الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواة الحديث عنه:
روى عنه الحديث كثير من الصحابة، منهم عبد الله ابن عباس، وأنس، وعقبة بن عامر، وأبو سعيد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، قال: قلت يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني) أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والحاكم عن سلمان. فإلى بعض الجهال ممن يدعون الإسلام نسوق هذا الحديث.
ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه:
فضل الله البعض من عباده على غيرهم بفضائل ظهرت في أعمالهم وسلوكهم، ومما سلف علمنا فضل سلمان الفارسي، الذي دفعه حبه للدين الصحيح والعقيدة السليمة وبحثه عن الحق إلى المخاطرة بحياته، وإلى المغامرات التي خاضها من أجل البلوغ إلى غايته التي قطع في سبيلها الفيافى والقفار، ولم يشأ أن ينعم بنعيم الحياة الدنيا مع أبيه الذي كان يحبه حبا عظيما وبين أهله وعشيرته التي كانت تجله وتقدره لما يقوم به من أعمال دين قومه وعقيدتهم ونارهم المعبودة، من دون الله رب العالمين، وهذا توفيق من الله لهذا الرجل الصالح
وتلك الغاية التي هام بها ومن أجلها، هي الوصول إلى الشرب من معين الدين الحق الذي دله عليه الراهب النصراني المسيحي، الذي لازمه مدة لأخذ الدين عنه، فاستجاب سلمان لنداء ضميره وما تصبو نفسه إليه، لذا - وحده - فارق أسرته التي نشأ بين أحضانها، وترك ذلك العطف والمحبة والحنان الذي كان يحبوه به أبوه، كما أخبر به هو نفسه، فارق ذلك كله بحثا عن الحقيقة، وقد ساقه الله إلى قوم فيهم المحسن والمسيء، حتى بيع على أنه عبد مملوك، والواقع أنه حر، إلى أن بلغ مراده، واستقر في - يثرب - مدينة الرسول قبل أن يهاجر إليها، فسبقه سلمان، وهذا من علامات السعادة التي أنعم الخالق بها على هذا المسلم والمؤمن الصادق الذي تعلق قلبه الرسول صلى الله عليه وسلم حسبما وصفه له آخر من صحبه من رهبان النصارى، وعاش صحبة الرسول الكريم، وقد أحبه وقربه إليه وحباه من فضله وبره، وقديما قيل (لا يعرف الفضل إلا ذووه) وقيل أيضا في القديم:
فألقت عصاها واستقر بها النوى
…
كما قر عينا بالإياب المسافر
ومما جاء في الثناء عليه ما أخرجه الإمام الترمذي في جامعه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يوما: ((وإن تتولوا
يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الآية 38 قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: (هذا وقومه) قال الإمام الترمذي بعد أن ساق هذا الحديث: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، وفي رواية فضرب على فخذ سلمان وقال:(هذا وأصحابه).
وجاء في صحيح الإمام البخاري من كتاب التفسير عند الكلام على سورة الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة، وفيها قوله تعالى:((وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الرحيم)). قال قلت من هم؟ يا رسول الله: فلم يراجعه حتى قالها ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع يده على سلمان ثم قال (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء). وجاء في صحيح الإمام مسلم - ج 16 بشرح النووي - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل من فارس، أو قال: من أبناء فارس حتى يتناوله) ومن طريق أخرى (كما تقدم عن الترمذي في جامعه) عند مسلم أيضا وفي نفس الجزء عن أبي هريرة أيضا قال: كنا جلوسا عند النبي صلى
الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ ((وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)). قال رجل من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأل مرتين أو ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسي، قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال:(لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء).
بينت هذه الأحاديث الشريفة فضل سلمان الفارسي وفضل الشعب الذي ينتسب إليه، إنه شعب يحب الدين والإيمان، ويكثر من البحث والاستقصام للحقائق، ولا يكتفي بالقشور الفارغة دون اللب العامر بالفوائد والخيرات.
قد عرفنا السبيل الذي سلكه سلمان الفارسي، وهو سبيل شاق وطويل، للوصول إلى حقيقة الدين الصحيح، والمصاعب التي كابدها واعترضت سبيله في رحلته الطويلة، فقد تنقل في حياته الدينية بين المجوسية - دين آبائه - والمسيحية التي فضلها أولا على المجوسية والتي عاشها سنوات بحثه عن الدين الحق، وتنقل من أجلها فيما بين الشام والعراق، إلى أن وصل إلى الغاية من تلك الرحلة الشاقة والطويلة في الزمان والمكان، وليس هذا بالأمر السهل على كل أحد، لو لم يكن له الصدق في الطلب، والعزم في السعي، والهمة العالية،
والرغبة الصادقة، لما بلغ مراده، رضي الله عنه ورزقتا همة كهمته وعزما كعزمه، وإيمانا مثل إيمانه، إنه السميع المجيب، ولله در من قال (وهو علي بن أحمد النعيمي) في القديم من الزمان.
إذا أظمأتك أكف اللئام
…
كفتك القناعة شعبا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى
…
وهامة همته في الثريا
فإن إراقة ماء الحيا
…
ة دون إراقة ماء المحيا
فقد حفظ التاريخ بض الرجال من الشعب الفارس خصائص قل أن وجدت في غرهم عن قديم الزمان سواء في ميدان العلوم أو الحضارة، وهو الشعب الذي لا يقل عن بقية الشعوب الإسلامية تمسكا بدينه وعقيدته بل ربما فاق البعض منها في بعض المواقف، وألاحظ هنا:(بأنني عربي مسلم، ولست شعوبيا، فلا يظنن ظان غير هذا فيهلك مع الهالكين) وفي هذا التاريخ المحفوظ أسماء لامعة لبعض العلماء العظماء، سواء في اللغة العربية، أو في التفسير وعلوم القرآن، أو في علوم الحديث، أو في العلوم العقلية، وقد شاركوا بمجهوداتهم الفكرية في الثقافة الإسلامية، فلا ينكر فضلهم إلا الحسود والجهول، ومن هنا تظهر خصائص الدين الإسلامي الحنيف، البعيد عن سوس السياسة المتحيزة ووسواسها الخناس وشيطانها المريد، إذ لا طائفية ولا عنصرية في الإسلام، فكل المسلمين إخوة، أبناء دين واحد وعقيدة واحدة، ولا عبرة فيه لتباين
لغاتهم ولهجاتهم، وهذه هي الأخوة الإسلامية التي تقاوم نزعات شياطين الإنس والجن، فتدفعها بعيدا عن الساحة الإسلامية الطاهرة حتى لا تفسدها، فيجب على المسلمين الصادقين أن يرعوا هذه الأخوة - دائما - وليحذروا تسرب تلك النزغات والنزعات الشيطانية إلى صفوف البعض ممن يدعون الإسلام، فإنها تفسد ما بين الإخوة، وتفرق الجماعة المجتمعة، وتوهن القوى، ومن أجل هذه الآثار السيئة التي تتركها تلك العصبية الجاهلية في الجماعة الإسلامية حاربها الإسلام ونبيه كما هو معلوم لمن درسه بتجرد عنها، من ذلك ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم (في غزوة المريسيع) عند ما سمع الأنصاري يستنجد بالأنصار، والمهاجر يستغيث بالمهاجرين قال:(ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة)، فالاستنصار بالعصبية القبلية والطائفية خبيثة العنصر والمادة، تؤول بالجماعة الواحدة إلى الفرقة والعداوة، فرائحتها خبيثة، وما تتركه في الأمة شر كبير، لا يميل إليها، ولا يرضى بها إلا الأشرار والمفسدون، الذين سيؤول أمرهم إلى تفريق الجماعة، إذا عملوا بها واستجابوا لشيطانها لأنها من دعوى الجاهلية التي نهى عنها المسلمون بعد أن دخلوا في الإسلام، وقد وجد فيها أعداء الإسلام وسيلة فعالة لتفريق الأمة الإسلامية بطوائفها المتعددة، فالمغرور والجاهل بالعواقب من استجاب لهم وعمل بقولهم، ذلك أن عواقبها تؤدي إلى الفرقة والتشتت، ثم إلى الضعف
والوهن - وهذا ما يريده أعداء الإسلام - كما جاء في حديث ((الحارث الأشعري)) رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكرياء بخمس كلمات إلى آخر ما جاء في نصفه الأول، وجاء في نصفه الأخير قوله عليه الصلاة والسلام؛ وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم، فقال رجل يا رسول الله: وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام - وزعم أنه مسلم - فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين، عباد الله). (صحيح الترمذي ج 10)، وقال الترمذي، هذا حديث حسن صحيح غريب.
وذكر الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه ((الوابل الصيب)) بعد أن ساق الحديث بطوله قال: فذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم الشأن - الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله - ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه) انتهى كلام ابن القيم.
إن الهدف الذي يرمي إليه الإسلام ويدعو المسلمين إليه - وهو المعتبر في حياة الأفراد والجماعات - إنما هو العقيدة، والتدين والصلاح والاستقامة، ونقاوة السريرة، من غير نظر واعتبار إلى النسب علا وارتفع،
أو نزل وتدلى، ومن هذا المنطلق والاعتبار ما ذكره الإمام الذهبي في (سير أعلام النبلاء) عن معمر عن قتادة قال: كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شيء، فقال له سعد: انتسب يا سلمان (يريد اذكر نسبك) - وفي طلب سعد هذا لمزة - فقال سلمان ما أعرف لي أبا في الإسلام، ولكن (سلمان ابن الإسلام) فلله در سلمان في هذا الجواب، فقد قال المسلم القديم قبله مفتخرا بإسلامه، تاركا لمن يفخر بالعظام البالية النخرة وإلى من يجري وراءها في ميدانهم ما أرادوه
أبي الإسلام لا أب لي سواه
…
إذا افتخروا بقيس أو تميم
فبلغ ما قاله سعد لأخيه سلمان إلى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، فلقي عمر سعدا ذات يوم، فقال له عمر انتسب يا سعد، فقال سعد لعمر، أنشدك بالله يا أمير المؤمنين (قال وكأنه عرف ما أراده عمر من انتسابه) فأبى عمر أن يدعه، حتى انتسب، تم قال له عمر، لقد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام، أخو سلمان ابن الإسلام، ثم قال له عمر، أما والله لولا شيء لعاقبتك.
فما أعدل الإسلام وما أطيبه، وما أعدل عمر في حرصه على سلامة الإسلام واطمئنان الغرباء عن العرق العربي إلى نسبتهم إليه فلا عيب عليهم، ولا حيف ولا ظلم يلحقهم إذا كانوا خارجين عن النسب العربي، فهم والعرب سواء
في النسبة إليه، لأن الإسلام دين الله إلى كل البشر، لا إلى العرب وحدهم، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، فلا يفتخروا بهما - الإسلام ومحمد - عن غيرهم، فهما لمن اتبعهما وعمل بما جاءا به، وقد غرس عمر حب الإسلام في القلوب الحية، ثم أوضح لسعد ما يفيده بأن الافتخار بالأجداد المشركين لا يكسب المسلم العز والفخر، بل الهوان والمذلة، ثم قال له: أوما علمت أن رجلا انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية فكان عاشرهم في النار؟
فعمر رضي الله عنه يشير بقوله هذا إلى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده - وانفرد به - عن أبي ريحانة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وكرما فهو عاشرهم في النار)). أو كان - عاشرهم في النار - كما جاء في بعض طرق الحديث.
بهذه الروح الإسلامية النقية التي لا تحب الفخر بالآباء المشركين، ظهرت الأخوة الإسلامية بأجلى مظاهرها ولا ترضى بذلك الانتساب المشين، والافتخار المهين - أن يتسرب ويتنلغل في صفوف أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة، إذ ما يرمي إليه عمر هو ما دعا إليه الإسلام، وحث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فأمير المؤمنين عمر أراد للمسلمين أن يتحلوا بحلية الأخوة الإسلامية البعيدة عن الفخر والإعجاب بالأنساب
الجاهلية، فهم إخوة في الإسلام متساوون في كل شيء لا فرق بين عربي وعجمي إلا بقدر طاعة الله ، والعمل بالإسلام وللإسلام، ومن غير اللائق بهم أن يتطاول منهم أحد على أخيه، بنسبه أو بعرقه، لأن هذا من شأن الجاهلية المشركة الأولى ومن أعمالها، فهو موقف صلب هذا الذي وقفه عمر مع قائد من قواد المسلمين - وهو من الصحابة أيضا - المشهورين بالشدة في الحروب، (سعد بن أبي وقاص) من غير أن يجامله - كما نفعل نحن - على حساب الدين والمبادئ، أو بغض الطرف عنه لأنه من حزبه، أو كان تحت إمرته وقيادته، فما أحسنك يا تربية الإسلام.
فسعد بن أبي وقاص أراد أن يفتخر بنسبه العربي الجاهلي على سلمان الفارسي، فرده عمر إلى الصواب، وإلى ما يجب أن يكون عليه مع رجل هو آخوه في الدين والعقيدة جاء من وطن بعيد في رحلة طويلة وشاقة، استغرقت مدة من الزمن وقطع فيها آلاف الأميال يطلب الهداية والنور والحقيقة، فلا يليق بصاحب الأخلاق الإسلامية أن يهينه أو يحتقره، وهو الذي كان أبناء شعبه الفرس يحترمونه لأنه كان سادن معبودهم - النار - وخادمها القائم عليها حتى لا تخبو ولا تطفأ قال فيه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) وكان لبيبا حازما، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم، وقد رأينا كلمة عمر في تركه للافتخار بأصله الجاهلي، وافتخر بالإسلام