المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مُنْتَقَدٌ كَثِيرٌ فِيهَا ; كَقَوْلِ: كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ: يَا حُمَيْرَاءُ، - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: مُنْتَقَدٌ كَثِيرٌ فِيهَا ; كَقَوْلِ: كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ: يَا حُمَيْرَاءُ،

مُنْتَقَدٌ كَثِيرٌ فِيهَا ; كَقَوْلِ: كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ: يَا حُمَيْرَاءُ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ زَبَدُ الْبَحْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: حَدِيثُ كَذَا لَيْسَ أَصْلًا، وَلَا أَصْلَ لَهُ فَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ] .

[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ](وَالْوَاضِعُونَ) جَمْعُ وَاضِعٍ (لِلْحَدِيثِ) وَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرُونَ مَعْرُوفُونَ فِي كُتُبِ الضُّعَفَاءِ خُصُوصًا (الْمِيزَانَ) لِلذَّهَبِيِّ وَ " لِسَانَهُ " لِشَيْخِنَا، بَلْ أَفْرَدَهُمُ الْحَافِظُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي تَأْلِيفٍ سَمَّاهُ (الْكَشْفَ الْحَثِيثَ عَمَّنْ رُمِيَ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ، وَيَخْتَلِفُ حَالُهُمْ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ.

وَفِي السَّبَبِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى الْوَضْعِ (أَضْرُبُ) أَيْ: أَصْنَافٌ، فَصِنْفٌ كَالزَّنَادِقَةِ، وَهُمُ الْمُبْطِنُونَ لِلْكُفْرِ الْمُظْهِرُونَ لِلْإِسْلَامِ، أَوِ الَّذِينَ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِدِينٍ، يَفْعَلُونَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ ; لِيُضِلُّوا بِهِ النَّاسَ.

فَقَدْ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ: إِنَّهُمْ وَضَعُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ.

وَقَالَ الْمَهْدِيُّ فِيمَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ: أَقَرَّ عِنْدِي رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ بِوَضْعِ مِائَةِ حَدِيثٍ، فَهِيَ تَجُولُ فِي أَيْدِي النَّاسِ.

وَمِنْهُمُ: الْحَارِثُ الْكَذَّابُ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبُ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ، وَغَيْرُهُمْ كَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ خَالِ مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ، الَّذِي أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْعَبَّاسِيُّ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فِي

ص: 316

زَمَنِ الْمَهْدِيِّ، بَعْدَ السِّتِّينَ وَمِائَةٍ، وَاعْتَرَفَ حِينَئِذٍ بِوَضْعِ أَرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيثٍ تُحَرِّمُ حَلَالَهَا وَتُحِلُّ حَرَامَهَا.

وَصِنْفٌ كَالْخَطَّابِيَّةِ، فِرْقَةٍ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ الْمُشَايِعِينَ عَلِيًّا رضي الله عنه يَنْتَسِبُونَ لِأَبِي الْخَطَّابِ الْأَسَدِيِّ، كَانَ يَقُولُ بِالْحُلُولِ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى التَّعَاقُبِ، ثُمَّ ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ وَقُتِلَ.

وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ مُنْدَرِجَةٌ فِي الرَّافِضَةِ ; إِذِ الرَّافِضَةُ فِرَقٌ مُتَنَوِّعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ، وَانْتَسَبُوا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: تَبَرَّأْ مِنَ الشَّيْخَيْنِ فَأَبَى، وَقَالَ: كَانَا وَزِيرَيْ جَدِّي صلى الله عليه وسلم فَتَرَكُوهُ وَرَفَضُوهُ.

وَكَالسَّالِمِيَّةِ: فِرْقَةٍ يَنْتَسِبُونَ لِمَذْهَبِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَالِمٍ السَّالِمِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَكَانَ مَذْهَبًا مَشْهُورًا بِالْبَصْرَةِ وَسَوَادِهَا، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَفْعَلُونَهُ انْتِصَارًا وَتَعَصُّبًا لِمَذْهَبِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) عَنْ شَيْخٍ مِنَ الْخَوَارِجِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَمَا تَابَ: انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوِينَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا، زَادَ غَيْرُهُ فِي رِوَايَةٍ: وَنَحْتَسِبُ الْخَيْرَ فِي إِضْلَالِكُمْ.

وَكَذَا قَالَ مُحْرِزٌ أَبُو رَجَاءٍ، وَكَانَ يَرَى الْقَدْرَ فَتَابَ مِنْهُ: لَا تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَضَعُ الْأَحَادِيثَ، نُدْخِلُ بِهَا النَّاسَ فِي الْقَدَرِ، نَحْتَسِبُ بِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - كَمَا سَيَأْتِي فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ -: مَا فِي

ص: 317

أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَشْهَدُ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ.

وَصِنْفٌ يَتَقَرَّبُونَ لِبَعْضِ الْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ بِوَضْعِ مَا يُوَافِقُ فِعْلَهُمْ وَآرَاءَهُمْ ; لِيَكُونَ كَالْعُذْرِ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْهُ وَأَرَادُوهُ ; كَغَيَّاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ; حَيْثُ وَضَعَ لِلْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ وَالِدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فِي حَدِيثِ: «لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ» ، فَزَادَ فِيهِ:" أَوْ جَنَاحٍ ".

وَكَانَ الْمَهْدِيُّ إِذْ ذَاكَ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ، فَأَمَرَ لَهُ بِبَدْرَةٍ يَعْنِي عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا قَفَّى قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى قَفَاكَ أَنَّهُ قَفَا كَذَّابٍ، ثُمَّ تَرَكَ الْحَمَامَ، وَأَمَرَ بِذَبْحِهَا وَقَالَ: أَنَا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَهَا أَبُو خَيْثَمَةَ.

لَكِنْ أَسْنَدَ الْخَطِيبُ فِي تَرْجَمَةِ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مِنْ (تَأْرِيخِهِ) مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَتَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا رَوَى: " لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ جَنَاحٍ "؟ فَقَالَ: مَا رَوَى ذَاكَ إِلَّا ذَاكَ الْكَذَّابُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ.

بَلْ رَوَى الْخَطِيبُ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ أَنَّ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ دَخَلَ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الرَّشِيدِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ، فَقَالَ: هَلْ تَحْفَظُ فِي هَذَا شَيْئًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: اخْرُجْ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَعَزَلْتُهُ.

وَصِنْفٌ فِي ذَمِّ مَنْ يُرِيدُونَ ذَمَّهُ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ الْإِسْكَافِ الْمُخَرَّجِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ رَأَى ابْنَهُ يَبْكِي فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: ضَرَبَنِي الْمُعَلِّمُ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لِأُخْزِيَنَّهُمْ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ.

ص: 318

وَصِنْفٌ كَانُوا يَتَكَسَّبُونَ بِذَلِكَ، وَيَرْتَزِقُونَ بِهِ فِي قِصَصِهِمْ وَمَوَاعِظِهِمْ.

وَصِنْفٌ يَلْجَئُونَ إِلَى إِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِآرَائِهِمْ فَيَضَعُونَهُ.

وَقَدْ حَصَلَ الضَّرَرُ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ وَ (أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ) وَصَلَاحٍ (نُسِبُوا) ; كَأَبِي بِشْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ الْفَقِيهِ، وَأَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ (قَدْ وَضَعُوهَا) أَيِ: الْأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَالرَّغَائِبِ (حِسْبَةً) أَيْ: لِلْحِسْبَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَحْتَسِبُونَ بِزَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ وَجَهْلِهِمْ، لَا يُفَرِّقُونَ بِسَبَبِهِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ لَهُمْ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ فِي صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ - الْأَجْرَ وَطَلَبَ الثَّوَابِ ; لِكَوْنِهِمْ يَرُونَهُ قُرْبَةً، وَيَحْتَسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

كَمَا يُحْكَى عَمَّنْ كَانَ يَتَصَدَّى لِلشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ; زَاعِمًا لِلْخَيْرِ بِذَلِكَ ; لِكَوْنِ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِالتَّعَبُّدِ بِالصَّوْمِ يَكُفُّهُمْ عَنْ مَفَاسِدَ تَقَعُ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ (فَقُبِلَتْ) تِلْكَ الْمَوْضُوعَاتُ (مِنْهُمْ رُكُونًا لَهُمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ ; أَيْ مَيْلًا إِلَيْهِمْ وَوُثُوقًا بِهِمْ ; لِمَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ التَّدَيُّنِ.

(وَنُقِلَتْ) عَنْهُمْ عَلَى لِسَانِ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِيَّةِ بِمَكَانٍ ; لِمَا عِنْدَهُ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ، وَعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ مَا سَمِعَهُ عَلَى الصِّدْقِ، وَعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ لِتَمْيِيزِ الْخَطَأِ مِنَ الصَّوَابِ (فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ (نُقَّادَهَا) جَمْعَ نَاقِدٍ يُقَالُ: نَقَدْتُ الدَّرَاهِمَ، إِذَا اسْتَخْرَجْتَ مِنْهَا الزَّيْفَ، وَهُمُ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِنُورِ السُّنَّةِ، وَقُوَّةِ الْبَصِيرَةِ، فَلَمْ تَخْفَ عَنْهُمْ حَالُ مُفْتَرٍ، وَلَا زُورُ كَذَّابٍ.

(فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا) ، وَمَيَّزُوا الْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ، وَالْمُزَلْزَلَ مِنَ الْمَكِينِ، وَقَامُوا بِأَعْبَاءِ مَا تَحَمَّلُوهُ، وَلِذَا لَمَّا قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: تَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: 9] . انْتَهَى.

ص: 319

وَمِنْ حِفْظِهِ هَتْكُ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَا أَهْلَ بَغْدَادَ، لَا تَظُنُّوا أَنَّ أَحَدًا يَقْدِرُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَيٌّ، وَقَدْ تَعَيَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْأَصْنَافِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَعُلَمَاءِ الرِّجَالِ.

وَلِذَلِكَ - لَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ - أَمْثِلَةٌ (نَحْوُ) مَا رُوِّينَاهُ عَنْ (أَبِي عِصْمَةَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيِّ قَاضِيهَا فِي حَيَاةِ شَيْخِهِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُلَقَّبِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْمَغَازِي، وَالْفِقْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا - الْجَامِعُ.

(إِذْ رَأَى الْوَرَى) أَيِ الْخَلْقَ (زَعْمًا) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ بَاطِلًا مِنْهُ (نَأَوْا) أَيْ: أَعْرَضُوا (عَنِ الْقُرْآنِ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ - كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ - وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ، مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ (فَافْتَرَى) أَيِ: اخْتَلَقَ (لَهُمْ) أَيْ: لِلْوَرَى مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حِسْبَةً بِاعْتِرَافِهِ حَسَبَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو عَمَّارٍ أَحَدُ الْمَجَاهِيلِ (حَدِيثًا فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ) كُلِّهَا سُورَةً سُورَةً.

وَرَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (فَبِئْسَ) كَمَا زَادَهُ النَّاظِمُ (مَا ابْتَكَرْ) فِي وَضْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا أَدْرَكَهُ مِنَ الْإِثْمِ بِسَبَبِهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوَضْعِ أَبِي عِصْمَةَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَكَأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ بِهِ.

وَقَالَ هُوَ وَابْنُ حِبَّانَ: إِنَّهُ جَمَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الصِّدْقَ، وَ (كَذَا الْحَدِيثُ) الطَّوِيلُ (عَنْ أُبَيٍّ) هُوَ ابْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ أَيْضًا (اعْتَرَفْ رَاوِيهِ بِالْوَضْعِ) لَهُ.

فَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ الْمَكِّيِّ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ.

وَكَانَ - كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ -

ص: 320

شَدِيدًا فِي السُّنَّةِ، وَرَفَعَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ شَأْنِهِ، مَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ سَأَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ بِالْمَدَائِنِ وَهُوَ حَيٌّ، فَارْتَحَلَ إِلَيْهِ، فَأَحَالَ عَلَى شَيْخٍ بِوَاسِطَ، فَارْتَحَلَ إِلَيْهِ، فَأَحَالَ عَلَى شَيْخٍ بِالْبَصْرَةِ، فَارْتَحَلَ إِلَيْهِ، فَأَحَالَ عَلَى شَيْخٍ بِعَبَادَانَ.

قَالَ الْمُؤَمَّلُ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَيْهِ، أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا، فَإِذَا فِيهِ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَمَعَهُمْ شَيْخٌ، فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ حَدَّثَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا شَيْخُ، مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّا رَأَيْنَا النَّاسَ قَدْ رَغِبُوا عَنِ الْقُرْآنِ، فَوَضَعْنَا لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ ; لِيَصْرِفُوا قُلُوبَهُمْ إِلَى الْقُرْآنِ.

وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: أَظُنُّ الزَّنَادِقَةَ وَضَعَتْهُ، بَلْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا عِصْمَةَ وَاضِعُ الَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الَّذِي وَضَعَ هَذَا أَيْضًا.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَنْ أُبَيٍّ طُرُقٌ (وَبِئْسَ) كَمَا زَادَهُ النَّاظِمُ أَيْضًا (مَا اقْتَرَفْ) أَيِ: اكْتَسَبَ وَاضِعُهُ (وَ) لِهَذَا (كُلُّ مَنْ أَوْدَعَهُ كِتَابَهُ) فِي التَّفْسِيرِ (كَـ) أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ (الْوَاحِدِيِّ) بِمُهْمَلَتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: لَا أَدْرِي لِمَ نُسِبَ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يُقَالُ: هُوَ وَاحِدُ قَوْمِهِ وَوَاحِدُ أُمِّهِ، فَلَعَلَّهُ نُسِبَ إِلَى أَبٍ أَوْ جَدٍّ، أَوْ قَرِيبٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيِّ.

وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ الْحَافِظِ ابْنِ الْحَافِظِ فَهُوَ (مُخْطِئٌ) فِي ذَلِكَ (صَوَابَهُ) ; إِذِ الصَّوَابُ تَجَنُّبُ إِيرَادِ الْمَوْضُوعِ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ

ص: 321

أَشَدُّهُمْ خَطَأً ; حَيْثُ أَوْرَدَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ غَيْرَ مُبْرِزٍ لِسَنَدِهِ، وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِخِلَافِ الْآخَرِينَ، فَإِنَّهُمْ سَاقُوا إِسْنَادَهُ.

وَإِنْ حَكَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَدَمَ جَوَازِهِ أَيْضًا (وَجَوَّزَ الْوَضْعَ) عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (عَلَى) وَجْهِ (التَّرْغِيبِ) لِلنَّاسِ فِي الطَّاعَةِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ (قَوْمُ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ (ابْنِ كَرَّامٍ) بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ ; كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ الْخَطِيبُ وَابْنُ مَاكُولَا وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ مَسْعُودٌ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ.

وَأَبَاهُ مُتَكَلِّمُ الْكَرَّامِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ فَقَالَ: الْمَعْرُوفُ فِي أَلْسِنَةِ الْمَشَايِخِ - يَعْنِي: مَشَايِخَهُمْ - بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَرَامَةٍ أَوْ كَرِيمٍ، فَقَالَ: وَيُقَالُ: بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى لَفْظِ جَمْعٍ كَرِيمٍ، قَالَ: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ سِجِسْتَانَ، وَقَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ فِيهِ، وَكَانَ وَلِعًا بِالْجِنَاسِ:

إِنَّ الَّذِينَ بِجَهْلِهِمْ لَمْ يَقْتَدُوا

بِمُحَمَّدِ بْنِ كِرَامَ غَيْرُ كِرَامِ

الْفِقْهُ فِقْهُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ

وَالدِّينُ دِينُ مُحَمَّدِ بْنِ كِرَامِ

- شَاهِدٌ لِلتَّخْفِيفِ فِيهِ [إِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً] ، وَهُوَ السِّجِسْتَانِيُّ الَّذِي كَانَ عَابِدًا زَاهِدًا ثُمَّ خُذِلَ - كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ - فَالْتَقَطَ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَرْدَأَهَا، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ أَوْهَاهَا، وَصَحِبَ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوبَارِيَّ، فَكَانَ يَضَعُ لَهُ الْحَدِيثَ

ص: 322

عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ.

(وَ) كَذَا جَوَّزُوا الْوَضْعَ (فِي التَّرْهِيبِ) زَجْرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، مُحْتَجِّينَ فِي ذَلِكَ - مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ إِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - بِأَنَّ الْكَذِبَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ هُوَ لِلشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم ; لِكَوْنِهِ مُقَوِّيًا لِشَرِيعَتِهِ، لَا عَلَيْهِ، وَالْكَذِبَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ كَأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ سَاحِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يُقْصَدُ شَيْنُهُ بِهِ، وَعَيْبُ دِينِهِ، وَبِزِيَادَةِ:" لِيُضِلَّ بِهِ النَّاسَ " فِي حَدِيثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا» الَّتِي هِيَ مُقَيِّدَةٌ لِلْإِطْلَاقِ.

وَبِكَوْنِ حَدِيثِ: " مَنْ كَذَبَ " إِنَّمَا وَرَدَ فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، ذَهَبَ إِلَى قَوْمٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَحَكَمَ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثَ.

وَفِي هَذِهِ مُتَمَسَّكٌ لِلْمُحْتَسِبِينَ أَيْضًا الَّذِينَ هُمْ أَخَصُّ مِنْ هَؤُلَاءِ، لَكِنَّهَا مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمَا.

[وُجُوهُ الرَّدِّ عَلَى الْمُحْتَسِبِينَ] أَمَّا الْأَوَّلُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - جَهْلٌ مِنْهُمْ بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ قِسْمٌ مِنْهَا، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنِ اللَّهِ فِي الْوَعْدِ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الثَّوَابِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى ضَعْفِهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهَا فَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ، وَإِنَّمَا هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ أَيْ: يَصِيرُ كَذِبُهُمْ لِلْإِضْلَالِ ; كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [الْقَصَصِ: 8] وَهُمْ

ص: 323

لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، أَوْ لَامُ التَّأْكِيدِ - يَعْنِي كَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ - وَلَا مَفْهُومَ لَهَا ; كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الْأَنْعَامِ: 144] ; لِأَنَّ افْتِرَاءَهُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا ; سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ الْإِضْلَالَ، أَمْ لَمْ يَقْصِدْ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَالسَّبَبُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَنَحْوُ هَذَا الْمَذْهَبِ الرَّدِيءِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْآتِي قَرِيبًا، وَمِمَّا يُرَدُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ كِفَايَةً عَنْ غَيْرِهَا، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: 38] .

وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ عَلَى الْأَسْمَاعِ وَسَقَطَ وَقْعُهُ، وَمَا هُوَ جَدِيدٌ فَوَقْعُهُ أَعْظَمُ، هُوَ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: هَوَسٌ وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا يُقَاوِمُهَا شَيْءٌ ; بِحَيْثُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ فَعَلَهُ، وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي، بَلْ بَالَغَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَكَفَّرَ مُتَعَمِّدَهُ.

(وَالْوَاضِعُونَ) أَيْضًا (بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا) مَا وَضَعَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلَامًا مُبْتَكَرًا (مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَدْ (وَضَعَا كَلَامَ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ) أَوِ الزُّهَّادِ، أَوِ الصَّحَابَةِ، أَوْ مَا يُرْوَى فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ (فِي الْمُسْنَدِ) الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; تَرْوِيجًا لَهُ.

وَقَدْ رَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، كَأَنَّهُ الْمَصْلُوبُ، أَنَّهُ لَا

ص: 324