الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضع العلامات على القبور
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/09/1425هـ
السؤال
فضيلة الشيخ أ. د. / سعود الفنيسان يوجد في إحدى مقابر مدينتنا ملاحظات نريد عرضها عليكم لأنه كثر الكلام وجزاكم الله خيرا
1-
المبالغة في وضع العلامات على القبور، بحيث إن البعض يأتي بقطع من الحجارة، ويفرشها على القبر والبطحاء، وقد تكون هذه متميزة بلونها، كالأسود، وبعضها غير متميز اللون، وبعضها من حجارة المرو الملونة.
2-
طلاء نصائب القبر بالبوية، أو أجزاء من القبر، ووضع نصائب من الحجارة مرتفعة، يصل ارتفاعها أحيانًا طول الذراع، وأطول وأقل، ويتميز بها القبر عن غيره من القبور.
3-
وضع علامات على القبر من القطع الأسمنتية، والبلاط، والرخام، والسيراميك، والأزفلت، والألمنيوم، والطوب، والبَلَكّ، ونحوه.
4-
لف قطع من الخرق والحبال والحديد، ونحوها على نصائب القبر.
5-
غرز قطع من الحديد، أو الخشب، أو الألمنيوم، ونحوها، بجوار نصائب القبر، وأحيانًا تكون مرتفعة واضحة الارتفاع.
6-
وضع العلب الفارغة من الحديد أو البلاستيك، وتعبئة بعضها بالأسمنت أو الجبس، وطلاء بعضها بالبوية، ووضعها علامة للقبر.
7-
نحت أو كتابة حرف واحد من اسم المتوفَّى، أو حرف من اسم قبيلته أو وسمها، أو وسم خاص به كعلامة أيضًا للقبر.
8-
تعدد العلامات، ووضع أربع أو أكثر أو أقل من العلامات على القبر.
9-
كثير من الناس يرون بدعية هذه العلامات وتبديع من يضعها، ويطالبون ذوي الاختصاص بتغييرها، وإذا لم يستجيبوا لهم قاموا بوصفهم بالمبتدعة، وأنهم يسكتون عن إنكار البدع ويرضون بانتشارها، فما توجيهكم ونصيحتكم لمثل هؤلاء؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ثبت في سنن أبي داود (3206) من حديث المطلب قال: لما مات عثمانُ بنُ مَظْعُونٍ، وأُخْرِج بِجِنازَتِه، فدُفِن، أمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يَأتِيَهُ بِحَجَرٍ، فلَمْ يَستطِعْ حَمْلَه، فقام إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحَسَرَ عن ذراعيه، ثم حمَلَها فوضَعها عندَ رأسِه، وقال:"أَتَعَلَّمُ بِهَا قبرَ أَخِي وأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِن أَهْلِي".
وثبت في صحيح مسلم (970) ، وجامع الترمذي (1052) ، وسنن النسائي (2026) ، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وأنْ تُوطَأَ.
ففي الحديث الأول مشروعية وضع العلامة على القبر ليعرف بها، ويتميز عن غيره، وفيه تحديد موضع العلامة من القبر (عند رأسه) ، وكون الحجر كبيرًا لم يستطع الرجل حمله حتى حمله الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين، دليل على كبر حجم العلامة على القبر، والحجم يشمل الطول والعرض والارتفاع، وكون العلامة على القبر حجارة- كما في الحديث- لا يعني أنه لا يجوز أن تكون من غيرها؛ ذلك لأنها جاءت وصفًا لبيان الحال والواقع، والقيد أو الوصف إذا جاء لبيان الحال في الواقع فلا مفهوم له عند علماء الأصول، وعليه يجوز أن تكون العلامة على القبر لبنة من طين، أو عود قصب أو خشب، أو طوبة، أو حديدة، أو كسرة رخام أو بلاط، ونحو ذلك، وقد نص الفقهاء، كما في حاشية الشيخ ابن قاسم على الروض المربع:"ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشب، ونحوهما". واستدلوا بحديث عثمان بن مظعون، رضي الله عنه، هذا، أما قول جمهور الفقهاء:"ولا يُدخِلُ القبرَ آجُرًّا ولا خشبًا، ولا شيئًا مسته النار". فيراد به ما يوضع في اللحد داخل القبر، ولا دخل لهذا القول في علامة القبر التي توضع فوقه، وهذا القول من الفقهاء تفاؤل بألَّا تمسه النار، مع أن السلف مختلفون فيما يوضع داخل القبر، فقد روى أحمد (17780) ، عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه أنه قال: لا تجعلن في قبري خشبة ولا حجرًا.
أوصى الصحابي عمرو بن شُرَحْبِيلَ، رضي الله عنه: أن اطْرَحُوا عَلَى قَبْرِي طُنًّا من قَصَبٍ؛ فقد رأيتُ المهاجرين يَسْتَحِبُّونَه على ما سِواهُ. والطن يعني الحزمة، والحسن البصري لا يرى بأسًا بالقصب والسَّاجِ في اللحد، والساجُ نوع من الخشب، وبوب البخاري في صحيحه:(باب الإذخر والحشيش في القبر) . وساق فيه الحديث الصحيح عن ابن عباس، رضي الله عنهما (1349) عندما قال العباس، رضي الله عنه: إلا الإِذْخِرَ لصاغَتِنا وقبورِنا.
أما النهي عن الكتابة في حديث جابر، رضي الله عنه السابق ذكره، فليست عند مسلم ولا النسائي؛ وإنما هذه الزيادة عند الترمذي، وإسناده بهذه الزيادة ضعيف؛ لضعف أحد رواته، وهو موسى بن سليمان، قال فيه البخاري: متروك. وضعفه النسائي، وابن عدي، وأيضًا في الإسناد انقطاع، فإن موسى بن سليمان لم يدرك جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، وعلى فرض صحته فيُحمَل النهي عن الكتابة على القبر، إذا ما أوصى الرجل إذا مات أن يكتب على قبره، كما حمل حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، في الصحيحين:"إنَّ الميتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". صحيح البخاري (1286) ، وصحيح مسلم (928) . على ما إذا أوصى بذلك، أو تحمل الزيادة عند الترمذي على ما إذا كُتب على القبر اسم صاحبه أو دعاء له، أو شيء من سيرته وأفعاله في حياته، وتزداد الحرمة، ويشتد النهي إذا كان الميت ذا شأن يشار إليه في أمر الدين أو الدنيا، ولا يدخل في الكتابة الممنوعة شرعًا ما يضعه الناس من (وسم) القبيلة على القبر؛ لأنه مجرد علامة تميز القبر عن غيره عند تشابه (النصائب) العلامات؛ ليزوره الزائر ويسلم عليه، وهذا الوصف لا يعرفه عادة إلا أهلهم بخلاف الكتابة بالحروف الهجائية فيعرفها كل من يقرأ من الناس.
ووضع الجريدة على القبر عند الدفن ثابت في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما المتفق عليه: "
…
لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" صحيح البخاري (179) ، وصحيح مسلم (292) . واختلف العلماء قديمًا وحديثًا، هل وضع الجريدة على القبر قضية عين خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم أم هي عامة لكل أحد؟ فالإمام البخاري يرى عدم الخصوصية، فذكر في صحيحه: (باب الجريدة على القبر) ، ثم قال: وأوصى الصحابي بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ، رضي الله عنه، أن يُجعَلَ على قبره جريدتان. وقال ابن بطال في شرحه للبخاري: "وخُصت جريدتا النخل لأنهما أطول الثمار بقاء، فتطول مدة التخفيف عنهما، وهي شجرة شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمن- انظر صحيح البخاري (61) ، وصحيح مسلم (2811) . وقيل إنها خلقت من فضلة طينة آدم، وإنما أوصى بريدة الأسلمي، رضي الله عنه، بالجريدتين تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتبركًا بفعله ورجاء أن يخفف عنه.
وقال الحافظ بن حجر في الفتح: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب الميت أم لا؟ ألا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا؟ ألا ندعو له بالرحمة.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات: في غرس الجريدتين نصفين على القبرين أن الشجر والنبات يسبح ما دام أخضر، فإذا يبس انقطع تسبيحه، والتسبيح والعبادة عند القبر مما يوجب تخفيف العذاب.
أما الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله فهو يخالف من سبقه ممن ذكرنا، فيرى خصوصيتها بالرسول صلى الله عليه وسلم، لا تتعداه إلى غيره، وهكذا جرى اختلاف العلماء في وضع الجريدة علامة على القبر، أو طلبًا لتخفيف العذاب عن صاحبه، فالأمر فيه سعة، والحمد لله؛ لأنها من مسائل الاجتهاد، ولو لم تكن من مسائل الاجتهاد لم يقع فيها الخلاف، ثم إن مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، قال سفيان الثوري: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد؛ فإن هذا من فعل أهل الجهل والأهواء. ويقول ابن القيم: إذا لم يكن في المسألة سنة، ولا إجماع ثابت، وللاجتهاد فيه معاني لم ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
وخلاصة الجواب: أن وضع العلامات على القبور، وتنوعها وتعددها- كما ذكر في السؤال- أمر جائز ليتميز بها القبر، ويعرف فيزار، ويسلم عليه، والقول بالتبديع في وضع العلامات على القبور هو عين البدعة، بل هي أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلها بها اعتقادًا مخالفًا للشرع.