الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان متناولا للشهادة الأَخْرَويَّة، فإِنَّ أم حرام لم تقتل في سبيل الله، ولكنَّها وَقَصَتها ناقتُها، فماتت؛ ونظيرُه
(1)
قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: 15] الخ. مع أنه لم يمت، ولكنه قُتِل واستُشهد
(2)
.
4 - باب دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي
قال أَبو عبد الله: غُزًّا واحدها غاز. هُم دَرَجاتٌ: لهم درجات.
2790 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِى أَرْضِهِ الَّتِى وُلِدَ فِيهَا» . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ. قَالَ «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ» . طرفه 7423 - تحفة 14236 - 20/ 4
2791 -
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلَانِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ» . أطرافه 845، 1143، 1386، 2085، 3236، 3354، 4674، 6096، 7047 تحفة 4630
والسبيلُ يُذكَّرُ ويُؤنَّثُ.
2790 -
قوله: (جَاهد في سبيل الله، أو جَلَس في أَرْضِه التي وُلِد فيها) دلَّ الحديثُ على تَرْك الهجرة في زمن، كما مرَّ في «الزكاة» من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم اعمل مِن وراءِ البحار» (5، وأشار إليه القرآنُ أيضًا:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92] الخ، فدل على تمَكُّنْ المؤمنِ في
(1)
قلت: ونظيرُه الآخَرُ ما في "المشكاة" عن جابر، قال: "فُقِدَ الجرادُ في سنة من سني عمرَ التي تُوفِّي فيها .. الخ.
ففيه إطلاقُ التوَفِّي على الشهادة، وسيجيء الكلام فيه في "المغازي" إن شاء الله تعالى.
(2)
قال العَينيُّ: وفيه أن الموتَ في سبيل الله شهادةٌ، ثم أخرج عن ابن أبي شيبةَ عن عمر بإِسناده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قُتِل في سبيل الله أو مات، فهو في الجنة"، اهـ. وَيَشْهدُ له قولُه تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج: 58] وبقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الآية: [النساء: 100] وراجع الاختلاف فيه في "عُمدة القاري".
دار الحرب، وتَرْك الهجرة عنها. ودلَّ أيضًا على أن الاتكالَ فيه من فضائل الأُمور دون فرائضه، فإِنَّه ذَكَرَ الفرائِضَ في صَدْر الحديث، ثُم الاتكالَ بعدها، وقد مرَّ تقريره.
قوله: (مَابَيْنَ الدَّرَجَتَيْن، كما بينَ السَّماءِ والأَرْضِ) وهو كما عند التِّرْمذي عن ابن عباس: مسيرة خمس مئة عام. وقد تهافت فيما بعضُ الرُّواة، فذكرها مسيرةَ ثلاثٍ وسبعينَ عامًا، وسقط منه ذِكْر أربع مئة، مع بعض الكسر قطعًا؛ والصواب أها مسيرةُ أَربع مئة عام، وكذا سقط من رواية الترمذي ذِكْر الماء
(1)
، والكُرسيِّ، والعَرْش، والجنَّة، وليس فيها إلا بيانُ مسافةِ السموات.
قوله: (وفَوْقَهُ عَرْشُ الرحمن) وهو سَقفُ الجنَّة، وحينئذٍ لا بأس بكونِ عَرْش الرحمن سَقفًا لجميع درجات الجنة، مع كونِ بَعْضِها أوسط، وبَعْضِها أعلى.
واعلم أن ههنا مقامين: الأَوَّل في بيان مسافة درجات الجنة؛ والثاني في بيان حَيِّز الجنةِ. فنقول: إن مسافةَ الجنَّةِ مسيرةُ خمسينَ ألفَ سنةٍ. كما يلوحُ من رواية البخاريّ. فإِنَّ للجنَّةِ مئة درجة، وما بين كلِّ درجةٍ مسيرةُ خمسة مئة عام، فَبِضَرْبها في المئة يحصُلُ العددُ المذكور. ويَرِدُ عليه قولُه تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]، على تفسير؛ والناس في تفسيره مختلفون، فقيل: إنه مدةُ يومِ الحساب، وإن كانت المحاسبةُ فيه بلحظاتٍ
(2)
يسيرة، وهي كما بين الظهر والعصر، كما في رواية؛ وهذا أيضًا حسابُ العوام. أما المقرَّبون فيحاسَبون في طَرْفَة عين
(3)
. وقيل: بل فيه بيانُ المسافة من الأرضِ إلى الجنة. وحينئذٍ ناقض الحديثُ ما في الآيةِ، فإِن تلك المسافة في الحديث مسافةٌ لدرجاتِ الجنَّة فقط، وبانضمام مسافةِ الأَرْض إلى السماء ومسافةِ السمواتِ فيما بينها تزيد على نحو أربعة آلاف، فلا يلتئم الحديثُ بالقرآن.
والجواب عندي أن المسافةَ في حديث البخاري هي مسافةٌ درجات الجنة فقط، وهي مسيرةُ خمسينَ ألف سنةٍ، وأما مسافة السمواتِ والأرض، فلم تتعرَّض إليها روايةُ البخاري، وذكرها الترمذيُّ. فروايةُ الترمذيِّ تعرضت إلى مسافةِ العالم السُّفْلي فقط، أي من الأرض إلى السموات، وروايةُ البخاريّ دَلَّت على مسافةِ العالم العُلْوي فقط، وهي من السموات إلى
(1)
يقول العبد الضعيف: وفي "المشكاة" روايةٌ عن الترمذي، وأبي داود عن العباس بن عبد المطلب في حديث بيانِ مسافةِ السموات، قال:"إنَّ بُعْد ما بينهما، إما واحدةٌ، وإما ثِنْتان، أو ثلاثٌ وسبعونَ سنة، والسماء التي فَوْقَها كذلك. وهذه هي مسافةٌ نَبَّه عليها الشيخُ، ثم قال: فوق السماءِ السابعةِ بَحْرٌ بين أعلاه وأسفلِه، كما بين كلِّ سماء، ثُمَّ فوق ذلك ثمانيةُ أَوْعال بين أظلافِهن وَوِرْكِهن مثلُ ما بين سماءٍ إلى سماءٍ، ثُم على ظهورِهنَّ العَرْشُ".
وجمع الحافِظُ بينهما، كما في "بدء الخلق" بأنَّ اختلافَ المسافةِ بينهما باعتبار بطء السَّير وسُرْعَته، اهـ. والشيخ قُدِّس سِرُّه لم يكن يتصدِّى لوجوهِ التَوْفيق بين أوهامِ الرُّواةِ، وهو السبيلُ الأقْومُ.
(2)
روى البَيهقي في "كتاب البعث والنشور"؛ عن أبي سعيد الخُدْري، قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن يوم كان مقدارُه خمسينَ ألف سنةٍ، ما طول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمنِ حتى يكونَ أهونَ عليه من الصلاة المكتوبةِ يصلِّيها في الدنيا، كذا في "المشكاة" من باب الحساب، والقصاص، والميزان".
(3)
قلت: ومن ههنا ظهر المرادُ من قوله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39]، مع كونِ يوم الحسابِ طويلًا.
العرش. وعلى هذا لو ذهبنا إلى أن المذكورَ في الآية قَدْرُ المسافة دون سعةِ اليوم، فينبغي أن تكون تلك المسافة للعالم العُلوي فقط.
وإنما تَعَرَّضْتُ إلى تعيين تلك المسافةِ، لأني أجدُ شُهْرَتها بين السَّلَف أيضًا، ففي حكايةٍ: أنَّ هارونَ الرشيد قال لمالك: إني أريدُ أن أستفيدَ منك شيئًا؛ فلم يزل ينتظره بعد ذلك، فلم يجيء، وكذلك الرشيدُ كان ينتظرُ الإِمام مالكًا، فلم يجيء أحدُهما إلى الآخر. فلما التقيا قال مالك: ياأميرَ المؤمنين إنَّ القرآن نزل من مسافةِ خسمينَ ألف سنةٍ، فإِنْ لم تعظِّمه أنت أيضًا، فَمن يعظمه؟.
وأما بيَانُ حَيِّز الجنة، فقد صرَّح الحديثُ أَنْها فوق السمواتِ، فهذه بدايتُها؛ وقد جاء في روايةِ البُخاري أَنَّ عَرْش الرحمن فوقها، فهذه نهايتُها، بقيت السمواتُ السَّبْع، والأَرَضون كذلك، فهي كُلُّها حيْزٌ لجهنَّم عندي، وهو الذي سَمَّاه اللهُ تعالى «أسَفَلَ السافلين» في سورة التين، وأَمَرَنا أن نخرج عنها مصعدين إلى الجنَّةِ مأوى أَبِينا، ومَنْ بقي فيه، ولم يَصْعَد، فقد بقي في دار الغُرْبة، وسَيَصْلى سعيرًا، فتلك العَرصةُ كُلُّها تنقلبُ حيِّزًا لجنهم. فنحن الآن في حَيِّز جهنَّم، وقد جمع الله فيه من الجنة وجهنم أشياء، كالحجر الأسود، والمقام، والمساجد، والكعبة. وأمثالها. فإِنَّها كلَّها من الجنة، وسترفع إليها، وكذا الشمس، والقمر، وأمثالهما، كلها مِنْ جهنَّم، وستلقى فيها، فركَّب اللهُ سبحانه هذا العالمَ من أشياَ بَعْضُها من الجنة، وبَعْضُها من جهنم، وإذا أراد أن تنتهي النشأةُ، وَتَظْهَرَ النشأةُ الأُخرى، يَدُكُّ هذا العالمَ دَكًا، ويذهب
(1)
بالاشياءِ كلِّها إلى مقارِّها.
وبالجملة المَعْدِنُ هي الجنَّةُ، أو النَّار فقط، وأما الدُّنيا فهي مستَقرُّ إلى حين، ولذا لم يخبرنا اللهُ سبحانه إلا بِنَسْف الجبال، وخَسْف القمر {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9]، وانفطار السمواتِ. فهذه أحوالٌ كلُّها تعترِض على هذا العالم، وهو حيِّزُ جهنَّم، ولم يخبرنا عما هو صانعٌ بما عنده فوق السموات، وهي الجنة؛ بل ذهب المفسِّرُون إلى أنها داخلةٌ فيما استثناه الله تعالى: فالحاصل أن المقرَّ الأصلي للإِنسان ليس إلا الجنةُ أو النار، فالجنَّةُ فوقَ السمواتِ، والسمواتِ مع الأَرَضين السَّبعةِ حَيِّزٌ لجنَّم، وهذا هو مستقرُّنا إلى حين؛ فلما يريدُ الله سبحانه أن يُعيدَ الأشياء إلى مقارِّها، يُخرب الدنيا بما فيها، ويرتبها بالاندكاك والانفطار والانشقاق، مقرًا ناسب أهلها.
ولا يحسبنَّ زائِغٌ أن جهنَّم ليست بموجودة الآن، بل هي كما أخبر بها اللهُ سبحانه، ولكن اختلاف العالمين منعنا عن إدراكها، أما حديد البصر فيراها الآن أيضًا. فالمعاصي هي النَّارُ بالفعل، لكنَّ ناريتها مستورةٌ عندنا، وظاهرةٌ عند حديد البصر، فالجنة مزخرفةٌ، وجهنَّم يحطم بَعْضُها أيضًا، إلا أنهما تضعفان زينةً، وعذابًا من أفعالنا؛ وتلك الأفعالُ هي الزينةُ، أو العذابُ
(1)
ويؤيدُه ما أخرج الشافعيُّ، كما في "المشكاة" من كتاب "الرِّقاق" عن عمرو مرفوعًا فيه؛ ألا إنَّ الخيرَ كلَّه بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشَّرَّ كلَّه بحذافيره في النار. اهـ.