المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تعريف الحديث الحسن] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[تعريف الحديث الحسن]

صَحَّتْ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ ذَكَرَ - كَمَا حَكَيْتُهُ فِي أَصْلِهِ - مِنْ فَوَائِدِ الْإِجَازَةِ التَّخَلُّصَ مِنَ الْحَرَجِ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ.

[الحديث الْحَسَنُ]

[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ.

50 -

وَالْحَسَنُ الْمَعْرُوفُ مَخْرَجًا وَقَدْ

اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ

51 -

حَمْدٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ مَا سَلِمْ

مِنَ الشُّذُوذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ

52 -

بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْدًا وَرَدْ

قُلْتُ وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انْفَرَدْ

53 -

وَقِيلَ مَا ضَعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلْ

فِيهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ

54 -

وَقَالَ بَانَ لِي فِيهِ بِإِمْعَانِي النَّظَرْ

أَنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ

55 -

قَسْمًا وَزَادَ كَوْنَهُ مَا عُلِّلَا

وَلَا بِنُكْرٍ أَوْ شُذُوذٍ شَمِلَا

56 -

وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَسْتَعْمِلُهْ

وَالْعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ

57 -

وَهْوَ بِأَقْسَامِ الصَّحِيحِ مُلْحَقُ

حُجِّيَّةً وَإِنْ يَكُنْ لَا يُلْحَقُ

58 -

فَإِنْ يُقَلْ يُحْتَجُّ بِالضَّعِيفِ

فَقُلْ إِذَا كَانَ مِنَ الْمَوْصُوفِ

59 -

رُوَاتُهُ بِسُوءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ

بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ

60 -

وَإِنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أَوْ شَذَّا

أَوْ قَوِيَ الضَّعْفُ فَلَمْ يُجْبَرْ ذَا

61 -

أَلَا تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا

أَوْ أَرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتَضَدَا

62 -

وَالْحَسَنُ الْمَشْهُورُ بِالْعَدَالَهْ

وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ إِذَا أَتَى لَهْ

63 -

طُرُقٌ أُخْرَى نَحْوُهَا مِنَ الطُّرُقْ

صَحَّحْتَهُ كَمَتْنِ " لَوْلَا أَنْ أَشُقْ

"

64 -

إِذْ تَابَعُوا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو

عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيحَ يَجْرِي.

[التَّعْرِيفُ بِالْحَسَنِ] وَقُدِّمَ لِاشْتِرَاكِهِ مَعَ الصَّحِيحِ فِي الْحُجِّيَّةِ، وَالْحَسَنُ لَمَّا

ص: 85

كَانَ بِالنَّظَرِ لِقِسْمَيْهِ الْآتِيَيْنِ تَتَجَاذَبُهُ الصِّحَّةُ وَالضَّعْفُ - اخْتَلَفَ تَعْبِيرُ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْرِيفِهِ، [بِحَيْثُ أَفْرَدَ فِيهِ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي شُيُوخِ شُيُوخِنَا رِسَالَةً]، فَقِيلَ: هُوَ (الْمَعْرُوفُ مَخْرَجًا) أَيِ: الْمَعْرُوفُ مَخْرَجُهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ شَامِيًّا عِرَاقِيًّا مَكِّيًّا كُوفِيًّا.

كَأَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ رِاوٍ قَدِ اشْتُهِرَ بِرِوَايَةِ حَدِيثِ أَهْلِ بَلَدِهِ، كَقَتَادَةَ وَنَحْوِهِ فِي الْبَصْرِيِّينَ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَصْرِيِّينَ إِذَا جَاءَ عَنْ قَتَادَةَ وَنَحْوِهِ، كَانَ مَخْرَجُهُ مَعْرُوفًا بِخِلَافِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الِاتِّصَالِ ; إِذِ الْمُرْسَلُ وَالْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ - لِعَدَمِ بُرُوزِ رِجَالِهَا - لَا يُعْلَمُ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ مِنْهَا، وَكَذَا الْمُدَلَّسُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ بَعْضُهُ، مَعَ إِيهَامِ الِاتِّصَالِ.

(وَقَدِ اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ) بِالْعَدَالَةِ، وَكَذَا الضَّبْطُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنِ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَلَّا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا، لَكِنْ (بِذَاكَ) أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاتِّصَالِ وَالشُّهْرَةِ (حَدَّ الْإِمَامُ) الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو سُلَيْمَانَ (حَمْدٌ) - بِدُونِ هَمْزَةٍ، وَقِيلَ: بِإِثْبَاتِهَا، وَلَا يَصِحُّ - ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَطَّابِ الْخَطَّابِيُّ الْبُسْتِيُّ الشَّافِعِيُّ، مُصَنِّفُ أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ، وَمَعَالِمِ السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، وَأَحَدُ شُيُوخِ الْحَاكِمِ، مَاتَ بِـ " بُسْتَ " فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ (388هـ) .

كَمَا عَرَّفَ الصَّحِيحَ بِأَنَّهُ مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ وَعَدُلَتْ نَقَلَتُهُ، غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِمَزِيدٍ، وَلِأَجْلِ تَعْرِيفِهِ لَهُ فِي مَعَالِمِهِ بِجَانِبِهِ، نَوَّعَ الْعِبَارَةَ، وَتَعَيَّنَ حَمْلُ الِاشْتِهَارِ فِيهِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَمَا قَرَّرْتُهُ.

وَتَقَوَّى بِهِ قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَكَأَنَّهُ - أَيِ: الْخَطَّابِيَّ - أَرَادَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَرْتَبَةَ الصَّحِيحِ قَالَ: (وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ كَبِيرُ تَلْخِيصٍ لِدُخُولِ الصَّحِيحِ فِي التَّعْرِيفِ ; لِأَنَّهُ أَيْضًا قَدْ عُرِفَ مَخْرَجُهُ، وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ) .

هَذَا مَعَ أَنَّ التَّاجَ التِّبْرِيزِيَّ أَلْزَمَ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ بِانْتِقَادِهِ إِدْخَالَ الصَّحِيحِ فِي

ص: 86

الْحَسَنِ، مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ عَنِ اسْتِشْكَالِ جَمْعِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالصِّحَّةِ - كَمَا سَيَأْتِي -: كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنٌ - التَّنَاقُضَ.

وَقَالَ: (إِنَّ دُخُولَ الْخَاصِّ، وَهُوَ هُنَا الصَّحِيحُ، فِي حَدِّ الْعَامِّ ضَرُورِيٌّ، وَالتَّقْيِيدُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ مُخِلٌّ لِلْحَدِّ) . وَقَالَ الشَّارِحُ: (إِنَّهُ مُتَّجِهٌ) . انْتَهَى.

وَبِهِ أَيْضًا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الْقُيُودُ كَانَ حَسَنًا، وَمَا كَانَ فِيهِ مَعَهَا قَيْدٌ آخَرُ يَصِيرُ صَحِيحًا، وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ مَا لَيْسَ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ، إِذَا وُجِدَتْ قُيُودُ الْأَوَّلِ، لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ الصَّحِيحِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ وَجْهٍ - كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ - فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ التِّبْرِيزِيُّ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الصَّحِيحِ أَخَصَّ مِنَ الْحَسَنِ مِنْ وَجْهٍ، أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ مُطْلَقًا، حَتَّى يَدْخُلَ الصَّحِيحُ فِي الْحَسَنِ. انْتَهَى.

وَبَيَانُ كَوْنِهِ وَجِيهًا فِيمَا يَظْهَرُ: أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إِذَا كَانَ الصَّحِيحُ لِغَيْرِهِ، وَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي الصَّحِيحِ لِذَاتِهِ، وَالْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُبَايَنَةِ الْجُزْئِيَّةِ.

ثُمَّ رَجَعَ شَيْخُنَا، فَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ ; لِأَنَّهُمَا قَسِيمَانِ فِي الْأَحْكَامِ، فَلَا يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَلْبَتَّةَ.

قُلْتُ: وَيَتَأَيَّدُ التَّبَايُنُ بِأَنَّهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الضَّبْطِ، فَحَقِيقَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ

ص: 87

الْأُخْرَى ; [لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُشَكَّكِ مِنَ اخْتِلَافِ أَفْرَادِهِ، وَأَنَّ مِنْ أَقْسَامِهِ كَوْنَ مَعْنَى الشَّيْءِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَشَدَّ مِنَ الْآخَرِ، وَتَمْثِيلُ ذَلِكَ بِبَيَاضِ الثَّلْجِ وَالْعَاجِ عَلَى مَا بُسِطَ فِي مَحَالِّهِ] .

وَهُوَ مِثْلُ مَنْ جَعَلَ الْمُبَاحَ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَأْذُونًا فِيهِ، وَغَفَلَ مَنْ فَصَلَ الْمُبَاحَ، وَهُوَ عَدَمُ الذَّمِّ لِتَارِكِهِ، فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ الْحَسَنَ مِنْ جِنْسِ الصَّحِيحِ لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْقَبُولِ - غَفَلَ عَنْ فَصْلِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قُصُورُ ضَبْطِ رَاوِيهِ.

عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا - مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي - الِاعْتِنَاءُ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ ; بِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَخَصُّ اسْتِطْرَادًا وَبَحْثًا، بِخِلَافِ مُنَاقَشَتِهِ مَعَ الْخَطَّابِيِّ، فَهِيَ فِي أَصْلِ الْبَابِ، وَمَا يَكُونُ فِي بَابِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلِ الْكَلَامَانِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ.

(وَقَالَ) الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ (التِّرْمِذِيُّ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمِيمِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهِمَا وَقِيلَ: بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ، كُلُّهَا مَعَ إِعْجَامِ الذَّالِ، نِسْبَةً لِمَدِينَةٍ قَدِيمَةٍ عَلَى طَرَفِ جَيْحُونَ نَهْرِ بَلْخَ، أَحَدُ تَلَامِذَةِ الْبُخَارِيِّ، الْآتِي ذِكْرُهُ فِي تَارِيخِ الرُّوَاةِ وَالْوَفَيَاتِ فِي الْعِلَلِ الَّتِي بِآخِرِ (جَامِعِهِ) مِمَّا حَاصِلُهُ: وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ، فَهُوَ عِنْدَنَا (مَا سَلِمَ مِنَ الشُّذُوذِ) يَعْنِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَاضِي فِي الصَّحِيحِ (مَعَ رَاوٍ) أَيْ: مَعَ أَنَّ رُوَاةَ سَنَدِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ.

(مَا اتُّهِمْ بِكَذِبٍ) فَيَشْمَلُ مَا كَانَ بَعْضُ رُوَاتِهِ سَيِّئَ الْحِفْظِ مِمَّنْ وُصِفَ بِالْغَلَطِ أَوِ الْخَطَأِ، أَوْ مَسْتُورًا لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ جَرْحٌ وَلَا تَعْدِيلٌ، وَكَذَا إِذَا نُقِلَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، أَوْ مُدَلَّسًا بِالْعَنْعَنَةِ، أَوْ مُخْتَلِطًا بِشَرْطِهِ ; لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا اشْتِرَاطَ نَفْيِ الِاتِّهَامِ بِالْكَذِبِ.

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ، مَعَ اقْتِضَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا التَّوَقُّفَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ ; لِعَدَمِ الضَّبْطِ فِي سَيِّئِ الْحِفْظِ وَالْجَهْلِ بِحَالِ الْمَسْتُورِ وَالْمُدَلِّسِ، وَكَذَا لِشُمُولِهِ مَا بِهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ حَافِظَيْنِ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي يُرْسِلُهُ إِمَامٌ حَافِظٌ ; لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ الِاتِّصَالَ - اشْتَرَطَ ثَالِثًا فَقَالَ: (وَلَمْ

ص: 88

يَكُنْ فَرْدًا وَرَدْ) .

بَلْ جَاءَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَأَكْثَرَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا دُونَهُ ; لِيَتَرَجَّحَ بِهِ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ ; لِأَنَّ سَيِّئَ الْحِفْظِ مَثَلًا حَيْثُ يَرْوِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَبَطَ الْمَرْوِيَّ، وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَكُونَ ضَبَطَهُ، فَإِذَا وَرَدَ مِثْلُ مَا رَوَاهُ أَوْ مَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ ضَبَطَ.

وَكُلَّمَا كَثُرَ الْمُتَابِعُ، قَوِيَ الظَّنُّ، كَمَا فِي أَفْرَادِ الْمُتَوَاتِرِ ; فَإِنَّ أَوَّلَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَفْرَادِ، ثُمَّ لَا تَزَالُ تَكْثُرُ إِلَى أَنْ يُقْطَعَ بِصِدْقِ الْمَرْوِيِّ، وَلَا يَسْتَطِيعُ سَامِعُهُ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ.

عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إِخْرَاجُ اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ مِنَ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِاتِّهَامِ فِي رُوَاتِهِ ; لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِهِ مَعَ الِانْقِطَاعِ، كَمَا مَضَى فِي تَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الْمَخْرَجِ مَعَهُ، وَلَكِنْ مَا جَزَمْتُ بِهِ هُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي جَامِعِهِ، فَقَدْ حَكَمَ بِالْحُسْنِ مَعَ وُجُودِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحَادِيثَ، بَلْ وَكَذَا فِي كُلِّ مَا لَا يُنَافِيهِ نَفْيُ الِاتِّهَامِ مِمَّا صَرَّحْتُ بِهِ.

وَحِينَئِذٍ فَقَدَ تَبَيَّنَ عَدَمُ كَوْنِ هَذَا التَّعْرِيفِ جَامِعًا لِلْحَسَنِ بِقِسْمَيْهِ، فَضْلًا عَنْ دُخُولِ الصَّحِيحِ بِقِسْمَيْهِ، وَإِنْ زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ، فَرَاوِيهِ لَا يُكْتَفَى فِي وَصْفِهِ بِمَا ذُكِرَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِتْقَانِ.

(قُلْتُ وَ) مَعَ اشْتِرَاطِ التِّرْمِذِيِّ عَدَمَ التَّفَرُّدِ فِيهِ (قَدْ حَسَّنَ) فِي جَامِعِهِ (بَعْضَ مَا انْفَرَدْ) رَاوِيهِ بِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِتَصْرِيحِهِ هُوَ بِذَلِكَ، حَيْثُ يُورِدُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ يَقُولُ عَقِبَهُ: إِنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ، أَوْ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَلَكِنْ قَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: بِأَنَّهُ عَرَّفَ مَا يَقُولُ فِيهِ: حَسَنٌ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ أُخْرَى لَا الْحَسَنَ مُطْلَقًا.

وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا، مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي سَبَبِ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ إِمَّا لِغُمُوضِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ جَدِيدٌ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، بَلْ خَصَّهُ بِـ (جَامِعِهِ) فَقَطْ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَكَمَ فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ عَلَى حَدِيثٍ بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَقَالَ قَائِلٌ:

ص: 89

لَيْسَ لَنَا أَنْ نُفَسِّرَ الْحَسَنَ هُنَاكَ بِمَا هُوَ مُفَسَّرٌ بِهِ هُنَا إِلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ، لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ.

وَلَكِنْ يَتَأَيَّدُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَبِيرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: " عِنْدَنَا " حِكَايَةَ اصْطِلَاحِهِ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَنَا، أَيْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ. انْتَهَى.

وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ: (وَمَا ذَكَرْنَا)، وَكَذَا قَوْلُهُ:" فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ "، وَحِينَئِذٍ فَالنُّونُ لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ التَّلَبُّسِ بِالْعِلْمِ الْمُتَأَكِّدِ تَعْظِيمُ أَهْلِهِ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْإِعْجَابِ وَنَحْوِهِ، الْمَذْمُومِ مَعَهُ مِثْلُ هَذَا، [لَا سِيَّمَا وَالْعَرَبُ - كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ التَّفْسِيرِ - تُؤَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ، فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ ; لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ] ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَلْيَقُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّاذِّ.

(وَقِيلَ) : مِمَّا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مُرِيدًا بِهِ الْحَافِظَ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الْجَوْزِيِّ ; حَيْثُ قَالَ فِي تَصْنِيفَيْهِ (الْمَوْضُوعَاتُ وَالْعِلَلُ الْمُتَنَاهِيَةُ) : الْحَسَنُ (مَا ضِعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (فِيهِ) .

وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعَارِيفِ ; فَإِنَّ هَذِهِ صِفَةُ الْحَسَنِ الْمَوْصُوفِ بِالْحُسْنِ إِذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ، حَتَّى لَوِ انْفَرَدَ لَكَانَ ضَعِيفًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ صِفَةُ الْحَسَنِ مُطْلَقًا، فَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ إِذَا عَارَضَ الصَّحِيحَ، كَانَ مَرْجُوحًا، وَالصَّحِيحُ رَاجِحًا.

فَضَعْفُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، وَالْحَسَنُ لِغَيْرِهِ أَصْلُهُ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْحُسْنُ بِالْعَاضِدِ الَّذِي

ص: 90