المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخارج؛ فتتعلق زكاته بالذمة (1) رواية واحدة، ولكن نص أحمد - قواعد ابن رجب - ت مشهور - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: الخارج؛ فتتعلق زكاته بالذمة (1) رواية واحدة، ولكن نص أحمد

الخارج؛ فتتعلق زكاته بالذمة (1) رواية واحدة، ولكن نص أحمد في رواية غير واحد على التسوية بين الدين والعين في امتناع الزكاة فيما بعد الحول الأول، وصرح بذلك أبو بكر وغيره.

(تنبيه):

تعلق الزكاة بالعين مانع من وجوب الزكاة في الحول الثاني وما بعده، وهل هو مانع من انعقاد الحول الثاني ابتداءً؟

فيه وجهان:

أحدهما: إنه مانع منه؛ لقصور الملك؛ فهو كدين الآدمي وأولى لتعلقه بالعين، وهو قول القاضي في شرح المذهب وصاحب "المغني"(2).

والثاني: إنه غير مانع من الانعقاد، وهو قول القاضي في "المجرد" وابن عقيل، ونقل صاحب "المحرر" الاتفاق عليه (3)، وهو ظاهر ما ذكره الخلال في "الجامع"، وأورد عن أحمد من "رواية حنبل" ما يشهد له، فلو أخرج الزكاة الأولى من غير النصاب في أثناء الحول الثاني؛ بنى الحول الثاني على الأول من غير فصل بينهما على هذا، وعلي الأول يستأنفه من حين الإخراج.

وينبني على هذين الوجهين مسألة معروفة في باب الخلطة، واللَّه أعلم.

(1) في (ج): "في الذمة".

(2)

في "المغني"(2/ 258 - 259/ 1744).

(3)

انظر: "المحرر"(1/ 219 - 220).

ص: 279

- (الفائدة الثانية): إذا تلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة وبعد تمام الحول؛ فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك، إلا زكاة الزروع (1) والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع؛ فتسقط (2) زكاتها اتفاقًا لانتفاء التمكن من الانتفاع بها، وخرج ابن عقيل وجهًا بوجوب زكاتها أيضًا، [وهو ضعيف](3) مخالف للإجماع.

وعن أحمد رواية ثانية (4) بالسقوط؛ فمنهم من قال: هي عامة في جميع الأموال، ومنهم من خصها بالمال الباطن دون الظاهر، ومنهم من عكس ذلك، ومنهم من خصها بالمواشي، واختلفوا في مأخذ الخلاف على طريقين:

أحدهما: إنه البناء على الخلاف (5) في محل الزكاة، فإن قيل: هو الذمة؛ لم يسقط، وإلا؛ سقطت، وهو طريق الحلواني في التبصرة والسامري، وقيل: إنه ظاهر كلام الخرقي، وفي كلام أحمد إيماء إليه أيضًا.

والطريق الثاني: عدم البناء على ذلك، وهو طريق القاضي والأكثرين.

(1) في (ب): "الزرع".

(2)

في المطبوع: "فيسقط".

(3)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(4)

في (ب): "ثالثة".

(5)

في (ج): "على محل الخلاف".

ص: 280

فوجه استقرار الوجوب مطلقًا [أنا](1) إن قلنا: التعلق بالذمة؛ فظاهر، وإن قلنا: بالعين؛ فلأن وجوبها كان شكرًا لنعمه ثم سببها -وهو [ملك](2) النصاب النامي (3) - وشرطها -وهو الحول-؛ فاستقر وجولها بتمام الانتفاع بهذا المال حولًا؛ كالأجرة المعينة المستقرة بانقضاء مدة الإجارة، وأيضًا؛ فمنهم من قال:[تعلقها بالعين لا ينفي تعلقها](4) بالذمة؛ فهي كدين الرهن، ووجه (5) السقوط مطلقًا أنا إن قلنا: تعلقها بالعين؛ فواضح؛ كالأمانات والعبد الجياني، وإن قلنا: بالذمة؛ فالوجوب إنَّما يستقر فيها بالتمكن من الفعل؛ كالصلاة على رواية، يوضحه أن الزكاة وجبت مواساةً (6) للفقراء من المال؛ فتسقط (7) بتلفه وفقر (8) صاحبه، واختار السقوط (9) مطلقًا صاحب "المغني"(10).

- (الفائدة الثالثة): إذا مات من عليه زكاة ودين، وضاقت التركة

(1) في المطبوع: "إنما".

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(3)

في المطبوع: "النصاب الباقي النامي".

(4)

في المطبوع: "تعلقها بالعين ولا يبقى تعلقها"، وفى (أ):"تعليقها بالعين لا ينفي تعليقها".

(5)

في (ج): "ووجد"!

(6)

في المطبوع و (ج): "مساواة"!

(7)

في المطبوع: "فيسقط".

(8)

في (ج): "وافتقار".

(9)

في المطبوع: "سالقوط"!

(10)

في "المغني"(2/ 301/ 1844).

ص: 281

عنهما؛ فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان، نقله عنه أحمد بن القاسم وحرب ويعقوب بن بختان، واختلف الأصحاب في ذلك؛ فمنهم من أقر النص على ظاهره وأجرى المحاصة (1) على كلا القولين في محل الزكاة؛ لأنا إن قلنا: هو الذمة؛ فقد تساويا في محل التعلق، وفي أن [في كل](2) منهما حقًّا لآدمي، وتمتاز الزكاة [بما فيها](3) من حق اللَّه عز وجل، وإن قلنا: العين؛ فدين الآدمي يتعلق بعد موته بالتركة أيضًا؛ فيتساويان، وهذه طريقة أبي الخطاب (4) وصاحب "المحرر"، ومنهم من حمل النص بالمحاصة على القول بتعلق الزكاة بالذمة؛ لاستوائهما (5) في محل التعلق، فأما على القول بتعلقها بالنصاب؛ فتقدم الزكاة لتعلقها بالعين؛ كدين الرهن، وهذه طريقة القاضي في "المجرد" والسامري، وفي كلام أحمد إيماء إليها، ومن الأصحاب من وافق على هذا البناء، لكن بشرط (6) أن يكون النصاب موجودًا؛ إذ لا تعلق بالعين إلا مع وجوده، فأما مع تلفه؛ فالزكاة في الذمة؛ فتساوي (7) دين الآدمي، وهذا تخريج في "المحرر"، مع أن صاحبه ذكر في "شرح الهداية" أن النصاب متى كان موجودًا؛ قدمت

(1) في (ج): "المحاصاة".

(2)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "كلا".

(3)

بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "بأنها".

(4)

انظر: "الانتصار"(3/ 267 - 270).

(5)

في المطبوع: "لاستوائها".

(6)

في (ج): "لكن شرط".

(7)

في المطبوع: "فيساوي".

ص: 282

الزكاة، سواء قلنا: يتعلق بالعين أو بالذمة؛ [لأنه](1) تعلق بسبب المال، يزداد بزيادته وينقص بنقصه ويختلف باختلاف صفاته، والزكاة من [قبيل مؤن](2) المال وحقوقه ونوائبه؛ [فيقدم لذلك](3) على سائر الديون.

وحمل نص أحمد بالمحاصة على حالة عدم النصاب، فأما إن كان المالك حيًّا وأفلس؛ فظاهر كلام أحمد في "رواية القاسم" أنه يقدم الدين على الزكاة؛ لأن تأخير (4) إخراج الزكاة سائغ للعذر (5)، وهو محتاج ها هنا إلى إسقاط مطالبة الآدمي له وملازمته وحبسه؛ فيكون عذرًا له في التأخير (6)، بخلاف ما بعد الموت؛ فإنه لو قدم دين الآدمي؛ لفاتت الزكاة بالكلية، وظاهر كلام القاضي والأكثرين أنه تقدم الزكاة حتى في حالة الحجر، وهذا قد يتنزل على القول بالوجوب في العين؛ إلا أن صاحب "شرح الهداية" صرح بتقديمها على كلا القولين، مع بقاء النصاب؛ كقوله فيما بعد الموت على ما سبق.

- (الفائدة الرابعة): إذا كان النصاب مرهونًا ووجبت فيه الزكاة؛ فهل تؤدي زكاته منه (7) ها هنا حالتان:

(1) في المطبوع: "لا".

(2)

في المطبوع: "قبل مون".

(3)

في المطبوع: "فيقدم كذلك"، وفي (ج):"فتقدم لذلك".

(4)

في المطبوع: "تأخر".

(5)

في (أ): "للقدر".

(6)

في المطبوع: "التأخر".

(7)

في المطبوع: "منها".

ص: 283

إحداهما (1): أن لا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة؛ فيؤدي (2) الزكاة من عينه، صرح به الخرقي (3) والأصحاب، وله مأخذان:

أحدهما: إن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين ودين الرهن يتعلق بالذمة والعين؛ فيقدم (4)، عند التزاحم ما اختص تعلقه بالعين، كما يقدم حق الجاني على المرتهن إذا لحق المنحصر في العين يفوت بفواتها، بخلاف المتعلق بالذمة مع العين؛ فإنه يستوفي من الذمة عند فوات العين، وهذا مأخذ القاضي، وفيه ضعف، فإن الزكاة عندنا لا تسقط بتلف النصاب مطلقًا، بل تتعلق بالذمة حينئذ؛ فهي إذًا كدين الرهن، وأظهر من (5) هذا أن يقال: تعلق الزكاة قهري وتعلق الرهن اختياري، والقهري أقوى؛ كالجناية، أو يقال: هو تعلق بسبب المال وتعلق الرهن بسبب خارجي، والتعلق بسبب المال يقدم؛ كجناية العبد المرهون.

[و](6) على هذا المأخذ متى قيل بتعلق (7)[الزكاة](8) بالذمة خاصة؛ لم تقدم (9) على حق المرتهن لتعلقه بالعين، وصرح به بعض المتأخرين.

(1) في (ب): "أحدهما".

(2)

في المطبوع و (ج): "فتؤدي".

(3)

انظر: "المغني"(2/ 291/ 1820).

(4)

في (ب): "فيتقدم".

(5)

في المطبوع: "الأظهر في".

(6)

ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.

(7)

في المطبوع: "يتعلق"، وفي (أ) بدون تنقيط.

(8)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

(9)

في المطبوع: "يقدم"، وفي (أ) بدون تنقيط.

ص: 284

والمأخذ الثاني: إن النصاب سبب دين الزكاة؛ [فـ](1) يقدم دينها عند مزاحمة غيره بين الديون في النصاب؛ كما يقدم بين وجد [عين](2) ماله عند رجل أفلس، وهذا مأخذ صاحب "التلخيص"، وعلي هذا؛ فلا يفترق (3) الحال بين قولنا بتعلق (4) الزكاة بالذمة أو بالعين.

الحالة الثانية: أن يكون للمالك مال يؤدي منه الزكاة غير الرهن؛ فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب، وذكره الخرقي أيضًا (5)؛ لأن تعلق حق المرتهن مانع بين تصرف الراهن في الرهن بدون إذن، والزكاة لا يتعين إخراجها منه، وذكر السامري أنه متى قلنا: الزكاة تتعلق بالعين؛ فله إخراجها منه أيضًا لأنه تعلق قهري، وينحصر (6) في العين؛ فهو كحق الجناية.

- (الفائدة الخامسة): التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ببيع أو غيره، والمذهب صحته، ونص عليه أحمد، قال الأصحاب، وسواء قلنا: الزكاة في العين أو [في](7) الذمة، وذكر أبو بكر في "الشافي" أنا إن قلنا: الزكاة في الذمة؛ صح التصرف مطلقًا، وإن قلنا: في العين؛ لم يصح التصرف في مقدار الزكاة، وهذا متوجه على قولنا: إن تعلق الزكاة

(1) ما بين المعقوفتين سقط بين المطبوع.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من (ج).

(3)

في المطبوع: "فلا يفرق".

(4)

في المطبوع و (ج): "تتعلق".

(5)

انظر: "المغني"(2/ 291/ 1820).

(6)

في (ج): "ومنحصر".

(7)

ما بين المعقوفتين ليس في (أ) ولا في (ب).

ص: 285

تعلق شركة أو رهن، صرح به بعض المتأخرين، ونزَّل (1) أبو بكر على هذا الاختلاف الروايتين المنصوصتين عن أحمد في المرأة إذا وهبت زوجها مهرها الذي لها في ذمته؛ فهل تجب زكاته عليه أو عليها؟

قال: فإن صححنا هبة المهر جميعه؛ فعلى المرأة إخراج زكاته بين مالها، وإن صححنا الهبة فيما عدا مقدار الزكاة؛ كان قدر الزكاة حقًّا للمساكين في ذمة الزوج؛ فيلزمه أداؤه إليهم، ويسقط عنه بالهبة ما عداه، وهذا بناء غريب جدًّا.

وعلي المذهب، فلو باع النصاب كله؛ تعلقت الزكاة بذمته حينئذ، بغير خلاف، كما لو تلف، فإن عجز عن أدائها، فطريقان:

أحدهما: ما قاله صاحب "شرح الهداية" إن قلنا: الزكاة في الذمة ابتداءً؛ لم يفسخ البيع، كما لو وجب عليه دين لآدمي وهو موسر، فباع متاعه ثم أعسر، وإن قلنا: في العين؛ فسخ البيع (2) في قدرها تقديمًا لحق المساكين لسبقه.

والثاني: ما قاله (3) صاحب "المغني": إنها تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال، ثم ذكر احتمالا بالفسخ في مقدار الزكاة من غير بناء على محل التعلق (4).

(1) في المطبوع: "وترك".

(2)

في المطبوع: "العقد".

(3)

في (أ) و (ب): "ما قال".

(4)

انظر: "المغني"(2/ 349 - 350/ 1950).

ص: 286

- (الفائدة السادسة): لو كان النصاب غائبًا عن مالكه (1) لا يقدر على [الإخراج](2) منه؛ لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه (3)، نص عليه أحمد في "رواية مُهَنَّأ"، وصرح به الشيخ مجد الدين في موضع بين "شرح الهداية"؛ لأن الزكاة مواساة؛ فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسى منه.

ونص أحمد في رواية ابن ثواب فيمن وجب عليه زكاة مال فأقرضه: إنه لا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه؛ لأن عوده مرجو، بخلاف التالف بعد الحول، [وهذا لعله يرجع إلى أن أداء الزكاة لا يجب على الفور](4)، وقال

(1) في (ج): "ملكه".

(2)

في (ج): "إخراج الزكاة".

(3)

في (ب): "عنه".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط من (أ).

وللحافظ ابن رجب رحمه الله رسالة مفردة بعنوان "قاعدة في إخراج الزكاة على الفور"، ولعله كتبها بعد كتاب "القواعد"، وهذا نصها:

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ربِّ يسِّر يا كريم

الحمدُ للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليمًا، وبعد:

فهذا فصل في وجوب إخراج الزكاة على الفور، قد صرَّح بذلك أصحابُنا في كتبهم، وكلامُ الإمام أحمد يدلُّ عليه، قال في "رواية جعفر بن محمد": إذا وجبت الزكاة لا يخرجها إلا جملة، لا يُفرِّط. وقال في "رواية ابن هانئ" (رقم 574) و"صالح" (رقم 9): وسُئل: أتؤخر الزكاة؟ قال: لا. قال في "رواية أبي داود": لا يؤخرها عن محلها.

وقال بكرُ بن محمد: سُئل أبو عبد اللَّه عن رجل يكون وقت زكاته، فيُخرج، فيُعطي =

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قليلًا قليلًا: فكأنه كره إذا حلَّت عليه إلَّا أن يُقدمها. قال: ما يأمن الحِدْثان قال: ولكن يخرج قليلًا قليلًا قبل أنْ تحل، فإذا حلَّت؛ تعيَّن تخريجُها.

وقال الأثرم: سئل أبو عبد اللَّه عن رجل يحول الحول على ماله، فيؤخر عن وقت الزكاة؟ قال: ولم يؤخر؟ يخرجها إذا حال الحول. وشدد في ذلك. قيل له: فإن حال الحول فابتدأ في إخراجها. فجعل يخرج أولًا فاولًا؟ قال: لا يحل، يخرجها كلها إذا حال عليه الحول. وشدد في ذلك.

وقال في "رواية ابن منصور" و"صالح"(برقم 1680): وسئل عن قول سفيان الثوري: إذا وجبت عليه الزكاة فجعلها في كيس، فجعل يعطي قليلًا قليلًا يرعى الموضع. قال: لا بأس إذا كان لا يجد، فإذا وجد؛ لأن يفرغ منه أحب إلي. قال أحمد: جيد. وهذه الرواية قد تُشعر بعدم التحريم.

وقال في "رواية العباس بن محمد الخلال" في الرجل يؤخر الزكاةَ حتي تأتي عليها سنين، ثم يزكي: نخاف عليه الإثم في تأخيره. وقال في "رواية يعقوب بن بختان" في رجل عليه زكاة عام لم يعطه، وأعطى زكاة عام قابل؛ قال: جائز، ولكن يعطي الماضي، وهذا يشعر بعدم التحريم أيضًا.

ونقل عنه يعقوب بن بختان أيضًا في رجل تجب عليه الزكاة وله قرابة وقوم قد كان عودهم فيعطيهم وهم عنه غيب يدفعها إليهم؛ قال: ما أحب أن يؤخرها إلا أن لا يجد مثلهم في الحاجة.

فهذا نصٌّ على جواز التأخير لمن لا يجد مثلهم في الحاجة.

وقد نص في مواضع أخر على أنه لا يؤخرها بعد الحول ليجريها على أقاربه، منهم: محمد بن يحيي الكحال، والحسن بن محمد، والفضل بن زياد.

ونقل عنه إسحاق بن هانئ (رقم 556) وعبد اللَّه (رقم 700) وأبو مسعود الأصبهاني وأبو طالب وسندي وغيرهم: الجواز.

وفي "رواية عبد اللَّه"(رقم 700): أنَّه يجوز ذلك؛ تعجيلًا للزكاة.

فحمل أبو بكر عبد العزيز المنع والجواز على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين: =

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المنعُ على تأخيرها ليجريها عليهم بعد الحول، والجواز على إجرائها عليهم قبل الحول.

وهذا التفصيل قد نقله الحسن بن محمد عن أحمد، وخالف صاحب "المحرر"(1/ 244) أبا بكر في ذلك، وقال: ظاهره الجواز مطلقًا. وأخذ منه جواز تأخير الزكاة للقرابة.

ولكن لأحمد نصوص أخر تدل على كراهة إجرائها عليهم شيئًا فشيئًا قبل الحول، معللًا بأنه يخص بزكاته قرابته دون غيرهم ممن هو أحوج منهم، وقال: لا يعجبني، فإن كانوا مع غيرهم سواء في الحاحة؛ فلا بأس. نقله عنه جعفر بن محمد.

وكذا نقل عنه أبو داود (برقم 82): إذا كان غيرهم أحوج وإنما يريد أن يغنيهم ويدع غيرهم؛ فلا، فإن استووا في الحاجة؛ فهم أولى.

ونقل عنه أيضًا (برقم 83): إذا كان له قرابة بجري عليهم؛ أيعطيهم من الزكاة؟ قال: إن كان عدها بين عياله؛ فلا. قيل: إنما يجري عليها شيئًا معلومًا كل شهر. قال: إذًا كفاها ذلك. قيل: لا يكفيها. فلم يرخص له أن يعطيها بين الزكاة، ثم قال: لا يوقى بالزكاة مال. ومعى هذا أنه كان عوَّدها الإجراء عليها من غير الزكاة. قال: لا توقى بالزكاة. فقد وقى به ماله.

ولم يذكر الخلال ولا أبو بكر آخر الرواية: فأشكل فقهُها بين كلامهما.

ومما يتفرع على جواز تأخير أداء الزكاة: أنه يجوز أن بتحرى بها شيء معين تضاعف فيه الصدقة.

فمن قال: إنه يجوز تأخيرها لمن لا يجد مثلهم في الحاجة؛ لم يبعد على قوله: أن يجوز تأخيرها لشهر يفضل فيه الصدقة أيضًا، وقد يتخرج على ذلك أنه يجوز نقل الزكاة إلى بلد بعيد لقرابة فقراء حاجتهم شديدة.

وقد توقف أحمد في هذه الصورة في "رواية الأثرم"، وقال: لا أدري.

ومسائل التوقف تُخرَّج على وجهين غالبًا.

وأجازه النخعي لذي القرابة خاصة، وأجازه مالك في النقل إلى المدينة خاصة [كما في "المدونة" (1/ 246)] والنقلُ فيه تأخير الإخراج، فكما يؤخر الأداء إلى الوصول إلى مكان فاضل تفضل فيه أبواب النفقة؛ فكذلك تؤخر إلى زمان فاضل تفضل فيه الصدقة. =

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بل إن التأخير إلى الزمان أولى؛ لأنه ليس فيه عدول عن فقراء بلد الصدقة، ولا نقل غيرهم.

وقد استشكل أحمد قول عثمان: هذا شهر زكاتكم.

قال إبراهم بن الحارث: سئل أحمد عن قول عثمان: هذا شهر زكاتكم. قال: ما فسر أي وجه هو. قيل: فليس يعرف وجهه؟ قال: لا.

قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: حديث عثمان: هذا شهر زكاتكم؛ ما وجهه؟ قال: لا أدري.

وأما حديث عثمان؛ فحدثنا به من قال: حدثنا ابن المبارك، حدثنا معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد؛ قال: سمعت عثمان يقول: هذا شهر زكاتكم (يعني: رمضان).

قال القاضي أبو يعلى: قد نُقل عن السائب بن يزيد أنه قال ذلك في شهر رمضان. ونقل عنه أنه قال ذلك في المحرَّم.

قلت: قوله: "يعني رمضان" ليس هو من قول السائب، بل من قول من بعده من الرواة.

وحمل القاضي هذا الحديث على أن الإمام يبعث سعاته في أول السنة، وهو أول المحرم، فمن كان حال حوله أخذ منه زكاته، ومن تبرع بأداء زكاة لم تجب عليه؛ قبل منه، ومن قال: لم يحل حولي؛ أخره.

وقد نص أحمد وغيره على أن من خشي أن يرجع عليه الساعي بالزكاة: أنه عذر له في تأخير إخراجها. ["الفروع" (2/ 542)، و"الإنصاف" (3/ 187)].

وقال مالك وغيره من العلماء: لا تجب الزكاة في الأموال الظاهرة إلا يوم مجيء السُّعاة. نقله عنه أبو عبيد [في "الأموال" (340)].

وقالت طائفة: معنى قول عثمان: هذا شهر زكاتكم. يستحب فيه تعجيل زكاتكم. نقل ذلك القاضي في "خلافه" ورده على قائله.

وروى أبو عبيد في "كتاب الأموال"(برقم 395): حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن =

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= شهاب، عن السائب بن يزيد؛ قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين؛ فليؤدِّه حتى تخرجوا زكاة أموالكم، ومن لم يكن عنده؛ لم يطلب منه حتى يأتي بها تطوعًا، ومن أُخذ منه؛ لم تؤخذ منه حتى يأتي هذا الشهر من قابل.

قال إبراهيم: أراه يعني شهر رمضان. قال أبو عبيد: وقد جاءنا في بعض الأثر ولا أدري عمن هو: أن هذا الشهر الذي أراد عثمان المحرم.

وقد قال بعض السلف: ذلك الشهر الذي كان يخرج في الزكاة نسي، وأن ذلك من المصائب على هذه الأمة؛ فروى أبو زرعة في "تأريخه"؛ قال: سألت أبا مسهر عن عبد العزيز بن الحصين: هل يؤخذ عنه؟ فقال: أما أهل الحزم؛ فلا يفعلون. قال: فسمعت أبا مسهر يحتج بما أنكره على عبد العزيز بن الحصين: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري؛ فقال: كان من البلاء على هذه الأمة أن نسوا ذلك الشهر (يعني: شهر الزكاة). قال أبو مسهر: قال عبد العزيز: سماه لنا الزهري.

وقد روي أن الصحابة كانوا يخرجون زكاتهم في شهر شعبان؛ إعانةً على الاستعداد لرمضان، لكن من وجه لا يصح.

وروى يحيى بن سعيد العطار الحمصي: حدثنا سيف بن محمد، عن ضرار بن عمرو، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك؛ قال: كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبّوا على المصاحف فقرؤوها، وأخذوا في زكاة أموالهم، فقوّوا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم؛ فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون؛ فمن كان عليه حد أقاموه عليه، وإلا؛ خلوا سبيله. ويحيى ومن فوقه إلى يزيد كلهم ضعفاء.

وأما مذاهب العلماء في هذه المسألة: قال ميمون بن مهران: إذا حال الحول أخرج زكاته، وله أن يشتغل بتفرقتها شهرًا لا يزيد عليه.

قال أبو عبيد [في "الأموال" (رقم 508)]: حدثنا علي بن ثابت، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران؛ قال: اجعلها صررًا، ثم ضعها فيمن تعرف، ولا يأتي عليك الشهر حتى تفرِّقها. =

ص: 291

القاضي وابن عقيل: يلزمه أداء زكاته قبل قبضه؛ لأنه في يده حكمًا، ولهذا يتلف من ضمانه، بخلاف الدين الذي في ذمة غريمه، وكذلك ذكر صاحب "شرح الهداية" في موضع آخر، وأشار في موضع إلى بناء ذلك على (1) محل الزكاة، فإن قلنا: الذمة؛ لزمه الإخراج عنه من غيره لأن زكاته لا تسقط بتلفه، بخلاف الدين، وإن قلنا: العين؛ لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه، والصحيح الأول، ووجوب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه مخالف لكلام أحمد.

- (الفائدة السابعة): إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه؛ فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح، أم من نصيبه من الربح خاصة؟

على وجهين معروفين، بناهما بعض الأصحاب على الخلاف في محل التعلق، فإن قلنا: الذمة؛ فهي محسوبة من الأصل والربح؛ كقضاء الديون، وإن قلنا: العين؛ حسبت من الربح؛ كالمؤونة؛ لأن الزكاة إنما

= وصرح أصحابنا بجواز تأخير إخراجها يسيرًا من غير تقدير؛ [كما في "الفروع" (2/ 542)، و"الإنصاف" (3/ 187].

وحكوا عن مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: إنه يجب إخراجها على الفور، وعن أبي يوسف: لا يجب ما لم يطالبه الإمام.

وحكوا في كتب الخلاف -منهم القاضي وابن عقيل- عن الحنفية: إنهم قالوا: تسقط الزكاة بتلف المال قبل إمكانه وبعده، على أنه لا يجب إخراجها على الفور، وأنه لا يجب بدون مطالبة الساعي، وهذا يُشبه المحكي عن أبي يوسف؛ كما تقدم" انتهى.

(1)

في (ب): "إلى".

ص: 292