المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أصح كتب الحديث] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[أصح كتب الحديث]

مِمَّا لَا يَصْلُحُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمُخْتَصَرَ يَضِيقُ عَنْ بَسْطِ ذَلِكَ وَتَتِمَّاتِهِ، فَلْيُرَاجَعْ أَصْلُهُ بَعْدَ تَحْرِيرِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

22 -

أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحِيحِ

مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتَّرْجِيحِ

23 -

وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الْغَرْبِ مَعْ

أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ

24 -

وَلَمْ يَعُمَّاهُ وَلَكِنْ قَلَّ مَا

عِنْدَ ابْنِ الْأَخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا

25 -

وَرُدَّ لَكِنْ قَالَ يَحْيَى الْبَرُّ

لَمْ يَفُتِ الْخَمْسَةَ إِلَّا النَّزْرُ

26 -

وَفِيهِ مَا فِيهِ لِقَوْلِ الْجُعْفِي

أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلْفِ أَلْفِ

27 -

وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكْرَارِ

لَهَا وَمَوْقُوفٍ وَفِي الْبُخَارِي

28 -

أَرْبَعَةُ الْآلَافِ وَالْمُكَرَّرُ

فَوْقَ ثَلَاثَةٍ أُلُوفًا ذَكَرُوا

[أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحِيحِ] وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ، (أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحِيحِ) السَّابِقِ تَعْرِيفُهُ كِتَابًا مُخْتَصًّا بِهِ، الْإِمَامُ (مُحَمَّدٌ) هُوَ: ابْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُخَارِيُّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ قَاسِمٍ، وَغَيْرُهُمَا.

وَمُوَطَّأُ مَالِكٍ - وَإِنْ كَانَ سَابِقًا - فَمُصَنِّفُهُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ لِإِدْخَالِهِ فِيهِ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَنَحْوَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ، بِخِلَافِ مَا يَقَعُ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: (مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كِتَابٌ فِي الْعِلْمِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ) - كَانَ قَبْلَ وُجُودِهِ.

ص: 41

[صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ أَفْضَلُ أَوْ صَحِيحُ مُسْلِمٍ](وَ) لِتَقَدُّمِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفَنِّ وَمَزِيدِ اسْتِقْصَائِهِ (خُصَّ) مَا أَسْنَدَهُ فِي صَحِيحِهِ، دُونَ التَّعَالِيقِ وَالتَّرَاجِمِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (بِالتَّرْجِيحِ) عَلَى سَائِرِ الصِّحَاحِ (وَمُسْلِمٌ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ، أَيْ: بَعْدَ الْبُخَارِيِّ وَضْعًا وَرُتْبَةً، وَحَذَفَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَنَوَى مَعْنَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ.

هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ وَالْحِذْقِ وَالْخَوْضِ عَلَى الْأَسْرَارِ، (وَبَعْضُ) أَهْلِ (الْغَرْبِ) حَسْبَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ مِنْ شُيُوخِ أَبِي مَرْوَانَ الطُّبْنِيِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، بَعْدَهَا نُونٌ، مَدِينَةٌ بِـ " الْغَرْبِ " مِنْ عَمَلِ " إِفْرِيقِيَّةَ ".

مِمَّا وُجِدَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ مِنْهُمْ (مَعَ) الْحَافِظِ (أَبِي عَلِيٍّ) الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ النَّيْسَابُورِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ صَاحِبِ (الْمُسْتَدْرَكِ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ الْحَافِظُ (فَضَّلُوا ذَا) أَيْ: (صَحِيحَ مُسْلِمٍ) ، وَلَكِنْ (لَوْ نَفَعَ) هَذَا الْقَوْلُ لَقُبِلَ مِنْ قَائِلِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَعْ ; لِضَعْفِهِ وَمُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ، بَلْ وَعَدَمِ صَرَاحَةِ مَقَالِهِمْ فِي الْمُرَادِ.

أَمَّا الْمَغَارِبَةُ فَإِنَّ ابْنَ حَزْمٍ عَلَّلَ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ التُّجِيبِيُّ عَنْهُ، بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ إِلَّا الْحَدِيثُ السَّرْدُ، وَهُوَ غَيْرُ رَاجِعٍ إِلَى الْأَصَحِّيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْضِيلُ مَنْ لَمْ يُسَمَّ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَاسِمٍ: لَمْ يَضَعْ أَحَدٌ مِثْلَهُ.

ص: 42

[تَرَدُّدُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي التَّفْضِيلِ] وَلِكَوْنِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ، تَرَدَّدَ فِي جِهَةِ التَّفْضِيلِ.

وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كِتَابَ مُسْلِمٍ يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ لَمْ يُمَازِجْهُ غَيْرُ الصَّحِيحِ، يَعْنِي بِخِلَافِ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَوْدَعَ تَرَاجِمَ أَبْوَابِهِ كَثِيرًا مِنْ مَوْقُوفَاتِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُدَّعَى، أَوْ أَنَّ الْأَرْجَحِيَّةَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الصِّحَّةِ فَمَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ.

وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ فَلَفْظُهُ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَنْدَهْ الْمَذْكُورِ عَنْهُ: (مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ) . وَهُوَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا مُحْتَمِلٌ لِلْمُدَّعَى، أَوْ لِنَفْيِ الْأَصَحِّيَّةِ خَاصَّةً دُونَ الْمُسَاوَاةِ.

فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ فِي شَرْحُ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي: ذَهَبَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو ذَرٍّ أَصْدَقَ الْعَالَمِ أَجْمَعَ.

قَالَ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَعْلَى رُتْبَةً فِي الصِّدْقِ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ فِي الصِّدْقِ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، لَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ كُلِّ مَنْ أَقَلَّتْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: فُلَانٌ أَعْلَمُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِفَنِّ كَذَا، لَيْسَ كَقَوْلِهِ: مَا فِي الْبَلَدِ أَعْلَمُ مِنْ فُلَانٍ بِفَنِّ كَذَا ; لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَثْبَتَ لَهُ الَأَعْلَمِيَّةَ، وَفِي الثَّانِي نَفَى أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

ص: 43

فِيهَا مَنْ يُسَاوِيهِ فِيهِ.

قَالَ: وَإِذَا كَانَ لَفْظُ أَبِي عَلِيٍّ مُحْتَمِلًا لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ الْجَزْمُ بِالْأَصَحِّيَّةِ، يَعْنِي كَمَا فَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ ; حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كِتَابُ مُسْلِمٍ أَصَحُّ. وَقَدْ سَبَقَهُ كُلٌّ مِنْ شَيْخَيْهِ: الْمُؤَلِّفِ، وَالْعِزِّ ابْنِ جَمَاعَةَ إِلَى الْإِرْشَادِ لِذَلِكَ.

بَلْ لِعَدَمِ صَرَاحَةِ مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا تَرْوِي عَنْ أَثْبَتَ مِنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، أَمَّا مِثْلُهُ فَعَسَى.

وَيَتَأَيَّدُ كُلُّ هَذَا بِحِكَايَةِ التَّسَاوِي، قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فِيهَا رَابِعٌ، وَهُوَ الْوَقْفُ ; إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ إِجْمَالِيٌّ وَتَفْصِيلِيٌّ.

[دَلِيلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ] أَمَّا الْإِجْمَالِيُّ: فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ كَانَ أَعْلَمَ بِالْفَنِّ مِنْ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ تِلْمِيذُهُ وَخِرِّيجُهُ، حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَوْلَا الْبُخَارِيُّ مَا رَاحَ مُسْلِمٌ وَلَا جَاءَ.

ص: 44

وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَرْجَحِيَّةُ الْمُصَنِّفِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَرْجُوحِيَّةَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِيَّةِ بِالْمَقْصُودِ.

وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: إِنَّ كِتَابَ الْبُخَارِيِّ أَكْثَرُهُمَا فَوَائِدَ وَمَعَارِفَ ظَاهِرَةً وَغَامِضَةً.

وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ: فَالْإِسْنَادُ الصَّحِيحُ مَدَارُهُ عَلَى الِاتِّصَالِ وَعَدَالَةِ الرُّوَاةِ، وَكِتَابُ الْبُخَارِيِّ أَعْدَلُ رُوَاةً وَأَشَدُّ اتِّصَالًا. وَبَيَانُهُ أَنَّ الَّذِينَ انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُمْ دُونَ مُسْلِمٍ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ بِالضَّعْفِ مِنْهُمْ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ.

وَالَّذِينَ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِهِمْ دُونَ الْبُخَارِيِّ سِتُّمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْرِيجَ عَمَّنْ لَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهِ أَصْلًا أَوْلَى مِنَ التَّخْرِيجِ عَمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ شَدِيدٍ.

وَأَيْضًا فَالَّذِينَ انْفَرَدَ بِهِمُ الْبُخَارِيُّ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، لَمْ يُكْثِرْ مِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِمْ بِخِلَافِ مُسْلِمٍ، وَالَّذِينَ انْفَرَدَ بِهِمُ الْبُخَارِيُّ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ وَخَبَرَهُمْ وَخَبَرَ حَدِيثَهُمْ بِخِلَافِ مُسْلِمٍ، فَأَكْثَرُ مَنْ يَنْفَرِدُ بِهِ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْءَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِ شُيُوخِهِ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُكُلِّمَ فِيهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ يُخَرِّجُ الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَهُمْ غَالِبًا فِي الِاسْتِشْهَادَاتِ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ مُسْلِمٍ.

وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاتِّصَالِ: فَمُسْلِمٌ كَانَ مَذْهَبُهُ - بَلْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ - أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ لَهُ حُكْمُ الِاتِّصَالِ، إِذَا تَعَاصَرَ الْمُعَنْعِنُ وَالْمُعَنْعَنُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ اجْتِمَاعُهُمَا، وَالْبُخَارِيُّ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الِاتِّصَالِ، حَتَّى يَثْبُتَ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً.

ص: 45

وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ يُرَجِّحُ كِتَابَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: وَإِنْ كُنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَى مُسْلِمٍ بِعَمَلِهِ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، لِكَوْنِهِ يَجْمَعُ طُرُقًا كَثِيرَةً يَتَعَذَّرُ مَعَهَا وُجُودُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي جَوَّزَهُ. انْتَهَى.

[وَذَلِكَ فِي الْغَالِبِ وَمَا عَدَاهُ فَجَلَالَتُهُ تَنْبُو عَنْ مَشْيِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ عَلَيْهِ] .

وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ لِكِتَابِ مُسْلِمٍ، سِوَى مَا سَلَفَ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ - فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ - كَمَا مَرَّ - غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِلْأَصَحِّيَّةِ، مُعَارَضٌ بِوُجُودِ مِثْلِهِ، أَوْ أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ نَمَطِهِ فِي الْبُخَارِيِّ مِمَّا لَا نُطِيلُ بِإِيضَاحِهِ هُنَا.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ النَّظَّارُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ((إِنَّهُ - أَيْ: مُسْلِمًا - رَامَ مَا رَامَ الْبُخَارِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُضَايِقْ نَفْسَهُ مُضَايَقَتَهُ.

وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضِ الْبُخَارِيُّ لِلرِّوَايَةِ عَنْهُمْ قَالَ: وَكُلٌّ قَصَدَ الْخَيْرَ وَمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ، غَيْرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَبْلُغْ مِنَ التَّشْدِيدِ مَبْلَغَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا تَسَبَّبَ إِلَى اسْتِنْبَاطِهِ الْمَعَانِيَ وَاسْتِخْرَاجِ لَطَائِفِ فِقْهِ الْحَدِيثِ وَتَرَاجِمِ الْأَبْوَابِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا لَهُ وَصْلَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ تَسَبُّبَهُ، وَلِلَّهِ الْفَضْلُ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ يَشَاءُ)) .

وَبِالْجُمْلَةِ فَكِتَابَاهُمَا أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ (وَ) لَكِنَّهُمَا (لَمْ يَعُمَّاهُ) أَيْ: لَمْ يَسْتَوْعِبَا [كُلَّ الصَّحِيحِ فِي كِتَابَيْهِمَا، بَلْ لَوْ قِيلَ: إِنَّهُمَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا مَشْرُوطَهُمَا،

ص: 46

لَكَانَ مُوَجَّهًا] وَقَدْ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَدَمِ الِاسْتِيعَابِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْهُ:((مَا أَدْخَلْتُ فِي كِتَابِي الْجَامِعِ إِلَّا مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْكِتَابُ)) .

وَقَالَ مُسْلِمٌ: ((إِنَّمَا أَخْرَجْتُ هَذَا الْكِتَابَ، وَقُلْتُ: هُوَ صِحَاحٌ، وَلَمْ أَقُلْ: إِنَّ مَا لَمْ أُخَرِّجْهُ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ ضَعِيفٌ)) .

وَحِينَئِذٍ فَإِلْزَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ لَهُمَا فِي جُزْءٍ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ بِأَحَادِيثِ رِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رُوِيَتْ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، تَرَكَاهَا مَعَ كَوْنِهَا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: يَنْبَغِي أَنْ يُنَاقَشَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي تَرْكِهِمَا إِخْرَاجَ أَحَادِيثَ هِيَ مِنْ شَرْطِهِمَا - لَيْسَ بِلَازِمٍ.

وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ((وَلَمْ يَحْكُمَا، وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَا خَرَّجَهُ، قَالَ: وَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ، يَشْمَتُونَ بِرُوَاةِ الْآثَارِ ; بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ عِنْدَكُمْ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ آلَافِ حَدِيثٍ)) .

وَنَحْوُهُ مَا ذَكَرَهُ السِّلَفِيُّ فِي مُعْجَمِ السَّفَرِ " أَنَّ بَعْضَهُمْ رَأَى فِي

ص: 47

الْمَنَامِ أَبَا دَاوُدَ صَاحِبَ السُّنَنِ فِي آخَرِينَ مُجْتَمِعِينَ، وَأَنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ: كُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ، فَاقْلِبْ عَنْهُ رَأْسَ دَابَّتِكَ ".

وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ بِتَفْضِيلِ كِتَابِ النَّسَائِيِّ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ: إِنَّ مَنْ شَرَطَ الصِّحَّةَ، فَقَدْ جَعَلَ لِمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ فِي الْإِدْرَاكِ سَبَبًا إِلَى الطَّعْنِ عَلَى مَا لَمْ يُدْخِلْ، [وَجَعَلَ لِلْجِدَالِ مَوْضِعًا] فِيمَا أَدْخَلَ. وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا.

وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا حَصْرَ الصَّحِيحِ فِيمَا أَوْدَعَاهُ كِتَابَيْهِمَا (وَلَكِنْ قَلَّ مَا) أَيِ: الَّذِي (عِنْدَ) الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ابْنِ الْأَخْرَمِ) شَيْخِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مُدْغَمَةٍ فِي مِيمِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الصَّحِيحِ (قَدْ فَاتَهُمَا، وَرُدَّ) مِنِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ، فَإِنَّهُ يَصْفُو مِنْ (مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ) عَلَيْهِمَا صَحِيحٌ كَثِيرٌ.

(لَكِنْ قَالَ) الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا (يَحْيَى) النَّوَوِيُّ (الْبَرُّ) - لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَأَصْنَافِ الْبِرِّ مَا فَاقَ فِيهِ ; بِحَيْثُ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ سَالِكًا مِنْهَاجَ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْلَمُ فِي عَصْرِهِ مَنْ سَلَكَهُ غَيْرُهُ - فِي كِتَابِهِ ((الْإِرْشَادِ)) بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْأَخْرَمِ: إِنَّهُ فَاتَهُمَا كَثِيرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُشَاهَدَةُ.

ص: 48

قُلْتُ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ (لَمْ يَفُتِ) الْكُتُبَ (الْخَمْسَةَ) أُصُولَ الْإِسْلَامِ ; وَهِيَ: الصَّحِيحَانِ وَالسُّنَنُ الثَّلَاثَةُ (إِلَّا النَّزْرُ) يَعْنِي الْقَلِيلَ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَائِلِ الْحَافِظَ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ الْفَرَضِيِّ، فَإِنَّهُ وَصَفَ مُصَنَّفَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا عَدَا التِّرْمِذِيِّ مِنْهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقَلِيلُ.

(وَفِيهِ) أَيْ: وَفِي تَصْوِيبِ النَّوَوِيِّ رحمه الله أَيْضًا (مَا فِيهِ) كِنَايَةٌ عَنْ ضَعْفِهِ (لِقَوْلِ الْجُعْفِيِّ) مَوْلَاهُمُ، الْبُخَارِيِّ، حَسْبَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْمُسْتَظْهِرِ بِظَاهِرِهِ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْأَخْرَمِ، (أَحْفَظُ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الصَّحِيحِ (عُشْرَ أَلْفِ أَلْفِ. .) حَدِيثٍ، أَيْ: مِائَةَ أَلْفٍ، كَمَا هِيَ عِبَارَتُهُ.

وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ: وَمِائَتَيْ أَلْفِ حَدِيثٍ غَيْرِ صَحِيحٍ. وَالْخَمْسَةُ فَضْلًا عَنِ الصَّحِيحَيْنِ دُونَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُمَا مَعًا بِأَنْ يُقَالَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ (عَلَّهُ) أَيْ: عَلَّ الْبُخَارِيَّ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي " لَعَلَّ " وَمِنْهُ:

لَا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ

تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ.

(أَرَادَ) بُلُوغَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ (بِالتَّكْرَارِ لَهَا وَمَوْقُوفٍ) يَعْنِي بَعْدَ الْمُكَرَّرِ وَالْمَوْقُوفِ، وَكَذَا آثَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ مِمَّا كَانَ السَّلَفُ يُطْلِقُونَ عَلَى كُلِّهِ حَدِيثًا، وَحِينَئِذٍ يَسْهُلُ الْخَطْبُ، فَرُبَّ حَدِيثٍ لَهُ مِائَةُ طَرِيقٍ فَأَكْثَرُ.

ص: 49

وَهَذَا حَدِيثُ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» نُقِلَ - مَعَ مَا فِيهِ - عَنِ الْحَافِظِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ حَدِيثِ سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَاوِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ.

وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: وَمَا تَرَكْتُ مِنَ الصَّحِيحِ أَكْثَرُ، مَا نَصُّهُ: لَوْ أَخْرَجَ كُلَّ حَدِيثٍ عِنْدَهُ، لَجَمَعَ فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ حَدِيثَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَذَكَرَ طُرُقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا صَحَّتْ.

وَقَالَ الْجَوْزَقِيُّ: إِنَّهُ اسْتَخْرَجَ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، فَكَانَتْ عِدَّتُهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ طَرِيقٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ طَرِيقًا.

قَالَ شَيْخُنَا: وَإِذَا كَانَ الشَّيْخَانِ مَعَ ضِيقِ شَرْطِهِمَا، بَلَغَ جُمْلَةُ مَا فِي كِتَابَيْهِمَا بِالْمُكَرَّرِ ذَلِكَ، فَمَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ مِنَ الطُّرُقِ لِلْمُتُونِ الَّتِي أَخْرَجَاهَا لَعَلَّهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يَزِيدُ، وَمَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ مِنَ الْمُتُونِ مِنَ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِمَا لَعَلَّهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ، فَإِذَا انْضَافَ ذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، بَلَغَ الْعِدَّةَ الَّتِي يَحْفَظُهَا الْبُخَارِيُّ، بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ.

وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيِّنٌ، وَإِلَّا فَلَوْ عُدَّتْ أَحَادِيثُ الْمَسَانِيدِ، وَالْجَوَامِعِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعَاجِمِ وَالْفَوَائِدِ، وَالْأَجْزَاءِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ بِأَيْدِينَا صَحِيحُهَا وَغَيْرُهُ - مَا بَلَغَتْ ذَلِكَ بِدُونِ تَكْرَارٍ - بَلْ وَلَا نِصْفَهُ. انْتَهَى.

ص: 50

وَبِمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ لَا يُنَافِي مَقَالَةَ ابْنِ الْأَخْرَمِ، فَضْلًا عَنِ النَّوَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتَنْتَجَ مِنْ ظَاهِرِهِ مَعَ قَوْلِهِ:

[عَدَدُ أَحَادِيثِ الْبُخَارِيِّ](وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ) مِنَ الْأَحَادِيثِ بِدُونِ تَكْرِيرٍ (أَرْبَعَةُ الْآلَافِ) بِزِيَادَةِ " أَلْ " لِلضَّرُورَةِ، (وَالْمُكَرَّرُ) مِنْهَا (فَوْقَ ثَلَاثَةٍ أُلُوفًا) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا، كَمَا (ذَكَرُوا) أَيْ: أَبُو مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ رَاوِي الصَّحِيحِ وَمَنْ تَبِعَهُ، أَنَّ الَّذِي لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ مِنَ الصَّحِيحِ أَكْثَرُ مِمَّا خَرَّجَهُ.

عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِغَيْرِ هَذَا، فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ ابْنِ الْأَخْرَمِ فِيمَا فَاتَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَعَقَّبُ بِالْمُسْتَدْرَكِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ عَلَى شَرْطِهِمَا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، بَلْ لَمْ يَسْتَثْنِ غَيْرُهُ شَيْئًا.

قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مِمَّا عَرَفَاهُ وَاطَّلَعَا عَلَيْهِ مِمَّا يَبْلُغُ شَرْطَهُمَا

ص: 51