الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعليق الطلاق بقصد الحث أو المنع
!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/03/1427هـ
السؤال
أرهقتني زوجتي كثيراً بطلب الطلاق في كل صغيرة وكبيرة، وما زالت تكثر علي من طلب الطلاق والتهديد به -أو طلب الخلع- حتى ضاقت علي الأرض بما رحبت. علمًا أنها لا تريد الطلاق حقيقةً، وإنما تريد به الضغط علي للحصول على بعض الأمور. المهم أنه وقعت بيني وبينها مؤخراً مشاحنة انتهت بطردها لي من المنزل، ونحن في بلاد الغرب حيث تُنْصَر المرأة على زوجها في كل حال، الشاهد أنها طردتني من المنزل، واضطررت إلى أن أستأجر غرفةً في منزل آخر؛ حتى أنظر كيف سينتهي هذا الأمر، بقيت في هذا المكان مدة من الزمن تعبت فيها جداً من كثرة الهموم والفتنة، فأردت أن ينتهي هذا الأمر بسرعة قبل أن أقع في ما حرم الله، فإما أن أعود لبيتي ولزوجتي وأولادي، وإما أن أبحث عن زوجة أخرى أحصن بها نفسي عن الحرام.
فكتبت لزوجتي ورقة طلاق معلَّق، ذكرت فيه أني لم أعد أحتمل هذا الحال -وأني لن أصبر عليه طويلاً، فجعلت تاريخا محدداً هو نهاية صبري على هذا الحال، وأني سأطلق زوجتي طلاقاً معلقاً عند حلول هذا الموعد أو التاريخ، في حال أن الوضع استمر على ما هو عليه، فمرت الأيام وجاء الموعد المحدَّد، ولم تعتذر زوجتي عن شيء.
فأنا اعتبرت أن الطلاق قد وقع، وأن حياتي مع هذه المرأة قد انتهت، لأن هذه هي الطلقة الثالثة.
فهل هذا الطلاق واقع أم لا؟
الجواب
فقد ذكرت -حفظك الله تعالى- أنك علقت طلاق زوجتك بحلول وقت معين مع نيتك إمضاء الطلاق، وحل الوقت، ففي هذه الحالة يقع الطلاق وهو مذهب جماهير العلماء على تفصيل في ذلك، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ممن يفصلون في مسألة تعليق الطلاق، فقد أوقعوا الطلاق في مثل هذه الصورة، قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:"وأما إذا قصد إيقاع الطلاق على الوجه الشرعي مثل أن ينجز الطلاق فيطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه فهذا يقع به الطلاق باتفاق العلماء، وكذلك إذا علَّق الطلاق بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها مثل أن يكون مريداً للطلاق إذا فعلت أمراً من الأمور، فيقول لها: إن فعلته فأنت طالق. قصده أن يطلقها إذا فعلته، فهذا مطلق يقع به الطلاق عند السلف وجماهير الخلف، بخلاف من قصده أن ينهاها ويزجرها باليمين، ولو فعلتْ ذلك الذي يكرهه لم يجز أن يطلقها، بل هو مريد لها، وإن فعلته لكنه قصد اليمين لمنعها عن الفعل لا مريدًا أن يقع الطلاق وإن فعلته فهذا حلف لا يقع به الطلاق في أظهر قولي العلماء من السلف والخلف، بل يجزئه كفارة يمين". أ. هـ مجموع الفتاوى (33/70) ، الفتاوى الكبرى (2/111) .
وقال -رحمه الله تعالى-: "ومن علق الطلاق على شرط أو التزمه لا يقصد بذلك إلا الحض أو المنع فإنه يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث، وإن أراد الجزاء بتعليقه طلقت كره الشرط أو لا". الفتاوى الكبرى (5/575) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ذاكراً أقوال العلماء بتعليق الطلاق بأجل معين: "فصل: وأما تعليق الطلاق بوقت يجيء لا محالة -كرأس الشهر والسنة وآخر النهار ونحوه- فللفقهاء في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنها لا تطلق بحال، وهذا مذهب ابن حزم واختيار أبي عبد الرحمن الشافعي، وهو من أجل أصحاب الوجوه، وحجتهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق بالشرط كما لا يقبله النكاح والبيع والإجارة والإبراء، قالوا: والطلاق لا يقع في الحال ولا عند مجيء الوقت، أما في الحال فلأنه لم يوقعه منجزا وأما عند مجيء الوقت فلأنه لم يصدر منه طلاق حينئذ، ولم يتجدد سوى مجيء الزمان، ومجيء الزمان لا يكون طلاقاً.
وقابل هذا القول آخرون وقالوا: يقع الطلاق في الحال، وهذا مذهب مالك وجماعة من التابعين، وحجتهم أن قالوا: لو لم يقع في الحال لحصل منه استباحة وطء مؤقت، وذلك غير جائز في الشرع؛ لأن استباحة الوطء فيه لا تكون إلا مطلقاً غير مؤقت؛ ولهذا حرم نكاح المتعة لدخول الأجل فيه، وكذلك وطء المكاتبة، ألا ترى أنه لو عري من الأجل -بأن يقول إن جئتني بألف درهم فأنت حرة- لم يمنع ذلك الوطء.
قال الموقعون عند الأجل: لا يجوز أن يؤخذ حكم الدوام من حكم الابتداء، فإن الشريعة فرقت بينهما في مواضع كثيرة، فإن ابتداء عقد النكاح في الإحرام فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على المعتدة فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الأمة مع الطول وعدم خوف العنت فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الزانية فاسد عند أحمد ومن وافقه دون دوامه، ونظائر ذلك كثيرة جداً، قالوا: والمعنى الذي حرم لأجله نكاح المتعة كون العقد مؤقتاً من أصله، وهذا العقد مطلق، وإنما عرض له ما يبطله ويقطعه فلا يبطل كما لو علق الطلاق بشرط وهو يعلم أنها تفعله أو يفعله هو ولابد ولكن يجوز تخلفه.
والقول الثالث: أنه إن كان الطلاق المعلق بمجيء الوقت المعلوم ثلاثا وقع في الحال، وإن كان رجعياً لم يقع قبل مجيئه، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد نص عليه في رواية مهنا، إذا قال: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر، هي طالق الساعة، كان سعيد بن المسيب والزهري لا يوقتون في الطلاق، قال مهنا: فقلت له: أفتتزوج هذه التي قال لها: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر؟ قال: لا ولكن يمسك عن الوطء أبدا حتى يموت. هذا لفظه وهو في غاية الإشكال، فإنه قد أوقع عليها الطلاق منجزا فكيف يمنعها من التزويج، وقوله: يمسك عن الوطء أبدا يدل على أنها زوجته إلا أنه لا يطؤها، وهذا لا يكون مع وقوع الطلاق، فإن الطلاق إذا وقع زالت أحكام الزوجية كلها، فقد يقال: أخذ الاحتياط فأوقع الطلاق ومنعها من التزويج للخلاف في ذلك فحرم وطأها وهو أثر الطلاق، ومنعها من التزويج لأن النكاح لم ينقطع بإجماع ولا نص، ووجه هذا أنه إذا كان الطلاق ثلاثاً لم يحل وطؤها بعد الأجل فيصير حال الوطء مؤقتاً، وإن كان رجعياً جاز له وطؤها بعد الأجل فلا يصير الحال مؤقتاً وهذا أفقه من القول الأول.
والقول الرابع: أنها لا تطلق إلا عند مجيء الأجل وهو قول الجمهور، وإنما تنازعوا هل هو مطلق في الحال، ومجيء رأس الشهر شرط لنفوذ الطلاق، كما لو وكله في الحال، وقال: لا تتصرف إلى رأس شهر، فمجيء رأس الشهر شرط لنفوذ تصرفه لا لحصول الوكالة. بخلاف ما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك؛ ولهذا يفرق الشافعي بينهما، فيصحح الأولى ويبطل الثانية، أو يقال: ليس مطلقاً في الحال وإنما هو مطلق عند مجيء الأجل فيقدر حينئذ أنه قال: أنت طالق. فيكون حصول الشرط وتقدير حصول أنت طالق معا، فعلى التقدير الأول السبب تقدم وتأخر شرط تأثيره، وعلى التقدير الثاني نفس السبب تأخر تقديرا إلى مجيء الوقت، وكأنه قال: إذا جاء رأس الشهر فحينئذ أنا قائل لك: أنت طالق، فإذا جاء رأس الشهر قدر قائلاً لذلك اللفظ المتقدم، فمذهب الحنفية أن الشرط يمتنع به وجود العلة، فإذا وجد الشرط وجدت العلة، فيصير وجودها مضافاً إلى الشرط، وقبل تحققه لم يكن المعلق عليه علة بخلاف الوجوب فإنه ثابت قبل مجيء الشرط، فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فالعلة للوقوع التلفظ بالطلاق، والشرط الدخول وتأثيره في امتناع وجود العلة قبله فإذا وجد وجدت، وأصحاب الشافعي يقولون: أثر الشرط في تراخي الحكم، والعلة قد وجدت، وإنما تراخي تأثيرها إلى وقت مجيء الشرط، فالمتقدم علة قد تأخر تأثيرها إلى مجيء الشرط" ا. هـ إغاثة اللهفان (1/172) . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.