الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تورَّط في تورق مُحرَّم
!
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
أخذت في العام الماضي تمويلًا إسلاميًا من أحد البنوك، وقمت بالمتاجرة به في الأسهم النقية، إلا أنني لم أوفق في هذه المتاجرة، وتحملت بعض الخسائر.
السؤال الأول عن التمويل: وهو أني ذهبت إليهم على الفتوى الصادرة من الهيئة الشرعية التي تجيز هذا التعامل، وهو أن البنك يملك بعض السلع والمعادن ويقوم ببيعها على العميل، وبعد تملك العميل لها يكون للعميل حرية الخيار، إما ببيعها على أية شركة خارجية، أو توكيل البنك ببيعها بالنيابة عنه. وقد قرأت هذا التعامل قبل الذهاب إليهم وتمعنت فيه واقتنعت فيه وفي الفتوى الصادرة بإجازته، إلا أن أحد الإخوة نهاني عنه بحجة أن جميع العقود التي يقوم بها البنك في هذا التعامل هي عقود صورية أي (على ورق فقط) ، وقد كان هذا قبل الذهاب إليهم. وبعد الذهاب وجدت ما أبلغني به صاحبي، فكل العقود من شراء وتوكيل بالبيع كانت على ورق ولم تستغرق عدة دقائق، ولم أبلغ بالتفاصيل بُلغت فقط بالأسعار، وبعد أيام أبلغت عن طريق الهاتف أنه تم البيع وأودع المبلغ في حسابي، وبذلك تم التمويل من البنك.
فهل هذا التمويل صحيح؟ وإن لم يكن صحيحًا فما الواجب علي فعله وقد مر عليه سنة؟
السؤال الثاني عن الزكاة: وهو أن المتبقي معي من هذا المبلغ حال عليه الحول، وهو في الأساس دين علي، وأنا أقوم بسداده عن طريق التقسيط الشهري، أي أن هذا الدين مقدور على سداده مع الوقت -إن شاء الله- فهل تجب فيه الزكاة، وإذا كانت تجب فهل يجوز أن أعطيها إلى والديَّ حيث إنهما ممن يستحقونها؟
السؤال الأخير: أحياناً تقابلني بعض المشكلات، على سبيل المثال الخسائر في الأسهم، أو أي قدر قدَّره الله علي، فإني أنسب هذا الشيء إلى أن الله عاقبني على ذنب قد أكون أعلمه أو لا أعلمه بهذه الخسارة، فهل علي ذنب في هذا التفكير؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1.
التمويل الذي حصلت عليه يسمى (التورق المصرفي) ، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمنعه؛ لأنه حيلة على الربا. وفوق ذلك ما ذكرت من أن العقود صورية، فتكون المعاملة ظلمات بعضها فوق بعض. فالواجب تجنب هذه التعاملات والحذر منها.
وأما ما مضى منها فالله تعالى يقول: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله"[البقرة:275] . وهذا يقتضي العفو عما مضى، بشرط عدم الوقوع فيها مستقبلاً. فإن تكرر ذلك حوسب المرء على الأول والآخر، نسأل الله السلامة.
2.
إذا أمكنك التعجيل بالسداد مقابل إسقاط ما يمكن من الزيادة فهو أولى؛ لأن الزيادة ربا، فمهما أمكن إسقاطها وجبت المبادرة لذلك. إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة مثل الزواج ولا يوجد بديل، أو كنت تعلم أن البنك لن يسقط الزيادة على المبلغ المتبقي، فالمبلغ الباقي في هذه الحالة عفو -إن شاء الله- ولا بأس من الانتفاع به.
3.
زكاة المبلغ المتبقي حكمها حكم زكاة المال. فينبغي حساب الأقساط التي تحل خلال العام، ثم طرح مقدارها من المبلغ، ثم إخراج زكاة الباقي.
4.
جماهير العلماء على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للوالدين لأن النفقة واجبة على الولد في هذه الحالة. لكن إذا كانت النفقة لا تسد حاجة الوالدين، فلا بأس -إن شاء الله- من إعطائهم الزكاة، بالإضافة للنفقة وليس بديلاً عنها.
5.
المصائب التي تصيب الإنسان هي من نفسه، ومن تسلط الشيطان عليه، كما قال تعالى:"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"[النساء:79] . والشيطان لا يحب للإنسان التوفيق ولا السعادة، وأفرح ما يكون إذا رآه ساخطاً نكداً مغموماً. قال تعالى:"إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا"[المجادلة:10]، وقال تعالى:"إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه"[آل عمران:175] . فالحزن والهم والغم والخوف كلها من ضعف النفس ومن الشيطان بالدرجة الأولى. فيجب على المسلم ألا يستسلم للهموم والأحزان، بل يستحضر دائماً أن الشيطان هو المستفيد الأول من ذلك، وأن الله تعالى هو مصدر كل خير وسعادة وتوفيق، كما قال عليه الصلاة والسلام:"والخير كله في يديك" صحيح مسلم (771) . والله تعالى لا يحب أن يعذبنا ولا يفرح بذلك، بل هو سبحانه يفرح بتوبة العبد وإنابته ورجوعه إليه، ويكره أن يتأذى عبده المؤمن، كما قال تعالى في الحديث القدسي:"وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته". صحيح البخاري (6502) . فرب العالمين لا يحب أن يصاب عبده المؤمن بمكروه، وهذا يعني أن ما يصيبنا هو من أنفسنا ومن تسلط الشيطان علينا.
فالواجب اللجوء دائماً إلى الله تعالى والاستعانة به والتوكل عليه، ثم بعد ذلك إن تحقق المطلوب فمن فضل الله، وإلا فمن نقص الإنسان، فيستغفر العبد ولا ييأس من رحمة الله أبداً، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون. والحمد لله رب العالمين.