الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
58 - كِتَابُ الجِزْيَةِ وَالمُوَادَعَة
1 - باب الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29] أَذِلَاّءُ.
وَمَا جَاءَ فِى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْعَجَمِ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ. 117/ 4
3156 -
حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ - عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ - عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ. وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ. تحفة 10416
3157 -
حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ. تحفة 9717
3158 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِىَّ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِى بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِىِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمِ الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَىْءٍ» . قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». طرفاه 4015، 6425 تحفة 10784 - 118/ 4
3159 -
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِىُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِى أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ إِنِّى مُسْتَشِيرُكَ فِى مَغَازِىَّ هَذِهِ. قَالَ نَعَمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلَانِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ، وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ، فَالرَّأْسُ كِسْرَى، وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ، وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِى أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تُرْجُمَانٌ فَقَالَ لِيُكَلِّمْنِى رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ مَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِى شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا، نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِى نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِىَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ. طرفه 7530 تحفة 11491، 10427
3160 -
فَقَالَ النُّعْمَانُ رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللَّهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ يُخْزِكَ، وَلَكِنِّى شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِى أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ. تحفة 11647 - 119/ 4
أي معاهدة المسلمين من أهل الذِّمة، وإنما آثر لَفْظ الموادعة على المعاهدة، لأن الموداعة تُشْعِر بمادتها بعدم كونها مطلوبةً، لأن مادَّتها تدل على معنى التَّرْك، فمعناه تَرْكُ التعرُّض لهم، بخلاف المعاهدة، فإِنَّه يدلُّ على كونِه مطلوبًا، وحقًا لازمًا على المسلمين.
قوله: ({وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ})[التوبة: 29] أي هم لا يَتِبَّعون شريَعَتكُم.
قوله: (والمَسْكَنَة) مَصْدَرَ المِسْكين، أَسْكَن فلان أَحْوج منه، يريدُ أَنَّ قوله: أسكن فلان من المسكنة، لا من السكون، وإن كان أصلُ المادة واحدًا، وتحقيقُ معنى الإِلحاق لا يوجدُ أَبْسَط مما ذكر المَازَنْدَرَاني.
قوله: (وما جاء في أَخْذَ الجِزيةِ من اليهودِ والنَّصارى والمَجْوس والعَجَم)، واعلم
(1)
أَنَّ الجِزْيةَ تُؤخذ عندنا من سائر المعجم، وليس في بالِغِى العربِ، ومقاتليهم إلا السيف، أو الإِسلام، فإِنَّ الرسول نزل فيهم، وبلسانِهم فكُفْرُهم أشدّ من أنْ تُقبل منهم الجِزيةُ، وأما عند الشافعي فلا تُؤخذ إلا مِن أَهْل الكتاب، فإِنَّ كُفْرهم أَخفُّ من الآخرين، بقي المَجوسُ
(2)
،
(1)
قال الشيخ الألوسي: إنَّ الجزيةَ تُؤخذ عند أبي حنيفةَ من أهل الكتاب مُطْلقًا، ومِن مُشْركي العجم والمجوس، لا مِن مشركي العرب، لأن كُفْرَهم قد تغلظ لما أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهُرهم، وأرْسِل إليهم، وهو عليه الصلاة والسلام من أنفسهم، ونَزل القرآنُ بِلُغتهم، وذلك من أَقْوى البواعث على إيمانهم، فلا يُقْبل منهم إلَّا السَّيْفُ، أو الإِسلام، زيادةً في العقوبة عليهم، مع اتباع الوارد في ذلك، فلا يرِد أن أهل الكتابِ قد تغلَّظ كُفْرهم أيضًا.
لأنهم عَرَفوا النبيِّ صلى الله عليه وسلم معرفةً تامة. ومع ذلك أنكروه وغَيَّروا اسمه ونَعْته من الكتاب، "رُوح المعاني".
(2)
يقول العبد الضعيف: إني كنتُ متردِّدًا في أَخْذ الجزيةِ من غير أهل الكتاب، وكنت أرى أن ظاهرَ القرآن يشهد للخصوم، ولم يتفق لي في هذا الباب كثيرُ مراجعةٍ إلى الشيخ، حتى بلغ أوانُ تسويد هذه الأوراق، فرأيتُ أشياءَ في نهزةِ المستوفز تنفعك إن شاء الله تعالى.
فاعلم أنه اختُلف فيمن تؤخذ منهم الجزيةُ من الكفار بعد اتفاقهم على جواز أَخذها من أهل الكتابين. فقال أصحابُنا: لا يُقبل من مشركي العرب إلا الإِسلامُ، أو السيفُ، أما أهل الكتاب منهم فَتُقبل الجزيةُ منهم، وكذا تُقْبل من سائر كُفَّار العجم. وذكر ابنُ القاسم عن مالك. أنها تُقْبل من الجميع إلَّا من مُشركي العرب. هكذا ذكره الجَصَّاص في "الأحكام". ثُم إنه لا خلافَ بينهم في أَخذ الجِزْية من المجوس. غير أن الشافعي، ومَنْ نحا نحوه اختار أن الجزيةَ إنما أُخِذت منهم، لكونهم أَهلَ كتاب. ونقول: بل لكونهم داخلين في العجم، فاحتجَّ الشافعيُّ وأصحابُه بما رُوي عن علي أنهم كانوا أهلَ كتاب. وأجاب عنه الجصَّاص أنه على تقدير صحته، معناه أن أسلافهم كانوا أهل كتاب. لإِخباره بأن ذلك نزع من صدورهم
…
الخ.
قلت: وفيه إشارةٌ إلى جوابين: الأول: الكلامُ في إسناده؛ والثاني: على تقدير تسليمه. أما الأول فقد فصَّله العلامة المارديني، فقال: إنه يدورُ على أبي سعد البَقَّال، وفيه ضَعْف، ثم نقل عن "التمهيد" أَنَّ أَكْثَر أهلِ العلم يأبُون ذلك، ولا يُصحِّحُون هذا الأثرَ، وأما الجوابُ الثاني فقد فَصَّله الطحاوي في "مُشكله"، قال: وكان هذا عندنا -والله تعالى أعلم، مما قد يحتمل أن يكون- كانوا أهل كتاب لو بقي لهم لأَكِلَت ذبائحهم، وتحلُّ نساؤهم، ولكانوا في ذلك كاليهود والنَّصارى، الذين نؤمن بكتابهم، وهما التوراة، والإنجيل. ولكن الله تعالى نَسَخَه، فأَخرجه من كتبه، ورفع حُكْمه عن أهل الإِيمان به، كما نَسَخَ غيرَ شيء مما قد كان أنزله على نبِيِّنا عليه أفضلُ الصلاة والسلام قرآنا، فأعاده غيرَ قرآن، ومِن ذلك ما قد كان يقرأ:"الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما ألبتة بما قضيا من اللذة" ولما كان كذلك احتمل أن يكون ما قد رُوي عن علي في المجوس أنهم كان لهم كتاب، أي كما روي عنه، فنسخ، فخرج مِن كُتب الله عز وجل، فلم يكن منها، وذكر له مِثالًا آخرَ، مع بيانِ بدء المجوسية، كيف كان. فراجعه من: ص 411، وص 412، من المجلد الثاني.
وقال أبو عبيد في "كتاب الأموال": فقد صَحَّت الأخبارُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده أنهم قَبِلوها منهم -أي المجوس- ثُم تكلم الناس بَعْدُ في أمرهم: فقال بعضُهم: إنما قُبِلت منهم لأنهم كانوا أهلَ كتاب، ويحدثون بذلك عن علي، ولا أحسب هذا محفوظًا عنه، ولو كان له أَصلٌ لما حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذبائحهم، ومناكحتهم، وهو كان أَوْلى بِعِلْم ذلك. ولاتَّفَقَ المسلمونَ بعده على كراهتها. وقد قال بعضُهم: قبلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم منهم حين نزلت عليه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ويحدثونه عن مجاهد، وقد رُوي عن عمرَ بن الخطاب، أنه تأول هذه الآية في بعض النصارى والروم، قال أبو عُبيد: فأَرَى عمرَ أنه تأوَّل هذه الآيةَ في أهل الكتاب، وهو أَشبَهُ بالتأويل، والله أعلم. =
...........................
= غير أنا لم نَجِد في أَمْر المجوس شيئًا يَبْلُغه عِلْمُنا، إلا اتِّباعًا لِسُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى أمره، فالجزية، مأخوذة، من أهل الكتاب بالتنزيل، ومِن المجوس بالسُّنة، ألا ترى أن عمرَ لما حَدَّثه عبدُ الرحمن بنُ عوف عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أَخذها منهم، انتهى إلى ذلك. وقَبِلها منهم، وقد كان هو قَبْل ذلك يقولُ: ما أدري ما أصنع بالمجوس، وليسوا بأهل كتاب. اهـ.
وبالجملة ثبت مما ذكرنا أن ما ذكره الطحاوي: ثم الجصَّاص في أَمْر هؤلاء، وما في أثر عليٍّ من الفساد معنىً صحيحٌ، قد وافق فيه أبو عُبيد أيضًا، وهو أَقدم منهما، وكذا ظهر أنهم لو كانوا أهلَ كتاب لكان حُكمُهم في إباحةِ التزويج، وأكل الذبيحةِ مِثْلهم، مع أنه أخرج الجَصَّاص عن الحسن بن محمد أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في مجوس البحرين: إنَّ مَنْ أبى منهم الإسلام ضُرِبَتْ عليه الجزيةَ، ولا تُؤكل لهم ذبيحةٌ، ولا تُنكح لهم امرأةٌ. اهـ.
قلت: وقد أخرجه الطحاوي أيضًا في "مُشْكِله"، ولنا في ذلك حُجَّةٌ أخرى، ذَكَرَها الجصَّاص، فقال ما حاصِله: إنَّ قوله تعالى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] يدلُّ على أنَّ لأَهْل الكتاب طائفتين، فلو كان المجوسُ، أو غيرُهم من أهل الشِّرْك من أهل الكتاب لكانوا ثلاثَ طوائف، وقد اقتضت الآيةُ أنَّ أهل الكتاب طائفتان، ولما رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: سُنُّوا بهم سُنَّةَ أَهْلِ الكتاب"، وفي ذلك دلالةٌ على أنهم ليسوا بأهل كتاب. وقد روى المارديني عن عبد الرزاق بإسناده عن ابن جُريج، قال: قلتُ لعطاءِ: المجوسُ أهل كتاب؟ قال: لا، وقال أيضًا: أَخبرنا مَعْمر، قال: سَمِعْت الزُّهري سُئِل أَتؤخذُ الجِزية مِمَّن ليسوا من أهل الكتاب؟ قال: نعم، أَخَذها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من أهل البحرين، وعمرُ من أهل السواد، وعثمان مِن البربر قلت: وقد أخرج الطحاويُّ تلك الآثارَ كلَّها في "مُشْكِله" وأبو عبيد في "كتاب الأموال".
ولنا حجةٌ أخرى: ما أخرجه الطحاوي في "مُشْكِل الآثار" عن ابن عباس في قِصَّة عيادةِ النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب، قال:"يا عمَّاه أريدُكم إلى كلمةٍ تدين لهم العربُ، وتؤدِّي إليهم العجمُ الجِزية". اهـ. قال الإِمامِ الطحاوي: ففيه ما قد دلَّ على دخولِ المجوس فيمن تُؤخذُ منهم الجزيةُ، لأَنْهم من العجم. اهـ. قلت: ولعلَّ اللفظ: "أريدُ منهم كلمةً"، كما عند الترمذي، وما في نُسْخة "المُشكِل" سَهْوٌ من الكاتِب. ثم إنَّ الإِمام الطحاوي قد أبدع في التمسك به على مَرَامه، كيف لا! وهو إمامٌ.
وحاصله أن الجزيةَ مأخوذةٌ من المجوس بلا خلاف، وإنما الخلافُ في مناط ذلك، فقالوا: إنه لكونِهم أهلَ كتاب، فلا يتخطَّاهم. وقلنا: بل لكونهم من العجم، فيتعدَّى الحُكْم إلى سائر العجم. وهذا الحديثُ صريحٌ فيما قلنا، فإِنها لو كانت تُؤخذ منهم لكونهم أهلَ كتاب، لكان حقُّ الكلام أن يقال: وتؤدِّي إليهم أهلُ كتاب الجزيةَ، ليكون مُشْعِرًا بالمناط، فلما قال:"العجم" مكان "أهل كتاب"، عَلِمنا أن المَنَاطَ كونُهم من العجم، فالجزيةُ تُؤخذ منهم لكونها سُنَّةَ العجم، لا لكونِهم أهلَ كتاب، كما قالوا، حينئذٍ تعمُّ لسائِر العجم، وَيَثْبت المطلوبُ، وتعقب عليه أن في إسناده يَحيى بن عُمارة، وهو لا يروي عن سعيد بن جُبير، مع أن الحديثَ المذكورَ عن سعيد بن جُبير، فأجاب عنه الطحاوي أنَّ فيه تَصْحِيفًا، وإنما هو يحيى بن عَبَّاد، وهو رجلٌ جليلُ الشأن من التابعين قلت: وهكذا أخرجه الترمذيُّ في "التفسير": في سورة ص"، وهذه الصورةُ إسناده: حدثنا محمود بن غيلان، وعبدُ بن حُميد -المعنى واحد- قالا: حدثنا أبو أحمد: حدثنا سفيان عن الأعمش عن يحيى قال عبد -أي ابن حميد-: هو ابن عبّاد، عن سعيِد بن جُبير عن ابن عباس، الحديث بطوله، قال الترمذيُّ: هذا حديثُ حسن صحيح، ومِن ههنا ظهر أن عَبد بن حُميد إنَّما فَسَّره، بابن عباد، لئلا يظن أنه ابن عُمارة، ولذا حسَّنه الترمذي، وصحَّحه.
ولنا حجةٌ أخرى: ما أخرجه الجصَّاص عن مَعْمَر عن الزُّهري: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صالح أهْلَ الأَوْثان على الجِزية، إلَّا مَنْ كان منهم مِن العرب. اهـ. قال العلامة المارديني: والقائلون بهذا المذهبِ يحتجُّون بالمُرْسل، قال أبو عمر: فاستثنى العربَ، وإنْ كانوا عَبَدَة أَوْثان من بين سائر عَبدة الأوثان، وبه يقول ابن وَهْب. اهـ "الجَوْهر النقي". =
فكان عمرُ تردَّد في ضَرْب
(1)
الجِزْيةِ عليهم في أَوَّل أَمْرِه، ثُمَّ لما حدَثَّه عبدُ الرحمن بن عَوْف أنهم كانوا فرقة مِن أهل الكتاب. صَلُّوا كتابَ نبيِّهم قَبِل منهم الجزيةَ، إلا أنه لم يأذن لهم في
= ولنا حُجةٌ أخرى: ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: "وإذا لَقِيت عَدُوك من المشركين، فادْعُهم إلى ثلاثِ خِلال، وفيه: فإن هم أَبَوْا، فادْعُهم إلى إعطاءِ الجزية. اهـ. قال النوويُّ في "شَرْح مسلم": هذا مما يستدلُّ به مالك، والأَوزاعي، وموافِقُوهما في جواز أَخْذَ الجِزية من كلِّ كافر، عربيًا كان أو أعجميًا، كتابيًا، أو مجوسيًا، أو غيرَهما. ثُم أَيَّدَه الطحاويُّ بِنظر فِقهيٍّ على عادتِهِ في سائر الأبواب، فقال: إنَّ أهل الكتابين لما كنَّا نُؤمن بكتابهم، وكانت الجزيةُ مأخوذة منهم، لإِقرارنا إياهم معنا في دار الإِسلام آمِنين، وهم إلينا أَقرَبُ من المجوسِ الذين لا كِتاب لهم، فالمجوس الذين هم كذلك مع إقرارنا إياهم في دارنا آمنين، أَخذُ الجزيةِ منهم أَولى، اهـ.
قلت: وقد كان يختلِج في صدري شيءٌ ما كنت اجترىء أن أَذْكُره، ثم رأيته في كلام الخَطَّابي، وها أنا أذكره لك، وإني لجريٌ: قال الخَطَّابي في "معالم السنن": وفي امتناع عمرَ من أَخذ الجزية من المجوس حتى شَهِد عبد الرحمن بن عوف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخَذها من مجوسي هَجَرَ، دليلٌ على أَن رَأيَ الصحابةِ أنه لا تُقْبل الجِزيةُ من كُلِّ مُشْرك، كما ذهب إليه الأوزاعي، وإنما تُقبل من أهل الكتاب. اهـ.
قلت: وهو نَظَرٌ قويٌ عندي، أما الجوابُ فلا عُسْر فيه على العلماء، وإنما أريدُ أمرًا يَسْكن به الفؤادُ، فارجِع البصرَ كَرَّتين، فيما ذكرناه، تَجِد منه مَخرجًا، أما القرآن فأمْرُه أصعب، يحتاج إلى علومٍ، واستحضار، وتيقظ، وتدرُّب، وتفكُّر، ثُم إصابةُ رأي، وتوفيقٌ من الله عز وجل، وأنا لستُ لها.
تنبيه: واعلم أَنه قد وقع سَهوٌ في نسخة "مُشْكِل الآثار" يتعسَّر دَرْكُه، وهو أن فيه: كَتَبَ عُمر بن عبد العزيز إلى علي ابن
…
أما بعدُ: فسل الحسنَ ما منع قَبلَنا من الائمة أن يَحُولوا بين المجوس، وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهنَّ أحدٌ غيرهم؟ فسأله، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبِل من مجوس البحرين الجزيةَ، وأقرَّهم على مجوسيتهم. اهـ: وراجع معه كتاب "الأموال" فإِنَّ فيه إشكالًا يندفع من رواية "المُشكِل" هذه: وقد نقلنا عبارته، فيما مرَّ؛ والصوابُ فيه عدي بن أرطاة، مكان علي بن .... كما يظهرُ من "أحكام القرآن" للجصَّاص.
وبالجملة ظهر لك مما ذكرنا أن الاختلافَ فيه من باب اختلاف أئمة الحنفيةِ في جواز المناكحةِ مع الصابئين، فمنْ ثبت عنده كونُهم أهلَ كتاب أجازها، وَمنْ لم يثبت عنده نهى عنها.
ثم ههنا كلامٌ للشيخ في سبب هذا الخلاف لطيفٌ جدًا، قال: إنَّما دار الخلافُ في أَخْذ الجزيةِ من العجم، لأنَّ الإِسلام في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يكن خَرَج من جزيرة العرب إلى نواحيها، فلما ظهر في الأطراف دعت الحاجةُ إلى تَفَحُّص الحُكْم في هؤلاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أَخَذها من المجوس، فمنهم مَن زعم أنهم أهل كتاب، فزعموا أن أَخذ الجزية منهم كان على سُنَّة أهل الكتاب، ومنهم مَنْ أنكره، فَعمَّم الحُكْم.
هذا ما تيسَّر لي في هذه الفُرصة القليلة، ولعلَّ الله يُحْدث بعد ذلك أمرًا، فإِن استملحت منه شيئًا، فأجزني بدعوةِ صالحة، ولا تضَن علي بكلمة، حَيَّاك الله، وعافاك، والسلام عليك.
(1)
يقول العبد الضعيف: وفي تقرير آخرَ عندي، وأما تردُّد الفاروق في أَخْذ الجزية من المجوس، فلم يكن لأجل تردُّده في كونهم أهل كتاب، بل لما سمع عنهم أنهم يعتقدون بجوازِ نِكاح المحارم، ويفعلونه أيضًا، وكان دينُ الإِسلام لا يتحمَّل هذه الفاحشةَ، ولذا آمر بإخراج كلِّ مَنْ كان يَفْعَله من أيِّ دينٍ كان، فلما عَلِم معتقداتِهم السوآى، وظَنَّ أنهم غيرُ تاركيها لم يَأخُذ منهم الجزيةَ أيضًا، لأنه يُؤخذ مِمَّن أذن لهم بالإِقامة في دار الإِسلام، ولم يكن أَذِن لهم، ثم لما عَلِم أنهم التزموا أنْ لا يفعلوه، ويدينون لأحكام الإِسلام في هذا الباب، أَذِن لهم بالإِقامة، وحينئذٍ ضرب عليهم الجزيةَ.
نكاح المحارم. وراجع الطحاوي، ولا يُدْرَى ماذا أراد المصنِّفْ من زيادة العجم؟ إنْ أراد منهم الوثنيينَ ففيه دليلٌ على موافَقَةِ مذهب الإِمام، حيثُ تُؤخذ الجزيةُ عندنا منِ أهل الكتاب وغيرِهم من الكفار أيضًا، بخلاف الشافعي؛ وإنْ كان المرادُ منه أهلَ الكتاب منهم، فلا دليلَ فيه على ما قلنا، والمتبادر هو الأول، لأنه ذَكَرهم بعد اليهودِ والنَّصارى، وهم أهلُ كتاب. ثُم إنَّ عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نَزل مِن السماء يَضَع الجزيةَ، ويَرْفع هذا الشقِّ رأسًا.
ثُم اعلم أن الجزية إذا ضُربت بالموادَعة، فعلى ما وقعت عليه، وإنْ كان من جانب الأمير بدون الموادعة. فعلى التفصيل الذي ذُكر في الفقه.
3156 -
قوله: (فأتانا كتابُ
(1)
عمرَ بن الخطاب قَبْل موتِه: قَرَّقوا بين كُلِّ ذي مَحْرَم من المجوس) فكأَنَّه شَدَّد في أَمْرِ النِّكاح بين المحارم، ولم يتحمَّله ممن عقدَ معهم عَقْدَ الذِّمة أيضًا، حتى إنه خَيِّرهم بين أن يفارِقوا محارِمَهم، فيقرُّوا في دارِنا، أو يتحوَّلُوا إلي أيِّ جهة أرادوا، وذلك لشناعتهِ، وظهور بطلانه، لأنه ليس دينُ سماويُّ إلا وقد حرَّمه، وليس الغَرَضُ منه نَقْضَ عقدِ الذِّمَّة رأسًا، وإنما لم يَتْرُكْهم وما يدينونَ في هذا الجزء فقط، وإلا فَقد أَمَرنا بِتَرْك التعرُّضِ لهم في دينهم بعد الإِسلام، وإنْ ترافعوا
(2)
إلينا نَحْكُم بينهم، كما في الإِسلام. وفي تخريج «الهداية»
(3)
عن محمد ابن أبي بكر يَسْأل عليًا عن رجل مُسْلم زنى بذميِّةٍ، فكتب إليه: أن أرجُم المُسْلم، وسَلَّم الذميةَ إلى أهلِ الذمة ليقضُوا عليها ما عندهم مِن شَرْعِهم.
3159 -
قوله: (بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ في أَفْنَاء الأَمصار)، واعلم أنَّ فارس كانت تطلق في القديم على القرى الجنوبة، كإيران، وشيراز، وغيرها، وخلافها كانت تسمى بخراسان، ولسان
(1)
هكذا في "البُخاري" لكن قال أبو عُبيد: ولا أراه كتبَ إلى جَزْء بن معاوَيةَ بما كتب من نهيهم عن الزَّمْرَمة، والتفريق بينهم، وبين حرائمهم إلَّا قبل أن يحدِّثه عبدُ الرحمن بن عَوْف بالحديث، فلما وجد الأثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّبعه، ولم يكتب في أَمْر بتفريق، ولا نهى عن زَمْزَمة، ثُم حدث عن عمرَ بن عبد العزيز أنه كتب إلى الحسن يَسْأله، ما بالُ من مضى عن أئمتنا قَبْلنا أقَرُّوا المجوسَ على نكاح الأمهاتِ، والبناتِ، اهـ مختصرًا، "كتاب الأموال"، ولكن راجع له "مُشكل الآثار" وقد نقلنا عبارَته في كلامنا في الجِزْية على المجوس، ويظهَر منه الجوابُ إن شاء الله تعالى.
(2)
أخرج الخَطَّابي عن عمرَ حديثَ نَهْيه عن الزمْزمة، والتفريق بين المحارِم في المجوس، ثم قال: ولم يَحْمِلهم عمرُ على هذه الأحكام فيما بينهم، وبين أنفسهم إذا خَلَوا، وإنما منعهم من إِظهارِ ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشِفون عن أمورِهم التي يتدينون بها، ويستعملونها فيما بينهم، إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكامِ، فإِذا فعلوا ذلك، فإِنَّ على حاكِم المسلمين أن يَحْكم فيهم بحُكم الله المنزل، وإن كان ذلك في الأنكحة، فَرَّق بينهم وبين ذواتِ المحارم، كما يفعلُ ذلك في المسلمين. اهـ.
قلت: وليراجع معه كتاب "الأموال" ص. وقد نقلنا عبارته عن قريب، وكذا "مُشْكِل الآثار" وقد ذكرناه آنفًا في حاشيتنا في الجِزْية من المجوس.
(3)
قلت: وليمعَن النَّظر فيه أنه هل يفيدُنا في كونِ الإِسلام شَرْطًا في الإِحصان، خلافًا للشافعيِّ، وحجَّتُه أنه رَجَم اليهودي واليهودية وقد أجاب عنه الشيخُ بأحسنِ وَجْه فنذكره، وسيجيء في "كتاب التفسير" أيضًا.