الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: فإِذا اعتُبرت النِّيةُ في تخصيص العام، ينبغي أن تُعتبر في باب الوَقْف أيضًا، فلا بُدَّ أن يُسأل عن نِيئه، إلا أنه لا مُنازِع في تخصيص قوله: واللهِ لا آكُل طعامًا، فيعتبر بلا نِزاع ولا دفاع، بخلافه في باب الوقف، فإِنَّه إذا عَمَّ في اللفظ، ثم نوى الخاصَّ زاحمهُ مُستحقّون، ومصارفه في التخصيص، لكونِه خلافًا للمتبادر.
35 - باب إِذَا قَالَ الْوَاقِفُ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللَّهِ، فَهْوَ جَائِزٌ
2779 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «يَا بَنِى النَّجَّارِ ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ» . قَالُوا لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللَّهِ. أطرافه 234، 428، 429، 1868، 2106، 2771، 2774، 3932 تحفة 1691 - 16/ 4
36 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)} [المائدة: 106 - 108].
الأوليانِ واحِدُهما أَولى ومنه: أَولى به. عُثِرَ: أُضْهِرَ. أَعْثَرْنا: أَظْهِرْنا.
واعلم أنَّ أَوَّل مَنْ خدَم القرآنَ، وعلَّق عليه التفاسير هم النُّحاةُ؛ ويقال لهم: أصحابُ المعاني، ومنهم الزَّجاج، وهؤلاء الذين أرادَهم البغويُّ في «معالم التنزيل» من قولِه: قال أصحابُ المعاني. ثم جاء المحدِّثون من بعدهم، وجمعوا الآثار، والأحاديث، ولا يُظَنُّ أنَّ كُلَّ ما يُنقل عن السَّلَف في باب التفسير يكونُ مرفوعًا كيف وقد ثبت عندي كالعِيان أنَّ أكثرَها ظُنونٌ، وآراه، أذواق وجدان، وقد مَهَّدنا مِنْ قَبْل أن التفسيرَ إذا لم يُوجب تغييرًا في العقيدة الإِسلامية، وتبديلا في المسائل المتواترة، فلا بأس به. فالزَّجَّاجُ منهم مرّ على هذه الآياتِ، وعدَّها من أشكلها حُكْمًا وإعرابًا، لأنَّ في ألفاظها نُبُوُّا، وتَعْقيدًا في المعاني، وكذا الزمخشريُّ أيضًا رجلٌ من رجال هذا الفَنَّ. فهمه أيضًا في إزالةِ هذا التعقيد. أما الرَّازي، فإِن كان الناسُ يَزْعُمون أنه يَجُول في «الأطرافِ» لكن له لفتةٌ عندي إلى هذه الإِشكالات أيضًا
(1)
، وَوَجْهُ الصعوبةِ في نَظْم القرآنِ عندي، أنه أَبْدع بين كلامِ المؤرخ. والفَقِيه نوعًا ثالثًا. فإِنَّ المُؤرِّخ يَسْرُد القِصَّة، ولا تكون له بالمسائل الشرعية عناية، والفقيه يرتِبُ المسائلَ، ولا تكون له إلى الوقائع عنايةً، أما
(1)
وقد تكلَّم العيني على تلك الآيات مُفَسِّرًا فراجعه، فإنه مهم.
القرآن. فإِنَّه يسايرُ الواقع شيئًا عند بيانِ الأحكام، فلا يَحْكي القِصَّة مرسلا، ولا يكتفي بِذِكر الأحكام بدون إيماءٍ إلى القِصة، فلما ركَّب نوعًا من النوعين أوْرَثَ ذلك تعقيدًا لا محالة، ولا سيما عند من لم يكن شاهدًا القصة فلا يَحْصُل له من العُنوان الجملي المَشْعرِ بها شيءٌ. والحاصل أنَّهم عَدُّوه مِن أَشْكَل آياتِ القرآن، ولا بأسَ أن نُشيرَ إلى بَعْضِها أيضًا.
قوله: ({اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ})[المائدة: 106] والمرادُ منه الأجانبُ، أو الغيرُ في الدِّين، أي غيرِ المسلم؛ وعلى الثاني فيه إشكالٌ، كما سيأتي.
2780 -
وَقَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ وَعَدِىِّ بْنِ بَدَّاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِىُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِىٍّ. فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]. تحفة 5551
2780 -
قوله: (وليس بها مُسْلِمٍ)، أشار الراوي إلى كونه غيرَ مُسْلم.
قلت: والمقررُ في شَرْعنا أن شهادَة الكافر على المُسْلم لا تُقبل؛ وهذه الشهادةُ كذلك، فيقال بالنَّسْخ، كما قال محمدٌ في كتاب «الآثار» ، وهو مُشْكِلٌ عندي. والأَوْجَه أن يقال: إنها مُعتبرة في السَّفر
(1)
لمكانِ الحاجة، ثُم إنْ وقع التنازعُ حتى بلغ الأَمْرُ إلى القاضي، فإِنَّه لا يسمعها، وَيُردُّها، وَيُحكُم حسب القواعد.
ولقائلٍ أن يقول: إن المرادَ من قوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} هو الأجانبُ، وحينئذً لا يرِدش شيءٌ، وإنَّما يَرِدُ الاعتراضُ إذا فَسَّرناه بالكافر، وفيه أن الآيةَ وَرَدت في قِصَّة تميم، وكان حينئذً كافرًا؛ اللهم إلا أن يقال: إنه كان مسلمًا، كما في قولٍ غيرِ مشهور، فإِنه ثبت أنه جاء مَكَة مرةً، وأما إذا اخترنا القولَ المشهورَ، فلا سبيل إلى الجواب، إلا ما ذكرناه.
ثُم إنَّ روايةَ الترمذي تدلُّ على خيانةِ تميم هذا. والأَوْلى عندي إن يسِقط هذا اللفظ، ويُبَرَّأ ظهرُه مِن تلك الخيانة؛ فإِنَّه أَسْلم آخِرًا، وكان صحابيًا مخلِصًا، وكان في أَوَّلِ أَمْرِه نصرانيًا مِن الشام، وكان سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَكْتُب له مِن الشام كذا وكذا. ولم يكن فَتْحٌ بعد، فكتب له النبيُّ صلى الله عليه وسلم فكان تميمٌ يومئذ كافرًا، ثُم لما فتح الشامَ أَعطى له ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَتَبه له؛ وكان
(1)
قال العلامة المارديني في "أصول أبي بكر الرازي": قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] خاص بالوصيةِ في السَّفَر، وقوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] خاصٌ بالرجعة، فكيف يُعترض بأحدهما على الأخرى. اهـ "الجوهر النَّقي"، قلت: وهذا هو المحمل الذي ارتضى به الشيخ.