الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خليل الرحمن يبحث عن المعبود بالحق:
توجه خليل الرحمن بفكره الصافي إلى البحث عن المعبود بالحق كي يحق له أن يعبده ويتوجه إليه في طلبه لقضاء ما قد يعسر عليه من شؤون حياته كما يرجوه لآخرته وليقيم الدليل للناس على ضلال ما هم عليه وبطلان عبادتهم لغيره تعالى وهو القادر على كل شيء فعبادة الإله القادر العالم الذي لا يخفى عليه شيء وإن دق، هي العبادة الصحيحة إذا كانت خالصة له وحده من كل إشراك لغيره معه، فهو وحده يعبد لأنه أحق بها من غيره، فهو لا ينام، ولا يغيب، ولا يتغير وهكذا تدرج بفكره وارتقى بعقله إلى أن وصل في بحثه إلى الغاية المطلوبة من العباد وهي الوصول إلى إدراك الحقيقة كي يبنوا عليها حياتهم هذا ما رأيناه في الآيات السابقة من سورة الأنعام وما نراه الآن في الآيات الآتية من سورة مريم عليه السلام وذلك حين قال لأبيه حسبما نطق به القرآن (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ((41)) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ((142)) يا أبتي إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك
فاتبعني أهدك صراطا سويا (43) يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا (44)).
بهذا الأسلوب في المخاطبة، يواجه خليل الرحمن أباه في رقة عبارة ولطف خطاب فيه نوع من الاستعطاف بلا قسوة ولا غلظة وهو يعلم أنه على الحق وأن أباه وقومه على الباطل حتى إذا لم يستجب إليه أحد من قومه - بمن فيهم أبوه - تنصل منهم وتبرأ من أعمالهم العالقة للفطرة وتمسك بما وصل إليه تفكيره من توحيد الله وترك ما سواه كما قص علينا القرآن هذا حين شرح للمؤمنين موقف إبراهيم ومن كان معه من المؤمنين فقد تبرأوا من كل مشرك حتى من الوالدين وجاهروهم بالعداوة من أجل العقيدة الصحيحة وفي سبيلها حيث طلب منا القرآن التأسي والاقتداء بخليل الرحمن ومن كان معه من المؤمنين ونبذ الكافرين والعصاة وعدم الاهتمام بهم، ولو كانوا من أقرب الناس إلينا فليكن حبنا واحترامنا مبنيا على أساس ما توجبه علينا العقيدة الصحيحة بلا مجاملة ولا احترام، هذا ما جاء في قوله تعالى (قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) الآية 4 من سورة الممتحنة.
أما ما ابتلي به إبراهيم من أجل عقيدته فذلك مثل رائع، كاد يكون فريدا في بابه وذلك في قوة العقيدة التي تستجيب لأوامر ربها وتمتثل له ولما يطلبه منها خالقها وأي بلاء أو ابتلاء وامتحان أشد وأقسى من الأمر بذبح الولد الوحيد في زمنه فذلك حين أمره الله بذبح ولده ((إسماعيل)) الوحيد الذي رزقه وهو في العقد التاسع من عمره، ذلك ما جاء في قوله تعالى (فبشرناه بغلام حليم ((101)) فلما بلغ معهم السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ((102)) سورة والصافات.
فثبت إبراهيم عليه السلام في هذا الامتحان، وخرج من هذه المحنة فائزا منتصرا لقوة عقيدته وطاعته لربه، واستمر خليل الرحمن على نهج الدعوة إلى الله فلم يفتر أو يضعف أو يرهب أحدا من خلق الله يدعو إلى الله في الطرقات والمشاهد والمجتمعات العامة والخاصة إلى أن أقض مضاجع المشركين وعلى رأسهم ملكهم (نمروذ) بجنده وقوته، ولما أعياهم أمره تآمروا على إعدامه وإراحة مجتمعهم المشرك منه ومن دعوته واتفقوا على إحراقه بالنار لما عجزوا عن محاربته ومحاجته بما يقبله العقل السليم، من البرهان والدليل وهذا السلاح كثيرا ما يلتجئ إليه الأقوياء بقوة الباطل، الذين تنقصهم الحجة والدليل، فيميلون إلى قلتهم، والقوة سلاح العاجز عن المجابهة والمقاومة