المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قلب السند عمدا وأقسامه] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[قلب السند عمدا وأقسامه]

بَعْضَهُ.

وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُزَالُ ضَعِيفًا، بَلْ صَحِيحًا بِصَحِيحٍ، وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ هَذَا كُلِّهِ وَضْعًا وَقَلْبًا، وَلِذَا عَدَّ الشَّارِحُ الْمُغْرِبَ فِي أَصْنَافِ الْوَضَّاعِينَ وَإِنْ شُوحِحَ فِيهِ، وَلَكِنْ قَدْ جَزَمَ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْإِغْرَابَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَضْعِ.

[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ] : (وَقَسَّمُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحَدِيثِ (الْمَقْلُوبَ) السَّنَدِيَّ خَاصَّةً لِكَوْنِهِ الْأَكْثَرَ، كَاقْتِصَارِهِمْ فِي الْمَوْضُوعِ عَلَى الْمَتْنِيِّ ; لِكَوْنِهِ الْأَهَمَّ.

(قِسْمَيْنِ) عَمْدًا وَسَهْوًا، وَالْعَمْدُ (إِلَى) قِسْمَيْنِ أَيْضًا مِنْهُ (مَا كَانَ) مَتْنُهُ (مَشْهُورًا بِرَاوٍ) كَسَالِمٍ (أُبْدِلَا بِوَاحِدٍ) مِنَ الرُّوَاةِ (نَظِيرِهِ) فِي الطَّبَقَةِ كَنَافِعٍ (كِي يُرْغَبَا فِيهِ) أَيْ: فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ، وَيَرُوجَ سُوقُهُ بِهِ (لِلْإِغْرَابِ) بِالنَّقْلِ (إِذَا مَا اسْتُغْرِبَا) مِمَّنْ وَقَفَ عَلَيْهِ ; لِكَوْنِ الْمَشْهُورِ خِلَافَهُ.

وَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُهُ بِهَذَا الْمَقْصِدِ عَلَى سَبِيلِ الْكَذِبِ حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ، أَحَدُ الْمَذْكُورِينَ بِالْوَضْعِ، كَمَا وَقَعَ لَهُ ; حَيْثُ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَعْرُوفَ بِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:«إِذَا لَقِيتُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي طَرِيقٍ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ» عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ; لِيُغْرِبَ بِهِ، وَهُوَ لَا يُعَرَفُ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُقَيْلِيُّ، وَقَدْ قِيلَ فِي فَاعِلِ هَذَا: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا

ص: 336

قِيلَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ: مَسْرُوقٌ.

وَفِي إِطْلَاقِ السَّرِقَةِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي الْمُبْدَلُ بِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ مُنْفَرِدًا بِهِ، فَيَسْرِقُهُ الْفَاعِلُ مِنْهُ، وَلِلْخَوْفِ مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ كَرِهَ أَهْلُ الْحَدِيثِ تَتَبُّعَ الْغَرَائِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

(وَمِنْهُ) وَهُوَ ثَانِي قِسْمَيِ الْعَمْدِ (قَلْبُ سَنَدٍ) تَامٍّ (لِمَتْنٍ) فَيُجْعَلُ لِمَتْنٍ آخَرَ مَرْوِيٍّ بِسَنَدٍ آخَرَ بِقَصْدِ امْتِحَانِ حِفْظِ الْمُحَدِّثِ وَاخْتِبَارِهِ، هَلِ اخْتَلَطَ أَمْ لَا؟ كَمَا اتَّفَقَ لَهُمْ مَعَ أَبِي إِسْحَاقَ الْهُجَيْمِيِّ حِينَ جَازَ الْمِائَةَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي آدَابِ الْمُحَدِّثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَلْ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ الَّذِي هُوَ قَبُولُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ ; كَالصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ إِنْ وَافَقَ عَلَى الْقَلْبِ فَغَيْرُ حَافِظٍ أَوْ مُخْتَلِطٌ، أَوْ خَالَفَ فَضَابِطٌ.

[امْتِحَانُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ] : (نَحْوُ امْتِحَانِهِمْ) أَيِ: الْمُحَدِّثِينَ بِبَغْدَادَ (إِمَامَ الْفَنِّ) وَشَيْخَ الصَّنْعَةِ الْبُخَارِيَّ، صَاحِبَ الصَّحِيحِ، (فِي مِائَةٍ) مِنَ الْحَدِيثِ (لَمَّا أَتَى) إِلَيْهِمْ (بَغْدَادَا) بِالْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ عَلَى إِحْدَى اللُّغَاتِ ; حَيْثُ اجْتَمَعُوا عَلَى تَقْلِيبِ مُتُونِهَا وَأَسَانِيدِهَا، وَصَيَّرُوا مَتْنَ هَذَا السَّنَدِ لِسَنَدٍ آخَرَ، وَسَنَدَ هَذَا الْمَتْنِ لِمَتْنٍ آخَرَ، وَانْتَخَبُوا عَشْرَةً مِنَ الرِّجَالِ، فَدَفَعُوا لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْهَا عَشْرَةً، وَتَوَاعَدُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْحُضُورِ لِمَجْلِسِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ أَحَادِيثَهُ بِحَضْرَتِهِمْ.

فَلَمَّا حَضَرُوا وَاطْمَأَنَّ الْمَجْلِسُ بِأَهْلِهِ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْغُرَبَاءِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمْ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَحَادِيثِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلٍّ مِنْهَا: لَا أَعْرِفُهُ.

وَفَعَلَ الثَّانِي كَذَلِكَ إِلَى أَنِ اسْتَوْفَى الْعَشَرَةَ الْمِائَةَ، وَهُوَ لَا يَزِيدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِ: لَا أَعْرِفُهُ، فَكَانَ الْفُهَمَاءُ مِمَّنْ حَضَرَ يَلْتَفِتُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُولُونَ: فَهِمَ الرَّجُلُ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَقِلَّةِ الْفَهْمِ ; لِكَوْنِهِ عِنْدَهُ لِمُقْتَضَى عَدَمِ تَمْيِيزِهِ لَمْ يَعْرِفْ وَاحِدًا مِنْ مِائَةٍ.

وَلَمَّا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ

ص: 337

انْتِهَاءَهُمْ مِنْ مَسْأَلَتِهِمُ، الْتَفَتَ لِلسَّائِلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُ: سَأَلْتَ عَنْ حَدِيثِ كَذَا وَصَوَابُهُ كَذَا، إِلَى آخِرِ أَحَادِيثِهِ، وَهَكَذَا الْبَاقِي (فَرَدَّهَا) أَيِ: الْمِائَةَ إِلَى حُكْمِهَا الْمُعْتَبَرِ قَبْلَ الْقَلْبِ (وَجَوَّدَ الْإِسْنَادَا) وَلَمْ يَرُجْ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مِمَّا قَلَبُوهُ وَرَكَّبُوهُ، فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالْحِفْظِ، وَعَظُمَ عِنْدَهُمْ جِدًّا، وَعَرَفُوا مَنْزِلَتَهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَأَذْعَنُوا لَهُ.

رُوِّينَاهَا فِي مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ لِأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخَ يَحْكُونَ، وَذَكَرَهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهَا الْخَطِيبُ فِي تَأْرِيخِهِ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ شُيُوخِ ابْنِ عَدِيٍّ فِيهَا ; فَإِنَّهُمْ عَدَدٌ يَنْجَبِرُ بِهِ جَهَالَتُهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِ الْبُخَارِيِّ لَهَا، وَتَيَقُّظِهِ لِتَمَيُّزِ صَوَابِهَا مِنْ خَطَئِهَا ; لِأَنَّهُ فِي الْحِفْظِ بِمَكَانٍ، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّبُ مِنْ حِفْظِهِ لِتَوَالِيهَا ; كَمَا أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَدْ قَالَ الْعِجْلِيُّ: مَا خَلَقَ اللَّهُ أَحَدًا كَانَ أَعْرِفَ بِالْحَدِيثِ مِنَ ابْنِ مَعِينٍ، لَقَدْ كَانَ يُؤْتَى بِالْأَحَادِيثِ قَدْ خُلِطَتْ وَقُلِبَتْ، فَيَقُولُ: هَذَا كَذَا، وَهَذَا كَذَا، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ.

فِي تَرْجَمَةِ الْعُقَيْلِيِّ مِنَ (الصِّلَةِ) لِمَسْلَمَةَ بْنِ قَاسِمٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يُخْرِجُ أَصْلَهُ لِمَنْ يَجِيئُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، بَلْ يَقُولُ لَهُ: اقْرَأْ فِي كِتَابِكَ فَأَنْكَرْنَا - أَهْلَ الْحَدِيثِ - ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَنَا عَلَيْهِ، وَقُلْنَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَكْذَبِهِمْ.

ثُمَّ عَمَدْنَا إِلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَتِهِ بَعْدَ أَنْ بَدَّلْنَا مِنْهَا أَلْفَاظًا، وَزِدْنَا فِيهَا أَلْفَاظًا، وَتَرَكْنَا مِنْهَا أَحَادِيثَ صَحِيحَةً، وَأَتَيْنَاهُ بِهَا وَالْتَمَسْنَا مِنْهُ سَمَاعَهَا، فَقَالَ لِي: اقْرَأْ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَطِنَ وَأَخَذَ فِي الْكِتَابِ فَأَلْحَقَ

ص: 338

فِيهِ بِخَطِّهِ النَّقْصَ، وَضَرَبَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَصَحَّحَهَا كَمَا كَانَتْ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْنَا فَانْصَرَفْنَا وَقَدْ طَابَتْ أَنْفُسُنَا، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْقُصَّاصَ لَا يَحْفَظُونَ الْحَدِيثَ، فَكُنْتُ أَقْلِبُ عَلَى ثَابِتٍ الْحَدِيثَ، أَجْعَلُ أَنَسًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى لِأَنَسٍ أُشَوِّشُهَا عَلَيْهِ، فَيَجِيءُ بِهَا عَلَى الِاسْتِوَاءِ.

وَحَكَى الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَتَى صَاحِبُنَا ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي عَلَى الْمِزِّيِّ، فَقَالَ لَهُ: انْتَخَبْتُ مِنْ رِوَايَتِكَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا أُرِيدُ قِرَاءَتَهَا عَلَيْكَ، فَقَرَأَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَكَانَ الشَّيْخُ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الثَّانِي تَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا هُوَ أَنَا، ذَاكَ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا عِنْدَنَا أَحْسَنَ مِنْ رَدِّهِ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى سَنَدِهِ.

وَقَالَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الدُّوَانِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِالْأَمِيرِ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَاكُولَا، فَقَالَ لِي: خُذْ جُزْأَيْنِ مِنَ الْحَدِيثِ وَاجْعَلْ مَتْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي هَذَا الْجُزْءِ عَلَى إِسْنَادِ الَّذِي فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، حَتَّى أَرُدَّهُ إِلَى حَالَتِهِ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ.

وَرُبَّمَا يُقْصَدُ بِقَلْبِ السَّنَدِ كُلِّهِ الْإِغْرَابَ أَيْضًا ; إِذْ لَا انْحِصَارَ لَهُ فِي الرَّاوِي الْوَاحِدِ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ الِامْتِحَانُ بِقَلْبِ رَاوٍ وَاحِدٍ.

[حُكْمُ الْقَلْبِ لِلِامْتِحَانِ] : وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَمِمَّنِ اسْتَعْمَلَهُ بِهَذَا الْمَقْصِدِ سِوَى مَنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَشُعْبَةُ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَكِنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ حَرَمِيٌّ لَمَّا حَدَّثَهُ بَهْزٌ أَنَّهُ قَلَبَ أَحَادِيثَ عَلَى أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: يَا بِئْسَ مَا

ص: 339

صَنَعَ، وَهَذَا يَحِلُّ؟ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ - كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا -: لَا أَسْتَحِلُّهُ، وَكَأَنَّهُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَغْلِيظِ مَنْ يَمْتَحِنُهُ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ صَوَابٌ، وَقَدْ يَسْمَعُهُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ فَيَرْوِيهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ صَوَابٌ.

وَاشْتَدَّ غَضَبُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرُوِّينَا فِي الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ لِلرَّامَهُرْمُزِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، وَبِهَا ابْنُ عَجْلَانَ، وَبِهَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ مَلِيحُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَخُو وَكِيعٍ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَيُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، فَكُنَّا نَأْتِي ابْنَ عَجْلَانَ، فَقَالَ يُوسُفُ: هَلُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِ حَدِيثَهُ حَتَّى نَنْظُرَ فَهْمَهُ.

قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمَا كَانَ عَنْ أَبِيهِ جَعَلُوهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَمَا كَانَ عَنْ سَعِيدٍ جَعَلُوهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ يَحْيَى: فَقُلْتُ لَهُمْ: لَا أَسْتَحِلُّ هَذَا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَأَعْطُوهُ الْجُزْءَ فَمَرَّ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ آخِرِ الْكِتَابِ انْتَبَهَ، فَقَالَ أَعِدْ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ عَنْ أَبِي فَهُوَ عَنْ سَعِيدٍ، وَمَا كَانَ عَنْ سَعِيدٍ فَهُوَ عَنْ أَبِي.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يُوسُفَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ شَيْنِي وَعَيْبِي فَسَلَبَكَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَقَالَ لِحَفْصٍ: فَابْتَلَاكَ اللَّهُ فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، وَقَالَ لِمَلِيحٍ: لَا نَفَعَكَ اللَّهُ بِعِلْمِكَ.

قَالَ يَحْيَى: فَمَاتَ مَلِيحٌ قَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِعِلْمِهِ، وَابْتُلِيَ حَفْصٌ فِي بَدَنِهِ بِالْفَالِجِ وَفِي دِينِهِ بِالْقَضَاءِ، وَلَمْ يَمُتْ يُوسُفُ حَتَّى اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ.

وَكَذَا اشْتَدَّ غَضَبُ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمَنْصُورِ الرَّمَادِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْدُمُهُمَا، فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الْكُوفَةِ، قَالَ يَحْيَى لِأَحْمَدَ: أُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَفْعَلْ، الرَّجُلُ ثِقَةٌ، فَقَالَ: لَا بُدَّ لِي. فَأَخَذَ وَرَقَةً فَكَتَبَ

ص: 340