المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِمُجَرَّدِ الصِّحَّةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْمَعْزُوِّ إِلَيْهِ أَوْ - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: بِمُجَرَّدِ الصِّحَّةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْمَعْزُوِّ إِلَيْهِ أَوْ

بِمُجَرَّدِ الصِّحَّةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْمَعْزُوِّ إِلَيْهِ أَوْ فِيهِ] ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.

فَالْإِنْكَارُ فِيهِ أَخَفُّ مِمَّنْ عَمِدَ إِلَى الصَّحِيحَيْنِ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لَا عَلَى الْأَبْوَابِ، بَلْ عَلَى مَسَانِيدِ الصَّحَابَةِ بِحَذْفِ أَسَانِيدِهِمْ، وَيُدْرِجُ فِي أَثْنَاءِ أَحَادِيثِهِمَا أَلْفَاظًا مِنَ الْمُسْتَخْرَجَاتِ وَغَيْرِهَا ; لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، فَإِدْخَالُ غَيْرِ ذَلِكَ مُخِلٌّ.

(وَلَيْتَ إِذْ زَادَ) الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ (الْحُمَيْدِيُّ) بِالتَّصْغِيرِ نِسْبَةً لِجَدِّهِ الْأَعْلَى حُمَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيِّ الْقُرْطُبِيِّ فَاعِلٌ، ذَلِكَ فِي جَمْعِهِ (مَيَّزَا) فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَسُوقُ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ نَاقِلًا لَهُ مِنْ مُسْتَخْرَجِ الْبَرْقَانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اخْتَصَرَهُ الْبُخَارِيُّ، فَأَخْرَجَ طَرَفًا مِنْهُ، وَلَا يُبَيِّنُ الْقَدْرَ الْمُقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَيَلْتَبِسُ عَلَى الْوَاقِفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُهُ إِلَّا بِالنَّظَرِ فِي أَصْلِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي الْكَثِيرِ يُمَيِّزُ بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ: اقْتَصَرَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى كَذَا، وَزَادَ فِيهِ الْبَرْقَانِيُّ مَثَلًا كَذَا.

وَلَأَجْلِ هَذَا وَمَا يُشْبِهُهُ، انْتَقَدَ ابْنُ النَّاظِمِ وَشَيْخُنَا دَعْوَى عَدَمِ التَّمْيِيزِ، خُصُوصًا وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَائِيُّ بِبَيَانِ الْحُمَيْدِيِّ لِلزِّيَادَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي بَعْضِهَا مَا لَا يَتَمَيَّزُ كَمَا قَرَّرْتُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيَأْتِي فِي النَّقْلِ مِنْهُ وَمِنَ الْبَيْهَقِيِّ وَنَحْوِهِ مَا سَبَقَ فِي الْمُسْتَخْرَجَاتِ.

[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

37 -

وَأَرْفَعُ الصَّحِيحِ مَرْوِيُّهُمَا

ثُمَّ الْبُخَارِيُّ فَمُسْلِمٌ فَمَا

38 -

شَرْطَهُمَا حَوَى فَشَرْطَ الْجُعْفِي

فَمُسْلِمٍ فَشَرْطَ غَيْرُ يَكْفِي

ص: 61

39 -

وَعِنْدَهُ التَّصْحِيحُ لَيْسَ يُمْكِنُ

فِي عَصْرِنَا وَقَالَ يَحْيَى مُمْكِنُ.

(مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ) مُطْلَقًا. (وَأَرْفَعُ الصَّحِيحِ مَرْوِيُّهُمَا) أَيِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ; لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَعْلَى الْأَوْصَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلصِّحَّةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَبِالَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، إِذَا كَانَ الْمَتْنُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ كَمَا قَيَّدَهُ شَيْخُنَا.

وَقَالَ: إِنَّ فِي عَدِّ الْمَتْنِ الَّذِي يُخَرِّجُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَحَابِيٍّ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نَظَرًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ - أَعْنِي مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ - أَنْوَاعٌ: فَأَعْلَاهُ مَا وُصِفَ بِكَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا، ثُمَّ مَشْهُورًا، ثُمَّ أَصَحُّ كَمَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ مَا وَافَقَهُمَا مُلْتَزِمُو الصِّحَّةِ، ثُمَّ أَحَدُهُمْ عَلَى تَخْرِيجِهِ، ثُمَّ أَصْحَابُ السُّنَنِ، ثُمَّ الْمَسَانِيدُ، ثُمَّ مَا انْفَرَدَا بِهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ كَوْنِهِ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.

(ثُمَّ) يَلِيهِ مَرْوِيُّ (الْبُخَارِيِّ) فَقَطْ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي ; لِأَنَّ شَرْطَهُ أَضْيَقُ (فَيَلِيهِ) مَرْوِيُّ (مُسْلِمٍ) وَحْدَهُ لِمُزَاحَمَتِهِ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ الثَّالِثُ.

هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْمَفُوقِ مَا يَجْعَلُهُ فَائِقًا ; كَأَنْ يَتَّفِقَ مَجِيءُ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ يَبْلُغُ بِهَا التَّوَاتُرَ أَوِ الشُّهْرَةَ الْقَوِيَّةَ، أَوْ يُوَافِقُهُ عَلَى

ص: 62

تَخْرِيجِهِ مُشْتَرِطُو الصِّحَّةَ، فَهَذَا أَقْوَى مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِهِ.

وَكَذَا نَقُولُ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْسَامِ الْمَفْضُولَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ ; إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ.

(فَـ) يَلِي مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ (مَا شَرْطَهُمَا) مَفْعُولٌ (حَوَى) أَيْ: جَمَعَ شَرْطَهُمَا، وَهُوَ الرَّابِعُ.

وَالدَّلِيلُ لِتَأَخُّرِهِ عَنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ التَّلَقِّي لِكُلٍّ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ بِالْقَبُولِ، عَلَى أَنَّ شَيْخَنَا تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ أَعْلَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ مِثْلَهُ، كَمَا تَرَدَّدَ غَيْرُهُ فِي تَأْخِيرِ الثَّالِثِ عَنِ الثَّانِي إِذَا كَانَ عَلَى شَرْطِهِ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى تَعْلِيلِهِ، وَيُسَاعِدُهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا مَشْرُوطَهُمَا، وَإِذَا كَانَ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ، (فَـ) يَلِي الَّذِي عَلَى شَرْطِهِمَا مَا حَوَى (شَرْطَ الْجُعْفِيِّ) أَيِ: الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ الْخَامِسُ.

(فَـ) مَا حَوَى شَرْطَ (مُسْلِمٍ) وَهُوَ السَّادِسُ، (فَ) مَا حَوَى (شَرْطَ غَيْرٍ) مِنَ الْأَئِمَّةِ سِوَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِتَخْرِيجِهِ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعِ لِلصِّحَّةِ، أَوْ ثُبُوتِهِ عَنْهُ وَهُوَ السَّابِعُ. [وَاسْتِعْمَالُ (غَيْرُ) بِلَا إِضَافَةٍ قَلِيلٌ] .

مَعَ أَنَّهُ لَوْ لُوحِظَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ شُرُوطِ مَنْ عَدَا الشَّيْخَيْنِ كَمَا فُعِلَ فِيهِمَا، لَزَادَتِ الْأَقْسَامُ، وَلَكِنْ مَا ذُكِرَ (يَكْفِي) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّطْوِيلِ، وَعَدَمُ تَصْرِيحِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِالِاكْتِفَاءِ لَا يُخَالِفُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ مِنْهُ الْخَوْضُ فِي التَّصْحِيحِ.

[الْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّصْحِيحِ وَالتَّحْسِينِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ](وَعِنْدَهُ) أَيِ: ابْنِ الصَّلَاحِ (التَّصْحِيحُ) وَكَذَا التَّحْسِينُ (لَيْسَ يُمْكِنُ) ، بَلْ جَنَحَ لِمَنْعِ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ الشَّامِلَةِ لَهُ (فِي عَصْرِنَا) ، وَاقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي تَصَانِيفِهِمُ الْمُعْتَمَدَةِ الَّتِي يُؤْمَنُ فِيهَا لِشُهْرَتِهَا مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، مُحْتَجًّا

ص: 63

بِأَنَّهُ مَا مِنْ إِسْنَادٍ إِلَّا وَفِي رُوَاتِهِ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ عَرِيًّا عَنِ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ التَّنْبِيهَاتِ الَّتِي بِآخِرِ الْمَقْلُوبِ - الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي التَّضْعِيفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ لَمْ يُوَافِقِ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حُكْمًا وَدَلِيلًا.

أَمَّا الْحُكْمُ فَقَدْ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ ; كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ مُصَنِّفِ " الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ " وَالضِّيَاءِ الْمَقْدِسِيِّ صَاحِبِ " الْمُخْتَارَةِ "، وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ كَالزَّكِيِّ الْمُنْذِرِيِّ، وَالدِّمْيَاطِيِّ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ إِلَى شَيْخِنَا، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَهُ.

(وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا (يَحْيَى) النَّوَوِيُّ رحمه الله: الْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَهُوَ (مُمْكِنٌ) لِمَنْ تَمَكَّنَ وَقَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ لِتَيَسُّرِ طُرُقِهِ.

وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَالْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الْأَسَانِيدِ الْمُتَأَخِّرَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الرُّوَاةِ ; لِعَدَمِ الضَّبْطِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْعِلْمِ، وَهُوَ فِي الضَّبْطِ مُنْجَبِرٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَنْهُمْ، كَمَا أَنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِقَوْلِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ فِيمَا عَنْعَنَهُ الْمُدَلِّسُ: هَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ هَذَا الْمُدَلِّسُ مِنْ شَيْخِهِ، وَحَكَمُوا لِذَلِكَ بِالِاتِّصَالِ.

وَفِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ

ص: 64

بِضَبْطِهِمْ كُتُبَهُمْ مِنْ وَقْتِ السَّمَاعِ إِلَى حِينِ التَّأْدِيَةِ، وَوَرَاءَ هَذَا أَنَّ الْكِتَابَ الْمَشْهُورَ الْغَنِيَّ بِشُهْرَتِهِ عَنِ اعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ مِنَّا إِلَى مُصَنِّفِهِ، كَكِتَابِ النَّسَائِيِّ مَثَلًا لَا يَحْتَاجُ فِي صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إِلَى النَّسَائِيِّ إِلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْإِسْنَادِ مِنَّا إِلَيْهِ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ، إِذَا رَوَى مُصَنِّفُهُ فِيهِ حَدِيثًا، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَجَمَعَ إِسْنَادُهُ شُرُوطَ الصِّحَّةِ، وَلَمْ يَطَّلِعِ الْمُحَدِّثُ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ، فَمَا الْمَانِعُ مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ؟ لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُ مَا يُوجَدُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ، وَفِيهِمُ الضَّابِطُونَ الْمُتْقِنُونَ الْحُفَّاظُ بِكَثْرَةٍ، هَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ فِي هَذَا الْفَنِّ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ النَّاظِمِ فِي دِيبَاجَةِ شَرْحِهِ لَأَبِي دَاوُدَ.

وَلَعَلَّ ابْنَ الصَّلَاحِ اخْتَارَ حَسْمَ الْمَادَّةِ ; لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِمَّنْ يُزَاحِمُ فِي الْوُثُوبِ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي لَا يُهْتَدَى لِلْكَشْفِ مِنْهَا، وَالْوَظَائِفِ الَّتِي لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِمُبَاشَرَتِهَا.

وَلِلْحَدِيثِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ وَلِلدَّوَاوِينِ كُتَّابٌ وَحُسَّابٌ.

وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُحَدِّثِ فِي عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ، وَقَرَأَ، وَسَمِعَ، وَوَعَى، وَرَحَلَ إِلَى الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى، وَحَصَّلَ أُصُولًا وَعَلَّقَ فُرُوعًا مِنْ كُتُبِ الْمَسَانِيدِ وَالْعِلَلِ

ص: 65

وَالتَّوَارِيخِ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ أَلْفِ تَصْنِيفٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُنْكَرُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ طَيْلَسَانٌ، وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ، وَصَحِبَ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الزَّمَانِ، أَوْ مَنْ تَحَلَّى بِلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانٍ، أَوْ بِثِيَابٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ، فَحَصَّلَ تَدْرِيسَ حَدِيثٍ بِالْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ مَلْعَبَةً لِلصِّبْيَانِ، لَا يَفْهَمُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ جُزْءٍ وَلَا دِيوَانٍ، فَهَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مُحَدِّثٍ بَلْ وَلَا إِنْسَانٍ، وَإِنَّهُ مَعَ الْجَهَالَةِ آكِلُ حَرَامٍ، فَإِنِ اسْتَحَلَّهُ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَفْثَةُ مَصْدُورٍ، وَرَمْيَةُ مَعْذُورٍ، وَبِهَا يَتَسَلَّى الْقَائِمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتَحْقِيقِ هَذَا الشَّأْنِ، مَعَ قِلَّةِ الْأَعْوَانِ، وَكَثْرَةِ الْحَسَدِ وَالْخِذْلَانِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

[مَعْنَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ] إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيْخَيْنِ بِشَرْطِهِ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالسَّبْرِ لِكِتَابَيْهِمَا، وَلِذَا اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ.

فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ الْحَافِظُ فِي جُزْءٍ سَمِعْنَاهُ أَفْرَدَهُ لِشُرُوطِ السِّتَّةِ: (شَرْطُهُمَا أَنْ يُخَرِّجَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَى ثِقَةِ نَقَلَتِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَيَكُونَ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ.

فَإِنْ كَانَ لِلصَّحَابِيِّ رَاوِيَانِ فَصَاعِدًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ وَصَحَّ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ كَفَى، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثِقَةِ نَقَلَتِهِمَا قَدْ لَا يَخْدِشُ فِيهِ وُجُودُ حِكَايَةِ التَّضْعِيفِ فِي بَعْضِهِمْ مِمَّنْ قَبْلَهُمَا ; لِتَجْوِيزِ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَاهُ قَادِحًا، فَنَزَّلَا كَلَامَ الْجُمْهُورِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمَا مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الثِّقَاتِ) لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مُخَالَفَةُ الثِّقَاتِ لِمَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ، أَوْ أُكْثَرُ عَدَدًا مِنَ

ص: 66

الثِّقَاتِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّاذِّ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي جُزْءِ شُرُوطِ الْخَمْسَةِ لَهُ مِمَّا سَمِعْنَاهُ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ شَرْطَ الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلًا، وَأَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مُسْلِمًا صَادِقًا غَيْرَ مُدَلِّسٍ وَلَا مُخْتَلِطٍ، مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ، ضَابِطًا مُتَحَفِّظًا، سَلِيمَ الذِّهْنِ، قَلِيلَ الْوَهْمِ، سَلِيمَ الِاعْتِقَادِ.

وَأَنَّ شَرْطَ الْبُخَارِيِّ أَنْ يُخَرِّجَ مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بِالثِّقَاتِ الْمُتْقِنِينَ الْمُلَازِمِينَ لِمَنْ أَخَذُوا عَنْهُ مُلَازَمَةً طَوِيلَةً سَفَرًا وَحَضَرًا، وَإِنَّهُ قَدْ يُخَرِّجُ أَحْيَانًا مَا يَعْتَمِدُهُ عَنْ أَعْيَانِ الطَّبَقَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فِي الْإِتْقَانِ وَالْمُلَازَمَةِ لِمَنْ رَوَوْا عَنْهُ، فَلَمْ يَلْزَمُوهُ إِلَّا مُلَازَمَةً يَسِيرَةً.

وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَيُخَرِّجُ أَحَادِيثَ الطَّبَقَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيعَابِ، وَقَدْ يُخَرِّجُ حَدِيثَ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجَرْحِ، إِذَا كَانَ طَوِيلَ الْمُلَازَمَةِ لِمَنْ أَخَذَ عَنْهُ ; كَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ; فَإِنَّهُ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ وَطُولِ صُحْبَتِهِ إِيَّاهُ، صَارَتْ صَحِيفَةُ ثَابِتٍ عَلَى ذِكْرِهِ وَحِفْظِهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ، وَعَمَلُ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ كَعَمَلِ الْبُخَارِيِّ فِي الثَّانِيَةِ.

قُلْتُ: وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا اكْتِفَاءُ مُسْلِمٍ فِي السَّنَدِ الْمُعَنْعَنِ بِالْمُعَاصَرَةِ، وَالْبُخَارِيِّ بِاللِّقَاءِ وَلَوْ مَرَّةً لِمَزِيدِ تَحَرِّيهِمَا فِي صَحِيحَيْهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اشْتَرَطَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الثِّقَةَ وَالِاشْتِهَارَ. قَالَ: وَقَدْ تَرَكَا أَشْيَاءَ تَرْكُهَا قَرِيبٌ، وَأَشْيَاءَ لَا وَجْهَ لِتَرْكِهَا.

فَمِمَّا تَرَكَهُ الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مَعَ عِلْمِهِ بِثِقَتِهِ ; لِأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لَهُ رَبِيبٌ يُدْخِلُ فِي حَدِيثِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.

وَتَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ تُكُلِّمَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ، وَقَبِلَ صَحِيفَةً، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ لَمَّا وَجَدَهُ تَارَةً يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، وَتَارَةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 67

دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمَرَّةً عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِيهِ، فَلَوْ كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيفَةً كَانَ يَرْوِي الْكُلَّ عَنْ أَبِيهِ. انْتَهَى.

وَرَدَّ كُلٌّ مِنَ الْحَازِمِيِّ وَابْنِ طَاهِرٍ عَلَى الْحَاكِمِ دَعْوَاهُ الَّتِي وَافَقَهُ عَلَيْهَا صَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ ; مِنْ أَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ بِالرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَانِ فَصَاعِدًا، ثُمَّ يَكُونُ لِلتَّابِعِيِّ الْمَشْهُورِ رَاوِيَانِ ثِقَتَانِ، ثُمَّ يَرْوِيَهُ عَنْهُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ الْمَشْهُورُ، وَلَهُ رُوَاةٌ ثِقَاتٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَكُونَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ أَوْ مُسْلِمٍ حَافِظًا مُتْقِنًا مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ فِي رِوَايَتِهِ وَلَهُ رُوَاةٌ، ثُمَّ يَتَدَاوَلُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِالْقَبُولِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا ; كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ " وَإِنْ كَانَ مُنْتَقَضًا فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَخْرَجَا لَهُمْ، فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ حَدِيثُ أَصْلٍ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا وَارٍ وَاحِدٌ فَقَطْ ". انْتَهَى.

وَقَدْ وَجَدْتُ فِي كَلَامِ الْحَاكِمِ التَّصْرِيحَ بِاسْتِثْنَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَاقِضًا لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ، وَلَعَلَّهُ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى هَذَا، فَقَالَ: الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ إِذَا لَمْ نَجِدْ لَهُ رَاوِيًا غَيْرَ تَابِعِيٍّ وَاحِدٍ مَعْرُوفٍ، احْتَجَجْنَا بِهِ، وَصَحَّحْنَا حَدِيثَهُ ; إِذْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا.

فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ

ص: 68

كُلٍّ مِنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ، وَلَيْسَ لَهُمَا رَاوٍ غَيْرَهُ، كَذَلِكَ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَأَحَادِيثَ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ.

وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْحَاكِمِ قَدِ اسْتَقَامَ، وَزَالَ بِمَا تَمَّمْتُ بِهِ عَنْهُ الْمَلَامَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْرَجَ حَدِيثَ عَدِيٍّ إِنَّمَا هُوَ مُسْلِمٌ لَا الْبُخَارِيُّ، مَعَ كَوْنِ قَيْسٍ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْهُ، وَالَّذِي أَخْرَجَ حَدِيثَ زَاهِرٍ إِنَّمَا هُوَ الْبُخَارِيُّ لَا مُسْلِمٌ، نَعَمْ أَخْرَجَا مَعًا لِلْمُسَيَّبِ بْنِ حَزَنٍ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى ابْنِهِ سَعِيدٍ، وَلَكِنْ لَهُ ذِكْرٌ فِي السِّيَرِ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِنَّهُ قَدِمَ مِصْرَ لِغَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَوْرَدَ الْحَاكِمُ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ.

وَقَالَ: قَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ لَأَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَأَبِي مَالِكٍ الَأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا رَاوِيَ لِوَالِدِهِمَا غَيْرُ وَلَدِهِمَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ.

ثُمَّ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (عَلَى شَرْطِهِمَا) ؟ فَعِنْدَ النَّوَوِيِّ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالذَّهَبِيِّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ: هُوَ أَنْ يَكُونَ رِجَالُ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَعْيَانِهِمْ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ يُقَوِّيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا لِرُوَاتِهِ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ رُوَاتِهِ لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ.

قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ حَسْبُ، وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَى حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

ثُمَّ قَالَ: أَبُو عُثْمَانَ هَذَا لَيْسَ هُوَ النَّهْدِيَّ، وَلَوْ كَانَ

ص: 69

النَّهْدِيَّ، لَحَكَمْتُ بِالْحَدِيثِ عَلَى شَرْطِهِمَا.

وَإِنْ خَالَفَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَيُحْمَلُ عَلَى السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ ; كَكَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ.

وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي خُطْبَةِ (مُسْتَدْرَكِهِ) : وَأَنَا أَسْتَعِينُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى إِخْرَاجِ أَحَادِيثَ رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ، قَدِ احْتَجَّ بِمِثْلِهَا الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ; لِأَنَّا نَقُولُ: الْمِثْلِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَعْيَانِ أَوِ الْأَوْصَافِ، لَا انْحِصَارَ لَهَا فِي الْأَوْصَافِ، لَكِنَّهَا فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ، وَفِي الْآخَرِ مَجَازٌ، فَاسْتَعْمَلَ الْمَجَازَ ; حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مَا يَكُونُ عَنْ نَفْسِ رُوَاتِهِمَا:" عَلَى شَرْطِهِمَا "، وَالْحَقِيقَةَ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مَا هُوَ عَنْ أَمْثَالِ رُوَاتِهِمَا:(صَحِيحٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا) .

وَعَلَيْهِ مَشَى فِي تَوْضِيحِ النُّخْبَةِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ - يَعْنِي بِشَرْطِهِمَا - رُوَاتُهُمَا مَعَ بَاقِي شُرُوطِ الصَّحِيحِ، يَعْنِي مِنْ نَفْيِ الشُّذُوذِ وَالْعِلَّةِ، وَسَبَقَهُ لِنَحْوِهِ غَيْرُهُ، قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ: إِنِّي قُلْتَ لِهَذَا: اشْتَرِ لِي مِثْلَ هَذَا الثَّوْبِ الَّذِي مَعَكَ، فَاشْتَرَى ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا شَيْءَ أَشْبَهَ بِالشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، [وَأَلْزَمَهُ أَخْذَ الثَّوْبِ] .

وَكَذَا هَلِ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِمَا؟ الظَّاهِرُ - كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ - الْأَوَّلُ، وَتُعْرَفُ بِتَنْصِيصِهِمَا، وَقَلَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ، أَوْ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي مُلَاحَظَةُ حَالِ الرَّاوِي مَعَ شَيْخِهِ.

فَقَدْ يَكُونُ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ فِي بَعْضِ شُيُوخِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَعَدَمُ النَّظَرِ فِي هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوَهْمِ الْحَاكِمِ، وَلِذَا لَمَّا قَالَ عَقِبَ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ:" صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ " قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحَسَنَ أَوْ سَمُرَةَ فِي

ص: 70