الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنسان وحقوقه في هذه الحياة
.. ؟
ونظيف إلى هذا دعوى أخرى مللنا - كثيرا - سماعها وهي هذا القول الشائع على الألسنة والأقلام تحت عناوين جد ضخمة عن ((حقوق الإنسان)) قالوا عن هذه الحقوق أو العقوق)) أنها مبدأ مسطر في قوانين ((جمعية الأمم)) الموقرة كثيرا ومعنى هذه الحقوق أن كل دولة انخرطت في هذه الهيأة لزمها أن تطبق هذه القوانين وتنفذها في بلدها على رعاياها فتمكن كل إنسان من حقه الطبيعي كي يعيش في حياته هذه كريما محترما، غير أن الواقع انكشف على خلاف ذلك فتسطير القوانين على الأوراق شيء وتطبيقها شيء آخر وأرى أن هذه خدعة أو خرافة من الخدع والخرافات التي تقال للصبيان لتنويمهم أو لتلهيتهم حتى لا يقلقوا آباءهم وأمهاتهم بسؤالهم طلب بعض ما يريدون ويشتهون.
فقد رأينا أنه كلما جاءت ذكرى يوم الإعلان العالمي (لحقوق الإنسان) المزعومة، وهي يوم 10 ديسمبر 1948 وذلك حين أعلنت جمعية الأمم عن حقوق الإنسان إلا ورأينا وسمعنا وسائل الإعلام انطلقت بأبواقها من صحافة وإذاعة وتلفزة ومجتمعات تعقد لهذا الغرض وهو تمجيد هذا اليوم الأغر في حياة الإنسانية التي عانت كثيرا من الظلم والاستبداد تمجده لما وقع فيه وهو هذا الحدث الهام الذي أعلنت فيه جمعية الأمم عن حقوق الإنسان.
ونحن كمسلمين ومؤمنين نومن بحقوق الإنسان مند أربعة عشر قرنا فإننا نعرف أن للإنسان حقوقه منذ أربعة عشر قرنا خلت، فقد قال لنا القرآن كتاب ربنا الذي ربانا عليه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (1) وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلكم لآدم، وآدم من تراب) وقال (الناس سواسية كأسنان المشط)(2) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
إن ديننا ((الإسلام)) قد ضمن للمسلم حريته في كل أطوار حياته في القول والتعبير والعمل ما لم يكن في ذلك أذى لغيره فإن كان القائل مصيبا فيما قال وأبدى رأيا فيه الخير والمنفعة للأمة سمع قوله وعمل به، وإن كان فيه المضرة والفساد أهمل وألغي وما لم يكن كفرا بالله ورسوله هكذا ربى ((الإسلام)) المسلم على الصراحة في القول وأوجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليصلح المجتمع الإسلامي حتى لا يكون فيه المنافق والمتملق والمداهن على حساب العقيدة فكان المسلمون يواجهون ملوكهم بالأسئلة المحرجة في المواطن الحرجة من غير أن يكموا أفواههم بالأمر بالسكوت، بل تعجبهم فيهم الصراحة إذا كانت
(1) سورة الحجرات - الآية 13.
(2)
أخرجه الديلمي عن سهل بن سعد.
للمصلحة العامة، وشواهد هذا كثيرة في التاريخ الإسلامي وهذا بخلاف ما كان معمولا به في زمن ملوك الطوائف - وما أشبه زماننا هذا بزمن ملوك الطوائف - ولله الأمر من قبل ومن بعده ومن أبرز مظاهر تربية الإسلام لأمراء المسلمين وعامتهم على الصراحة أن رجلا من عامتهم قال لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب اتق الله يا عمر!! وهذا من باب النصيحة له فنهره أحد الحاضرين في المجلس وقال له أتقول لأمي المؤمنين إتق الله؟ فما كان من عمر إلا أن رد على هذا المنكر على الناصح قوله في كلمته المشهورة حيث قال:(دعه فليلها فإنه لا خير فيكم إذا لم تقولها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها) وكقوله لعمرو بن العاص وإلى مصر: (يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟؟؟) وهذا حين اعتدى بالضرب ابن الوالي عمرو بن العاص على ابن أحد الأقباط الشعبيين في سباق الخيل حين منعه من سبقه وقال له: أتسبق ابن الأكرمين؟ فاستدعى عمر الوالي وابنه في زمن الحج وأمر القبطي بأن يقتص من ابن الوالي في حضرة أبيه فهذا من عدل الإسلام في زمنه الأول، فما أعدل حكم الإسلام حين يلقى من يطبقه على المسلمين وغيرهم!!! بل كان بعض الأعراب يجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بالغلظة في القول فيعفو عنهم ولا يعاقبهم، وهو من هو؟
فهذا أبلغ درس عملي يلقيه الإسلام على الإنسانية المعذبة بالظلم والطغيان من لدن حكامها، وهذه هي
حقوق الإنسان في الإسلام تظهر بلا تهريج ولا صياح بلا فائدة من وراء ذلك الصياح والتهريج وهذه هي حقوق الإنسان والمواطن في الإسلام لو كان هذا العالم يبحث عن الحقيقة والواقع.
وبعد الإسلام وقبل جمعية الأمم تلك وإعلانها المذكور قامت الثورة الفرنسية وأعلنت عن حقوق ((الإنسان)) سنة 1789 فتقبل الناس هذا الإعلان بالإعجاب والإكبار، ولكن بقي هذا الإعلان بلا تطبيق ولا عمل به حتى لحقه صنوه فأهمل هو كما أهمل سابقه.
فقد رأينا أن الإسلام هو السابق لكل ذلك ثم فرنسا وقد تبعتها بعض الدول في إعلانها ذلك.