الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2603 -
قوله: (فَقَضَاني وزَادني) ولما كانت تلك الزيادةُ غيرَ مُنْفَصلةٍ صاَرَتُ من هبة المُشْاع، وقد مرَّ معنا التنبيه في كتاب البخاري على أن تلك الزيادة كانت مُنْفَصِلةً مُتميِّزةً، وكان جابرُ يَضَعُها في جِرابه، ويقول: واللهِ لا أفارِقُ زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فَقَدها في أَيَّام الحرَّة، كما يأتي في البخاري، ثم في «باب الهِبة من الدر المختار» أنَّ الموهوب لو كان يَضُرُّه القَبْضُ تَفْسُد الهِبة، وإلا لا؛ وفي «باب المرابحة» ما يخالفه شيئًا، فراجعه عند الشامي، ولا بد، نعم يجري البَحْثُ في أن تلك الزيادةُ هل تدخل في قوله:«كلُّ قَرْضٍ جَرَّ بِنَفْع فهو رِبا» - بالمعنى - أم لا؟ وقد ضَيَّق فيه الحنفيةُ عامةً، لما فهموا أنَّ هدايا المديونِ إلى الدائن لا تكون إلا منفعةً لِدَيْنه، فتدخل فيه لا محالة؛ نعم وَسَّع فيه محمدٌ كُلَّ التوسيع، حيث قال في «باب الرجل يكونُ عليه الدَّين» الخ، قال محمد: لا بأسَ بذلك إذا كان من غير شرْطٍ اشترِط عليه، اهـ.
ولكنه يُحْملُ عندي على زمانه، إذ الناسُ ناسٌ، والزَّمانُ زمانُ، فالهدايا في زمانه لم تكن رشوةً، وأما في زماننا فُكلُّها رَشوةٌ، إلا ما شاء الله تعالى، فَيُحْكم في هذا الزمان بالمَنْع
(1)
، كما قاله العلماءُ، وإنَّ كان المَذْهب، كما قال به محمدٌ.
ثُم اعلم أَنَّ هِبة المُشاع لا تَتِم في أصل المذهب، وإن تحقق القبضُ أيضًا؛ وأفتى المتأخرون بجوازها، وبه أفتى، وذلك لأني أتردد في نفس مسألة الشُّيوع، فَلَسْتُ أَشَدِّد فيها، كالحنفية، ولا أُوسع فيها، كالبخاري، بل هي أَمْرٌ بين الأمرين، كما عَلِمت، فإِنَّ مرضى الشَّرْع، هو رَفْع الإِبهام والتمييز، والشيوع يخل به، فلا يكون هَدْرًا، كما أهدره البخاري، ولا ضروريًا، كما فهمه الحنفية، بحيث قالوا ببطُلان الهِبة؛ وبالجملة إذا كان حالُ الشيوع عندي ما سمعت، فلم أُشَدِّد في الحُكْم، وَوَافَقْت المتأخرين في جواز هِبة المُشاع عند القَبْض.
2606 -
قوله: (لا نَجِدُ سِنَّا إلا هي أَفْضَلُ مِن سنِّه) ولا شكَّ أنّ هبة الزيادة تكونُ هِبة المُشاع، قلت: نعم، ولكن لا ريبَ أنه مِن باب المُروءات لا غير، فلا حُجَّة فيه.
24 - باب إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْمٍ
2607 و 2608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ «مَعِى مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْىَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ» . وَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَاّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ فِى الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّى رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ
(1)
روى البخاري في "تاريخه" مرفوعًا: إذا اقرض الرجل، فلا يأخذ هدية، اهـ. كذا في "المشكاة".
أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِىءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ». فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ «إِنَّا لَا نَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» . فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. وَهَذَا الَّذِى بَلَغَنَا مِنْ سَبْىِ هَوَازِنَ هَذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ، يَعْنِى فَهَذَا الَّذِى بَلَغَنَا. حديث 2607 أطرافه 2307، 2539، 2584، 3131، 4318، 7176 تحفة 11251 حديث 2608 أطرافه 2308، 2540، 2583، 3132، 4319، 7177 - تحفة 11271
فبوّب بجوازِ الشُّيوع بِكِلا نَحْويه، وتَمسك له بَسْبي هوازن، وغَرَضُه أن يُسوَّع فيه الأمران، فان شِئت قلت: إنَّ الواهِبَ ههنا واحدٌ، والموهوبَ له متعدِّد، وإنْ شِئت قلت بالعكس، فتحقَّق فيه الشُّيوع بالنَّحوين، وقد وعدناك غيرَ مرةِ أنه كان إعتاقًا منهم، لا هبة، فتسقط تفريعاتُ المصنِّف بِأسرها.
[قال البخاري
(1)
: "باب إذا وهب جماعة لقوم، أو وهب رجل جماعة مقسوما وغير مقسوم" اهـ]. واستدل على ذلك بَرِدِّ السَّبْي على وَفْد هَوازِن، وقال قَبْله: وقد وَهَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه لهوازِن ما غَنِموا منهم، وهو غيرُ مَقْسومٍ لهوازِن، اهـ. أي وإنْ كان قُسِم بني الغانمين، وفي استدلالة نَظَر، فإِنَّهم كانوا رسلا عن هوازن، يَسألُ كلٌ عن سَبْيه: فليس هناك شُيوعٌ، ثُم ما الوجه في أنه صلى الله عليه وسلم اعتذر إلى الوَفْد بوُقوع المقاسم: فقال، على ما في «الفتح» عن مغازي موسى بن عُقبة: ما طلب لكم، وقد وقعت المقاسِم، فأَيَّ الأَمْرين أَحبُّ إليكم؛ السَّبي أم المال؟ اهـ وقال - في وزعم - يلي؛ والذي نفسي بيده إنَّ الشملة التي أصابها يوم خبيرُ من المغانم لم تُصِبها المقاسِمُ، لتشغِلُ عليه نارًا، اهـ. أخرجه هو ابتغاءَ العَدْل في القسمة، أو لئلا يقعَ تَصَرُّفْ فيما ليس خالصًا له، وأن الشِّرْك في المُشاع لا يكفي للانتفاع الذي جنح إليه البخاريُّ هو الثاني، ويترجم عليه في «أواخر الذبائح» لا «الأضاحي» فقال:«باب إذا أصاب قومٌ غنيمةً فذب بعضُهم غَنَمًا، أو إبلا بغير أَمْر أصحابِه لم تؤكل، الحديث رافع» ، اهـ. وعارضة في «الفتح» بديث الشاةِ التي ذَبَحَتْها المرأةُ بغيرِ إذْنِ صاحبها. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «اطْعِمُوها الأُسَارى» والظاهر أنَّه لِمعنى النهبة، كما عند أبي داود في حديثٍ آخَر، فراجع «الفتح» وإذا كان كذلك دَلَّ على أن المُشاع لا يخلص، وإليه ذهب أبو حنيفة، ثُم راجع هل كانت القسمةُ في غنيمة هوازن، وقعت تَفصِيلا أم لا؟ ويملائمه السؤال عن الغُرماء، وإلا لتبيَّن طيب كلًّ بإِرساله السَّبي، والله أعلم.
(كخبير) فيما يَظْهر، ويحتمل أن يكونَ القَسْمُ الثابِتخ في الرواياتِ قَسْم أموالٍ، وأم في السَّبي فقليلٌ، على شاكلة التنفيل، وراجع ما عند البخاري من باب ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعطي
(1)
هذه قطعة تتعلق بهذا الباب منقولة من مذكرة الشيخ إمام العصر رحمه الله بقلمه ولفظه، أدرجها فضيلة الأستاذ الجامع، ونحن نقدم له شكرًا جزيلًا على أمثال ذلك، فإن فيها فوائد سامية. ووجدت في موضعين عبارة مكتوبة بالهامش، فأدرجتها فيما خلته ملائمًا، وعلامة ذلك جعلها بين الخطين هكذا:[]، فليتنبه. [البنوري عفا عنه].
المؤلفةَ قلوبُهم وغيرهم من الخمس، ونحوه أن جاريتي كانتا من الخمس، فراجع «الفتح» «كنز» .
ثُم طرد الحنفيةُ حُكْم المُشاع فيما إذا دفع الشيء إلى رجل واحد بجهتين، كأداء دَيْنٍ في بعض، والهِبة في بعض؛ وكان الزَّعيم أن يكون كهِبة نَخْلٍ كهِبة نَخْلٍ في أرضٍ لَمْن الأَرْضُ له «راجع» الأم و «فتاوى» ابن تيمية:«باب مَن رأى الهِبة الغائبة جائزة» يريدُ به - والله أعلم - أنَّ الهبةَ في قصة هَوازِن وقعت غائبةً عن الموهوبِ لهم، وهم كُلُّ مَنْ أرسل الوفد، وإنْ وقع الخطاب مع الوفد؛ ولا يريدُ في هذه الترجمة مسألةَ المُشاع، كما قرره الشارحون:
*مضاربةٌ، مزارعةٌ، وأَجْر
…
يَطِيب الأكلُ فيها، مع فساد
*وفي التأجيل من بيعٍ من بيعٍ إذا ما
…
أزال الشَّرْط، يرجع للسراد
*وأما البيع، و .... فما لم
…
يَصِحَّا لا يَطيب، فبالرشاد
*وفي المَكْرُوه أوجب فَسْح بَيْع
…
على حُكْم الدِّيانةِ في العباد
وراجع «الدر المختار» في المهر للتصرفات الفاسدة؛ وراجع ما عند أبي داود و «المراسيل» . وأخذ شتى من «الدر» رواية في معنى قَفِيز الطحان، فيما أرى - والله أعلم - في «الكنز» ، وفي - ضمان الأَجِير المشترك.
وما ذكره البخاريُّ من جواز الهِبة الغَيْرِ المقسومةِ، لم يأتِ فيه بدليلٍ، فوجه حديث هوازن - قد مرَّ - وأنه غيرُ مُشاع، نَعم يُشْكِل تخريجُهُ على الأصول، فإِنَّ ظاهِرَه تَرْكُ السَّبي بعد ثبوت المِلْك، والمَنّ عليهم لا إعتاقهم، كما عند البخاري من الخُمْس من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّبي، ثُم وجدت عنده: في عِتْق سَبْي هوارن، فراجع «الفتح» ، اللهم إلا أن يكون التقسيمُ على العِرافةِ، والرايات لا تفصيلا، وأما حديثُ جابر، فكانت الزيادةُ مُنفصلةً لا تفارق قرابه. وراجع ما ذكره الحافظ عن المُحِبُّ الطبري مِنْ وَزْن الدَّراهم لا عدِّها؛ وما أخرجه البخاري في «باب إذا وَكَّل رجِلٌ لاجُلا أن يَعْطي شيئًا، ولم يُبَيِّن كم يُعطي، فأعطى على ما يتعارَفُه الناس» . وجعل في «الجوهر النقي» هذا زيادة في الثمن لاهِبة: أخرجه هو، الخ.
وقال صلى الله عليه وسلم لرعية الجهني: أما ما أدْرَكْت من مالِك يِعَيْنه قَبْل أن يُقْسم، فأَنْت أَحْقُّ به، - حم عب - «كنز» ؛ وعن جماعةٍ من السَّلف فيما غَنِم المسلمون ما كان الكفارُ غَنِموه منهم، وقُسِم بين المسلمين يأخذُه المالِكُ الأَصْليُّ بالثمن، راجع التخريج، وفي «الموطأ» في غير فرس لابن عَمْرو، أو خالد عليه، وذلك قبل أن يصيبهما المقاسم، اهـ. وراجع «الفتح» .
ثمُ إنَّ الذي يَظْهر أن أَحْكَامَ الحنفيةِ في المُشاع إنما هي «المنازعة - كما في ضابطة لفظه: كل من «رد المحتار» - أوائل البيع، ومسألة تسبيب الدابة من الحج، وإلقاء شيء من اللُّقطة - لا عند السماحةِ، وهو التوفيق في إفادة قبض المِلْك في المُشاع، على خلاف فيه، وإنم يَظْهَرُ عند الخصومة؛ وراجع ما ذكروا في الفَرْق بين التمليك والإِباحة، وحرر في «رد المحتار» وفي آخِر الشَّركة: أن المُنْفِق على دارٍ يمكَنُ قسْمَتُها مُتبرِّعٌ؛ وكذا في «الدر المختار» من شتى الوصايا، ومِثْلُه ما ذكره في البيع، بِشَرْطٍ جَرى العُرْف به، ولعلَّه الوَجْه فيما ذكره في «رد المحتار» في الشَّرْط الفاسد، إذا ذُكِر بعد العقد، وراجع «السَّعاية» في التيمم للإِباحة، والتمليك،