المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد: قال بعض علماء الإسلام ومنهم (عبد الرحمن ابن مهدي) الذي - في سبيل العقيدة الإسلامية

[عبد اللطيف سلطاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإفتتاح

- ‌الإهداء

- ‌توجيه وإرشاد:

- ‌تمهيد:

- ‌تقديم:العقيدة

- ‌أي السبل أنفع لنشر العلم

- ‌فصل:الاشتغال بالتأليف واغتنام العمر

- ‌الإنسان وحقوقه في هذه الحياة

- ‌العقيدة الصحيحة قوة للقلب وقوت له والمعذبون من أجلها:

- ‌ 1 -سيدنا إبراهيم خليل الرحمن:

- ‌لماذا لقب إبراهيم بالخليل

- ‌خليل الرحمن يبحث عن المعبود بالحق:

- ‌خليل الرحمن يلقى في النار من أجل عقيدته:

- ‌محاجته لقومه المشركين:

- ‌ 2 -الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحلف الصحيفة:

- ‌اشتداد أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم وقبيلة ثقيف في الطائف:

- ‌يأس كفار قريش من صده عن تبليغ دعوته:

- ‌ 3 -أصحاب الأخدود في القرآن

- ‌ 4 -بلال بن رباح

- ‌من أنواع التعذيب له:

- ‌ملاحظة على هذه الرواية:

- ‌من هم أول من أظهروا الإسلام

- ‌بلال أول مؤذن في الإسلام:

- ‌بلال حامل العنزة:

- ‌بلال لا ينكر أصله:

- ‌ومن فضائله رضي الله عنه:

- ‌ 5 -عمار بن ياسر وأسرته

- ‌دار الأرقم:

- ‌محنته وفتنته مع معذبيه:

- ‌بعض ما كان المشركون يعذبون به المؤمنين:

- ‌ 6 -سمية

- ‌بعض فضائل عمار بن ياسر ووفاته:

- ‌ 7 -صهيب بن سنان الرومي:

- ‌إسلامه:

- ‌صهيب يشتري هجرته ونفسه بكل ما يكسبه:

- ‌بعض الأحاديث التي رويت عنه:

- ‌نشاطه وخدمته للإسلام وسط المجموعة الإسلامية:

- ‌كلمة حول عبد الله بن جدعان:

- ‌ 8 -خباب بن الأرت

- ‌وقفة استعراض وتقييم:

- ‌تعذيب المشركين لخباب:

- ‌رواة الحديث عنه:

- ‌ 9 -سلمان الفارسي

- ‌سلمان الفارسي يبحث عن حقيقة العقيدة والدين الصحيح:

- ‌سلمان يكاتب عن حريته:

- ‌من هو المكاتب وما هي الكتابة

- ‌ونلاحظ هنا:

- ‌روايته للحديث

- ‌أخوة الإسلام:

- ‌زهده في الدنيا:

- ‌رواة الحديث عنه:

- ‌ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه:

- ‌وفاته:

- ‌كلمة ختامية - فيها عبرة وذكرى لكل عبد منيب:

الفصل: ‌ ‌تمهيد: قال بعض علماء الإسلام ومنهم (عبد الرحمن ابن مهدي) الذي

‌تمهيد:

قال بعض علماء الإسلام ومنهم (عبد الرحمن ابن مهدي) الذي كان من الملازمين للإمام مالك، كما كان من أعلم الناس بالحديث ينبغي لمن أراد أن يصنف كتابا - دينيا - أن يبدأه بالحديث الصحيح الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قوله: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما ففي هذا الحديث تنبيه لطالب العلم الديني إلى تصحيح نيته لأن الجزاء على الأعمال إنما يكون على حسب نية العامل إذ لا يصح وضوء ولا صلاة ولا صوم ولا جهاد ولا أى شيء من جميع الطاعات إلا لمن نوى وقصد أنه أراد بعمله طاعة الله عز وجل، أما إذا تجرد العمل من النية فإنه يكون لغوا لا ثواب عليه ولا جزاء فيه إذ بالنية والقصد تتميز الأعمال الدينية عن غيرها من سائر الأعمال، فالنية عنصر أساسي في

ص: 15

صحة الأعمال وبطلانها، فليس عمل المنافق الذي يحضر مصلى المسلمين ويصلي معهم من غير وضوء - وهو غير مؤمن بها - كمن يصليها بنية فعل الواجب الذي أوجبه الله عليه لأنه مؤمن بوجوبها عليه وإلى هذا تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).

وقد جرى بعض العلماء على هذا العمل من تقديم هذا الحديث على غيره، منهم الإمام البخاري في صحيحه، حيث ابتدأه بالحديث المذكور وقد ذكره في سبعة مواضع من صحيحه للمناسبة.

ونظرا لكثرة فوائد هذا الحديث وصحته فقد قال فيه الإمام الشافعي رحمه الله وغيره هو ثلث الإسلام، كما قال أنه يدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه وقال آخرون من العلماء هو ربع الإسلام لما رأوا فيه من أن أصول الإسلام التي بنيت عليها أحكامه ترجع إلى أربعة أحاديث نبوية أولها حديث عمر هذا (إنما الأعمال بالنيات)، وثانيها حديث أبى هريرة رض الله عنه (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وثالثها حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (إن الحلال بين وإن الحرام بين)، ورابعها حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه (إزهد في الدنيا يحبك الله الخ).

وقيل غير هذه الأربعة وقد جمعها الحافظ أبو الحسن طاهر بن معوذ المعافري الإشبيلي الأندلسي فقال:

ص: 16

عمدة الدين عندنا كلمات

أربع من كلام خير البرية

إتق الشبهات وازهد ودع ما

ليس يعنيك واعملن بنية

وقيل قائلها الإمام الشافعي وحديث إنما الأعمال بالنيات المذكور حديث صحيح - كما مر - فهو من الأحاديث التي يدور عليها التكليف الديني، تعددت طرق رواياته وكلها تتصل بمن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يصح إلا من روايته هو عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق العلماء على صحته لثقة رواته وتلقوه بالقبول واستخرجوا منه أنواعا شتى من أصول الأحكام والتوجيه وبه صدر الإمام البخاري صحيحه - كما تقدم قريبا - وأقامه مقام الخطبة لصحيحه حسبما أشار إليه من كتب عليه وشرحه وهذا العمل منه رحمه الله إشارة إلى أن كل عمل أو قول لا يراد به وجه الله فهو لغو وباطل لا ثمرة له ولا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة مثل الذى يصلي رياء وسمعة من حيث لم يقصد بصلاته طاعة الله بفعل ما أوجبه عليه فإن صلاته لا تنفعه ولا تنهاه عن الفحشاء والمنكر لأن هذا من ثمرتها - وإن تردد فاعلها عن المساجد - وكمن يريد - باسم المجاهد وببطاقته - أن يكون مجاهدا له من الحقوق ما للمجاهدين في سبيل الله، ولم تكن له نية الجهاد في سيل الله، أو لم يجاهد

ص: 17

أصلا فحشر نفسه في زمرة المجاهدين بالرغم مما وضحه القرآن وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفصيح العبارة فهو مجاهد - بالسيف - وبالرغم على الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وفي الوقت نفسه رأيناه لم يستجب لما طلبه منه الإسلام بفعل ما فرضه عليه وترك ما نهاه عنه من الاستقامة على شرعه بتحليل حلاله وتحريم حرامه، والقيام بواجباته والكف عن منهياته فهو تارك للواجبات - كالصلاة مثلا - منتهك للمحرمات - كشرب الخمر مثلا - فكيف يعقل أو يتصور متصور أنه من المجاهدين في سبيل الله، وهذا محال تصوره في الإسلام، ومن قال غير هذا فهو جاهل بالإسلام، ولم يفهم أحكام الإسلام أو سولت له نفسه الافتراء على الله الكذب إذ شتان بين الجهاد والقتال! و ((إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)).

هذا هو الحق والصواب حب من حب وكره وكره، وما سواه غش في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم قال (من غشنا فليس منا) ولا ينبغي لمن لا يفهم أحكام الإسلام أن يقحم نفسه بين العلماء - ولو لقبه العامة بالشيخ - لأنه يكتسب بذلك إثما، ويكون سبة وعارا على الشريعة الإسلامية وكارثة تنزل بها وعرضة لمسخ الله إلى شر مخلوقاته، فقد كثر أدعياء العلم حتى صاروا يتكلمون في كل شيء، ولو فيما لا يعرفون، كما سمعناهم يتكلمون فيما ليس لهم به علم قال جرير:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن

لم يستطع صولة البزل القعانيس

ص: 18

ولمنزلة حديث عمر المتقدم (إنما الأعمال بالنيات الخ) ولمكانته عند من عرفوا منزلته في التشريع الإسلامي قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي - المتقدم الذكر - لو صنفت كتابا فيه أبواب لجعلت حديث عمر هذا في كل باب من أبوابه.

أما الإمام مسلم رحمه الله فقد أورده في كتاب الجهاد من صحيحه، وكأنه أراد بعمله هذا أن يشير إلى أن البعض ممن يدعون الجهاد - ولم تكن لهم نية فيه - لا نصيب لهم في ثمراته ولهذا نبههم إلى أن النية في العمل هي روحه ومخه، وبدونها فهو جسد ميت بلا روح.

وكلمة - إنما - تفيد الحصر كما قال جمهور علماء العربية والأصول وغيرهم حيث قالوا أن لفظة إنما موضوعة للحصر فتثبت المذكور هنا - وهو قبول الأعمال والجزاء عليها إذا عملت مصحوبة بالنية، وتنفي ما سواها، فكأنه قال إن الأعمال تحسب وتقبل ويجازى عليها فاعلها إذا كانت بنية ولا تحسب ولا تقبل ولا جزاء عليها إذا تجردت منها، مثل سائر العبادات والطاعات جميعها كما مر، وتفصيل هذا في كتب الفقه والحديث.

وبناء على ما جاء في هذا الحديث فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لأمته أنواعا ثلاثة ممن هاجروا من مكة إلى المدينة تاركين مكة أرض الشرك - في ذلك الوقت - إلى المدينة أرض الإسلام وهم:

أ - مهاجر هاجر بنية وقصد تقوية حزب الله ونصره

ص: 19

وتأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه النية غالب الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين.

ب - ومهاجر هاجر بنية وقصد كسب الدنيا والمال، لأن من كان يتعامل معهم من المؤمنين في مكة هاجروا إلى المدينة فلحق بهم من أجل فائدته الدنيوية، فلم يسعه المقام بعدهم في مكة فلحق بهم لنيل مكاسب دنيوية لا تعود فائدتها إلا عليه وكان يغزو معهم لينال نصيبه من الغنيمة.

ج - ومهاجر آخر خطب امرأة ليتزوج بها تدعى (أم قيس) فأبت أن تتزوجه ما دام في مكة، إلا إذا هاجر إلى المدينة فأجابها إلى شرطها وهاجر إلى المدينة من أجل الزواج بها وجاء في الروايات عن الصحابة أن هذا المهاجر كان يعرف باسم (مهاجر أم قيس) فهذان الصنفان الأخيران من المهاجرين لم يكونا من المهاجرين لله لما بينا من انعدام النية في هجرتهما فلم يفوزا بثواب الهجرة إذ الهجرة في الشرع هي الخروج من أرض الكفر إلى أرض الإسلام وفي وقتنا الحاضر انعكست هذه المعاني فصارت الهجرة تطلق على من هاجر من أرض الإسلام إلى أرض الكفر لمقاصد سياسية وغيرها.

جاء في الحكم المأثورة (لو نفع علم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار وعلماء أهل الكتاب) و (لو نفع عمل بلا إخلاص لما ذم الله سبحانه المنافقين).

نسأل الله العالم بالنيات أن يجعل نياتنا في أعمالنا وأقوالنا خالصة له من كل شائبة تفسدها وتحبطها، ونرجوه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم آمين.

ص: 20