الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم:
العقيدة
العقيدة هي قوة عظيمة تحتل مكان الإحساس من الإنسان فتهب لصاحبها الإيمان بما يعتقده وشدة المقاومة لكل ما لا يتفق مع ما مالت إليه تلك العقيدة وارتضته لنفسها وهذا لتأييد ما عقد عليه صاحبها عزمه واختياره وتحول بينه وبين الضعف والخور والذوبان في كل طارئء جديد، وهذه الصفة إحدى مميزاتها قال الشاعر المفلق الحطيئة:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البناء
…
وإن عاهدوا أوفوا وإن عاقدوا شدوا
فالعقيدة مأخوذة من العقد بمعنى اللي يقول القائل عقدت الحبل فهو معقود فهذا في الحسيات وأما في المعنويات فمعناها التعهد والالتزام ومن هذا جاءت عقدة النكاح والبيع والشراء وغير ذلك من العهود والعقود والالتزامات والعقد - بالكسر - هو الخيط ينظم فيه الخرز واللؤلؤ وغيرهما.
قال علماء اللغة العربية - في مادتها - عقد يعقد - بالكسر - عقدا وعقودا معناه التزم بالعهد والعقد فيجب عليه الوفاء بما التزمه وعقده وتقول تعاقد القوم على كذا بمعني تعاهدوا والتزموا به، ومنه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). قيل في تفسيرها هي العهود، وقيل هي الفرائض التي التزموها وتحملوها بعقيدة التوحيد والإسلام.
والعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك في نظر معتقده كما قال الجوهري.
وفى الدين ما يتصف به الاعتقاد دون العمل، كعقيدة وجود الله عز وجل، واعتقد كذا بقلبه آمن به وصدق، واعتقد الأمر صدقه وعقد عليه قلبه وضميره وتدين به واتخذه دينا فأصحاب العقيدة هم من كانت لهم عقيدة عقدوا عليها قلوبهم فصارت أرواحهم ونفوسهم وحياتهم مبذولة بسخاء في سبيل عقيدتهم فهم قد اشتروا بها - العقيدة - ما اعتقدوه - ودفعوها فداء وثمنا لها - وهي الغالية - في سبيل بقائهم على عقيدتهم التي اعتقدوها وعقدوا عليها حياتهم ورضوا بما دفعوه فيها، وذلك بثباتهم عليها وتمسكهم بها من غير أن يلزمهم بها أحد أو يجبرهم عليها مجبر، وهذا هو الإيمان بالعقيدة.
وهذه فصول جمعتها من ملف حياة أبطال العقيدة الإسلامية الذين ظهروا مع ظهور دين الله الإسلام الخالد
تصلح لتربية النفوس وتوطينها عليها لكي تخوض معركة الحياة التي تجري بين الإيمان والإلحاد، فهي معارك ضارية من قديم الزمان إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم ويلزم مقاومة الإلحاد بالعقيدة القوية، فهي سلاح الانتصار الذي لا يغلب صاحبه جمعتها من قصص القرآن وكتب السيرة التي اهتمت بحياة أولئك الأبطال وما نالهم من خصوم الإسلام وأسميتها (في سبيل العقيدة الإسلامية) فهي تتناول مواقف شجاعة وقفها أولئك الأبطال في وجوه أعداء الله والأديان السماوية، مثلهم مثل كفار قريش الذين وقفوا في وجه العقيدة الإسلامية والدعوة المحمدية وحاولوا بكل قواهم صد الناس عنها وصرفهم عن الاهتداء بهديها غير أن الله مكن لها في الأرض وثبتها بثبات أولئك المؤمنين على عقيدتهم التي آمنوا بها فلم يرهبهم وعيد ولم يؤثر فيهم عذاب شديد بل صمدوا لكل ذلك صمود الجبال العظام ومنهم الرسل الكرام الذين اختارهم الله لتحمل الرسالة وتبليغ دين الله إلى البشر أجمعين وتطهير العقائد من كل ما يخل بعلو مرتبة الإنسان على سائر المخلوقات وقد ميزه خالقه بالعقل والإدراك للأشياء والموجودات على حقيقتها ومن غير اللائق به أن يخضع لمخلوق قد يكون أقل منه إدراكا وأحرى به إذا كان جمادا أو نباتا فإن في هذا الخضوع والطاعة لغير الخلاق العليم إهدارا لكرامة الإنسان التي أكرمه بها خالقه الحكيم ورفع منزلته على منازل غيره، وجعله هو
المتصرف فيها فقد ضل هذا الإنسان عن الصراط المستقيم - ولا زال في ضلاله إلى الآن - بالرغم من المراحل التي قطعها الإنسان في ميادين شتى من علوم وغيرها فجاءت دعوة الرسل والشرائع السماوية لتعود به إلى الطريق المستقيم التي حاد عنها بضلاله فآمن بها طائفة من هذا النوع هديت إليها فآمنوا بتلك الدعوة وهي تدعوهم إلى توحيد الله الخلاق العليم فأيدوها وكانوا من أنصارها بالرغم مما حاط بهم من مخاطر وأهوال تتفتت منها الجبال الصخرية ويذوب منها صلب الحديد من شدة فظاعتها وأهوالها لتكون لنا نعم العون على ما نلاقيه من أتعاب في سبيل حياتنا الإسلامية من خصوم الإسلام في بلد الإسلام سواء كانوا من الخارجين عنه بالأصالة أو المنتسبين إليه بالوراثة فقد كثر منهم التهجم والعدوان على العقيدة الإسلامية وعلى حامليها فنحن في حاجة ماسة إلى أمثلة بطولية صادقة، مما ضربه للعالم أولو العزم والثبات على العقيدة والمبدإ من أولئك الأبطال الذين هم من الرعيل الأول في بداية انبثاق نور الإسلام وعقيدة التوحيد، ففي ماضينا وتاريخنا - والفضل والحمد لله - أمثلة رائعة تصلح لتربية أنفسنا وأبناء زماننا عليها.
فنذكرهم بهذه الأمثلة النادرة في غير ماضي الأمة الإسلامية لقد صرنا نخشى - والله - دروسها واندثارها بل ونسيانها حيث أننا شاهدنا ولمسنا وسمعنا بما يجرى في الأوطان الإسلامية من صدود
وإعراض ونكران لعقيدة الأسلاف، ولما أتت به هذه العقيدة - حيث لا أفضل منها في الوجود - ولقلة الدعاة لهذه العقيدة وتفرقهم وليست لهم أسلحة الدفاع العصرية فقد هجمت عليها عقيدة الإلحاد والكفر والذبذبة بوسائل العصر وهي تنادي وتقول أنها جاءت لمحاربة عقيدة الإسلام الموروثة عن الآباء والأجداد فالسكوت عن هذا الهجوم يعتبر من العقوق الفاضح الذي تلبس به أبناء هذا الجيل بل صرنا نخشى ضياعها حتى من أوساط من يزعمون أنهم من زمرة علماء الدين وورثة الأنبياء والمرسلين وهنا نتساءل هل سكت الأنبياء والمرسلون من تبليغ دعوتهم؟ وهل أهملوا دعوتهم التي كلفوا بها؟ وهل كان فيهم الذي لا يقول كلمة الحق للحق؟ وهل جرفتهم تيارات زمانهم الداعية إلى تلك العقائد الزائفة التي كانت سائدة في زمانهم؟ تلك العقائد التي كانت على شنا حفرة من النار وعلى شفا جرف هار.
فنحن - الآن - إذا درسنا التاريخ وقرأناه فإنما ندرسه ونقرؤه من نافذة الحروب التي تشن على الأوطان - التراب والحجر والشجر الخ - وإذا مجدنا أبطاله إنما نمجدهم من زاوية مواقفهم في وجه الغزاة الفاتحين - ونعتز بهذا - أما من جهة العقيدة والدين والأخلاق، فذلك أمر تافه في نظر البعض منا - لا يدخل في الحساب والحقيقة هي كامنة في العقيدة والدين، وقد شاهدنا وعلمنا أن من كان يحيا بدون عقيدة ودين فإنه يسهل
عليه خيانة وبيع وطنه بأبخس الأثمان، والشاهد على هذا الذي قدمناه البطل المغوار المرحوم الأمير (عبد القادر ابن محيي الدين) فإنه إنما وقف في وجه الغزاة الاستعماريين حين احتلالهم للجزائر بلباس العقيدة والدين لا بسواهما مما تلوكه ألسنة القوم اليوم كل هذا مقصود به إبعاد الدين من ساحة الحرب والتحرير وهى نية خبيثة وقصد سيء لا يخفى على أحد.
فالأمير عبد القادر رحمه الله كان عالما دينيا بعقيدته التوحيدية فقيها إسلاميا بفقهه في أحكام دينه وأجوبته التي كان يجيب بها سائليه مبسوطة في الكتاب الذي حوى سيرته وأعماله (تحفة الزائر) فقد كان في حياته عالما قبل أن يكون أميرا وقائدا ولذا قدمه أهله وبنو عشيرته لقيادة المجاهدين في حربهم للإستعمار وجيوشه فهو من أبطال العقيدة المعروفين بمواقفهم النادرة فإذا ما مجدناه في يوم - ما - فلا ينبغي أن يخفى هذا المعنى علينا فأبطال العقيدة عندنا كثيرون والحمد لله ولم تصدر منهم خيانة ولا ضعف أيام المقاومة كما وقعت من غيرهم ممن لا عقيدة دينية لهم.
فمواقف كهذه المواقف الراسخة تقتضي علماء الإسلام الناصحين - أينما كانوا - أن يوحدوا كلمتهم، ويقووا صفوفهم ويدعموها بصدق النية والإخلاص في العمل لنصرة العقيدة ولمجابهة هذا التيار الإلحادي المهاجم على دين التوحيد، إذ لو وجدهم أمامه في ساعة الهجوم
لاختفى بدلا من الظهور بهذا المظهر الذي ينم على التحدي لعقيدة الأمة في وطنها وعلى من كان منهم ضعيفا أن يتخلى عن تلك الذبذبة المشينة التي ظهرت عليهم في هذا العصر فقد ساقتهم إلى توهين كلمة الحق التي هي كلمتهم وتقوية صف الباطل والإلحاد بسكوتهم وبكل أسف وحسرة فقد رأينا منهم من أظهر عداءه لدعاة الحق وناصري العقيدة الإسلامية بل وحتى أن البعض منهم لم يكتف بسكوته حتى أظهر الشماتة والتشفي بسبب ما أصاب بعض الدعاة ويصيبهم من أعداء الحق والعقيدة الإسلامية، وما ذلك إلا لأغراض دنيئة ونفوس مريضة بمرض - ما - كالحسد - مثلا - وهو داء قديم فيهم، نسأل الله الشفاء لنا ولهم من هذا المرض الخطير، أو كان ذلك منهم لمصالح ذاتية خوفا من أن تفوتهم بوقوفهم إلى جانب الحق وأنصاره فضلوا وأضلوا والله وحده يتولاهم بما يشاء فإنه يمهل ولا يهمل وهو - وحده - القوي العزيز.
فإلى حماة العقيدة الإسلامية أمثلة صحيحة من تلكم المواقف التي - ثبتت كركائز للحق اعتمد عليها، فثبتت أقدامه ودعمتها في أرض الإيمان - فنجعلها نصب أعيننا كمصباح منير يرينا ويكشف لنا طريق السلامة والنجاة من مخاطر هذه الحياة ويجنبنا سبل الغواية والضلال، فإنهم - أهل تلك المواقف - هم أهل العقيدة الصحيحة الثابتون عليها بالرغم مما نالهم من أجلها وفي
سبيلها، فحفظ لهم التاريخ أروع القصص وأسما الأمثلة، وأصدق الإيمان.
والعقائد كثيرة ومتنوعة، فمنها عقيدة التوحيد، وهي عقيدتنا نحن المسلمين، وهي التي ندين الله بها.
وعقيدة التثليث، وهي التي طرأت على المسيحية بعد أن كانت في أول أمرها وفي زمان رسولها عيسى عليه السلام عقيدة توحيدية.
وعقيدة الشرك بالله وفيها تعدد الآلهة المعبودة والمشركون أصناف وأنواع متعددة في إشراكهم. وعقيدة الملاحدة، التي تنكر وجود الإله بتاتا.
وعقيدة التوحيد هي العقيدة الصحيحة وهي الحق الذي لا ينجو أحد إلا بها، وهي مبنية على توحيد الإله الخالق لكل شيء والذي تجب طاعته على كل المخلوقين إذ لا خالق سواه.
ونراها في وقتنا الحاضر أصابها شيء من الضعف في قلوب البعض من المسلمين وهذا بسبب احتكاكهم بغيرهم ممن لا عقيدة لهم أصلا أو ممن لهم عقيدة باطلة وغير مقبولة شرعا وعقلا، وتظهر نتيجة هذا الضعف في الكلام الذي نسمعه من بعض من ينتسبون للإسلام، من ذلك أن بعض الناس ينطقون بكلمات تشعر بأن قائلها لا يفهم ما يقول، ولا يشعر بأن صفة الخلق والإيجاد لا تعطى
إلا لله الواحد القهار فهو الخالق لا خالق سواه وهذا معنى التوحيد ولا مدبر لشؤون الخلق إلا هو فهو العليم الحكيم، وليس له شريك يعينه، ولا وزير يؤازره بل هو وحده خالق كل شيء، لا إله معه، ولا قادر على الخلق والإيجاد يسانده أو ينوب عنه فهو كما قال:(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون). وكما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم إنك لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه، ولا كان قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك، ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه فيك، تباركت وتعاليت).
ومن إظهار سوء الأدب مع الخلاق العليم ما نسمعه - بين الحين والآخر - من بعض كبار الناس وصغارهم مما يعتبر في الشرع وقاحة وسوء أدب مع من خضعت له ولقدرته وعزته جميع المخلوقات من إنس وجان فقد سمعناهم يتفوهون بألفاظ نابية وغير لائقة بالعبد الضعيف والعاجز البين العجز فإذا أراد الواحد من هؤلاء الناس أن يتكلم عن العناية والاهتمام بالمواطن في تهذيبه وتهيئته لأي مهمة كانت لتناط بعهدته قال من غير حياء من الله خالقه وخالق كل شيء هكذا بتبجح وفخر (نريد خلق الإنسان المواطن) وهذه العبارة فيها إساءة الأدب - بل ربما الكفر والجحود للخالق الواحد - مع الله الذي لا شريك معه في خلق الإنسان المواطن وغيره فلا خالق مع الله الخالق لكل شيء، ومنه هذا المخلوق الخالق، غرورا، وجاء في القرآن الكثير من الآيات
لترفع عن هذا النوع من المغرورين غرورهم، فقد قال الله تعالى (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) (1). وقال:(ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل)(2).
فلا خالق إلا الله، فتنبهوا أيها (الغافلون المخطئون) العاجزون عن رد الموت عنكم إذا حل بكم وصححوا عقيدتكم في الله قبل أن يفوتكم الأوان فأي شيء جعلكم لا تدفعونه عنكم إذا نزل بساحتكم؟ ذلك هو عجزكم وضعفكم أيها الخالقون جهلا وغرورا واستخفافا بمن خلقكم ورزقكم فأنتم محتاجون إليه في كل حين.
دعوا هذه الكلمات الغير اللائقة بالبشر الضعيف والتي قد تؤدي بصاحبها إلى الكفر شيئا فشيئا إذ هي من خصائص المدبر الحكيم والخالق - وحده - الذي له الخلق والإيجاد والهداية والإرشاد، دعوها حتى لا تلعنكم الأجيال المقبلة كما (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون)(3) فقولوا نهيء بدل نخلق
(1) سورة فاطر - الآية 3.
(2)
سورة الأنعام - الآية 102.
(3)
سورة المائدة - الآيتان 78 - 79.