المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرع الأول قول الصحابي من السنة] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[الفرع الأول قول الصحابي من السنة]

بِالْمَقْطُوعِ (عَنِ الْمُنْقَطِعِ) أَيِ: الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ، وَلَكِنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا حُدُوثَ الِاصْطِلَاحِ، فَقَدْ أَفَادَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ، يَعْنِي كَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَابْنِ الْحِصَارِ ; فَالتَّعْبِيرُ بِالْمَقْطُوعِ فِي مَقَامِ الْمُنْقَطِعِ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا.

(قُلْتُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ: عَكْسُ مَا لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ مَعَهُ (اصْطِلَاحُ) الْحَافِظِ الثِّقَةِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ بْنِ رَوْحٍ الْبَرْدِيجِيِّ (الْبَرْدَعِيِّ) - بِإِهْمَالِ دَالِهِ، نِسْبَةً لِبَرْدَعَةَ، بَلْدَةٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ أَذَرْبِيجَانَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَرْدِيجَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا - الْمُتَوَفَّى فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ (301 هـ) .

حَيْثُ قَالَ فِي جُزْءٍ لَهُ لَطِيفٍ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ وَالْمُرْسَلِ: الْمُنْقَطِعُ هُوَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ. وَهَذَا - وَإِنْ حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ - فَإِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ قَائِلَهُ، بَلْ قَالَ - كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُنْقَطِعِ -، وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ: مَا رُوِيَ عَنِ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ. وَحِينَئِذٍ فَهُوَ أَعَمُّ.

وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَيُشْبِهُهُ أَنْ يَكُونَ سَلَفُ شَيْخِنَا فِيمَا أَسْلَفْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا.

[فُرُوعٌ]

[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

فُرُوعٌ.

105 -

قَوْلُ الصَّحَابِيِّ " مِنَ السُّنَّةِ " أَوْ

نَحْوُ " أُمِرْنَا " حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ

106 -

بَعْدَ النَّبِيِّ قَالَهُ بِأَعْصُرِ

عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ

107 -

وَقَوْلُهُ " كُنَّا نَرَى " إِنْ كَانَ مَعْ

عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيلِ مَا رَفَعْ

108 -

وَقِيلَ لَا، أَوْ لَا فَلَا، كَذَاكَ لَهْ

وَلِلْخَطِيبِ قُلْتُ لَكِنْ جَعَلَهْ

109 -

مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ وَالرَّازِيُّ

ابْنُ الْخَطِيبِ وَهُوَ الْقَوِيُّ.

ص: 140

فُرُوعٌ سَبْعَةٌ حَسُنَ إِيرَادُهَا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ: أَحَدُهَا - وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّا يَصْدُرُ عَنِ الصَّحَابِيِّ لِقُرْبِهِ إِلَى الصَّرَاحَةِ - (قَوْلُ الصَّحَابِيِّ) رضي الله عنه (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا ; كَقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه:«وَمِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» . (أَوْ نَحْوُ أُمِرْنَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، كَأُمِرَ فُلَانٌ.

وَكُنَّا نُؤْمَرُ، وَأُمِرَ بِلَا إِضَافَةٍ، وَنُهِينَا ; كَقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها:«أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» وَ «أُمِرَ الْحُيَّضُ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» ، وَ «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» وَأُبِيحَ أَوْ رُخِّصَ لَنَا، أَوْ حُرِّمَ أَوْ أُوجِبَ عَلَيْنَا، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا لَفْظًا (حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ بَعْدَ) وَفَاةِ (النَّبِيِّ) صلى الله عليه وسلم (قَالَهُ) الصَّحَابِيُّ (بِأَعْصُرٍ) فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ، أَوْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهُ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ فِي " أُمِرْنَا " أَبْعَدُ عَنِ الِاحْتِمَالِ فِيمَا يَظْهَرُ.

وَيُسَاعِدُهُ تَصْرِيحُ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ بِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ " فِي السُّنَّةِ " ; لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّرِيقَةِ، وَسَوَاءٌ قَالَهُ فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا، تَأَمَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمْ لَا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا.

وَإِنْ لَمْ أَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِهِ فِي الصَّغِيرِ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ، وَيُمْكِنُ إِخْرَاجُهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْحَاكِمِ الصَّحَابِيَّ بِالْمَعْرُوفِ الصُّحْبَةِ، وَكَذَا مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ (عَلَى الصَّحِيحِ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي " بَابِ عَدَدِ كَفَنِ الْمَيِّتِ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ

ص: 141

وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولَانِ السُّنَّةَ إِلَّا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَدْ جَزَمَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ عَنْ أَهْلِ النَّقْلِ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ، يَعْنِي مَرْفُوعٌ.

وَكَذَا شَيْخُهُ الْحَاكِمُ ; حَيْثُ قَالَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ (مُسْتَدْرَكِهِ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا، أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ - فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ خِلَافًا فِيهِ أَنَّهُ مُسْنَدٌ.

وَمِمَّنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ أَيْضًا لَكِنْ فِي السُّنَّةِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْحَقُّ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، نَعَمْ قَيَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ يَحْتَمِلُ التَّرَدُّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ; كَحَدِيثِ:«أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ قَطْعًا.

وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِ مَا حَكَيْنَاهُ فِيهِمَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ صَاحِبُ الدَّلَائِلِ، وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَفِي السُّنَّةِ فَقَطِ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدَ قَوْلَيْهِ مِنَ الْجَدِيدِ، كَمَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِحِكَايَتِهِمَا عَنْهُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، بَلْ

ص: 142

حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانُ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ.

وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَبَالَغَ فِي إِنْكَارِ الرَّفْعِ ; مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:«أَلَيْسَ حَسْبَكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ; إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِيَ ; أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» .

قَالَ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْ صُدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، بَلْ حَلَّ حَيْثُ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةَ. وَكَذَا مِنْ أَدِلَّتِهِمْ لِمَنْعِ الرَّفْعِ اسْتِلْزَامُهُ ثُبُوتَ سُنَّةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرٍ مُحْتَمِلٍ ; إِذْ يَحْتَمِلُ إِرَادَةَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ، فَقَدْ سَمَّاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُنَّةً فِي قَوْلِهِ:«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» أَوْ سُنَّةَ الْبَلَدِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَنَحْوُهُ تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لِـ " أُمِرْنَا " بِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ مُضَافًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ إِلَى أَمْرِ الْقُرْآنِ، أَوِ الْأُمَّةِ، أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، أَوِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَسُوِّغَ إِضَافَتُهُ إِلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ - يَعْنِي لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِهِ مِنَ الشَّارِعِ.

قَالَ: وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ تَمْنَعُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا، وَفِي " أُمِرْنَا " فَقَطْ - كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.

وَخَصَّ ابْنُ الْأَثِيرِ - كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ لَهُ - نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه خَاصَّةً ; إِذْ لَمْ

ص: 143

يَتَأَمَّرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ النَّاشِئُ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ.

وَنَحْوُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ فِي «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» أَنَّهُ نَظَرَ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا تَأَمَّرَ عَلَيْهِ فِي الْأَذَانِ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآمِرَ.

وَيَتَأَيَّدُ بِالرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ آخَرُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا، بِمَا إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ، أَمَّا فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ، فَلَا يُرِيدُ بِالسُّنَّةِ وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا مَنْ لَهُ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ) مِنَ الْعُلَمَاءِ ; إِذْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنَ الْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْلٌ، وَسُنَّةَ غَيْرِهِ تَبَعٌ لِسُنَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا يَنْصَرِفُ بِظَاهِرِهِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرُ غَيْرِهِ تَبَعٌ، فَحَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى، خُصُوصًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الصَّحَابَةِ بَيَانُ الشَّرْعِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ فِي " أُبِيحَ " وَمَا بَعْدَهَا يَقْوَى فِي جَانِبِهِ أَلَّا يَكُونَ مُضَافًا إِلَّا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ: أَوْجَبَ الْإِمَامُ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ.

وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ حَزْمٍ الْمَاضِي لِلْمَنْعِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَا انْحِصَارَ لِمُسْتَنَدِهِ فِي الْفِعْلِ، حَتَّى يُمْنَعَ إِرَادَةُ ابْنِ عُمَرَ بِالسُّنَّةِ الرَّفْعَ فِيمَنْ صُدَّ عَنِ الْحَجِّ مِمَّنْ هُوَ بِمَكَّةَ بِقِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ دُخُولِهَا، بَلِ الدَّائِرَةُ أَوْسَعُ مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَتَأَيَّدُ بِإِضَافَتِهِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 144

وَكَذَا مَا أَبْدَاهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا بَعِيدٌ - كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا - " فَإِنَّ أَمْرَ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِلْكُلِّ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْوَاحِدُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ وَغَيْرَهُ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُ الْأُمَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ نَفْسَهُ.

وَأَمْرُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ إِنْ أَرَادَ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْفَتْوَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لَيْسَ مِنْ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْآمِرِ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ.

وَحَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ بَعِيدٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يُفْهَمُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا خُصُوصُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْقِيَاسِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصِّدِّيقِ فَهُوَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ - مَقْبُولٌ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السَّلَاسِلِ " عَلَى جَيْشٍ فِيهِ الشَّيْخَانِ، أَرْسَلَ بِهِمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَدَدٍ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِهِمْ عَلَى عَمْرٍو صَارَ الْأَمِيرَ، بَلْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرَ سَرِيَّةِ " الْخَبَطِ " عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَظُنُّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا.

وَكَذَا «تَأَمَّرَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ هُمَا فِيهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ ; امْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ أُسَامَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ فِي الْإِقَامَةِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَفِي شَرْحِهَا طُولٌ.

ص: 145

وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرٍو وَأُسَامَةَ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمَا، وَصَارَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَدِلَّةِ فِي وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ، فَطُرُوقُ الِاحْتِمَالِ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا.

وَمَا قِيلَ فِي بِلَالٍ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِعُمَرَ، [نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; أَنَّ بِلَالًا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِنَفْسِكَ فَاحْبِسْنِي، وَإِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي، فَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ رضي الله عنه، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهُوَ] مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِوَى مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ، فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا.

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْأَكْثَرِينَ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; «أَنَّ الْحَجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ» . انْتَهَى.

وَكُلُّ مَا سَلَفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ أَضَافَهَا - كَقَوْلِ عُمَرَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ السَّابِقِ

ص: 146

الرَّفْعُ، بَلْ أَوْلَى، وَابْنُ حَزْمٍ يُخَالِفُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ نَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَحَاسِنِهِ بِأَنَّهَا عَلَى مَرَاتِبَ فِي احْتِمَالِ الْوَقْفِ قُرْبًا وَبُعْدًا، فَأَرْفَعُهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم "، وَدُونَهَا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:" لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ كَذَا "، وَدُونَهَا قَوْلُ عُمَرَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ:" أَصَبْتَ السُّنَّةَ " ; إِذِ الْأَوَّلُ أَبْعَدُ احْتِمَالًا، وَالثَّانِي أَقْرَبُ احْتِمَالًا، وَالثَّالِثُ لَا إِضَافَةَ فِيهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ فِيهِ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا دِينَنَا. مَوْقُوفٌ ; فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَرْفُوعٌ، أَمَّا إِذَا صَرَّحَ بِالْآمِرِ ; كَقَوْلِهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا، أَوْ سَمِعْتُهُ يَأْمُرُ بِكَذَا، فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ ; لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ.

لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعِدَّةِ " عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ -: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يُنْقَلَ لَفْظُهُ ; لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي صِيَغِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ صِيغَةً ظَنَّهَا أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ،

ص: 147