المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الاحتجاج بالحديث الحسن] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[الاحتجاج بالحديث الحسن]

تَرَادُفِهِمَا - كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ - فَاشْتِرَاطُ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا كَافٍ.

وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الصَّحِيحِ عَلَى نَفْيِ الشُّذُوذِ فَقَطْ، بَلْ وَكَذَا الْحَسَنُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ، وَحِينَئِذٍ فَزِيَادَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَهُ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَّابِيِّ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْعِلَّةِ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ الْجَابِرِ عَلَى وِفْقِهِ يُغْنِي التِّرْمِذِيَّ عَنِ التَّصْرِيحِ بِنَفْيِهَا.

وَلَكِنْ قَدْ قَرَّرَ شَيْخُنَا مَنْعَ اشْتِرَاطِهِ نَفْيَهَا، وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْتُهُ تَفْصِيلُ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ; حَيْثُ قَالَ عَقِبَ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: وَفِيهِ مُبَاحَثَاتٌ وَمُنَاقَشَاتٌ عَلَى بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، وَلِذَلِكَ مَعَ اخْتِلَالِ غَيْرِهَا مِنْ تَعَارِيفِهِ، قِيلَ: إِنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي تَمْيِيزِهِ.

وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ مَنْ خَاضَ بِحَارَ هَذَا الْفَنِّ، سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ; وَلِذَا عَرَّفَ الْحَسَنَ لِذَاتِهِ، فَقَالَ: هُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ بِرُوَاةٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ، فِي ضَبْطِهِمْ قُصُورٌ عَنْ ضَبْطِ رُوَاةِ الصَّحِيحِ، وَلَا يَكُونُ مَعْلُولًا وَلَا شَاذًّا، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ هُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، إِلَّا فِي تَفَاوُتِ الضَّبْطِ.

فَرَاوِي الصَّحِيحِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالضَّبْطِ الْكَامِلِ، وَرَاوِي الْحَسَنِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ تِلْكَ الدَّرَجَةَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عَرِيًّا عَنِ الضَّبْطِ فِي الْجُمْلَةِ ; لِيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ مُغَفَّلًا، وَعَنْ كَوْنِهِ كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَا بُدَّ مِنَ اشْتِرَاطِ كُلِّهِ فِي النَّوْعَيْنِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا مُطْلَقُ الْحَسَنِ فَهُوَ الَّذِي اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِالصَّدُوقِ الضَّابِطِ الْمُتْقِنِ غَيْرِ تَامِّهِمَا، أَوْ بِالضَّعِيفِ بِمَا عَدَا الْكَذِبَ إِذَا اعْتَضَدَ مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنِ الشُّذُوذِ وَالْعِلَّةِ.

[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

[مَسْأَلَةُ الِاحْتِجَاجُ بِالْحَسَنِ] إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُتَّصِلًا بِتَعْرِيفِهِ السَّابِقِ ; لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا أَنَّهُ تَتِمَّتُهُ: وَعَلَيْهِ - أَيِ: الْحَسَنِ - مَدَارُ أَكْثَرِ الْحَدِيثِ - أَيْ: بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ - فَإِنَّ غَالِبَهَا لَا يَبْلُغُ رُتْبَةَ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.

ص: 92

وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ: أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ ثُبُوتُهَا بِطَرِيقٍ حَسَنٍ، ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ:(وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ) وَهُوَ وَإِنْ عَبَّرَ بِعَامَّتِهِمْ، فَمُرَادُهُ كُلُّهُمْ (يَسْتَعْمِلُهُ) أَيْ: فِي الِاحْتِجَاجِ وَالْعَمَلِ فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا (وَالْعُلَمَاءُ) مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ (الْجُلُّ) أَيِ: الْمُعْظَمُ (مِنْهُمْ يَقْبَلُهُ) فِيهِمَا.

وَمِمَّنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ; فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ فَحَسَّنَهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَحْتَجُّ بِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ، فَأُعِيدَ السُّؤَالُ مِرَارًا، وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ حَسَنٌ.

وَنَحْوُهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ؟ فَقَالَ: هُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: الْحُجَّةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ. وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ.

وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيِ الْحَسَنُ لِذَاتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَا لِغَيْرِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ النَّظْمُ (بِأَقْسَامِ الصَّحِيحِ مُلْحَقٌ حُجِّيَّةً) أَيْ: فِي الِاحْتِجَاجِ (وَإِنْ يَكُنْ) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ (لَا يَلْحَقُ) الصَّحِيحَ فِي الرُّتْبَةِ: [إِمَّا لِضَعْفِ رَاوِيهِ، أَوِ انْحِطَاطِ ضَبْطِهِ، بَلِ الْمُنْحَطُّ لَا يُنْكِرُ مُدْرِجُهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ دُونَهُ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ ; فَهَذَا اخْتِلَافٌ إِذَنْ فِي الْعِبَارَةِ دُونَ الْمَعْنَى، ثُمَّ إِنَّ مَا اقْتَضَاهُ النَّظْمُ يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ لَهُ بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مُتَّصِلًا بِتَعْرِيفِهِ، وَيَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِيمَا تَكْثُرُ طُرُقُهُ] .

ص: 93

وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: وَهَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُ مُفْرَدَاتُهَا ضَعِيفَةٌ، فَمَجْمُوعُهَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا، وَيَصِيرُ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَيُحْتَجُّ بِهِ، وَسَبَقَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَقْوِيَةِ الْحَدِيثِ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ الضَّعِيفَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ يُرْشِدُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا الْقِسْمُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كُلُّهُ، بَلْ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَيُتَوَقَّفُ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا إِذَا كَثُرَتْ طُرُقُهُ، أَوْ عَضَّدَهُ اتِّصَالُ عَمَلٍ، أَوْ مُوَافَقَةُ شَاهِدٍ صَحِيحٍ، أَوْ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخُنَا.

وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الضَّعِيفَ الَّذِي ضَعْفُهُ نَاشِئٌ عَنْ سُوءِ حِفْظِهِ، إِذَا كَثُرَتْ طُرُقُهُ، ارْتَقَى إِلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ، وَلَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ فِي شُمُولِ الْحَسَنِ الْمُسَمَّى بِالصَّحِيحِ عِنْدَ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لِهَذَا.

وَكَلَامُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْضًا يُشِيرُ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي إِطْلَاقِ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَسَنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الِاقْتِرَاحِ، إِنَّ هَهُنَا أَوْصَافًا يَجِبُ مَعَهَا قَبُولُ الرِّوَايَةِ، إِذَا وُجِدَتْ فِي الرَّاوِي، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُسَمَّى بِالْحَسَنِ مِمَّا قَدْ وُجِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا الْقَبُولُ أَوْ لَا، فَإِنْ وُجِدَتْ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَإِنْ سُمِّيَ حَسَنًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَدَّ هَذَا إِلَى أَمْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ.

وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا قَبُولُ الرِّوَايَةِ لَهَا مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ، فَأَعْلَاهَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ أَوْسَطُهَا، وَأَدْنَاهَا الْحَسَنُ، وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ

ص: 94

الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَى الِاصْطِلَاحِ، وَيَكُونُ الْكُلُّ صَحِيحًا فِي الْحَقِيقَةِ.

وَالَأَمْرُ فِي الِاصْطِلَاحِ قَرِيبٌ، لَكِنَّ مَنْ أَرَادَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَبِرَ مَا سَمَّاهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَسَنًا، وَتَحَقَّقَ وُجُودُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا قَبُولُ الرِّوَايَةِ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ.

قُلْتُ: قَدْ وُجِدَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْمُنْكَرِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيِّ: حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، وَعَامَّتُهُ حِسَانٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ لِشُعْبَةَ: لَأَيِّ شَيْءٍ لَا تَرْوِي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: مِنْ حُسْنِهِ فَرَرْتُ.

وَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، وَهُوَ حُسْنُ الْمَتْنِ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْغَرِيبِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا إِذَا اجْتَمَعُوا كَرِهُوا أَنْ يُخَرِّجَ الرَّجُلُ حِسَانَ حَدِيثِهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إِنَّهُ عَنَى الْغَرَائِبَ.

وَوُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ إِطْلَاقُهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلِابْنِ الْمَدِينِيِّ فِي الْحَسَنِ لِذَاتِهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَنَحْوُهُ - فِيمَا يَظْهَرُ - قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ: فُلَانٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ حَسَنٌ.

وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجَوْزَجَانِيِّ فِي الطَّلْحِيِّ: إِنَّهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَعَ حُسْنِهِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ

ص: 95

إِرَادَتَهُمَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَيْضًا.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالتِّرْمِذِيُّ هُوَ الَّذِي أَكْثَرَ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْحَسَنِ، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ ; كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَلَكِنْ حَيْثُ ثَبَتَ اخْتِلَافُ صَنِيعِ الْأَئِمَّةِ فِي إِطْلَاقِهِ، فَلَا يَسُوغُ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ.

فَمَا كَانَ مِنْهُ مُنْطَبِقًا عَلَى الْحَسَنِ لِذَاتِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ، أَوِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ فَيُفْصَلُ بَيْنَ مَا تَكْثُرُ طُرُقُهُ فَيُحْتَجُّ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا، وَهَذِهِ أُمُورٌ جُمَلِيَّةٌ تُدْرَكُ تَفَاصِيلُهَا بِالْمُبَاشَرَةِ.

(فَإِنْ يَقُلْ) حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَسَنَ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثَانِي قِسْمَيْهِ ثِقَةُ رُوَاتِهِ، وَلَا اتِّصَالُ سَنَدِهِ، وَاكْتُفِيَ فِي عَاضِدِهِ بِكَوْنِهِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، فَكَيْفَ (يُحْتَجُّ بِالضَّعِيفِ) مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ أَوْ جُمْهُورِهِمُ الثِّقَةَ فِي الْقَبُولِ؟ (فَقُلْ) : إِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ (إِذَا كَانَ) الْحَدِيثُ (مِنَ الْمَوْصُوفِ رُواتُهُ) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ (بِسُوءِ حِفْظٍ) أَوِ اخْتِلَاطٍ أَوْ تَدْلِيسٍ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ فَذَاكَ (يُجْبَرُ بِكَوْنِهِ) أَيِ: الْمَتْنِ (مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ) .

وَيَكُونُ الْعَاضِدُ الَّذِي لَا يَنْحَطُّ عَنِ الْأَصْلِيِّ مَعَهُ كَافِيًا، مَعَ الْخَدْشِ فِيهِ بِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ الظَّاهِرِ فِي اشْتِرَاطِ التَّعَدُّدِ الَّذِي قَدْ لَا يُنَافِيهِ مَا سَيَجِيءُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُرْسَلِ قَرِيبًا ; لِاشْتِرَاطِهِ مَا يَنْجَبِرُ بِهِ التَّفَرُّدُ، وَإِنَّمَا انْجَبَرَ ; لِاكْتِسَابِهِ مِنَ الْهَيْئَةِ الْمَجْمُوعَةِ قُوَّةً، كَمَا فِي أَفْرَادِ الْمُتَوَاتِرِ وَالصَّحِيحِ لِغَيْرِهِ الْآتِي قَرِيبًا.

وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ عَلَى الطَّرِيقِ الْأُولَى بِالضَّعْفِ إِنَّمَا هُوَ لَأَجْلِ الِاحْتِمَالِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي سَيِّئِ الْحِفْظِ مَثَلًا ; هَلْ ضَبَطَ أَمْ لَا؟ فَبِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ ضَبَطَ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ كُلُّ ذَلِكَ قَرِيبًا عِنْدَ تَعْرِيفِ التِّرْمِذِيِّ.

(وَإِنْ يَكُنْ) ضَعْفُ الْحَدِيثِ (لْكَذِبٍ فِي) رَاوِيهِ (أَوْ شَذَّا) أَيْ وَشُذُوذٍ فِي رِوَايَتِهِ بِأَنْ خَالَفَ مَنْ

ص: 96