الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ببطلان تدبيره.
17 - [السابعة عشرة]
(1): الكفار؛ هل يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء أم لا؟
المذهب عند القاضي أنهم يملكونها من غير خلاف، والمذهب عند أبي الخطاب في "انتصاره" أنهم لا يملكونها (2)، وقد نقل أبو طالب عن أحمد ما يدل على ذلك، وحكى طائفة روايتين في المسألة، منهم ابن عقيل في "فنونه" و"مفرداته"، وصحح فيها عدم الملك، وذكر (3) الشيخ تقي الدين أن أحمد لم ينص على الملك ولا على عدمه، وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك، والصواب أنهم يملكونها ملكًا مقيدًا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه (4).
ولهذا الخلاف فوائد:
- (منها): إن من وجد من المسلمين عين ماله قبل القسمة؛ أخذه مجانًا بغير عوض، وإن وجده بعد القسمة؛ فالمنصوص عن أحمد أنه لا
(1) ما بين المعقوفتين انفرد به المطبوع.
(2)
ذكر ابن رجب في ترجمة أبي الخطاب في "كتاب الذيل"(1/ 120) عنه: أنه قال: "إن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر، وإنها ترد إلى من أخذت منه من المسلمين على كل حال؛ ولو قسمت في المغنم أو أسلم الكافر وهي في يده" اهـ.
قلت: وهذا الذي نصره ابن القيم في "أحكام أهل الذمة"(1/ 291) بقُوَّة؛ فراجعه.
(3)
في المطبوع: "وقال".
(4)
نص كلامه في "الاختيارات الفقهية"(ص 312).
يأخذه بغير عوض، وهل يسقط حقه منه بالكلية، أو يكون أحق به بالثمن؟
على روايتين، واختار أبو الخطاب أنه أحق به مجانًا بكل حال، وقد قال أحمد في "رواية أبي طالب": هذا هو القياس؛ لأن الملك لا يزول إلا بهبة أو صدقة، ولكن عمر قال: لا حق له (1).
- (ومنها): إذا قلنا: يملكون أموال المسلمين، فغنمت منهم ولم يعلم أربابها من المسلمين؛ فإنه يجوز قسمتها والتصرف فيها، ومن قال:[لم](2) يملكوها، فقياس قوله: إنه لا يجوز قسمتها ولا التصرف [فيها](3)، بل توقف كاللقطة، ذكره صاحب "المغني"(4) وغيره، وأما ما عرف مالكه من المسلمين؛ فإنه لا تجوز قسمته (5)، بل يرد إليه على القولين، ونص عليه
(1) في المطبوع: "لا حق له فيه"، ويشير المصنف إلى ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5/ رقم 9359) عن محمد بن راشد، حدثنا مكحول، أن عمر بن الخطاب قال:"ما أصاب المشركون من مال المسلمن، ثم أصابه المسلمون بحد؛ فإنْ أصابه صاحبُه قبل أن تجري عليه سهامُ المسلمين؛ فهو أحقُّ به، وإنْ جرت عليه سهامُ المسلمين؛ فلا سبيل إليه إلا بالقيمة".
وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(9/ 112)، وابن حزم في "المحلى"(7/ 301)؛ عن قبيصة بن ذويب، عن عمر بنحوه، وقال:"هذا منقطع، قبيصة لم يدرك عمر".
ثم أخرجه من طرق عن عمر بنحوه، وحكم بانقطاعها.
(2)
في المطبوع: "لا".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(4)
في "المغني"(9/ 220/ 7544).
(5)
في المطبوع: "لا يجوز قسمته"، وفي (أ):"لا يجوز قسمه"، وفي (ب) بدون تنقيط الأول من "يجوز".
أحمد في رواية غير واحد، وقيد ذلك [في "رواية أبي داود" بما](1) إذا كان مالكه بالقرب (2).
- (ومنها): إذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين؛ فهي لهم نص عليه أحمد، وقال في "رواية أبي طالب": ليس بين الناس اختلاف في ذلك، وهذا متنزل (3) على القول بالملك، فإن قيل: لا يملكونها؛ فهي لربها متى وجدها، وقاله أبو الخطاب في "انتصاره"، ونفى صاحب "المغني" الخلاف في المذهب [في المسألة](4)، فكأنه ظن أن أبا الخطاب وافق عليها؛ فإنه لم يقف على "الانتصار"، ولعل مأخذه أن الشارع ملك الكافر بإسلامه ما في يده من أموال المسلمين بقوله من أسلم على شيء، فهو له؛ فهذا تمليك جديد يملكونها به لا بالاستيلاء الأول، واللَّه أعلم.
وقد قيل: إن هذا يرجع إلى [أن](5) كل ما قبضه الكافر من الأموال وغيرها قبضًا فاسدًا يعتقدون جوازه، فإنه يستقر لهم بالإسلام؛ كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها، ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين من النفوس والأموال بالإجماع.
(1) في المطبوع و (ب): "من رواية أبي داود فيما".
(2)
انظر: "رواية أبي داود"(ص 243).
(3)
في المطبوع: "يتنزل".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (أ).
وانظر: "المغني"(9/ 220/ 7545).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
- (ومنها): لو كان لمسلم أمتان أختان، فأبقت إحداهما إلى دار الحرب، فاستولوا عليها؛ فله وطء الباقية عنده لأن ملكه زال عن أختها، وقياس قول أبي الخطاب لا يجوز حتى يحرم الآبقة بعتق [و](1) نحوه؛ لأنه يمنع من وطء إحدى الأختين ابتداءً [قبل تحريم](2) الأخرى.
- (ومنها): لو استولى العدو على مال مسلم ثم عاد [إليه](3) بعد حول أو أحوال، فإن قلنا: ملكوه؛ فلا زكاة عليه لما مضى [من المدة](4) بغير خلاف، وإن قلنا: لم يملكوه؛ فهل يلزمه زكاته لما مضى؟
على روايتين بناءً على زكاة المال المغصوب والضائع من ربه.
- (ومنها): لو أعتق المسلم عبده الذي استولى عليه الكفار، فإن قلنا: ملكوه؛ لم يعتق، وإلا؛ عتق.
- (ومنها): لو سبى الكفار أمة مزوجة بمسلم (5)، فإن قلنا: يملكونها؛ فالقياس أنه ينفسخ النكاح؛ لأنهم يملكون رقبتها ومنافعها، فيدخل فيه منفعة بضعها، فينفسخ نكاح زوجها كما ينفسخ نكاح الكافرة المسبية بسبينا (6) لها لهذا المعنى.
(1) في المطبوع و (ب): "أو".
(2)
في (أ): "حتى تحرم".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
في (ج): "لمسلم".
(6)
في المطبوع: "لسبينا".
ومن الأصحاب من علل انفساخ [نكاح](1) الكافرة المسبية بالجهل ببقاء زوجها؛ فيكون كالمعدوم، وعلى هذا يمتنع انفساخ النكاح ها هنا، وأبو الخطاب منع من انفساخ النكاح بالسبي بكل حال، وهو قول شاذ يخالف (2) الكتاب والسنة.
والعين المؤجرة كالأمة المزوجة سواء، فأما الزوجة الحرة؛ فلا ينفسخ النكاح بسببها؛ لأنهم لا يملكون الحرة بالسبي؛ فلا يملكون بضعها.
وفي "مسائل ابن هانئ" عن أحمد: إذا سبيت المرأة ولها زوج ثم استنقذت؛ تعود إلى زوجها إن شاءت (3)، وهذا يدل على انفساخ النكاح بالسبي، ووجهه أن منافع الحر (4) في حكم الأموال، ولهذا تضمن بالغصب على رأي؛ فجاز أن تملك بالاستيلاء، بخلاف عينه (5)، لا سيما والاستيلاء سبب قوي يملك به ما لا يملك بالعقود الاختيارية، ولهذا يملكون به المصاحف والرقيق المسلمين (6) ويملكون به [أم](7) الولد على رواية؛ فجاز أن يملكوا به منفعة بضع الحرة، ولا يلزم من ذلك إباحة وطئها لهم؛ لأن
(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(2)
في المطبوع و (ج): "مخالف".
(3)
في "مسائل ابن هانئ"(2/ 124/ 1712): "سألت أبا عبد اللَّه عن امرأةٍ من أهل الشرك يهودية، سباها المشركون، فظهر المسلمون عليها، فاستنفذوها من أيديهم إلى من ترد؟ قال: ترن إلى ذمتها وإلى أهل دينها" اهـ.
(4)
في المطبوع و (ج): "الحرة".
(5)
في المطبوع: "غيره".
(6)
في المطبوع: "المسلم".
(7)
في المطبوع: "كأم".
تصرفهم في أموال المسلمين لا يباح لهم؛ وإن قيل: إنهم يملكونها، وعلى هذا، فلو سبوا حرًّا (1) مستأجرًا لمسلم! انفسخت الإجارة أيضًا.
وقد تأول الآمدي قول أحمد: "ترجع إليه إن شاءت" على أن المراد إن شاءت ترجع إليه في العدة من وطء (2) أهل الحرب، وإن شاءت اعتدت في موضع آخر؛ لأن العدة ليست بحق له، وإنما هي حق عليها [لزمها من](3) غير جهته، ولا يخفى بعد هذا التأويل من كلام أحمد وأن كلامه لا يدل عليه بوجه.
- (ومنها): لو استولى الكفار على مدبر لمسلم ثم عاد إلى سيده؛ فهل يبطل تدبيره؟
إن قلنا: إنهم لم يملكوه؛ لم يبطل، وإن قلنا: ملكوه؛ انبنى على أن المدبر إذا زال الملك فيه؛ فهل يبطل التدبير أم لا؟
على روايتين (4)، وجزم ابن أبي موسى ببطلانه ها هنا، فأما المكاتب؛ فلا تبطل كتابته لأنه يجوز بيعه ويبقى على كتابته، وكذلك المرهون؛ لأن الملك ينتقل فيه بالإرث وغيره، والرهن باقٍ.
- (سؤال): عندكم الكافر لا يملك انتزاع ملك المسلم بالشفعة
(1) في المطبوع: "أجيرًا".
(2)
في المطبوع: "في العدة في من"!
(3)
في المطبوع: "لزمها في"، وفي (ب):"لربها من".
(4)
في هامش (ب) كتت: "الصحيح: عدم البطلان؛ لأنه إذا عاد إليه؛ عاد التدبير".
قهرًا مع أنها معاوضة (1)؛ فكيف يملك عليه قهرًا بغير عوض؟
- ([و] (2) الجواب عنه): إن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بمجرد الاستيلاء على المنصوص عن أحمد، بل بالحيازة إلى دارهم؛ فعلى هذا لا يثبت لهم تملك في دار الإسلام، وعلى الرواية الأخرى المخرجة أنهم يملكونها (3) بمجرد الاستيلاء؛ فالمستولى عليه إما أن يكون عقارًا؛ فلا يتصور استيلاؤهم (4) عليه الا بمصير الدار دار حرب؛ فلا ملك لهم في دار الإِسلام [أيضًا](5)، وإما أن يكون منقولًا؛ فالمنقول يخالف حكمه حكم العقار لأن العقار يختص بدار الإسلام والكافر ملتجئ إليها [ومستذم](6) ومتحقن (7) بها، وليس من أهلها بالأصالة؛ فهو كالمستأجر مع المالك (8)، ولهذا يمنع الكافر من إحياء موات (9) في دار الإسلام على قول،
(1) في المطبوع: "معلومة".
قال ابن القيم في "أحكام أهل الذّمة"(1/ 291): "لم يثبت عن واحدٍ من السلف لهم -أي: للمشركين وأهل الكتاب- حق شفعة على مسلم، وأخذ بذلك الإمام أحمد، وهي من مفرداته التي برز بها على الثلاثة. . . " وأسهب في نصرته والتدليل عليه.
(2)
ما بين المعقوفتين من (ج).
(3)
في المطبوع: "يملكون".
(4)
في (أ): "استيلاءهم"!
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
في المطبوع و (ج): "ومتحصن".
(8)
في المطبوع: "المالكين".
(9)
في المطبوع: "الموات".
مع أنه زيادة عمارة، وليس الموات ملكًا (1) لمعين من المسلمين؛ فكيف يمكن من انتزاع ملك المسلم المعين؟!
وإذا كان المسلم يباح له (2) مزاحمة الكافر فيما ثبت له فيه حق رغبة وإبطال حقه منه بعد سبقه إليه بالخطبة على خطبته والسوم على سومه؛ كما نص عليه أحمد استدلالًا بالحديث؛ فكيف يمكن من نقص ملك المسلم وانتزاعه منه قهرًا بعد ثبوت الملك له؟! هذا باطل قطعًا، وهذا أحسن من الاستدلال بقوله: وإذا لقيتموهم في طريق؛ فاضطروهم (3) إلى أضيقه (4)،
(1) في (ج): "ليس تمليكًا".
(2)
في (ج): " يجوز له".
(3)
في المطبوع: "فاضطرهم"!
(4)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يردّ عليهم، 4/ رقم 2167)، والبخاري في "الأدب المفرد"(رقم 1103، 1111)، والترمذي في "الجامع"(أبواب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب، 4/ رقم 1602) -وقال: "حديث حسن صحيح"-، وأبو داود في "السنن"(كتاب الأدب، باب في السلام على أهل الذمة، 4/ رقم 5205)، وأحمد في "المسند"(2/ 263، 266، 346، 444، 459، 525)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(337)، والخلال في "جامعه"(2/ رقم 1106 - أحكام أهل الملل والرّدّة)؛ عن أبي هريرة بألفاظ، المذكور أحدها.
ومعنى قوله: "فاضطروهم إلى أضيقه": "لا تنحُّوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع، فألجئوهم إلى حَرْفِهِ حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى منا لهم، وقد نّهينا عن أذاهم بغير سبب. قاله القرطبي في "المفهم" (5/ 490 - ط ابن كثير)، ونقله ابن حجر في "الفتح" (11/ 31).