الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَاصِلِ " ; حَيْثُ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ " عَنْ " لَا إِشْعَارَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّحَمُّلِ، وَيَصِحُّ وُقُوعُهَا فِيمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، كَمَا إِذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنَّا مَثَلًا: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَنْ أَنَسٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ شُعْبَةُ: كُلُّ إِسْنَادٍ لَيْسَ فِيهَا ثَنَا وَأَنَا فَهُوَ خَلٌّ وَبَقْلٌ. وَقَالَ أَيْضًا: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ - كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ - مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ. انْتَهَى.
وَفِيهِ مِنَ التَّشْدِيدِ مَا لَا يَخْفَى، وَيَلِيهِ اشْتِرَاطُ طُولِ الصُّحْبَةِ، وَمُقَابِلُهُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَاصَرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَذْهَبُ الْوَسَطُ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللِّقَاءِ، وَمَا خَدَشَهُ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ وُجُودِ أَحَادِيثَ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهَا مَعَ أَنَّهَا مَا رُوِيَتْ إِلَّا مُعَنْعَنَةً وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّ بَعْضَ رُوَاتِهَا لَقِيَ شَيْخَهُ - فَغَيْرُ لَازِمٍ ; إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ عِنْدَهُ نَفْيُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَكَذَا مَا أَلْزَمَ بِهِ رَدَّ الْمُعَنْعَنِ دَائِمًا ; لِاحْتِمَالِ عَدَمِ السَّمَاعِ لَيْسَ بِوَارِدٍ ; إِذِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ - كَمَا تَقَدَّمَ - فِي غَيْرِ الْمُدَلِّسِ، وَمَتَى فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا عَنْعَنَهُ كَانَ مُدَلِّسًا.
[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]
ِ] : قَدْ تَرِدُ " عَنْ " وَلَا يُقْصَدُ بِهَا الرِّوَايَةُ، بَلْ يَكُونُ الْمُرَادُ سِيَاقَ قِصَّةٍ ; سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا [أَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا] ، وَيَكُونُ هُنَاكَ شَيْءٌ مَحْذُوفٌ
تَقْدِيرُهُ عَنْ قِصَّةِ فُلَانٍ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَبْيَنِهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَأْرِيخِهِ: ثَنَا أَبِي، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ - هُوَ السَّبِيعِيُّ - عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ - يَعْنِي عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ - أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ خَوَارِجُ فَقَتَلُوهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَهَذَا لَمْ يُرِدْ أَبُو إِسْحَاقَ بِقَوْلِهِ: " عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ " أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ بِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: عَنْ قِصَّةِ أَبِي الْأَحْوَصِ.
وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: خَرَجَ أَبُو الْأَحْوَصِ إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ.
وَلِذَا قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ - فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْهُ -: كَانَ الْمَشْيَخَةُ الْأُولَى جَائِزًا عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: عَنْ فُلَانٍ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الرِّوَايَةَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَنْ قِصَّةِ فُلَانٍ، (وَحُكْمُ أَنَّ) بِالتَّشْدِيدِ وَالْفَتْحِ، وَقَدْ تَكُونُ مَكْسُورَةً.
(حُكْمُ عَنْ) فِيمَا تَقَدَّمَ (فَالْجُلُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، أَيِ: الْمُعْظَمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُمْ مَالِكٌ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ (سَوَّوْا) بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللِّقَاءِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالسَّمَاعِ يَعْنِي مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَإِذَا كَانَ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ صَحِيحًا.
كَانَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِأَيِّ لَفْظٍ وَرَدَ مَحْمُولًا عَلَى الِاتِّصَالِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الِانْقِطَاعُ، يَعْنِي مَا لَمْ يُعْلَمِ اسْتِعْمَالُهُ خِلَافَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَتَأَيَّدُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ " أَنَّ " وَ " عَنْ " بِأَنَّ لُغَةَ بَنِي تَمِيمٍ إِبْدَالُ الْعَيْنِ مِنَ الْهَمْزَةِ (وَ) لَكِنَّ (لِلْقَطْعِ) وَعَدَمِ اتِّصَالِ السَّنَدِ الْآتِي
بِأَنْ (نَحَا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: ذَهَبَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ (الْبَرْدِيجِيُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا هُوَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، مَعَ أَنَّهُ نِسْبَةٌ لِبِرْدِيجَ عَلَى مِثَالِ فِعْلِيلٍ بِالْكَسْرِ خَاصَّةً، كَمَا حَكَاهُ الصَّغَانِيُّ فِي الْعُبَابِ.
(حَتَّى يَبِينَ) أَيْ: يَظْهَرُ (الْوَصْلُ) بِالتَّصْرِيحِ مِنْهُ بِالسَّمَاعِ وَنَحْوِهِ، لِذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ، (فِي التَّخْرِيجِ) يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ ; لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمُتَّصِلَ بِالصَّحَابِيِّ سَوَاءٌ قَالَ فِيهِ الصَّحَابِيُّ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " أَوْ " أَنَّ " أَوْ " عَنْ " أَوْ " سَمِعْتُ " ; فَكُلُّهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ. انْتَهَى.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فِي أَحَادِيثِ الصَّحَابَةِ سَوَاءً اطِّرَادُ ذَلِكَ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى أَنَّ الْبَرْدِيجِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَصَّارُ: إِنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا، وَالْأَوْلَى أَنْ تُلْحَقَ بِالْمَقْطُوعِ ; إِذْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى عَدِّهَا فِي الْمُسْنَدِ، وَلَوْلَا إِجْمَاعُهُمْ فِي " عَنْ "، لَكَانَ فِيهِ نَظَرٌ.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا الْخِلَافُ أَيْضًا. قَالَ الذَّهَبِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الْبَرْدِيجِيِّ: إِنَّهُ قَوِيٌّ، (قَالَ) ابْنُ الصَّلَاحِ (وَمِثْلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، أَيْ: مِثْلَ الَّذِي نَحَاهُ الْبَرْدِيجِيُّ.
(رَأَى) الْحَافِظُ الْفَحْلُ (ابْنُ شَيْبَةَ) هُوَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ فِي مُسْنَدِهِ الْفَحْلُ يَعْنِي الْآتِي فِي أَدَبِ الطَّالِبِ، فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ:«أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ» - بِالِاتِّصَالِ.
وَعَلَى رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ عَمَّارًا مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي - بِالْإِرْسَالِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَالَ:" إِنَّ عَمَّارًا " وَلَمْ يَقُلْ
: " عَمَّارٌ "(كَذَا لَهُ) أَيْ: لِابْنِ الصَّلَاحِ ; حَيْثُ فَهِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ مُجَرَّدِهِمَا.
(وَلَمْ يُصَوِّبْ) أَيْ لَمْ يُعَرِّجْ (صَوْبَهُ) أَيْ: صَوْبَ مَقْصِدِ يَعْقُوبَ فِي الْفَرْقِ ; وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ عَلَيْهِ بِالْإِرْسَالِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَضَافَ إِلَى الصِّيغَةِ الْفِعْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَحَدُ التَّابِعِينَ، وَهُوَ مُرُورُ عَمَّارٍ ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ عَمَّارًا مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّ بِعَمَّارٍ، فَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي ظُهُورِ الْإِرْسَالِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ حَكَاهَا عَنْ عَمَّارٍ فَكَانَتْ مُتَّصِلَةً، وَلَوْ كَانَ أَضَافَ لِـ " أَنَّ " الْقَوْلَ كَأَنْ يَقُولَ: عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، إِنَّ عَمَّارًا قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ ظَاهِرَ الِاتِّصَالِ أَيْضًا.
وَقَدْ صَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِالِانْقِطَاعِ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ: «إِنَّ طَلْقًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ كَبَعْضِ جَسَدِهِ» . هَذَا مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ قَيْسًا لَمْ يَشْهَدْ سُؤَالَ طَلْقٍ.
(قُلْتُ) وَبِالْجُمْلَةِ (الصَّوَابُ مَنْ أَدْرَكَ)[لُقِيًّا أَوْ إِمْكَانًا كَمَا مَرَّ](مَا رَوَاهُ) مِنْ قِصَّةٍ أَوْ وَاقِعَةٍ (بِالشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمَا) وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنَ التَّدْلِيسِ فِيمَنْ دُونَ الصَّحَابِيِّ، (يُحْكَمْ) بِسُكُونِ الْمِيمِ (لَهُ) أَيْ: لِحَدِيثِهِ (بِالْوَصْلِ كَيْفَ مَا رَوَى بِـ " قَالَ " أَوْ) بِـ (" عَنْ " أَوْ بِـ " أَنَّ ") وَكَذَا ذَكَرَ، وَفَعَلَ، وَحَدَّثَ، وَكَانَ يَقُولُ، وَمَا جَانَسَهَا.
(فَ) كُلُّهَا (سَوَا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَّنَ الْهَمْزَةَ ثُمَّ أَبْدَلَهَا أَلِفًا، وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالتَّسْوِيَةِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ اسْتِعْمَالُ خِلَافِهِ كَالْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ يُورِدُ الْحُكْمَ بِالِاتِّصَالِ عَنْ شُيُوخِهِ بِـ " قَالَ " مَا يَرْوِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِوَاسِطَةٍ عَنْهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّعْلِيقِ، وَبِمَنْ عَدَا الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا: إِنَّ مَا وُجِدَ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ - يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ - فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ بِشَرْطِهِ، إِلَّا مَنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ اسْتِعْمَالُ اصْطِلَاحٍ حَادِثٍ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاقِ: وَهُوَ - أَيِ: التَّقْيِيدُ بِالْإِدْرَاكِ - أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فِي انْقِطَاعِ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ الْقِصَّةِ فِيهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ فِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ [مَالِكٍ عَنْ] ضَمْرَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ. . . الْحَدِيثَ.
قَالَ قَوْمٌ: هَذَا مُنْقَطِعٌ ; لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ ; لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَقِيَ أَبَا وَاقِدٍ، قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا الْخَدْشِ فِي الِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُسَلِّمُهُ لِأَبِي عُمَرَ - انْتَهَى.
(وَمَا حَكَى) أَيِ: ابْنُ الصَّلَاحِ (عَنْ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلِ) مِنْ أَنَّ قَوْلَ عُرْوَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَوْلَهُ: عَنْ عَائِشَةَ - لَيْسَا بِسَوَاءٍ.
(وَ) كَذَا مَا حَكَاهُ عَنْ (قَوْلِ يَعْقُوبَ) بْنِ شَيْبَةَ (عَلَى ذَا) أَيِ: الْمَذْكُورِ مِنَ الْقَاعِدَةِ (نَزِّلِ) ، ثُمَّ إِنَّ حُكْمَ يَعْقُوبَ بِالْإِرْسَالِ مَعَ الطَّرِيقِ الْمُتَّصِلَةِ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَعَادَةُ النُّقَّادِ جَارِيَةٌ بِحِكَايَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِرْسَالِ وَالْوَصْلِ، وَكَذَا الرَّفْعُ وَالْوَقْفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرَجِّحُونَ مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُمْ إِلَيْهِ، وَقَدْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ تَرْجِيحٌ.
وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَطِيبَ مَثَّلَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ» ؟ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ الْأُولَى يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ، وَالثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ هَذَا الْمِثَالُ مُمَاثِلًا لِمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيهِ فِي الْحُكْمِ بِالِاتِّصَالِ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى اللِّقَاءِ وَالْإِدْرَاكِ، وَذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُشْتَرَكٌ مُتَرَدِّدٌ ; لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِعُمَرَ، وَصُحْبَةِ ابْنِ عُمَرَ لَهُمَا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَوْنُهُ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثَانِيهِمَا: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي كَوْنِ " عَنْ " وَمَا أَشْبَهَهَا مَحْمُولًا عَلَى السَّمَاعِ وَالْحُكْمِ لَهُ بِالِاتِّصَالِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ - هُوَ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا أَرَى الْحُكْمَ يَسْتَمِرُّ بَعْدَهُمْ فِيمَا وُجِدَ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِمَّا