير من السابقين؟ أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والتصوف
والتشيع والاعتزال، وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون، وانظر كيف حرم أهل
الكلام الثبات عند الممات، فقال السلف: أكثر الناس شكًّا عند الموت أهل الكلام. لكن هل قرأت أو سمعت أن ظاهرة بدت من كبار أهل السنة والجماعة أنه رجع عن طريقه
سخطة بعد إذ فقهه وسلكه؟ نعم.. قد يحصل لأفراد، يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهة
عرضت لعقله الضعيف..
لقد سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع، وهداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة ساخطين على مذاهبهم الأولى، وهو ما لا نجده كظاهرة عند أهل السنة والجماعة، وفي الأخير فإن الثبات على المبادئ أغلى من الأرواح، والإصرار عليه لا يعرف التنازل "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً" [الأحزاب:23] .
ثانياً: أن السلف لا يتلقون أمور دينهم إلا عن مشكاة النبوة، لا عقل ولا ذوق ولا كشف، بل هذه إن صحت كانت معضدة لحجة الكتاب والسنة، فكيف بمن عارض بها
دلائل الكتاب والسنة، وأكثرها جهالات وخيالات فاسدة، وبهذا تفهم كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه النظر في صحيفة من التوراة [انظر: مسند أحمد (15156) ، والسنة لابن أبي عاصم (50) ] . وهو الكتاب المنزل من السماء وإن شابه التحريف فهو أفضل من كثير من الأقيسة العقلية، والخيالات الصوفية، وكذلك موسى عليه السلام لو قدر وجوده بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ما جاز لأحد متابعته، وترك ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل ما جاز له –أي موسى- ترك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تتلقى أمور الديانة أصولها وفروعها، عن عقل أو ذوق أو وجد أو نحو ذلك؟ فمنهج السلف يقوم على التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة، لا يردون منها شيئاً، ولا يعارضونها بشيء لا بعقل ولا ذوق ولا منام ولا غير ذلك، بل يقفون حيث تقف بهم النصوص، ولا يتجاوزونها إلى إعمال رأي أو قياس أو ذوق، ملتزمين قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم"[الحجرات:1] .
أما المخالفون لعقيدة أهل السنة والجماعة فمستندهم وسلسلتهم في تلقي العلوم الدينية هو الكشف والعيان لا النظر والبرهان، بل عندهم أن السالك لا بد وأن يفرغ قلبه عن جميع التعلقات الكونية، والقوانين العلمية، وقد ذكر بعض الصوفية أن علوم الصوفية فاضت على صدورهم فيضاً، ولم تحصل لهم بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، والنظر في المصنفات والبحث عن الأقاويل والأدلة، بل من لوازم طريقهم قطع الهمة عن الأهل والولد والعلم، فلا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا بالنظر في كتب الحديث وغيرها.
فالعلوم العقلية والشرعية من جملة الحجب والعوائق التي يجب على السالك التخلص منها وتجاوزها، إن هو أراد الوصول إلى حقيقة المعرفة.
بل تجدهم قد وصفوا ما عندهم بالمعرفة والقطع، وما عند غيرهم بالعلم والظن، فالعلم طريقه الخبر، أما المعرفة فطريقها الكشف والعيان، والعلم عندهم حجاب عن المعرفة وإن كان لا يوصل إليها إلا بالعلم، فالعلم لها كالصوان لما تحته فهو حجاب عنه ولا يوصل إليه إلا منه.
ثالثاً: أما هل هذا حصل في التاريخ الإسلامي؟ فنقول: نعم هناك من زعم أن الأولياء يسمعون كلام الله، أو أن الله كلمهم، ومنهم من زعم التصرف مع الله في الكون، ومنهم من ادعى العروج إلى السماوات وتبادل الحديث مع الله، ومنهم من زعم أن هناك من يتلقى علوماً خاصة بهم عن الله كابن سبعين وغيره، وأبي العباس المرسي، حيث قال: علوم هذه الطائفة -أي الصوفية- علوم تحقيق، وعلوم التحقيق لا تحملها عقول عموم الخلق، والفقيه من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه. ويقول أحمد بن مخلوف الشابي الصوفي: وعلم التجليات موقوف على الأذواق، فمن لا ذوق له لا علم له.
وإلى جانب زعم التلقي عن الله مباشرة هناك من يزعم أنه يتلقى عن الله مباشرة وباستمرار، ويتلقون التوجيهات ويصححون عنده الأحاديث، فهذا محمد الصبان يقول:
(وحرم بعض المحققين القياس على جميع أهل الله؛ لكون رسول الله مشهوداً لهم، فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة، وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر هامش مشارق الأنوار لمحمد الصبان (ص:137) .
وأخيراً: فزعم الأولياء أنهم يلتقون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويتلقون منه علوماً، ويصححون عليه أحاديث ولهم سلسلة مباشرة إليه، هو مجرد ادعاء فقط لا أساس له من الصحة، وهذه الدعاية التي يروج لها المتصوفة يقصدون من ورائها هدم الشريعة الإسلامية، حيث إن دعوى التلقي عن رسول الله وتصحيح الأحاديث عليه قاعدة خطيرة جداً، لو سلمت بها لكفت لتدمير الأمة الإسلامية في العقيدة والعبادة والسلوك؛ وذلك لأنه أصبح سلساً جداً أن يأتي أي صوفي بحديث من عند نفسه، ويدعي أنه صححه على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن -والحمد لله-لم يعتنق هذه العقائد الباطلة إلا من انخرط تحت لواء الطرق الصوفية الذين زعموا أنهم يتلقون العلوم عن الله مباشرة، وادعوا بأن الكتب التي ألفوها إنما هي من الإلقاء الرباني عليهم، وليست تأليفاً من عند أنفسهم.. نعوذ بالله من الضلال والخذلان، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..
وأنصحك أخي المحب الفاضل أن تراجع كلام الشيخ سلمان العودة في كيفية دعوة أولئك القوم بعنوان (دعوة المتصوفة) ، ففيه نفائس ودرر لمن وفقه الله لسلوك الهدى، وبالله التوفيق.