الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهاد الطلب وجهاد الدفع
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 26/5/1423
السؤال
أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالكف وعدم الرد على الكفار في أذاهم للمؤمنين في العهد المكي، وكان الجهاد -إن صحت التسمية له بالجهاد- أو العبادة المفروضة في هذا المقام هي عبادة الصبر لا الدفع، مع أن المسلم لو قاتل ودافع لنال الأجر العظيم، لكن للمصلحة العليا كان هذا الحكم.
السؤال: هل صحيح نسخ هذا الحكم أم لا؟ وما الظروف التي يشرع من خلالها للمسلم في هذا العصر -الذي لا يوجد فيه ركن يأوي إليه المسلم- من الأسباب المادية؟ وهل الأمر في تطبيق هذا الأمر خاضع للاجتهاد الفردي أم لابد من أن يكون جماعياً؟ وما الشروط التي يجب توافرها حتى نلزم المؤمن في هذا العصر بالصبر؟ ما العلامات التي يعرف بها انقضاء هذا الحكم أو بموجبها يحكم بأن الدفع هو الأمثل؟ وهل بحكم تأثر العالم كله -ومنه المسلمون- بما يحدث في أي قطر إسلامي يكون هذا الحكم عاماً أم أنه يختلف باختلاف البلدان والأزمان والقضايا؟ وإن كان بالإمكان ذكر أوجه الشبه بين العهد المكي، وهذا العصر، وذكر أوجه الاختلاف.
وجزاكم الله خيراً
الجواب
حكم الجهاد بنوعيه: جهاد الطلب وجهاد الدفع باقٍ لم ينسخ، وإنما هو حسب حال الأمة من القوة والضعف، فإذا كانت الأمة قوية في عددها وعُددها فهي مطالبة بالأخذ بنصوص القتل والقتال وغزو المشركين والقعود لهم في كل مرصد؛ ليؤمنوا بالله أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإن كانت الأمة ضعيفة مستضعفة كحال المسلمين اليوم فالواجب الأخذ بآيات الصبر والمصابرة وعدم محارشة الكفار وإثارة حميتهم، قال -تعالى-:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم"[الأنعام:108] ، وفي هذا العصر الذي لا يكاد يوجد فيه للمسلم ركن يركن إليه فعليه اللجوء إلى الله وأداء شعائر دينه، والصبر على الأذى فيه، لا سيما إذا كان فرداً وخصمه جماعة، أو دولة، أو قوبل رأيه بفتوى شرعية مستندة إلى الكتاب والسنة وجب عليه قبولها.
وتقدير جهاد الدفع وتحديده وإعلانه يخضع للاجتهاد الجماعي من أهل العلم الشرعي -في كل بلد بحسبه- إلا إذا اعتدي على المرء بنفسه أو ماله أو عرضه جاز له أن يدفع ذلك عنه ما استطاع، والأفضل أن يستشير قبل ذلك من هو أعلم منه وأكثر خبرة وتجربة.
وليس هناك علامات ينتفي بها جهاد الدفع بل هو باقٍ إلى يوم القيامة ما دامت الأمة ضعيفة مستضعفة، واختيار أي نوع من نوعي الجهاد يخضع لتقرير أهل العلم والفكر والشوكة في كل بلد من بلاد المسلمين وكل أهل بلد أدرى بشؤونهم من غيرهم.
ومن أوجه الشبه بين المسلمين اليوم والمسلمين في العهد المكي: الضعف وقلة العدد والعُدد، وتكالب الأعداء على المسلمين من اليهود وأذنابهم، والمشركين وإخوانهم والمنافقين وأتباعهم، ومن أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي -العهد المكي خاصة-: وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهراني المسلمين في مكة، ينزل عليه الوحي ويصحح لهم أخطاءهم ويسدد آراءهم، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن يتلونها حتى يعملوا بها، أما نحن اليوم فقد يحفظ الواحد منا القرآن كاملاً أو يختمه أكثر من مرة، ولكنه لا يكاد يعرف شيئاً من حلاله وحرامه، وكانوا عرباً خلصاً على صفات حميدة من الصدق والشجاعة والكرم والشهامة والرجولة، أما نحن فعلى خلاف ذلك -إلا ما شاء الله-.