الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِى» . فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا - أَوْ فِى عَقِبِ هَذَا - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . أطرافه 3610، 4351، 4667، 5058، 6163، 6931، 6933، 7432، 7562 تحفة 4132 - 167/ 4
3345 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]. أطرافه 3341، 3376، 4869، 4870، 4871، 4872، 4873، 4874 تحفة 9179
3347 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذَا» . وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ. طرفه 7136 تحفة 13524
3348 -
حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ. فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ. فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ» . ثُمَّ قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنِّى أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ «مَا أَنْتُمْ فِى النَّاسِ إِلَاّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِى جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ» . أطرافه 4741، 6530، 7483 تحفة 4005 - 169/ 4
واعلم أن هُودَ عليه الصلاة والسلام لم يُبْعَثْ في وسط العرب، ولكنه بُعِثَ لمن كانوا في ناحية البحر من حَضْرَمَوت إلى الشام.
8 - باب قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94].
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)} طريقًا إِلَى قَوْلِهِ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 83 - 96] وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهْىَ الْقِطَعُ. {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] يُقَالُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْجَبَلَيْنِ. وَالسُّدَّيْنِ الْجَبَلَيْنِ {خَرْجًا} [الكهف: 94] أَجْرًا {قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا
جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)} [الكهف: 96] أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا، وَيُقَالُ: الْحَدِيدُ، وَيُقَالُ: الصُّفْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] يَعْلُوهُ، اسْتَطَاعَ اسْتَفْعَلَ، مِنْ أَطَعْتُ لَهُ فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 97 - 98] أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ، وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ لَا سَنَامَ لَهَا، وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ مِثْلُهُ، حَتَّى صَلُبَ مِنَ الأَرْضِ وَتَلَبَّدَ. {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 98 - 99]. {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} [الأنبياء: 96 - 96]
قَالَ قَتَادَةُ: حَدَبٍ: أَكَمَةٍ، قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ. قَالَ «رَأَيْتَهُ؟» . 168/ 4
3346 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ - رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ «لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ» . أطرافه 3598، 7059، 7135 تحفة 15880
قوله: ({وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}) وفيه عِدَّةُ فوائد:
الفائدة الأولى في تحقيق الإسكندر:
ولا ريب في كونه رجلًا صالحًا. أمَّا إنه كان نبيًا، أو وليًّا، فالله تعالى أعلم به. والذي يَظْهَرُ أنه ليس بالاسكندر اليونانيِّ، وإليه ذهب الرازي
(1)
، والحافظ. فإن أرسطو
(1)
قلتُ: وقد تكلَّم عليه الحافظُ علي في "الفتح" مبسوطًا، وأنا آتيكَ ببعض كلماته. قال: وفي إيراد المصنِّف ترجمة ذي القرنين، قبل إبراهيم، إشارةٌ إلى توهين قول من زَعَمَ إنه الاسكندرُ اليونانيُّ، لأن الاسكندرَ كان قريبًا من زمن عيسى عليه السلام، وبين زمن إبراهيم، وعيسى عليهما السلام أكثر من ألفي سنةٍ. والذي يَظْهَرُ أنه الاسكندرُ المتأخِّرُ، لُقِّبَ بذي القرنين تشبيهًا بالمتقدِّم، لسَعَةِ ملكه، وغلبته على البلاد الكثيرة. والحقُّ إن الذي قصَّ اللهُ نبأه في القرآن، هو المتقدِّم.
والفرق بينهما من أوجهٍ، ثم ذكر في ثاني الأَوْجُهِ، قال الفخر الرازيُّ في "تفسيره": كان ذو القرنين نبيًّا، وكان الاسكندر كافرًا، وكان معلمُه أرطاطاليس، وكان يأتَمِرُ بأمره، فهو من الكُفَّار بلا شك. أمَّا الكلامُ في السد، فَرَوَى الحديثَ فيه عن الطبراني، وغيره، ولم يَجْنَحْ إلى جانبٍ في هذا الموضع. وتكلَّم عليه في، الفتن"، فلينظر ثَمَّة.
وحقَّق نحوَه الشيخُ العينيُّ في "عمدة القاري"، ثم نَقَلَ الخلافَ في كونه نبيًّا أو لا، وكذلك في زمانه، فنقل عن الثَّعَالبي في الأوَّلِ أنه قال: الصحيحُ إن شاء الله أنه كان نبيًّا غير مرسلٍ، وفي الثاني: أن الأصحَّ أنه كان في أيَّام إبراهيم عليه الصلاة والسلام. اهـ.
كان من وزرائه، وكان يَسْجُدُ له. وهو أوَّلُ من دوَّن الجغرافية، وذكر فيه السدَّ، فَدَلَّ على أنه كان مبنيًّا قبل الاسكندر اليونانيِّ، اللهم إلَاّ أن يُقَالَ: إنه أراد به السدَّ الذي بناه ملكه، والظاهرُ هو الأوَّلُ. على أن اليونانيَّ لم يَخْرُج إلى مطلع الشمس والمغرب، ولكنه كان بسَمَرْقَنْد. وقاتل دار فقتله، ثُمَّ فتح الاسكندرية، ثم أتى أرضَ بابل، ورجع من ههنا إلى كابل، ثم إلى راولبندى حتى ألقى عصاه بموضع تيكسله، وضرب فيها سِكَّةً، ثم سافر إلى السند، ومات ثَمَّةَ. فليس اليونانيُّ هو ذو القرنين الذي ذكره القرآن. وراجع صورة العالم من آخر «التفسير» للشيخ عبد الحق الدَّهْلَوِي، فإنه مهمٌّ، ويَنْفَعُكَ في هذا الباب. واسْتَنْبَطْتُ من سفره إلى مطلع الشمس ومغربها، أنه لم يكن من سكانهما.
الفائدة الثانية في تحقيق موضع السد:
أمَّا الكلامُ في السدِّ، فاعلم أنه عديدٌ، والذي بناه ذو القرنين، هو في الجانب الشماليِّ عند جبل قوقيا. أما الذي هو في بلدة الصين في طول ألف ومئتي ميلٍ تقريبًا، فهو سدٌّ آخر. ومن ظنَّه السدَّ المعروفَ، فبعيدٌ عن الصواب. وسدٌّ آخر باليمين بناه شدَّاد، وظنَّ البيضاويُّ - وهو مؤرِّخٌ فارسٌ - أنه عند دربند ثم رَوَى الحافظُ عن صحابيَ:«أنه لمَّا رَجَعَ بعد رؤيته السدَّ، سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: رأيته كالبُرْدِ المُحَبَّرِ» . وحمله الحافظُ على سدِّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ.
قلتُ: هذا غلطٌ، بل هو سدٌّ آخر كان باليمين، وسدُّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ في موضعٍ وراء بُخَارَى. ثم إن سدَّ ذي القرنين قد اندكَّ اليوم، وليس في القرآن وعدٌ ببقائه إلى يوم خروج يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ولا خبرٌ بكونه مانعًا من خروجهم، ولكنه من تَبَادُرِ الأوهام فقط. فإنه قال:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99]{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}
…
إلخ [الأنبياء: 96] فلهم خروجٌ مرَّةً بعد مرةٍ. وقد خَرَجُوا قبل ذلك أيضًا، وأَفْسَدُوا في الأرض بما يُسْتَعَاذُ منه. نعم يكون لهم الخروجُ الموعودُ في آخر الزمان، وذلك أشدُّها. وليس في القرآن أن هذا الخروجَ يكون عَقِيبَ الاندكاك متَّصلًا، بل فيه وعدٌ باندكاكه فقط، فقد اندكَّ كما وَعَدَ.
أما إن خروجَهم موعودٌ بعد اندكاكه بدون فصلٍ، فلا حرفَ فيه. أَلَا ترى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عدَّ من أشراط الساعة: قبضَه من وجه الأرض، وفتحَ بيت المقدس، وفتحَ القسطنطينية، فهل تراها متَّصلةً، أو بينها فاصلةٌ متفاصلةٌ، فكذلك في النصِّ. نعم فيه: أن خروجَهم لا يكون إلَاّ بعد الاندكاك، أمَّا إنه لا يندلُّ إلَاّ عند الخروج، فليس فيه ذلك.
الفائدة الثالثة في تحقيق يأجوج ومأجوج:
أمَّا الكلامُ، في يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، فاعلم أنهم
(1)
، من ذُرِّيَّة يافث باتفاق المؤرِّخين. ويُقَال لهم في لسان أروبا: كاك ميكاك، وفي مقدمة ابن خَلْدُون:«غوغ ماغوغ» . وللبرطانية إقرارٌ بأنهم من ذُرِّيَّة مَأْجُوجَ، وكذا ألمانيا أيضًا منهم، وأمَّا الروس فهم من ذُرِّيَّةِ يَأْجُوجَ. وليس هؤلاء إلَاّ أقوامًا من الإِنس، والمراد من الخروج: حملتُهم، وفسادُهم، وذلك كائنٌ لا محالة في زمانه الموعود، وكلُّ شيءٍ عند ربِّك إلى أجلٍ مسمَّى. وليس السدِّ مَنَعَهُمْ عن الفساد، فهم يَخْرُجُون على سائر الناس في وقتٍ، ثم يُهْلَكُونَ بدعاء عيسى عليه السلام. هكذا في «مكاشفات يوحنا» وفيه: أنهم يُهْلَكُونَ بدعاء المسيح عليه الصلاة والسلام عليهم.
وإنما ذكرنا نبذةً من هذه الأمور، لِتَعْلَمَ أنها ليست بشيءٍ يُفْتَخَرُ بها عند العوام، ولكنها كلَّها معروفةٌ عند أصحاب التاريخ. أمَّا من لم يُطَالِعْ كُتُبَهُمْ فالإِثمُ عليه. وهذا الجاهل - لعين القاديان - يَزْعُمُ أنه أتى بعلمٍ جديدٍ، كأنَّه أوجده من عند نفسه، وكان النَّاسُ غَافِلُونَ عنه قبل ذلك. وقد بَسَطْنَاها في رسالتنا «قيدة الإِسلام» ، وحاشيته بما لا مَزِيدَ عليه، فراجعها.
وبعدُ، فإن العِلْمَ بيد الله المتعال، وأمَّا من زَعَمَ أنه قد أَحَاطَ بوجه الأرض كلِّها عِلْمًا، ولم يَتْرُكْ موضعًا إلَاّ وقد شَاهَدَ حاله، فذلك جاهلٌ. فإنهم قد أقرُّوا بأن كثيرًا من حصص الأرض باقيةٌ لم تقطعها بعدُ أعناق المطايا، منها ساحةٌ طويلةٌ في أرض الروس الشهيرة بسيبيريا وغيرها، فما هذه الزقازق؟!.
وإذ قد فَرَغْنَا عن نقل القطعات التاريخية على القدر الذي أردناها، فالآن نتوجَّه إلى بعض ألفاظ الحديث.
فاعلم أنا لم نَجِدْ في القرآن، ولا في حديثٍ صحيحٍ أن السدَّ مانعٌ عن خروجهم، إلَاّ ما عند الترمذيِّ
(2)
، فإنه يُشْعِرُ بظاهره أنه مانعٌ عنه، لِمَا فيه: «أنهم يَحْفِرُونه كل يومٍ، حتَّى إذا بَقِيَ منه شيءٌ يَرْجِعُونَ إلى بيوتهم يقولون: نَعُود إليه غدًا، ونَحْفِرُ الباقي، ولا يقولون: إن شاء الله تعالى. فإذا عَادُوا إليه، وَجَدُوه كما كان قبله، فَلَا يَزَالُ أمره وأمرهم هكذا، حتَّى إذا جاء الموعدُ يَرْجِعُونَ إلى بيوتهم يقولوه: إنا نَحْفِرُه غدًا إن شاء الله تعالى، فإذا
(1)
هكذا حقَّقه العيني في "العمدة"، وقال: وإنما خصَّ العرب - أي في قوله: "ويل للعرب"، لاحتمال أنه أَرَادَ ما وقع من الترك من المفاسد العظيمة في بلاد المسلمين، وهم من نَسْلِ يَأجُوجَ ومَأْجُوجَ. والحديث يأتي برقم (3598) أيضًا، غير أنه لم يتكلَّم هناك شيئًا.
(2)
أخرجه الترمذيُّ في تفسير سورة الكهف، [برقم (3153)].
رَجَعُوا إليه غدًا، وَجَدُوه كما تَرَكُوه، لم يَزِدْ عليه شيئًا، وحينئذٍ يَدُكُّونه، ثم يَخْرُجُون مفسدين في الأرض» - بالمعنى. ولكنه مخالقٌ لِمَا في الصحيح، لأنه يَدُلُّ على أن السدَّ في زمنه صلى الله عليه وسلم «كان فُتِحَ مثلَ هذه، وحلَّق بإِصْبَعَيْهِ: الإِبهام، والتي تليها» . وقد ذَكَرْنَا تمامه في «عقيدة الإِسلام» ، مع أن ابن كثير علَّله، وقال: إن أبا هريرة قد يَرْفَعُهُ، وقد يُوقِفُهُ على كَعْبٍ، وبه يَحْكُمُ وجداني: أنه ليس بمرفوعٍ، بل هو من كعب نفسه.
قال الشيخُ في كتابه «عقيدة الإِسلام، في حياة عيسى عليه السلام
(1)
»: قد تَوَاتَرَ في الأحاديث أنه عليه السلام يَنْزِلُ بعد خروج الدَّجَّال، فَيَقْتُلُه، ويُرِيهم دمَه على حَرْبَتِهِ، ثم يَخْرُجُ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ، فَيُهْلِكُهُم الله بدعائه. وقد حرَّف المُلْحِدُون تلك الأحاديث أيضًا. وكُنْتُ قد أفردت في مبحث يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مقالةً حديثيَّةً تاريخيَّةً، لا يسعها المقام، وهذه نبذةٌ منها أوردتها.
فالذي ينبغي أن يُعْلَمَ، ويكفي ههنا: أن الظاهرَ من أمر ذي القرنين أنه رجلٌ ليس من أهل المشرق، كما قيل: إنه مغفور الصين، الذي بنى سدًّا هناك، في طول ألف مئتي ميلٍ، ويَمُرُّ على الجبال والبحار. لأنه لو كان كذلك، لقيل في القرآن العزيز بعد سفره إلى المغرب: إنه رَجَعَ إلى المشرق، كالراجع إلى وطنه. ولا من أهل المغرب، وإنما هو من أهل ما بينهما. والراجحُ أنه ليس من أذواء اليمن، ولا كيقباد من ملوك العجم، ولا هو اسكندر من فيلقوس، بل ملكٌ من الصالحين، ينتهي نَسَبُهُ إلى العرب الساميِّين الأوَّلين. ذكره صاحب «الناسخ» وأرَّخ لبنائه السد: سنة 3460 من الهبوط.
وذَكَرَهُ قبل العرب الساميِّين الذين مَلَكُوا مصر، كشَدَّاد بن عاد بن عود بن أرم بن سام، وابن أخيه سنان بن علوان بن عاد، وبعدهما الريان بن الوليد بنع مرو بن عمليق بن عولج بن عاد. قال: ومن أَطْلَقَ على هؤلاء الفراعنة بعد الريان العمالقة، فللنسبة إلى عمليق بن عولج، لا إلى عمليق بن لاوذ بن أرم بن سام الذين كانوا سَكَنُوا بمكة. وكذا هو - أي ذو القَرْنَيْن - قبل ضحاك بن علوان، أخي سنان المذكور الذي قَتَلَ جمشاد ملك الإِيران، وملكه.
(1)
هذه مقالةٌ قيِّمةٌ، لحضرة إمام العصر، شيخنا رحمه الله تعالى، كان أدخلها فضيلة الجامع في ضمن تعاليقه، ولكنِّي أحْبَبْتُ أن تَدْخُلَ في متن الكتاب، فإنها بلفظ الشيخ رحمه الله. وكان من دَأْبِهِ الشريفِ أنه إذا بَسَطَ موضوعًا في تأليف له، وطُبعَ، فكان يُجْمِلُ الكلامَ عليه بعده في إلقائه، ودرسه، وَيأمُرُ بالمراجعة إليه، حِرْصًا على الوقت، وإضرابًا عمَّا لا يهمه كئيرًا. فهكذا على عادته بعد طبع كتابه "عقيدة الإسلام" كان يُجْمِلُ الكلامَ في بيان يَأجُوجَ ومَأجُوجَ، وربما كان يأتي بأمورٍ لم يَذْكُرْهَا في الكتاب، فَجَبَر حضرة الجامع ذلك بإدخال المقالة هنا في التعليق، وجَبَرْتُه بإدخالها في الأصل، فليتنبَّه. محمد يوسفَ البنوري - عفا الله عنه وعافاه.
وذكر اسم ذي القرنين: صعب بن روم بن يونان بن تارخ بن سام، فهو إذن من عادٍ الأُولَى، لا من الروم، أو اليونان، وقد قال الله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69]. وذكر أيضًا أن كورش ليس هو كيقباد، بل هو من الطبقة الثانية من ملوك بابل. والأشبه في وجه تسميته ما عن عليّ، وقد قوَّاه في «الفتح» وشرحه في «شرح القاموس» ، وذكر في التنزيل ثلاثة أسفار له: الأوَّل إلى المغرب، ثم إلى المشرق، ولم يَذْكُرْ جهةَ الثالث، ولا قرينةَ له على أنَّه إلى الجنوب، فهو إذن إلى الشمال، وسدُّه هناك في جبل قوقايا، الذي يسمى الآن الطائي، غير مجموعة الجبال الأورالية، وهو المرادُ بآخر الجربياء في كتاب حزقيال عليه السلام، كما في «روح المعاني» .
قلتُ: الجِرْبِياء في اللغة: الريح التي تَهُبُّ من المشرق والشمال. وبنى أيضًا بعضُ ملوك الصين سدًّا لنحو ضرورة ذي القرنين، وهو سدٌّ كان المغول سَمَّوْهُ: أتكووة، وسمَّاه الترك: بوقورقه، ذكره صاحب «الناسخ» ، وأرَّخ لبنائه: سنة 4381 من الهبوط. وكذا بعض ملوك العجم من باب الأبواب لمثل ما ذَكَرْنَاهُ. وهناك سدودٌ أُخَر، وكلُّها في الشمال.
ثم لو ثَبَتَ ما اشتهر، وشهَّره المؤرِّخون، وذكره في «حياة الحيوان» ، عن ابن عبد البَرِّ في «كتاب الأمم من الكركند»: أن مَأْجُوجَ من ولد يافث، سَكَنَ هناك، وأن جوج لَحِقَ بهم، وأن ماغوغ - كما ذَكَرَه ابن خَلْدُون - بالعبرية، هو: مَأْجُوجُ في العربية، وجوج، هو: يَأْجُوجُ. مع أنه لم يَذْكُرْ في كتاب حزقيل بلفظ يَأْجُوج، وإنما ذَكَرَ: جوج، وسلَّم أنهما معرَّبٌ كاك ميكاك في الإِنكليزية، وأن رخلأسيَا من يَأْجُوج، وأهل بريطانيا من مَأْجُوج. ولم يَدُلُّ على أن ذي القرنين سَدَّ على كلِّهم، بل سَدَّ على فِرْقَةٍ منهم هناك.
قال ابن حَزْم في «الملل والنحل» فيما يَعْتَرِضُ به النصارى على المسلمين قديمًا: إن أرسطو ذكر السدَّ ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ في «كتاب الحيوان» ، وكذا بطليموس في «جعرافياه» . بل سؤالُ تعيين السدِّ، أو تعيينُ ذي القرنين، وَقَعَ من اليهود أولًا عنه صلى الله عليه وسلم كذا يُسْتَفَادُ من بعض روايات «الدر المنثور». وبعضُ الناس يَجْعَلُ اللفظين: منكوليا ومنجوريا، وبعضُهم كاس ميكاس، وبعضهم:"جين ما جين"، وهو كما تَرَى.
وأعجبُ منه ما في «الناسخ» ، من ذكر بناء بيت المَقْدِسِ: أن علماءَ بني إسرائيلَ كانوا يُطْلِقُون على صور وصيدا: جين ما جين، ونَقَلَ بَعْضُهم عن «تاريخ كليسيا» فِرْقَةً من فِرَقِ الآريوسة لقبها: ياجوجي. والمُفْسِدُون في الأرض لا يَصْدُقُ على كلِّهم، فإنه إهلاكُ النَّسْلِ والحَرْثِ، وتَخْرِيبُ البلاد، والنهبُ، والسفكُ، وشنُ الغارة، لا أخذ الممالك بالسياسة والتدبير، وهؤلاء مَوْصُوفُون بذلك لا الأول. وإذا انقطع هذا اللقبُ
عنهم الآن، لم تَبْقَ المعرفة إلَاّ بوصف الإِفساد. فإن كان شعبُهم ينتهي إليهم، فلينته. ولعلَّه في بعض الآثار أَدْخَلَ نحو إنسان الغاب، أو الجبَّارين في يأجوج ومأجوج فراجع إنسان الغاب، والجبَّار من الدائرة.
وفي «البحر» : أنه قد اخْتُلِفَ في عددهم وصفاتهم، ولم يَصِحَّ في ذلك شيءٌ. اهـ.
قلتُ: قد صَحَّ في كثرة عددهم أحاديث، وكذا نُقِلَ عن «كتاب الجمان في تاريخ الزمان» للعينيِّ، عن «تاريخ ابن كثير»: أنه لم يَصِحَّ في صفتهم كثيرُ شيءٍ. وإذا كان هؤلاء الأورباويون خارجين من بلادهم، وأخلاقهم، وسيرتهم، فليسوا بمرادين. وإنما المراد فِرْقَةٌ منهم، أي من شعبهم في الشمال، والشرق ولهم خروجٌ في آخر الأيَّام، وليس أنهم مَسْدُودُون بالسدِّ، من كل جهةٍ، بل مُنِعُوا من شعبٍ هناك.
فإن قيل: إنهم أيضًا قد ارتفع عنهم المانع الحسيُّ منذ زمانٍ طويلٍ، واندكَّ السَّدُّ، وقد خَرَجُوا، قيل: فإذن لم يَكُنْ هذا الخروجُ مرادًا، فإنه لم يتحقَّق نزول عيسى عليه السلام قُبَيْل ذلك. ويستمرُّ الأَمْرُ هكذا حتَّى يَخْرُجَ بعضٌ منهم، الذين لم يَخْرُجُوا إلى الآن في عهد عيسى عليه السلام. ويكون الخروج مرَّةً بعد مرَّةٍ، كمثل خروج الخوارج، لا خروجًا بالمرَّة من السدِّ، ولم يَذْكُرْ في القرآن لفظ الخروج من هذا السدِّ فقط: لههنا، ولما ذَكَرَ في الأنبياء:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96]، لم يذكر السد، والردم، فكان الخروج لعمومهم، وكأن قوله:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] يوميءُ أن بعضَهم في مقابلة بعضهم الآخرين. فالبعضُ خارجون من السدِّ، والبعضُ الآخرون من غيره، وكأن اندكاك السدِّ جَعَلَ موضعَ خروج بعضٍ، وميقاتَ خروج آخرين منهم. وقَدْ وَقَعَ في مكاشفات يوحنا الإِنجيليِّ خروجهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، أي من سُدَّ عليهم، أو لم يُسَدّ.
وكذا ذكره في «الناسخ» ، عن الفصل الحادي عشر، من سفر سنهذرين، من كمار اليهود، وهو عندهم كالحديثِ عندنا. قال فيه: وُجِدَ في خزائن الروم بالخط العِبْرِيِّ: أن بعد أربعة آلاف سنة ومئتين وإحدى وتسعين سنة يبقى العالمُ يتيمًا، وتَجْرِي فيه حروب كوك ما كوك، وتكون سائر الأيام أيام الماشيح. وهذا التاريخُ - على ما يؤرِّخ به اليهود - مولدُ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ويَبْقَى العالمُ بعده يتيمًا، لا راعي له، أي تُخْتَتَمُ النبوَّة، وتجري بعد ذلك - وبعد خيرٍ كثيرٍ - ملاحم يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ويَنْزِلُ إذ ذاك عيسى عليه السلام.
وصاحب «الناسخ» حمل الماشيح على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وكذا ذكرهم في كتاب حزقيل، ولم يَذْكُرْ السدَّ. فيأجوجُ ومأجوجُ أعمُّ ممن سُدَّ عليهم. فقد جَمَعَ القرآنُ
حالَ أعمِّهم وأخصِّهم، وذلك لسؤالهم عن ذي القرنين، لا عن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ فقط. فَذَكَرَ أوَّلًا من سُدَّ عليهم منهم، ثم عمَّم في قوله:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99]، وهو إذن للاستمرار التجدديِّ، حتَّى يَتَّصِلَ خروجهم المخصوص بنزول عيسى عليه السلام، فَوَقَعَ هنا في القرآن أعمُّ مما في الحديث. وكذا في قوله:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] فَذَكَرَ كلَّ حَدَبٍ، ولا بُدَّ من ذلك إن ثَبَتَ أن الأورباويين منهم، وأن لهم خزجات. أو ذَكَرَ في القرآٌّ من سُدَّ عليهم فقط، لكن لم يَذْكُرْ أنه لا يَنْدَكُّ، ويكون خروجهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، حتى يكونَ خروجُهم المرادُ عند نزوله عليه السلام.
وقد بُدِيء باندكاكه في زمانه صلى الله عليه وسلم حيث قال: «ويلٌ للعرب، من شرَ قد اقترب، فُتِحَ اليومَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مثل هذه» وهؤلاء الذين خَرَجُوا كذلك، أي من غير سدَ لا يُقَالُ: إنهم خَرَجُوا عليه، لأنَّهم نصارى نحلةً وانتماءً، وبقي بعضُ هؤلاء، أصلًا وشعبًا ليسوا نصارى، سَيَخْرُجُون عليه في آخر الزمان. وذَكَرَ في كتاب حزقيل خروجَهم على بني إسرائيل. ففي «روح المعاني»: وفي كتاب حزقيال عليه السلام الأخبارُ بمجيئهم في آخر الزمان من آخر الجِرْبِياء، في أممٍ كثيرةٍ لا يُحْصِيهم إلَاّ اللَّهُ تعالى، وإفسادُهم في الأرض، وقصدُهم بيت المَقْدِسِ، وهلاكُهم عن آخرهم بِرُمَّتِهِمْ بأنواعٍ من العذاب. اهـ.
وذُكِرَ في الأحاديث النبوية توجُّهُهُم إلى الشام، فليس الخروج عليه متَّصلًا بالاندكاك، وإنما المتَّصلُ به خروجُهم على الناس، وهو كذلك في بعض الألفاظ، كما في «الكنز» . وقد تأتي أحاديثُ أشراط الساعة بالتقاط أشراطها من البين، وترك ما بينها، فلهم خروجٌ مرَّةً بعد مرَّةٍ. وليس القرآنُ العزيزُ نصًّا في أن السدِّ مَنَعَهُم من كلِّ جهةٍ، ولا أن عدمَ خروجهم في الأزمنة الآتية لعدم الاندكاك فقط، فإن ذلك إذ ذاك - أي عند بنائه - ودَهْرًا بعده. وأمَّا بعد ذلك، فلهم عِدَّةُ خروجٍ، ففيه {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} الآية، فلم يَقُلْ: حتَّى إذا فُتِحَ الرَدْمُ، والمراد تلك النَّوْبَة من الخروج.
وبنبغي أن يُعْلَمَ أن قولَ ذي القرنين {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 98] قولٌ من جانبه، لا قرينةٌ على جَعْلِهِ من أشراط الساعة. ولعلَّه لا عِلْمَ له بذلك، وإنما أَرَادَ وعدَ اندكاكه. فإذن قوله تعالى بعد ذلك:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} للاستمرار التجدديِّ. نعم قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} هو من أشراطِ الساعة، لكن ليس فيه للرَّدْمِ ذِكْرٌ، فاعلم الفرق.
واعلم أيضًا أن السَّدَّ الذي رآه صحابيٌّ، كما في «الفتح» ، و «والدر المنثور» ،
و «حياة الحيوان» الظاهرُ أنه سَدٌّ آخر لا هذا السدّ، ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ فيه بمعنى أهل الشرك. وحديث حَفْرِ السدِّ كلَّ يومٍ، أعلَّ ابن كثير في «تفسيره» رَفْعَهُ، بأنه لعلَّه سَمِعَه من كَعْب. فإن كَعْبًا رَوَى عنه مثل ذلك، وقد ذكره أيضًا ابن كثير. وفي «الفتح»: أن عبد بن حميد رواه عن أبي هريرة موقوفًا. أَوْ كانوا حَفَرُوا أولًا، وتَرَكُوا، وسَيَحْفِرُونَه عند خروجهم المخصوصِ أيضًا، وإن كانوا خَرَجُوا قبل ذلك خروجًا غير خروجهم على عيسى عليه السلام، فإن الله تعالى قد قال:{وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] ذكره ابن كثير أيضًا.
وأقول: إن كان في إيمان الناظرين سَعَةٌ، فلا ضَيْقَ في تسليمه أيضًا. والحاصلُ: أنه إن كان قد اندكَّ، أو كان لم يَنْدَكَّ، ولكن كان لم يَبْقَ مانعًا بحسب هذا الزمان بأن يكون خروجهم من طُرُقٍ بعيدة من وراء الجبال، والسدُّ على البوابير والمراكب المُحْدَثة للأسفار الطويلة. فخروجُهم المخصوصُ ليس متَّصلًا به. كيف وهو مُنْدَكٌّ إذن منذ زمانٍ طويلٍ، فَلَمْ يَبْقَ من السَّدِّ الذي جَعَلَهُ الناظرون سدَّ ذي القرنين، إلَاّ أثرٌ وطَلَلٌ، ولم يتَّصلْ خروجُهم ذلك به، فليكن من الزمان بُرْهَةٌ أخرى كذلك، لا أنهم خَرَجُوا في زماننا هذا، فَيُطْلَبُ عيسى عليه السلام فيه. فإنه إذا تَرَاخَى من اندكاكه، أو من خروجهم من زمنٍ طويلٍ، فَلْيُتَرَاخَى عهدًا آخر أيضًا، وإن لم يندكَّ مقدار ما بين الصَّدَفَيْن. وليس له زيادةُ طولٍ حتَّى يُسْتَبْعَدَ خفاؤُه. كما في «روح المعاني» في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93]، في قراءة فتح السين، وضمها السُّد بالضم: الاسم، وبالفتح: المصدر. وقال ابن أبي إسحاق: الأوَّلُ ما رأته عَيْنَاك، والثاني ما لا تَرَيَاهُ. اهـ.
وذكره كذلك في «البحر» ، فالأمرُ إذن على الانتظار، ويَدُورُ على الإِيمان، فَلْيَنْتَظرْ، فإنهم وإن خَرَجُوا مثلًا من طريقٍ آخر، لكنَّهم لم يَخْرُجُوا على هذا التقدير من السدِّ. وإذن كان السدُّ اندكَّ، أو لم يَنْدَكَّ، لكن قد انْهَدَمَ ما بناه ذلك الملحد أساسًا ورأسًا على كلِّ حالٍ. وكذا لم يُفِدْهُ أكان الأروباويون منهم، أم لم يَكُونُوا، فإنهم لم يَخْرُجُوا من السدِّ، وإن خَرَجُوا على الناس. كيف وذلك المُلْحِدُ نفسه من ذُرِّيَّةِ مَأْجُوجَ على تحقيقه، فإنه من المَغُول. هذا، مع ما هو مسلَّمٌ عند الجغرافيين: أنه لم يَنْكَشِفْ إلى الآن لهم حال بعض الجبال، والقفار، والبحار.
ثم لمَّا كان الإِنكليزُ من الألمانيين وهم من ذِرِّيَّةِ جومر أخي مَأْجُوج، فَلَيْسُوا من نَسْلِ مَأْجُوج. ولا يُفيدُ ما ذُكِرَ في الألمان أنهم خَرَجُوا من كوه قاف، وأورال، فإن جبلَ أورال سلسلةٌ مستطيلةٌ من الشرق إلى الغرب. ولم يَكُنْ نَسْلُ مَأْجُوجَ، أو الذين سُدَّ عليهم إلَاّ في شرقه.
وذُكِرَ في «دائرة المعارف» جوج من جومر، وأنه ملك السكيثيين، فَيَأْجُوجُ إخوان
مَأْجُوج، وهو كذلك عند اليهود، كما في «لقطة العجلان» ، فاحذر قول الخرَّاصين. ومذهبُ السكيثيين: ميتهالوجي، أي علم الأصنام، فليسوا بني إسرائيل أيضًا. وجوج الذي هو من ذُرِّيَّةِ يعقوب رجلٌ آخر، وجوج الذي عُدَّ مع مَأْجُوجَ في كتاب حزقيل، ليس من ذُرِّيَّة يعقوب، بل هو معاذ لبني إسرائيل. فلو سُلِّمَ أن جوج والي روسيا، فليس الذي سُدَّ عليهم إياهم، بل هم بعضٌ من جوج. والذي يُعْلَمُ من كتابه: أن جوج أقربُ مسكنًا، ومَأْجُوجَ أبعدُ. ولمَّا كان الأريانة، أصلَ الأروباويين، كيف يكون الأوروباويون من مَأْجُوجَ؟ وإلَاّ لكان الهنودُ منهم، إلَاّ أن يُقَالَ: إنه قد تبدَّلت ألقابهم، فهذا يجري في الأوروباويين أيضًا.
وقد قال في «الفتح» في حديث: «أبشروا، فإن من يَأْجُوجَ ومَأْجُوج ألفًا، ومنكم رجل» قال القرطبيُّ: قوله: «من يَأْجُوجَ، ومَأْجُوجَ ألفًا» ، أي منهم، وممن كان على الشِّرْكِ مثلهم، وقوله:«ومنكم رجل» ، يعني من أصحابه، ومن كان مثلهم.
قلتُ: وهو عن عِمْران بن حُصَيْن عند الحاكم في «المستدرك» : «وأبشروا، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده إنكم مع خَلِيقَتَيْنِ ما كانتا مع شيءٍ إلَاّ كثَّرَتَاه، يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ومَنْ هَلَكَ من بني آدم، وبني إبليس» . اهـ. فوقع مفسَّرًا، ولم يستمد به في «الفتح» . وقد صحَّحه الحاكمُ، وأقرَّه الذهبيّ، فاعلمه. وقد أَخْرَجَهُ الترمذيُّ، والنَّسَائيُّ في تفسيره كذلك. ونحوه في «الدر المنثور» ، عن ابن عباس في قوله تعالى:{يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل: 17].
واعلم أن ما ذَكَرْتُهُ ليس تأويلًا في القرآن، بل زيادةَ شيءٍ من التاريخ والتجربة، بدون إخراج لفظه من موضعه. فلا يتَّسِعُ الخرق، فإن التاريخَ لمَّا ذَكَرَ أن بعضَ الشعود الخارجة من السَّدِّ من نَسْلِ يَأْجُوجَ أيضًا، قُلْنَا: إن ثَبَتَ، فالقرآن لم يَذْكُرْ السدَّ على كلِّهم، ولا من كلِّ جهةٍ، فَلْيَكُنْ الخارجون المذكورون من يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ولكن لَيْسُوا بمرادين في القرآن. وإن ثَبَتَ أنه اندكَّ، أو خَرَجُوا من جانبٍ آخرَ، فَلَيَكُنْ مَوْجُ بعضهم في بعضٍ متجدِّدًا مستمرًّا، حتَّى يَنْزِلَ عيسى عليه السلام، فَيَخْرُجُون أيضًا من بلادهم من السَّدِّ المُنْدَكِّ، ويُفْسِدُون في الأرض حتَّى يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ تعالى بدعائه عليه السلام. كيف وقد قَالَ اللَّهُ تعالى في الأنبياء:{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} [الأنبياء: 95 - 96]، أي حرامٌ عليهم غير ما نقول، وهو: أنهم لا يَرْجِعُون إلى الدنيا ثانيًا، كقوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)} [يس: 31]، ويَدْخُلُ تحت النفي رَجْعَةُ الروافض، وبروزُ ذلك المُلْحِدِ، فإنه جَعَلَهُ أنه هو حقيقةُ ما أَطْلَقَ عليه أنه رجوعٌ للأوَّل. وقيل: إنه سَيَرجُعُ، كما جاء في عيسى عليه السلام مرفوعًا، وقد مرَّ:«أنه رَاجِعٌ إليكم» .