الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الرأي الثاني وهو التأليف والتصنيف ونشر العلم بواسطته، فقد مال إليه البعض من العلماء وقالوا إن التصنيف والتأليف للكتب أولى وأهم من التعليم فيهم طائفة من العلماء الأفذاذ منهم العالم الفذ المكثر من التآليف أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي رحمه الله ورضي عنه وعن أعماله فهو صاحب التآليف في شتى الأغراض والفنون والعلوم وخاصة فيما له صلة بالدين والعقيدة والحديث والمواعظ فقد صرح في كتابه ((صيد الخاطر)) برأيه، والمتأمل في الرأيين يدرك أهميتهما معا بالنسبة إلى حاجة الأمة إليهما كليهما، ولكل من أصحاب الرأيين وجهة هو موليها بنى عليها رأيه وما اختاره وكل منهما مصيب إن شاء الله، ولازم للأمة ولا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر فقد عقد ابن الجوزي فصلا في كتابه المذكور حيث قال:
فصل:
الاشتغال بالتأليف واغتنام العمر
.
قال رحمه الله ورضي عنه (رأيت من الرأي القويم أن نفع التصنيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة، لأني أشافه في عمرى عددا من المتعلمين وأشافه بتصنيفي خلقا لا تحصى ما خلقوا بعد.
ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصنيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم فينبغي للعالم
أن يتوفر على التصانيف، إن وفق للتصنيف المفيد، فإنه ليس كل من صنف، صنف.
وليس المقصود جمع شيء كيف كان إنما هي أسرار يطلع الله عز وجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها، فيجمع ما فرق أو يرتب ما شتت، أو يشرح ما أهمل، هذا هو التصنيف المفيد) اه كلام الإمام ابن الجوزي رحمه الله.
وكلام الإمام ابن الجوزي هذا في غاية النصح والتوضيح والوضوح شأنه شأن علماء السلف الذين أفنوا أعمارهم في التعليم والتأليف بالرغم من قلة الوسائل التي تعينهم على عملهم الشاق والمرهق من الكتابة بأيديهم إلى نشر كتبهم بواسطة الأسفار إلى الأصقاع البعيدة ومع كل ما ذكر وغيره فقد عملوا وأنتجوا وتركوا لنا إنتاجهم مكتوبا بخطوط أيديهم وبأقلامهم القصبية فرحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا وعوضهم عن اتعابهم تلك رضوانه وعفوه عنهم وأسكنهم جنات النعيم آمين.
إن المتقدمين من علماء المسلمين قد عنوا عناية فاقت كل عناية بالتأليف فلم يأت منها خلفهم بعشر معشار ما أتي به الأولون منهم، فكأنهم قالوا (إن اليد التي لا تكتب، كالرجل التي لا تمشي). فهي معطلة عن وظيفتها التي خلقها الله لها وفي حكمة خلق الله لوظائف أعضاء الإنسان ما يدل على هذا، فقد قال:
(الذي علم بالقلم). وقال (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) والقلم لا تمسكه الرجل - إلا ما ندر بصعوبة - أو غيرها من سائر أعضاء الإنسان - بل إنما تمسكه اليد ببنانها لهذا شبهت بالرجل إذا لم تقم بوظيفتها، ولحكمة جعل الله يد الإنسان ذات أصابع ليتنفع بها في إمساك القلم بتلك الأصابع كما يستعين بها في الصناعات ولو كانت قطعة واحدة كيد الحمار - مثلا - لفاته هذا.
ولكل زمان مصاعبه ومتاعبه ففي زماننا هذا سهل أمر التأليف والكتابة لكثرة الوسائل المعينة عليه من مواد وورق وأقلام ومطابع ونقل الخ وتعددت المصاعب والعقبات فكثيرا ما أهملت مؤلفات وإنتاجات لسبب أو لآخر! فهل نحن في عصر العلم والنور والتقدم والحرية؟ أم نحن في زمن مضى وانقطعت آثاره إلى الأبد؟؟
إن عصرنا هذا عصر الصراحة والنصح والدعوة إلى ما ينقذ البشرية من ربقة العبودية والتخلف وإنارة الطريق أمام من على بصيرته غشاوة لا عصر خنق الحريات وإهدار كرامة الأفكار ومن رأى غير هذا فقد وضع نفسه أمام مرآة لا تريه إلا ما وراء ظهره وتحجز عنه المستقبل!
فالكتاب ينظر إليه من عدة نواح قيمته محتواه حاجة القراء إليه
…
الخ لا إلى زخرفته وحجمه
وعنوانه فكثيرا ما ظهرت عناوين جذابة لكن محتواها إلحاد ودعوة لانحلال الأخلاق وميوعتها شجعتها وسائل الإعلام التي تشرف عليها حكومات إسلامية وتسيرها مثل الأشرطة الخليعة والأفلام اللادينية والتحقيقات اللاأخلاقية وو فأين الضمير الغيور؟ وأين الرجل المناسب في المكان المناسب؟!
وقد رأينا وسمعنا شيئا يعارض هذا تماما وهو ادعاء الديمقراطية وأي ديمقراطية هذه التي تعمل على تعطيل حرية الرأي والقول .. ؟ إذ حرية الرأي والتعبير أو القول والنشر من الحريات الأساسية التي تربي الشعوب على الصراحة والنصح والصدق فيهما لا تلك الحريات المزعومة التي تطبع الأشخاص بطابع النفاق والملق والتزلف إلى الحكام لنيل عطفهم ورضاهم وإن كان في هذا غش للشعب ورميه في مجاهل القرون الوسطى المظلمة قرون الجهل والانحطاط والتخلف الفكري والحضاري وإن كان قرننا هذا يدعى في المحافل الدولية بقرن العلم والنور والتقدم والحرية الخ هذا ما يعلي شأن الأمم ويرفع من مقامها في صفوف أمم العالم المتحضرة أما العودة إلى زمان الاستعمار - في وقت الاستقلال - في خنق الحريات وإهدار كرامة الأفكار فهو دليل على التخلف الفكري وحب السيطرة والانتقام الشخصي وإن ادعى مدع غير هذا فهو في الأوراق لا غير.