الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ». تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ سُفْيَانَ. طرفه 5102 - تحفة 17658 - 223/ 3
2647 -
قوله: (فإِنَّما الرِّضاعةُ من المَجاعةِ)، واعلم أنهم اختلفوا في مُدة الرَّضاعة، فذهب الجمهور إلى أنها حَوْلانِ، مع تفصيل قليلٍ فيما بينهم؛ وعندنا هي ثلاثونَ شَهْرًا. وأصلُ الكلام في القرآن، فإِنَّه تعرَّض إلى مدة الرَّضاعة نصًا، أما الحديثُ فلم يتعرَّض له إلى حَدَ، كما ترى في قوله:«إنَّما الرَّضاعةُ من الجماعة» ، ولعلَّك عَلِمت منه أن مدَة الرَّضاعة لو كانت هي الحَوْلين في نظر صاحب الشرع لَنوَّر بها الحديث، واستعملها، وذكر تفاصيلها، وبني عليها في كلامه، وإذا لم نرفيه عباءةً بها، عَلِمنا أن القرآن اعتبر فيها اعتبارًا، لا أنها تمامُ المدة التي لا وكس فيها، ولا شَطَط. وسيأتي الكلام فيها في موضعه إنْ شاء الله تعالى.
8 - بابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور: 4 - 5]. وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ. وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِىُّ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِىُّ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَشُرَيْحٌ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِىُّ وَقَتَادَةُ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِىُّ إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِىَ الْمَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ، وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ. وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَقَدْ نَفَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الزَّانِىَ سَنَةً. وَنَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً.
2648 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَأُتِىَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أطرافه 3475، 3732، 3733، 4304، 6787، 6788، 6800 - تحفة 16694
2649 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ. أطرافه 2314، 2696، 2725، 6634، 6828، 6831، 6836، 6843، 6860، 7194، 7259، 7279 - تحفة 3755 - 224/ 3
وهي جائزةٌ عند الشافعية بعد التوبةِ، وحُسْن الحالِ؛ وردَّها الحنفيةُ مُطْلقًا، وعَدُّوه من تمام الحَدِّ، وأصلُ النزاع
(1)
في القرآن؛ فَمَنْ ذهب إلى أن قوله: {إلا الدين تابوا من بعدِ ذلك وءَصْلَحوا} (النور: 4)، استثناءُ من قوله:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] قَبِلها بعد التوبةِ، ومنْ جعله استثناءً مِن الفسْق لم يَقْبَلْها وإنْ باب، فالأبدُ عندنا على معناه بخلافة عند الشافعية، وقد بُحث في الأصول أَنَّ الاستثناء إذا وقع بعد عدةِ أمور، هل يرجع الأقرب، أم إلى الجميع؟ فليراجع.
قوله: (وَجَلَدَ عُمرُ أبا بَكْرةَ، وشِبْلَ بَنَ مَعْبد) .... الخ، وقِصَّتُه أن المغيرةَ بن شُعْبة كان واليًا بالعراق، وأبا بكرة بالكوفةِ؛ وكان لمغيرةُ من دُهاةِ العرب، حتى قال الحسنُ البصري: أَفْسد الناس اثنان: المغيرةُ وعَمْرو بنُ العاص، وإنما كان عمرُ، وَلاة على العراق، لأن أمورَ الولاية لا تَنْتَظِم، إلا مِن القَطِن الذكي، المقذف في الأمور، فكان زُهادُّ الصحابةِ عن سخطه منه: منهم أبو بكرة؛ فاتفق يومًا أن المغيرةَ خرج من بيته بِغَلَسَ، فدخل بين امرأة، فلم يستطع أبو بكرة أن يَصبرَ عليه، فذهب وجاء بثلاثةِ شهداء، فشاهدوه يُجامعها، فلما بلغ أمْرُه إلى عمر، دعا: اللهم أَنْقذ المغيرةَ من الحدِّ، فَشَهِد منهم ثلاثةُّ بلفظٍ صريح، أما الرابع فقال: انَّه رأى حركةَ
(2)
رِجْليه لا غير، فدرأ عنه الحدَّ، وشكر الله تعالى، وجلد هؤلاء حَدَّ الفِرْية.
قلت: أما وَجْهُ دخولِ المغيرةَ في بيت امرأةٍ، فما علمت بعد تَفَحُّص بالغٍ أنه كان نَكحها نِكَاح السرِّ، فكان يذهبُ إليها ويجامِعُها، وإنما لم يعتذر به عند عُمَر، لأنه كان نهى عنه، وأعلنَ أنه لا يَسْمَع بعد ذلك أحدًا يفعله إلا تَحُلُّ به العقوبةُ، فخاف أن يبوءَ به.
قوله: (مَنْ تابَ قَبِلْتُ شَهادَتَه)، وهذا بِمَحْضَرٍ من الصحابةِ، فلا ريبَ في كونه قويًا، وهو مَذْهبُ أكثرِ الصحابة، ولعلَّ مَلَحَظ الإِمامِ الأعظم أنه لا معنى للتوبةِ عنه، إلا أن يُكذِّب نَفْسَه، وذا لا يمكنُ من رَجُلٍ صادقٍ، فإِنه كيف يُكَذِّب نَفْسه، وقد رآه بعينيه، أما الحدُّ على
(1)
قال ابنُ رُشْد: والسبب في اختلافهم، هل الاستثناءُ يعودُ إلى الجملةِ المتقدمة، أو يعودُ إلى أقرب مذكور، فَمَن قال بالثاني، قال: التوبةُ تَرْفع الفِسْق، ولا تقبل شهادته؛ ومَنْ رأى أن الاستثناءَ يتناولُ الأمْرين جميعًا قال: التوبةُ تَرْفَعُ الفِسْق، وردَّ الشهادةَ، لأنَّ الفِسْق متى ارتفع قُبِلت الشهادةُ. اهـ مختصرًا ص 381 - ج 2 "بداية المجتهد"، ونحوه ذكر العَيْني ص 339 - ج 6 وراجع من ص 241، وص 242 - ج 6.
قلت: ونقل المارديني عن "التمهيد" أَنَّ مِمَّن قال: إنَّ الاستثناء يعودُ إلى الجملةِ الأخيرة الحَكَمُ، ومعاويةُ بن قُرَّة، وحمادُ بنُ أبي سُليمان، ومَكحوُل، وهو رواية عن ابن المُسيِّب، وعِكْرة عن الزُّهري وإليه ذهب أكثرُ أهلِ العراق، وفي "المُحلَّى" لابن حَزْم عن ابن شِهاب: شهادةُ القاذف لا تجوزُ، وإن تاب وصَحَّ نَحْوُه عن الشعبيِّ في أَحْد قَوْليه، والنَّخَعي، وابن المسيب في أحد قَوْليه، والحسن البصري، ومجاهد في أحد قَوْليه، ومَسْروق، وعِكرمة في أحد قوليه، وشريح. ثم قال المارديني: إنَّ ابن المسيِّب الذي روى عن عمر قَبولَ شهادتِه خالفه في ذلك؛ ثم أخرجه عن ابن أبي شَيبة بسندٍ على شَرْط مسلم، وأخرج بسندٍ فيه حَجاجُ مرفوعًا: المسلمونَ عدولٌ بَعضُهم على بعض، إلا محدودًا في فرْية. اهـ والحجَّاج أخرج له مسلمٌ مقرونًا بآخر، اهـ ص 245 - ج 2 ملخصًا: قلت: وقد حسَّن الترمذيُّ حديثَ حجاج في نحو عشرين موضعًا.
(2)
أخرج العيني تلك القِصَّة من وجوه متعددة، ففي بعضها:"رأيتُ منظرًا قَبِيحًا"؛ وفي بعضها: سمعتُ نفسًا عاليًا، ورأيتهما في لحاف، اهـ ص 34 - ج 6.
ظهره، فذلك لِقُصُورٍ في الشهادة، وهو أَمْرٌ أَخَر، ألا ترى أن أبا بكرة لم يرجع عن قوله حتى مات.
وحينئذٍ يُشْكِل قولُ عمرَ: مَنْ تاب قَبِلْت شهادته، ماذا معناه؟ هل يريدُ بذلك أن يَحْمِلَهم على أن يُكذِّبوا أنفسهم، فإِنه لا معنى لِتوْبَتِم إلا ذلك، فيه ترغيبٌ لهم على الكذب، قلت: ولعلَّه أراد به الإِغماضَ عما رآه بقولٍ مُبْهم، والتوبةُ مجملةٌ، دون الرُّجوع عما رآه بعينه بصريح اللفظ. وبالجملة لما تعذرت منهم التوبةُ، لأنها تكذيبُ للنفس والعين، بقي حُكْم ردِّ الشهادةِ إلى الأبد
(1)
والله تعالى أعلم.
قوله: (وقال الثَّوْري: إذا جُلِدَ العَبْدُ، ثُم أُعْتِقَ جَازَت شهادَتُهِ)؛ قلت: وهي مسألةٌ أُخرى ليست من باب قبول شهادةِ القاذفع، لأن العبد ليست له وِلايةٌ، فإِذا عَتق حَصَلت له الوِلايةُ على نفسه، وإذن لا بأس بعبرةِ شهادتِهِ.
قوله: (وقال بعضُ الناس) وحاصلُه أن الإِمام أبا حنيفة رَدَّ أَوّلا شهادةَ المحدود، ثُم ناقَضَه واعتبرها في النكاح: قلت: ليس الأَمرُ كما فَهِم المصنِّف، فإِنَّ الإِمام رَدَّها للثُّبوتِ، وقَبِلها للانعقاد، وبينهما فَرْقُ لا يخفي، ثمُ إنه ليس مِن عقدٍ يحتاجُ إلى الاستشهادِ غير النِّكاح للانعقاد أيضًا، وإنَّما يكفي حضورُ الشاهدَين المحدودَين للانعقاد، لأن الشهادة للانعقاد تعتمدُ الوِلايةَ، ولا قُصور فيهما لوجودِ الولاية فيهما؛ نعم لا تَقْبل شهادَتُهما عند القاضي للقُصور في الأداء، فالردُّ في باب، والقَبول في باب آخر، فأين التناقضُ، وماذا التهافُتُ؟
قوله: (لرؤيةِ هِلالِ رمضان)
…
الخ، ولا مناقَضَةَ فيه أيضًا، فإِنَّ الحنفية لا يُسمُّونه، شهادةً، بل هو إُخبارٌ مجرَّدُ عندهم، ولذا لا يُشترط فيه لَفُظُ الشهادة؛ نعم يُشْترطُ في هلال الفِطر، وذلك أيضًا لكونه مُتضمَّنًا لمعنى الحَلِف، فإِنَّ الفقهاء ذكروا لَفْظ: أَشْهد، في ألفاظ اليمين أيضًا، وزعم البَعْضُ أنه لا بُدَّ فيه لفظ: «أَشْهد بِعَينه؛ ولا تكفي تَرْجمتُه، وليس بصحيح،
(1)
قلت: ولم أفهم المَرَامِ على التمام؛ ولعلَّ حاصِلَه أن المتدين إذا قذف أحدًا، ثُم رُدَّت شهادتُه لِفقْدان شرْطٍ، فَحُدَّ، فإِنَّ شهادَته لا تُقبل، أبدًا، لأنه لا يُمكن منه أن يتوب أبدًا، لأنه لا معنى للتوبة إلَّا تكذيبُ نفسه، وذا لن يفعله رجلٌ متدينٌ، ثم إنه وإن كان في نَفْسه صادقًا، لكنه كاذبٌ عند الله، كما في النصِّ، فأولئك عند الله هم الكاذبون، فإذا كانوا كاذبين لا بدَّ لهم من التوبة، ليرتفِعَ عنهم ميسمُ السوء فإِذا تعذَّرت تَوْبتُهم لكونهم صادِقين في زعمهم، بقي عليهم ما كان من عهدة الكذب -أعني ردَّ الشهادة- ثُم مَن كان عند الله كاذبًا. لا يصيرُ صادقًا بتكذيب نَفْسه، ولعلَّ رَدَّ الشهادة جزاءٌ للكذب، لا جزاءٌ للِفْسق فقط، والتوبةُ تَرْفع الفسق، أما الكذب فذلك مِن صفة القَوْل، ولا تَعلق له بارتفاع الإِثم، فهو بحالِه بعد التوبة أيضًا، ولما كان رَدُّ الشهادةِ من لوازمه، بقي حُكمه إلى الأبد، وذلك في القَذْف خاصَّةَ، لِعَظَمةِ أَمْره، وفخامة شأنه، وحينئذٍ يَنْدفع ما ذكره ابنُ رُشدُ، أنَّ ردَّ الشهادة مع ارتفاعِ الفسق غيرُ معقولِ، وذلك لأن رَدَّها عُدَّ من تماميةِ الحدِّ، لكونِ الكذب في هذا الباب أَشْنَعَ، بخلافِه في سائر الأبواب، فليس الردُّ جزاءً للِفسْق فقط، ليعودَ الأمرُ إلى ما كان، والله تعالى أعلم بالصواب.