الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحة حديث من فطّر صائماً كان له مثل أجره
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصيام/مسائل متفرقة
التاريخ 12/9/1422
السؤال
ما صحة حديث:" من فطر صائماً كان له مثل أجره".
الجواب
هذا الحديث خرّجه الإمام أبو عيسى الترمذي وغيره ـ كما سيأتي ـ فقال في كتاب الصوم (3/171) باب ما جاء في فضل من فطَّر صائماً ح (807) :
حدثنا هناد، حدثنا عبد الرحيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " من فطَّر صائماً، كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
عطاء بن أبي رباح "ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال"، (التقريب391) .
تخريجه:
*أخرجه النسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3331) ،و (ابن ماجة 1/555) باب في ثواب من فطر صائماً ح (1746) ،وفي (2/922) باب من جهز غازياً ح (2759) ، و (أحمد 4/114،116) ،وفي (5/152) ،و (الدارمي 1/432) ح (1654) ، و (ابن خزيمة 3/277) ح (2064) ،و (ابن حبان 8/216) ح (3429) ،من طرق عبد الملك بن أبي سليمان به بنحوه، وفي حديث بعضهم زيادة في آخره، وهي: " ومن جهز غازياً فله مثل أجره من غير
…
" واقتصر بعضهم على قوله: " ومن جهز غازياً"
…
الحديث.
*وأخرجه (الترمذي 4/145) باب ما جاء في فضل من جهز غازياً ح (1629) ،والنسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3330) ، و (ابن ماجة 1/555) باب في ثواب من فطر صائماً ح (1746) ،و (ابن خزيمة 3/277) ح (2064) ، من طرق عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى،
و (ابن ماجة 1/555) ح (1746) ، من طريق حجاج بن أرطاة،
والطبراني في (الكبير 5/257) ح (5275) من طريق سعيد بن حفص النفيلي عن معقل ابن عبيد الله، ثلاثتهم (ابن أبي ليلى، وحجاج، ومعقل) عن عطاء بن أبي رباح به بنحوه إلَاّ أن بعضهم اقتصر على فضل التجهيز، وفي حديث معقل زاد مع عطاء، عكرمة وهو ابن خالد المخزومي.
الحكم عليه:
إسناد الترمذي رجاله ثقات، وقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، إلا أن في الإسناد انقطاعاً، فإن عطاءً لم يسمع من زيد بن خالد كما نصَّ عليه ابن المديني في (العلل) له (66/ رقم 88) ،ولعلَّ هذا هو السبب في عدم إخراج الشيخين لحديث " من جهز غازياً " من طريق عطاء ابن أبي رباح، مع إخراجهما له من حديث زيد، لكن من غير طريق عطاء.
وأما الطريق التي فيها قرن عكرمة بن خالد المخزومي مع عطاء، فإنها من رواية سعيد بن حفص النفيلي، وهو صدوق تغير في آخر عمره، كما في (التقريب 234) ، ولم أقف على من تابعه ولا من تابع شيخه على هذا، وأيضاً هو منقطع بين عكرمة بن خالد وزيد بن خالد، فلم يصرح بالتحديث، ولم يذكر زيد بن خالد الجهني في شيوخ عكرمة، ولم يذكر عكرمة في تلاميذ زيد بن خالد كما في (تهذيب الكمال 10/64، 20/249) .
وعليه فلا يحكم لهذا السند بالاتصال والصحة، لعدم ثبوت السماع بين التلميذ وشيخه. والله أعلم.
هذا وقد جاء معنى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، ومنهم:
1-
سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من فطر صائماً في رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ".
أخرجه (ابن خزيمة 3/191، 192) ح (1887) ، والطبراني في (الكبير 6/261) ح (6161) ، واللفظ له، وابن حبان في (المجروحين 1/247) من طرق عن علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب، عن سلمان رضي الله عنه به، ولفظ ابن خزيمة:" من فطر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء
…
"، وهو عند ابن خزيمة مطول.
وقد سئل أبو حاتم عنه - (العلل) لابنه (1/249) - فقال: "هذا حديث منكر"،وقال ابن خزيمة:"إن صح الخبر"، وقال ابن حجر في (إتحاف المهرة 5/561) :"ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف".
وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين: تفرد علي بن زيد به، ومع تفرده فهو ضعيف، كما قال الحافظ ابن حجر.
2-
حديث عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجره شيء ".
أخرجه الطبراني في (الأوسط 8/255) ح (8438) من طريق الحكم بن عبد الله الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة به.
وفيه الحكم الأيلي، قال عنه أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وكذَّبه أبو حاتم والجوزجاني، نقل ذلك كله الذهبي في (الميزان 1/572) .
وقد روي موقوفاً عليها عند النسائي في (الكبرى 2/256) باب ثواب من فطر صائماً ح (3332) من طريق عطاء عنها بلفظ:
"من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً ".
لكن قال الإمام أحمد - فيما رواه الأثرم -: "ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلَاّ أن يقول: سمعت" وهنا لم يصرح بما يفيد السماع، وعليه ففي الإسناد علَّة، وهي: احتمال تدليس عطاء، والله أعلم.
3-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من حج عن ميت فللذي حج عنه مثل أجره، ومن فطر صائماً فله مثل أجره، ومن دلَّ على خير كان له مثل أجر فاعله ".
أخرجه الطبراني في (الأوسط 6/127) ح (5818) من طريق علي بن بهرام، عن عبد الملك بن أبي كريمة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلَاّ عبد الملك بن أبي كريمة، تفرد به علي بهرام".
وفيه عنعنة ابن جريج فإنه كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين - كما ذكر ذلك الدارقطني، كما في (تهذيب التهذيب 6/355) -، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في (التعريف) في المرتبة الثالثة (141) .
وفي الإسناد: علي بن يزيد بن بهرام، لم أظفر له بترجمة، وقد قال الهيثمي في (المجمع 3/282) :"فيه علي بن يزيد بن بهرام، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات".
4-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فطر صائماً فله مثل أجره ".
أخرجه الطبراني في (الكبير 11/187) ح (11449) من طريق الحسن بن رشيد عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وفي إسناده الحسن بن رشيد، قال الذهبي في (الميزان 1/490) :"فيه لين"، وقال أبو حاتم:"مجهول"، وبه ضعفه الهيثمي في (المجمع 3/157) .
وفي الباب آثار عن بعض الصحابة، منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه:"من فطَّر صائماً، أطعمه وسقاه، كان له مثل أجره".
أخرجه (عبد الرزاق 4/311) ح (7906) قال:" أخبرنا ابن جريج عن صالح مولى التوأمة قال: سمعت أبا هريرة فذكره".
وفي الإسناد عنعنة ابن جريج، وقد سبق الكلام فيها قبل قليل.
وقد روى عبد الرزاق نحواً من هذا (4/311) ح (7908) عن أبي هريرة - وفيه قصة - لكنه من رواية عمر بن راشد اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، وقد قال الإمامان أحمد، والبخاري: إن أحاديثه عن يحيى منكرة مضطربة، كما في (تهذيب الكمال 21/340) .
وبعد: فهذا ما وقفت عليه من أحاديث وآثار في معنى أو لفظ حديث الباب، وكلها لا تخلو من مقال، وبعضها شديد الضعف، وأحسنها حديث الباب، على ضعفٍ فيه، والله أعلم.
ومع هذا يقال:
إن هذا الحديث ـ وإن كان سنده منقطعاً ـ فضعفه ليس بالشديد، وكذا كثير من الأدلة التي سبق ذكرها، وأدلة الشريعة الأخرى تدل على صحة معناه، ففي صحيح الإمام (مسلم 3/1506) ح (1892) من طريق أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله ".
ولا ريب أن تفطير الصائمين من خصال الخير، لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، وعلى رأسها: زيادة التآلف بين المسلمين مع تباعد أقطارهم، وتنائي ديارهم، وهذا لعمر الله من مقاصد الشريعة العظيمة، والله -تعالى- أعلم.