الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل في دماء وأموال الكفار
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ 6/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ.. سؤالي هو: عن الأصل في الكفار دمائهم وأموالهم هل هو الحل أم الحرمة؟ أرجو بيان ذلك بالأدلة الشرعية.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جعل الله سبحانه وتعالى لدماء الناس وأموالهم حرمة ومكانة عظيمة، وجعل لهذه الحرمة والمكانة أسباباً، أهمها وأولاها: الإسلام فإذا أسلم الإنسان حرم دمه وماله، إلا إذا اقترف ما يبيح دمه أو ماله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما البخاري كتاب: الإيمان، رقم الحديث (25)، ومسلم كتاب: الإيمان رقم الحديث (22) واللفظ لمسلم.
هذا حكم دماء المسلمين وأموالهم، أما بالنسبة لأحكام دماء الكافرين وأموالهم فقد بينتها الأدلة الشرعية وتحدث عنها العلماء بالتفصيل، حيث قسم العلماء الكفار من حيث علاقتهم بالمسلمين إلى أربعة أقسام، ويختلف حكم دمائهم وأموالهم باختلاف هذه الأقسام، وفيما يأتي أذكر هذه الأقسام مقرونة بأحكامها:
القسم الأول: كفار حربيون أو أهل الحرب، وهم الكفار الذين هم في حال حرب مع المسلمين فلم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين، ولا عهدهم، وهذا القسم حلال الدم والمال، فيجوز ويشرع للمسلم قتل الكافر المحارب وأخذ ماله، وقد دلت السنة النبوية على هذا الحكم، كما في الحديث السابق، ويشهد لهذا الحكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته مع المشركين.
القسم الثاني: كفار ذميون أو أهل الذمة، وهم الكفار من اليهود والنصارى الذين أُقروا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم، وهذا القسم معصوم الدم والمال، فلا يجوز لأحد من المسلمين الاعتداء عليهم، لأنهم في ذمة المسلمين وحمايتهم، حيث يقوم المسلمون بحمايتهم مقابل ما يأخذونه منهم من جزية.
القسم الثالث: كفار معاهدون أو أهل عهد، وهم: الكفار الذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام، والمعاهد مأخوذ من العهد، وهو: الصلح المؤقت، ولا يجوز أن يكون الصلح إلى الأبد، لأن في هذا تعطيلاً لأصل الجهاد، وإنما نعاهدهم إذا كنا ضعفاء، وهذا القسم معصوم الدم والمال في وقت العهد والصلح، فما دام الصلح قائماً فإنه يحرم على المسلمين الاعتداء عليهم؛ لأن في ذلك نقضاً للعهد والمواثيق، وذلك محرم لقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"[المائدة:1] ، وإذا انتهى الصلح فإن حكمهم حينئذ يكون حكم المحاربين، فتحل دماؤهم وأموالهم.
القسم الرابع: كفار مستأمنون أو أهل الأمان، وهم الكفار الذين يدخلون في دار الإسلام بأمان كرجال الأعمال والتجار وأصحاب الصناعة والمهن التي يحتاج إليها المسلمون، وهذا القسم من الكفار معصوم الدم والمال ما داموا ملتزمين بالشروط المبرمة بينهم وبين المسلمين؛ لأن مقتضى الأمان حفظ دمائهم وأموالهم ولو جاز للمسلمين الاعتداء على دمائهم وأموالهم لانتفى عقد الأمان بينهم وبين المسلمين، وهذا الحكم ينطبق على المسلم الذي دخل إلى بلاد الكفار، فلا يجوز له الاعتداء على دمائهم وأموالهم.
ومن خلال هذا العرض يتبين أن الكفار عموماً على قسمين:
القسم الأول: أهل حرب، تحل دماؤهم وأموالهم.
القسم الثاني: أهل عهد، ويشمل: الكفار الذميين، والمعاهدين، والمستأمنين تحرم دماؤهم وأموالهم؛ لأنهم أهل عهد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، كتاب: الجزية والموادعة رقم الحديث (3166) ، هذا هو حكم دماء الكفار وأموالهم من حيث الأصل، أما إذا اقترف أحدهم جناية أو حداً من حدود الله فإن الحكم يختلف باختلاف الجناية أو الحد الذي اقترفه، ولذلك تفصيل يطول المقام بذكره، ومن أراد الاطلاع عليه فليراجع ما كتبه الفقهاء في كتاب الجهاد والحدود.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.