الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذ الفوائد البنكية بدعوى الحاجة
!
المجيب عبد الله بن علي الريمي
ماجستير كلية الشريعة من جامعة الإمام
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1427هـ
السؤال
كان لدي مبلغ من المال بأحد البنوك، وكنت أسحب من هذا المبلغ حسب احتياجي حتى نفد، ولم يبق إلا الأرباح، وأنا الآن في احتياج شديد للمال لقضاء احتياجاتي الأساسية والضرورية، فهل يجوز لي الأخذ من هذه الأرباح؟
وفى حالة عدم الجواز، هل يجوز أن آخذ مبلغا على سبيل الاقتراض، حتى يأتي الله بالفرج، ثم أرده بعد ذلك؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال يحسن التنبيه لما يلي:
أولاً: حكم الإيداع في البنوك الربوية: إنما أجازه العلماء لما رأوا من شدة الحرج في ترك التعامل مع البنوك في هذا الزمن وأهمية التعاملات المصرفية في حفظ المال وتيسير الأمور مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- أن لا يوجد بنك إسلامي يقوم مقام البنك الربوي.
ب- أن يضطر الإنسان للإيداع في البنك الربوي لضغط أنظمة العمل أو غيره.
ج- أن لا يشترط فوائد من البنك على المال المودع، فإن كانت الفوائد حادثة ولابد،
فعليه أن يتبرع بها لأعمال خيرية، ولا يدعها للبنك ليستفيد منها ويحدث تدوير للأرباح.
ثانياً: قال تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"[الطلاق:2-3] . فقد بيّن فيها أن المتقي يدفع الله عنه المضرة بما يجعله له من المخرج، ويجلب له من المنفعة بما ييسره له من الرزق، والرزق اسم لكل ما يغتذي به الإنسان; وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة. وقد قال بعضهم: ما افتقر تقي قط! قالوا: ولم؟ قال: لأن الله يقول: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وقول القائل: قد نرى من يتقي وهو محروم، ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق! فجوابه: أن الآية اقتضت أن المتقي يرزق من حيث لا يحتسب ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق; بل لا بد لكل مخلوق من الرزق قال الله تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"[هود:6] . حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة، ويرزقون رزقا حسنا، وقد لا يرزقون إلا بتكلف، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة، ولا يكون خبيثا، والتقي لا يُحْرَمُ ما يحتاج إليه من الرزق وإنما قد يحمى من فضول الدنيا -رحمة به وإحسانا إليه-؛ فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه، وتقديره يكون رحمة لصاحبه. قال تعالى:"فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا"[الفجر:15-17] . أي: ليس الأمر كذلك، فليس كل من وسع عليه رزقه يكون مكرما، ولا كل من قدر عليه رزقه يكون مهانا; بل قد يوسع عليه رزقه إملاء واستدراجا، وقد يقدر عليه رزقه حماية وصيانة له، وضيق الرزق على عبد من أهل الدين قد يكون لما له من ذنوب وخطايا، كما قال بعض السلف: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". وقد أخبر الله تعالى أن الحسنات يذهبن السيئات، والاستغفار سبب للرزق والنعمة، وأن المعاصي سبب للمصائب والشدة، فقال تعالى:"الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" إلى قوله: "ويؤت كل ذي فضل فضله"[هو:1-3] . وقال تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" إلى قوله: "ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا"[نوح:10-12] . وقال تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه"[الجن:16-17] . وقال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"[الأعراف:96] . وقال تعالى: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"[المائدة:66] . وقال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"[الشورى:30] . وقال تعالى: "ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور"[هود:9] . وقال تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"[النساء:79] . وقال تعالى: "فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون"[الأنعام:42-43] . وقد أخبر الله تعالى في كتابه
أنه يبتلي عباده بالحسنات والسيئات; فالحسنات، هي: النعم، والسيئات، هي: المصائب; ليكون العبد صبارا شكورا. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ينظر مجموع الفتاوى (16/52) .
أما جواب السؤال: فالربا محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع، وهو من الكبائر، ومن السبع الموبقات، ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب سوى آكل الربا، ومن استحله فقد كفر -لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة- فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل، أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحلا له فهو فاسق.
قال الماوردي وغيره: إن الربا لم يحل في شريعة قط لقوله تعالى: "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه"[النساء:161] . يعني في الكتب السابقة.
ودليل التحريم من الكتاب، قول الله تبارك وتعالى:"وأحل الله البيع وحرم الربا"[البقرة:275] . وقوله عز وجل: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
…
" [البقرة:275] .
ودليل التحريم من السنة، أحاديث كثيرة منها: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" صحيح البخاري (2767) ، ومسلم (89) .
وما رواه مسلم (1598) عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: "هم سواء". وأجمعت الأمة على أصل تحريم الربا. فلا يجوز أخذ الفوائد الربوية ولا الاقتراض بفوائد ربوية لأن هذا المال لا خير فيه ولا نفع، بل يزيد المرء ضررا وفقرا، قال السرخسي: ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسا من العقوبات:
إحداها: التخبط. قال الله تعالى: "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".
الثانية: المحق. قال تعالى: "يمحق الله الربا"[البقرة:276] . والمراد الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به، ولا ولده بعده.
الثالثة: الحرب. قال الله تعالى: "فأذنوا بحرب من الله ورسوله"[البقرة:279] .
الرابعة: الكفر. قال الله تعالى: "وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين"[البقرة:278] . وقال سبحانه بعد ذكر الربا: "والله لا يحب كل كفار أثيم"[البقرة:276] . أي: كفار باستحلال الربا، أثيم فاجر بأكل الربا.
الخامسة: الخلود في النار. قال تعالى: "ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"[البقرة:275] .
ويجب على الانسان الصبر على ضيق الرزق حتى يجعل الله له مخرجا، فقد كان رسول لله صلى الله عليه وسلم يمضي عليه الشهران والثلاثة، لا يوقد في بيته نار، ولا يأكلون إلا التمر والماء، وأحيانا يربط على بطنه الحجر من الجوع صحيح البخاري (2567) ، وصحيح مسلم (2972) ، وجامع الترمذي (2371) . ولم يقترض بالربا، مع أن اليهود كانوا أصحاب مال ويتعاملون بالربا فلم يقترض منهم بالربا ولكنه صبر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه حتى وسع الله عليهم الرزق.
فاقرئي أختي السائلة قوله تعالى "أليس الله بكاف عبده"[الزمر:36] . واعلمي أن الله سيكفيك ما أهمك إن أطعت أوامره واجتنت نواهيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.