الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودجالُك خيرُ دجَّال، حيث حَفِظلك من الناس، ثُم ما كان لأحد في قتله حاجة، إلا أنه كان جبانًا، يَحْسَب كُلَّ صيحةٍ عليه، ويستظل بِظِلِّ دجَّاله؛ فَسُبحانَ اللهِ من مسيحٍ مات ولم يَقْتَرِف من دُنياه لعُقباه، إلا نارُ الأنيار، وسبحانَ من دجالٍ ردَّ على نفسه كَيْدَ مِسيحه، وبقي حيًا بعده، يتقوَّى أَمْرُه يومًا فيومًا؛ والله ما كان ربُّنا لِينزل مسيحًا، يهزًا منه دجَّالُه، ولكنه إذا نزل حَقًّا يذوبُ منه عدوُّ الله، كلملح، فَيَقْتُله، ولو تركه لانذاب، هذا مسيُحنا، ينتظرُ عليه الصلاة والسلام.
فائدة:
واعلم أنَّ الحديث لم يُجْمع إلا قطعةً قطعة، فتكون قطعةٌ منه عند واحد، وقطعة أخرى عند واحد، فليجمع طُرْفة، وليعمل بالقَدْر المشترك، ولا يجعل كلُّ قطعة منه حديثًا مستقِلا فهذه داعيةٌ، وأخرى فوقها أوهام الرواة في باب الروايات؛ فصارت تلك ضغثًا على إبالة، وقد وقعت في الصحيحين أيضًا؛ وإنْ كان يَعرِفها أصحاب الفن، فلا ينبغي أن يُعامل معه معاملةَ القرآن الذي هو محفوظٌ في الصُّدور، مصونٌ عن الظنون؛ ألا ترى أنه أخبر بِهَلاكَ قَيْصر، وأخبر ببقائهِ في الجملة أيضًا، فيجمعان، ويؤخذُ المرادُ منهما، وليس الاقتصارُ على أحدهما، وتركُ الآخَر من العمل في شيء، وهكذا الاستدلالُ من الحديث على عَدَمِ عِلم النبيِّ صلى الله عليه وسلم بحقيقةِ الدجَّال جَهْلٌ: فإِنَّ تلك الخطبةَ إذا وُجِدت في هذا الطريق، فَلْيُراعِها في جميعها، وإن لم يذكرها الراوي، فإِنَّه يُحْمل على اقتصاره، ولذك غَيرُ قليلٍ منه.
180 - باب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ، فَهْىَ لَهُمْ
(1)
3058 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِى حَجَّتِهِ. قَالَ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا» . ثُمَّ قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِى كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ». وَذَلِكَ أَنَّ بَنِى كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِى هَاشِمٍ أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُئْوُوهُمْ. قَالَ الزُّهْرِىُّ وَالْخَيْفُ الْوَادِى. أطرافه 1588، 4282، 6764 - تحفة 114 - 87/ 4
(1)
وفيه خلاف، نقله العَيْني؛ قال: قال الشافعي، وأشْهب، وسُحْنون: إنَّ الذي أسلم في دار الحرب وبقي فيها مالهُ وولدهُ، ثُم خرج إلينا مُسْلِمًا، ثُم غزا مع المسلمين بلدَه، أَنَّه قد يَحْرُز مالَه، وعَقارَه، حيث كان، وولَدَه الصغار، لأنهم تبَعٌ له في الإِسلام. وقال مالك، والليث: أهلُه، ومالُه، وولدُه فيها فيء على حُكْم البلد. مفرَّق أبو حنيفة بين حُكْمها إذا أسلم في بلدِه ثُم خرج إلينا، فأولادُه الصغار أحراز مسلمون؛ وما أودعه، أو ذميًا فهو له؛ وما أودعه حَرْبيًا فهو وسائرُ عقارُه هنالك فيءٌ. وإذا أسلم في بلد الإِسلام، ثم ظهر المسلمون على بلده، فكل ماله فيه فيء لاختلاف حكم الدارين عنده، اهـ (7/ 96)، وقد تكلم فيه المارديني أبْسَط منه، وأجود، فليراجع "الجوهر النقي"، وراجع معه العَيني أيضًا.
3059 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَىُّ، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاىَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِى بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَىَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّى قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِى الإِسْلَامِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِى أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا. تحفة 10395
أي إذا أسلم قومٌ طوعًا بدون جهاد وقتالٍ في دار الحَرْب، ثُم ظهر المسلمون على تلك الدار، فانهم يستقرُّون على أملاكِهم في الأراضي وغيرِها، عند الشافعيِّ؛ وعندنا يستقرُّون على أملاكِهم في المنقولات، دون الأراضي، فإِنها تَتْبع الدارَ، وقصيرُ مِلْكًا للغانمين؛ بخلاف المنقولات، فإِنها تابعةٌ للمالكين، فَتَبْقى معصومةً، والمصنِّف لم يأتِ فيه بحديث صريح؛ فهو عند أبي داود؛ «يا صَخْرُ: إنَّ القومَ إذا أسلموا أَحْرزُوا أموالَهم ودماءهم»؛ ولا بدَّ له من جوابَ، وقد تعرَّض إليه ابنُ الهُمام، فلم يأت بما يشفي الصدور. فاعلم أنَّ خِطَّته إذا أسلمت كُلُّها، فهي دار الإِسلام، ولعلَّ مسألةَ الحنفيةِ فيما إذا أسلم قومٌ من بينهم، وبقي الكُفْر فيمن حَوَلَهم، وَيَقْرُب مِن مذهب الحنفية مذهبُ مالك في «موطئه»
(1)
، وراجع «البحر» ، فإنَّ فيه جزئياتٍ يستقيمُ عليها مذهبُ الحنفية أيضًا.
3058 -
قوله: (خَيْف بني كِنَانة) احتج المصنف بالإِضافة إلى كنانة أن الأراضي كانت للمالكين، وهو ضعيف جدًا.
3059 -
قوله: (قاتلوا عليها في الجاهلية، وأَسْلُموا عليها في الإِسلام) فيه دليلٌ على كَوْن تلك الأراضي مملوكةً لهم، وإذ لا يردَّ علينا، لأن المتباذر منه أنهم أسلموا كلُّهم، ومسألتنا فيما إذا أسلم قومٌ، وبقي الكُفْرُ من حولهم.
(1)
يقول العبد الضعيف: وفي مذكرة أُخْرى عندي أني لم أتحقق فيه مذهب الإِمام بعد، لما في "السِّير الكبير" عن محمد أنَّ مَنْ أسلم في دار الحرب، وكانت له يدٌ على حِفْظ نفسه، ثُم أخبر المسلمين أنه يؤدِّي العشرَ إليهم، تبقى أرضُه عُشريةً بعد ظهور المسلمين عليهم أيضًا. وفي "الدر المختار" أنَّه لو رجع إلى دار الإِسلام مُسْلمًا، ثم ظهر عليهم المسلمونَ تكونُ أرضُه فيئًا. فلم أدر أنهم متى يَحكمون بتبعية أراضي الدار، ومتى لا يَحكُمون بها، ولعلَّه إذا خرج من دار الحرب وسكَن بدار الإِسلام، ثُم ظهر المسلمون على أراضِيهم في دار الحرب تصيرُ فيئًا؛ وأما إِذا مَكَث هناك، ولم يهاجر حتى ظهر عليهم المسلمون، لا تكون فيئًا. ويؤيدُه بعضُ الألفاظ في "التاريخ" لابن عساكر كتاب فرمان عمرَ إلى أهل الشام؛ فراجعه.