المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[طريق معرفة الوضع] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[طريق معرفة الوضع]

فَأَلْبَسَهُمْ مِنْ نُورِهِ.

وَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ - تَبَعًا لِلْخَلِيلِيِّ فِي الْإِرْشَادِ -: إِنَّهُ شِبْهُ الْوَضْعِ حَسَنٌ ; إِذْ لَمْ يَضَعْهُ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ مَعِينٍ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ كَذَّابٌ، نَعَمِ الطُّرُقُ الْمُرَكَّبَةُ لَهُ مَوْضُوعَةٌ، وَلِذَا جَزَمَ أَبُو حَاتِمٍ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوهُ حَدِيثًا وَحَمَلَهُمُ الشَّرَهُ وَمَحَبَّةُ الظُّهُورِ عَلَى ادِّعَاءِ سَمَاعِهِ، وَهُمْ صِنْفٌ مِنَ الْوَضَّاعِينَ.

كَمَا وَضَعَ بَعْضُهُمْ حِينَ سَمِعَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِمَّا نَسَبَهُ لِعِيسَى عليه السلام: " مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " فَتَوَهَّمَهُ - كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحِوَارِيِّ مِنْ (الْحِلْيَةِ) - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ لَهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سَنَدًا، وَهُوَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ لِسُهُولَتِهِ وَقُرْبِهِ، وَجَلَالَةُ الْإِمَامِ تَنْبُو عَنْ هَذَا.

وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَسَمَّاهُ مُدْرَجًا ; حَيْثُ قَالَ: إِنَّ ثَابِتًا قَالَهُ عَقِبَ حَدِيثِ: " يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ "، فَأَدْرَجَهُ فِي الْخَبَرِ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُدْرَجِ، كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ هُنَاكَ ; إِذْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إِطْلَاقِ الْإِدْرَاجِ كَوْنَهُ عَمْدًا، بَلْ يُطْلِقُونَهُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.

[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ](وَيُعْرَفُ الْوَضْعُ) لِلْحَدِيثِ (بِالْإِقْرَارِ) بِنَقْلِ الْهَمْزَةِ، مِنْ وَاضِعِهِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي عِصْمَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَ) كَذَا بِـ (مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ) كَمَا اتَّفَقَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بِحَضْرَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوبَارِيِّ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [فَرَوَى لَهُمْ بِسَنَدِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَمِعَ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ.

ص: 330

وَنَحْوُهُ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْحَارِثِ التَّمِيمِيَّ جَدَّ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَنْبَلِيِّ سُئِلَ عَنْ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: عَنْوَةً، فَطُولِبَ بِالْحُجَّةِ، فَقَالَ: ثَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي فَتْحِ مَكَّةَ ; أَكَانَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً؟ فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ عَنْوَةً» ، هَذَا مَعَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ أَنَّهُ صَنَعَهُ فِي الْحَالِ، لِيَنْدَفِعَ بِهِ الْخَصْمُ.

(وَرُبَّمَا يُعْرَفُ بِالرِّكَّةِ) أَيِ: الضَّعْفِ عَنْ قُوَّةِ فَصَاحَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مَعًا، مِثْلُ مَا يُرْوَى فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَا فِي أَحَدِهِمَا، لَكِنَّهُ فِي اللَّفْظِ وَحْدَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَفْظُ الشَّارِعِ، وَلَمْ يَحْصُلِ التَّصَرُّفُ بِالْمَعْنَى فِي نَقْلِهِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْإِعْرَابِ.

وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ قَالَ: إِنَّ لِلْحَدِيثِ ضَوْءًا كَضَوْءِ النَّهَارِ يُعْرَفُ، وَظُلْمَةً كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ تُنْكَرُ.

وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: الْحَدِيثُ الْمُنْكَرُ يَقْشَعِرُّ مِنْهُ جِلْدُ طَالِبِ الْعِلْمِ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ قَلْبُهُ فِي الْغَالِبِ، وَعَنَى بِذَلِكَ الْمُمَارِسَ لِأَلْفَاظِ الشَّارِعِ، الْخَبِيرَ بِهَا وَبِرَوْنَقِهَا وَبَهْجَتِهَا ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ - أَيْ بِالْوَضْعِ - بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْوِيِّ وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ - لِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَمَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ يَعْرِفُونَ بِهَا

ص: 331

مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ. انْتَهَى.

وَالرِّكَّةُ فِي الْمَعْنَى كَأَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْعَقْلِ ضَرُورَةً أَوِ اسْتِدْلَالًا، وَلَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا بِحَالٍ، نَحْوُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَعَنْ نَفْيِ الصَّانِعِ، وَقِدَمِ الْأَجْسَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِمَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْلِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكُلُّ حَدِيثٍ رَأَيْتَهُ يُخَالِفُ الْعُقُولَ، أَوْ يُنَاقِضُ الْأُصُولَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، فَلَا تَتَكَلَّفِ اعْتِبَارَهُ، أَيْ: لَا تَعْتَبِرْ رُوَاتَهُ، وَلَا تَنْظُرْ فِي جَرْحِهِمْ.

أَوْ يَكُونَ مِمَّا يَدْفَعُهُ الْحِسُّ وَالْمُشَاهَدَةُ، أَوْ مُبَايِنًا لِنَصِّ الْكِتَابِ، أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، أَوِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ; حَيْثُ لَا يَقْبَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ.

أَوْ يَتَضَمَّنَ الْإِفْرَاطَ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى الْأَمْرِ الْيَسِيرِ، أَوْ بِالْوَعْدِ الْعَظِيمِ عَلَى الْفِعْلِ الْيَسِيرِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ الْقُصَّاصِ وَالطُّرُقِيَّةِ، وَمِنْ رِكَّةِ الْمَعْنَى:" لَا تَأْكُلُوا الْفَرْعَةَ حَتَّى تَذْبَحُوهَا "، وَلِذَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى كَذِبِ رَاوِيهِ. وَكُلُّ هَذَا مِنَ الْقَرَائِنِ فِي الْمَرْوِيِّ.

وَقَدْ تَكُونُ فِي الرَّاوِي ; كَقِصَّةِ غَيَّاثٍ مَعَ الْمَهْدِيِّ، وَحِكَايَةِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ الْمَاضِي ذِكْرُهُمَا، وَاخْتِلَاقِ الْمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيِّ - حِينَ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَرَى الشَّافِعِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِخُرَاسَانَ - ذَاكَ الْكَلَامَ الْقَبِيحَ، حَكَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَدْخَلِ.

ص: 332

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَابْتَدَأَ لِيُورِدَهُ، فَسَقَطَ مِنْ قَامَتِهِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

أَوِ انْفِرَادِهِ عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْهُ بِمَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ غَيْرِهِمَا، أَوِ انْفِرَادِهِ بِشَيْءٍ مِنْ كَوْنِهِ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ عِلْمُهُ، وَقَطْعُ الْعُذْرِ فِيهِ ; كَمَا قَرَّرَهُ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ (الْكِفَايَةِ) ، أَوْ بِأَمْرٍ جَسِيمٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ; كَحَصْرِ الْعَدُوِّ لِلْحَاجِّ عَنِ الْبَيْتِ، أَوْ بِمَا صَرَّحَ بِتَكْذِيبِهِ فِيهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، أَوْ تَقْلِيدُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

(قُلْتُ) وَقَدِ (اسْتَشْكَلَا) التَّقِيُّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ (الثَّبَجِيُّ) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَجِيمٍ ; لِأَنَّهُ وُلِدَ بِثَبَجِ الْبَحْرِ بِسَاحِلِ يَنْبُعَ مِنَ الْحِجَازِ، فِي كِتَابِهِ (الِاقْتِرَاحِ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّةِ الْوَضْعِ (الْقَطْعَ بِالْوَضْعِ عَلَى مَا) أَيِ: الْمَرْوِيِّ الَّذِي (اعْتَرَفَ الْوَاضِعُ) فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْوَضْعِ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ مَعَهُ (إِذْ قَدْ يَكْذِبُ) فِي خُصُوصِ اعْتِرَافِهِ ; إِمَّا لِقَصْدِ التَّنْفِيرِ عَنْ هَذَا الْمَرْوِيِّ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُورِثُ الرِّيبَةَ وَالشَّكَّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالِاحْتِيَاطُ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِالْوَضْعِ.

(بَلَى نَرُدُّهُ) أَيِ: الْمَرْوِيَّ ; لِاعْتِرَافِ رَاوِيهِ بِمَا يُوجِبُ فِسْقَهُ (وَعَنْهُ نَضْرِبُ) أَيْ نُعْرِضُ عَنْهُ فَلَا نَحْتَجُّ بِهِ، بَلْ وَلَا نَعْمَلُ بِهِ، وَلَا فِي الْفَضَائِلِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.

وَنَصُّ (الِاقْتِرَاحِ) : " وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ - أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ - إِقْرَارُ الرَّاوِي بِالْوَضْعِ، وَهَذَا كَافٍ فِي رَدِّهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ فِي كَوْنِهِ مَوْضُوعًا ; لِجَوَازِ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ بِعَيْنِهِ ".

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَاطِعٍ هُنَا الْقَطْعَ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ ; لِمَا تَقَرَّرَ فِي كَوْنِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَغَيْرِهَا إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ

ص: 333

الْمَنْعِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ مَوْضُوعًا، وَلَكِنَّ الَّذِي قَرَّرَهُ شَيْخُنَا خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ يُعْرَفُ الْوَضْعُ بِإِقْرَارِ وَاضِعِهِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَكِنْ لَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَبَ فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ، قَالَ: وَفَهِمَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ - أَيْ كَابْنِ الْجَزَرِيِّ -، أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ أَصْلًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ، وَإِنَّمَا نَفَى الْقَطْعَ بِذَلِكَ ; وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَطْعِ نَفْيُ الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا سَاغَ قَتْلُ الْمُقِرِّ بِالْقَتْلِ، وَلَا رَجْمُ الْمُعْتَرِفِ بِالزِّنَا ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فِيمَا اعْتَرَفَا بِهِ.

زَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَكَذَا حُكْمُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهِ، وَقَالَ أَيْضًا رَدًّا عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ فِي كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: فِيهِ بَعْضُ مَا فِيهِ، وَنَحْنُ لَوْ فَتَحْنَا بَابَ التَّجْوِيزِ وَالِاحْتِمَالِ، لَوَقَعْنَا فِي الْوَسْوَسَةِ وَغَيْرِهَا - مَا نَصُّهُ: لَيْسَ فِي هَذَا وَسْوَسَةٌ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ.

وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ نَفَى الْقَطْعَ بِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، لَا الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا ; لِأَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، فَيُحْكَمُ بِكَوْنِ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا، أَمَّا إِنَّهُ يُقْطَعُ بِذَلِكَ فَلَا.

قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ مَا قَرَّرْتُهُ، وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ الْفُرُوعُ الْمَذْكُورَةُ.

وَكَذَا تَعَقَّبَ شَيْخُنَا شَيْخَهُ الشَّارِحَ ; حَيْثُ مَثَّلَ فِي النُّكَتِ لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: أَوْ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إِقْرَارِهِ، بِمَا إِذَا حَدَّثَ عَنْ شَيْخٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي تَأْرِيخٍ يُعْلَمُ تَأَخُّرُهُ عَنْ وَفَاةِ ذَاكَ الشَّيْخِ ; لِجَرَيَانِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُكْذَبَ فِي تَأْرِيخِ مَوْلِدِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُغْلَطَ فِي التَّأْرِيخِ، وَيَكُونَ فِي نَفْسِ

ص: 334