المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرع السادس ما أتى عن الصحابي موقوفا عليه لكنه مما لا مجال للاجتهاد فيه] - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْحَدِيثِ]

- ‌[الحديث الصَّحِيحُ]

- ‌[شُرُوطِ الحديث الصَّحِيحِ]

- ‌[أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ]

- ‌[أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[الصَّحِيحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ]

- ‌ الْمُسْتَخْرَجَاتِ

- ‌[مَرَاتِبُ الصَّحِيحِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّحِيحَيْنِ وَالتَّعْلِيقُ]

- ‌[نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ]

- ‌[الحديث الْحَسَنُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أقسام الحديث الحسن]

- ‌[الِاحْتِجَاجُ بالحديث الْحَسَنِ]

- ‌[أَمْثِلَةُ الحديث الْحَسَنِ]

- ‌[الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]

- ‌[الكلام على سنن أبي داود]

- ‌[الكلام على كتب البغوي]

- ‌[اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ عَلَى صِحَّةِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ]

- ‌[الكلام على المسانيد]

- ‌[عَدَمُ التَّلَازُمِ بَيْنَ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ]

- ‌[الحديث الضَّعِيفُ]

- ‌[الْمَرْفُوعُ]

- ‌[الْمُسْنَدُ]

- ‌[الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُولُ]

- ‌[الْمَوْقُوفُ]

- ‌[الْمَقْطُوعُ]

- ‌[فُرُوعٌ]

- ‌[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]

- ‌[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]

- ‌[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

- ‌[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]

- ‌[الْمُرْسَلُ]

- ‌[تعريفه]

- ‌[الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ]

- ‌[الاحتجاج بمرسل كبار التابعين]

- ‌[ذكر المبهمات في المراسيل]

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[أَنْوَاعُ الْمُنْقَطِعِ]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُعْضَلِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[الْعَنْعَنَةُ]

- ‌[هَلِ الْمُعَنْعَنُ مُتَّصِلٌ]

- ‌[الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَدِيثُ]

- ‌[الِاشْتِرَاطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتُ اللِّقَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إِيرَادُ عَنْ لِغَيْرِ الرِّوَايَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ أَوِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ]

- ‌[التَّدْلِيسُ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ وَأَنْوَاعُهُ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ]

- ‌[حُكْمُ التَّدْلِيسِ]

- ‌[تَدْلِيسُ الْمَتْنِ وَالْبِلَادِ]

- ‌[الشَّاذُّ]

- ‌[الْمُنْكَرُ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ وَالْمُتَابِعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ]

- ‌[زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ]

- ‌[الْأَفْرَادُ]

- ‌[الْمُعَلَّلُ]

- ‌[الْمُضْطَرِبُ]

- ‌[الْمُدْرَجُ]

- ‌[مُدْرَجُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْإِدْرَاجِ]

- ‌[مُدَرْجُ السَّنَدِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[الْمَوْضُوعُ]

- ‌[مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا]

- ‌[حُكْمُ بَيَانِ الْمَوْضُوعِ]

- ‌[الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي الْمَوْضُوعِ]

- ‌[أَصْنَافُ الْوَاضِعِينَ]

- ‌[اخْتِلَافُ ضَرَرِ الْوَضْعِ]

- ‌[طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ]

- ‌[الْمَقْلُوبُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ عَمْدًا وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[قَلْبُ السَّنَدِ سَهْوًا وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[قَلْبُ الْمَتْنِ وَأَمْثِلَتُهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

الفصل: ‌[الفرع السادس ما أتى عن الصحابي موقوفا عليه لكنه مما لا مجال للاجتهاد فيه]

بِنَقْلِهِ عَنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ، وَفِي ثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ خِلَافٌ، وَالَّذِي قَالَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الرَّازِيِّ - إِلَى ثُبُوتِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ: وَلَيْسَ آكَدَ مِنْ سُنَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَثْبُتُ بِهِ، قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا، أَمَّا إِذَا قَالَ: لَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ; فَأَثْبَتَ الْإِجْمَاعَ بِهِ قَوْمٌ، وَنَفَاهُ آخَرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا مِمَّنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ - لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ بِقَوْلِهِ.

[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]

[الْفَرْعُ السَّادِسُ](وَ) الْفَرْعُ السَّادِسُ، وَأُخِّرَ هُوَ وَالَّذِي بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُمَا مِنَ الزِّيَادَاتِ (مَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ) مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ.

(بِحَيْثُ لَا يُقَالُ رَأْيًا) أَيْ: مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ (حُكْمُهُ الرَّفْعُ) تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ (عَلَى مَا قَالَ) الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ، نَحْوُ:«مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ (فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا) أَيْضًا (أَثْبَتَا) حَيْثُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي " عُلُومِهِ " مَعْرِفَةَ الْمَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَدْخَلَ مَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ: " كُنَّا نَفْعَلُ "، وَ " كَانَ يُقَالُ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَضَى. بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ -:

ص: 161

أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مُسْنَدٌ.

وَأَدْخَلَ فِي كِتَابِهِ (التَّقَصِّي) الْمَوْضُوعَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْمَرْفُوعِ، عِدَّةَ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفَةً، مِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.

وَصَرَّحَ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: قَدْ يَحْكِي الصَّحَابِيُّ قَوْلًا يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُخْرِجُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ ; لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ قَالَهُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ ; كَحَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:«نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْنَدِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْقَبَسِ ": إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْمُسْنَدِ. انْتَهَى.

وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْجَدِيدِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» . حَيْثُ أَعْطَاهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ ; لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

ص: 162

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَقَوْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» .

لَكِنْ قَدْ جَوَّزَ شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ احْتِمَالَ إِحَالَةِ الْإِثْمِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْقَوَاعِدِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ; أَمَّا السَّاحِرُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 102] .

وَأَمَّا الْعَرَّافُ، وَهُوَ الْمُنَجِّمُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] .

قَالَ شَيْخُنَا: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ - يَعْنِي الْحُكْمَ لَهَا بِالرَّفْعِ - أَظْهَرُ) . انْتَهَى.

عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْهُ بِصُورَةِ الْمَوْقُوفِ - فَقَدْ جَاءَ مِنْ بَعْضِهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالرَّفْعِ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ لِلْأَظْهَرِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ بِحَدِيثِ:" فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ "، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ:(أَأَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ؟) فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ! أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: " الْجِنِّ " مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ صَحِيحِهِ.

قَالَ شَيْخُنَا: فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ، يَكُونُ لِلْحَدِيثِ حُكْمُ الرَّفْعِ. انْتَهَى.

وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِالرَّفْعِ ; لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،

ص: 163

وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ; فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الْمَاضِيَةِ مَا نَصُّهُ: إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الصَّحَابِيُّ الْمُفَسِّرُ مِمَّنْ عُرِفَ بِالنَّظَرِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ; كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ; فَإِنَّهُ كَانَ حَصَلَ لَهُ فِي وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; فَكَانَ يُخْبِرُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رُبَّمَا قَالَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تُحَدِّثْنَا عَنِ الصَّحِيفَةِ.

فَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ الرَّفْعَ ; لِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَجْوِيزِهِ السَّابِقِ ; لِكَوْنِ الْأَظْهَرِ - كَمَا قَالَ - خِلَافَهُ.

وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ الشَّارِحُ لِهَذَا التَّقْيِيدِ ; فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ أَنَّ كَثِيرًا مَا يُشَنِّعُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَلَى الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: وَلِإِنْكَارِهِ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ سَمِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; كَكَعْبِ الْأَحْبَارِ حِينَ سَمِعَ مِنْهُ الْعَبَادِلَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ» .

قُلْتُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْمُتَّصِفَ بِالْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسَوِّغُ حِكَايَةَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ مَعَ [الْعَنْكَبُوتِ: 51] الَّتِي جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى تَبْيِينِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» بِهَا وَ] عِلْمُهُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ ; بِحَيْثُ سَمَّى ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَحِيفَتَهُ النَّبَوِيَّةَ الصَّادِقَةَ، احْتِرَازًا عَنِ

ص: 164

الصَّحِيفَةِ الْيَرْمُوكِيَّةِ.

وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - حِينَ سَأَلَ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ: كَيْفَ تَجِدُ قَوْمَكَ لَكَ؟ قَالَ: مُكْرِمِينَ - مَا نَصُّهُ: مَا صَدَّقَتْنِي التَّوْرَاةُ ; لِأَنَّ فِيهَا: إِذَا مَا كَانَ رَجُلٌ حَكِيمٌ فِي قَوْمٍ إِلَّا بَغَوْا عَلَيْهِ وَحَسَدُوهُ.

وَكَوْنُهُ فِي مَقَامِ تَبْيِينِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي " أُمِرْنَا وَنُهِينَا وَكُنَّا نَفْعَلُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، خُصُوصًا وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ رضي الله عنه كَعْبًا مِنَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، قَائِلًا لَهُ: لَتَتْرُكَنَّهُ، أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الْقِرَدَةِ.

وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَنْعُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ وَلَوْ وَافَقَ كِتَابَنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا نَهَى عَنْ مِثْلِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلِ امْتَنَعَتْ عَائِشَةُ مِنْ قَبُولِ هَدِيِّةِ رَجُلٍ، مُعَلِّلَةً الْمَنْعَ بِكَوْنِهِ يَنْعَتُ الْكُتُبَ الْأُوَلَ.

[قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: مَا لَهُمْ يَنْفُونَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ] وَلَا يُنَافِيهِ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ; فَهُوَ خَاصٌّ بِمَا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأَخْبَارِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُمْ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ

ص: 165