الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي السبل أنفع لنشر العلم
؟
إن حياة العالم العامل بعلمه موزعة بين تعليم العلم وبثه في أوساط أمته والراغبين فيه وبين تأليف الكتب لفائدة الخلق أجمعين وتصنيفها ونشر العلم بواسطتها، وكل هذا من واجبات العلماء العاملين بعلمهم ولكن أيهما أولى بالتقديم والعناية؟ هل نشر العلم وتصحيح العقيدة بواسطة التعليم للناس أهم وأولى بالاهتمام والتقديم؟ أو نشرهما بواسطة تأليف الكتب وتصنيفها؟ فمال بعض المفكرين من العلماء إلى الاهتمام بالتعليم ونشره بين الراغبين فيه وإعدادهم لقراءة الكتب التي تؤلف بينما مال البعض الآخر إلى نشره وتعميمه بواسطة تصنيف الكتب وتأليفها ليستفيد منها المعاصر وغيره إذ هي لمن حضر وعاصر مؤلفها ولمن سيأتي من بعد فهي بهدا الاعتبار من أهم ما يتركه الأولون للآخرين من التراث الغالي، كما هو الشأن فيما تركه لنا أسلافنا الأماجد، فقد استفدنا منها فوائد عظيمة لا تقوم بقيمة، إذ حفظت لنا لغتنا وديننا وعقيدتنا وأخلاقنا وتاريخنا وأدبنا وغير ما ذكر، ولولا ما تركه لنا أولئك الأسلاف العاملون بالرغم من
قلة الوسائل التي تعينهم على التأليف والنشر لولا تلك الكتب لضللنا عن طريقتهم المثلى ولأصابنا الزيغ والخسارة، إذ العلماء يموتون ويذهب علمهم بموتهم، إذا لم يدونوه - وهل عوضنا من مات من علمائنا في العهد الأخير؟ - بخلاف تآليفهم الباقية بعد موتهم فإنها تبقى ولا تضيع بموت مؤلفيها فمال إلى الرأي الأول واختاره كثير من العلماء السابقين، وإلى هذا الرأي مالت (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) فأنشأت المدارس لتعليم الصغار التعليم الابتدائي ومعهد ((عبد الحميد ابن باديس)) للتعليم الثانوي والمساجد لتعليم الكبار الراغبين في التعلم، وفيها وبواسطتها كانت تلقى دروس التوجيه الدينى والوعظ والإرشاد والأخلاق الإسلامية، للعامة الذين فاتهم التعلم في وقته.
أما تأليف الكتب وتصنيفها بالنسبة إلى أفراد جمعية العلماء فكان قليلا بالنظر إلى صرف الاهتمام من معلميها وشيوخها إلى إعداد القراء للكتب أو للتأليف لأن شعبنا كانت فيه الأمية متفشية ومستحكمة الحلقات وكانت صحف الجمعية وغيرها قليلة الانتشار بالنظر إلى كثافة السكان، فقد رأينا البعض من أبناء الأمة يشتريها أو يشترك فيها بقصد التأييد والإعانة لا غير، أما القراءة لها والاستفادة منها فلا يستطيع لأنه أمي وبهذا الرأي عملت وداومت عليه حتى تخرج من مدارسها ومعهدها - الوحيد - لديها طائفة لا بأس بها استفادت منها الأمة فائدة أغنتها عن جلب الكثير ممن يقوم بأعباء
التعليم حين جاء وقت الاستقلال للوطن، وإن كان فيهم من اختار العمل في الإدارات الحكومية، فرارا من متاعب التعليم وأوزاره الثقيلة، وطلبا للراحة البدنية، وهذا عمل في غير محله إذ لو مال معلموهم القدامى إلى هذا من قبل أي إلى عبودية الإدارة لما كانوا هم في مستواهم الحالي وعلى كل حال فقد حصل ما حصل بواسطة التعليم وأتعابه ومشاقه.
ولا زلت اذكر تلك السنوات التي قضيناها في التعليم وأشعر فيها براحة ضميري إذا ذكرتها أو تذكرتها فقد كنا نقضي معظم يومنا ونصيبا من ليلنا في التعليم بين تلامذة المدرسة ودروس المعهد ودروس المسجد للرجال وللنساء، وقد تصل ساعات العمل إلى اثنتي عشر ساعة بين اليوم والليلة وتارة تزيد على ما ذكر - وهو عمل مرهق ومضني - واخواني الشيوخ الأحياء يعرفون هذا.
وبهذا تكون ((جمعية العلماء)) قد أدت ما عليها من واجبات ثقيلة لا يعرفها إلا من عاش معها ومارسها ولا يستسهل عملها أو يستصغره أو يستهين به إلا جاهل به أو مأفون الرأي عديم الذوق والمعرفة للأمور على حقيقتها ولا زلت أذكر ذلك اليوم الذي ودعنا فيه رئيسها المرحوم - إن شاء الله - الشيخ البشير الإبراهيمي في شهر مارس (1952) حيث امتطى الطائرة في طريقه إلى المشرق العربي كي يسعى لدى
دوله حتى تمد يدها للشعب الجزائري لتعينه بقبول بعثات من طلبة المعهد الباديسي يدرسون في معاهدها وجامعاتها فكان منها ما أرادت الجمعية وانتقلت بعثاتها والتحقت بالمعاهد والجامعات الشرقية العربية، وجاء استقلال الوطن عن الاستعمار وعادت البعثات من المشرق العربي وكانوا على درجات متفاوتة في العلم وكانت الجمعية تعلق على رجوعهم مزودين بالعلوم النافعة كثير الأمال، إذا عادوا إلى وطنهم بعلم غزير ونشاط كبير وتضحية فريدة في بابها، نظرا لما تركوا عليه وطنهم ونظرا لما رأوه في شيوخهم عن النشاط والجد والتضحية في العمل كل ذلك بدون حساب أو عوض.
رحم الله من مات من أولئك الشيوخ الذين ضربوا أحسن الأمثلة في البذل والتضحية في حين كان المستعمر يلوح من بعيد ويرغب في وظائفه غير أن الجمعية ورجالها المنخرطين فيها أعرضوا عن ذلك وبقوا مخلصين لمبدأ الجمعية، وهو الترفع عن وظائف المستعمر ورضوا بأتعاب جمعية العلماء فشيوخها معلمون في وقت التعليم وسعاة وجباة للمال في وقت العطلة الصيفية والتنقل في الجبال والصحراء لنشر دعوتها الإسلامية والعقيدة السلفية البعيدة عن البدع والخرافات إذ هذا هدف من أهدافها يقومون به في جولاتهم