المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌العلم والجهل

مثال للعلم والجهل. سعي بعض عربان مصر بافتتاح المدارس. الانتقاد

عليهم ورده. تعليم الأزهر. ما يحتاجه الأزهر من الإصلاح. ما تحتاجه

المدارس الأميرية. ما يطلب من المدارس الأهلية. مقاصد مؤسسي المدارس في

الغالب. أكل أموال الفلاحين بالربا الفاحش بسبب الجهل. الجمود على التقاليد

والخرافات بسببه. روح استقلال الفكر في التعليم الجديد.

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: 9) .

العلم خير كله والجهل شر كله فلا ينبغي للبيب أن يقول: إن الجهل الكثير

خير من العلم القليل الذي لا يفي بحاجة البلاد لأن هذا تفضيل للشر الكثير على

الخير القليل. العلم سعادة والجهل شقاوة ولا يختار ناصح لقومه الشقاوة على

السعادة إذا رأى أن ما تطلبه من وسائل الإسعاد ناقصًا غير تام أو رآها تختار غير

الأولى منها على ما هو أولى. العلم نور لامع وضياء ساطع والجهل ظلمات

بعضها فوق بعض ، ولا يقولن بصير: إن الظلمة الحالكة أفضل من النور الضئيل ،

وإن من فاتته القناديل الكهربائية فليكسر المصابيح الزيتية. كما لا وجه له أن

يقول: إن النور مذموم وضارٌّ لأن الأشرار يتمتعون به بما يتقلبون في السيئات

ويسيرون في خطط الخطيئات ، ولولاه لما تمَّ لهم ذلك التمتع فإن الذي يذم النور

بمثل هذا ويذم العلم بأنه يكون شاغلاً للآخذين به عن الأعمال والمكاسب ونحو ذلك

هو كمن يذم العينين لأن من الناس من يسرحهما تسريحًا مذمومًا محرمًا ، ويذم

الأذنين لأنه يسمع بهما ألفاظ الهجر والفحش ، ويذم العقل لأن من الناس من

يستنبط به المكايد والحيل لهضم حقوق إخوانه.

قام بعض أهل الغيرة من عربان مصر يسعى في إنشاء مدرسة أو مدارس

لتعليم أبناء قومه ، فاستنكر هذا الأمر بعض الناس وانتقدوه وذهبوا إلى أنه يفسد

على العربان معيشتهم ويبطل نظامهم ، ويكون مجلبة الشقاء والتعاسة لهم حتى

اضطر المقترح للاعتذار ودفع الالتباس. وتبرئة النفس من إرادة الشر أمام الناس.

فيا لله ولهذا الإنسان ما أغرب أطواره. وأعجب أوطاره. وما أبعد فكره. وأفعل

سحره. وما أسحر بيانه وأغوى شيطانه. وما أقوى هواه. وأضعف هداه. يذم

العلم والتعليم. ويريك أنه يهديك إلى صراط مستقيم.

تقول هذا مجاج النحل تمدحه

وان ذممت فقل قيءُ الزنابير

مدح وذمٌّ وذات الشيء واحدة

إن البيان يُرِي الظلماء كالنور

العلم كالعقل والحواس لا تذم بحال. وإنما تبيَّن الطريقةُ المثلى للاستعمال.

ألا ترانا ننتقد دائمًا طريقة التعليم في الأزهر الشريف ولكننا لا نقول: إن

عدم الأزهر أو عدم العلم والتعليم فيه خير من وجوده على ما نعلم في ذلك من

المضرات وقد انتقدنا وغيرنا من الكتاب على المدارس الأميرية ونظارة المعارف

العمومية كما انتقدنا وننتقد المدارس الأهلية وتعليمها وتربيتها (إن كان فيها تربية)

ولا نعني بشيء من ذلك أن الجهل خير من العلم أو أن إهمال التعليم خير من التعليم

الناقص إن نريد إلا الإصلاح ما استطعنا فمن يستطيع الكلام قولاً أو كتابة يجب

عليه أن يتكلم بما يعتقده إصلاحًا وإلا كان خائنًا لأمته وملته وبلاده وعسى أن

يفعل من يستطيع الفعل والله الموفق لمن يشاء من عباده.

نطلب من مشيخة الأزهر إصلاح طريقة التعليم ليقرب التحصيل على

الطلاب فيخرج لنا في كل سنة من المجاورين المعدودين بالألوف مئات أو عشرات

من المرشدين والوعاظ والمعلمين للدين والآداب ونطلب أيضًا ملاحظة التربية مع

التعليم فإن علماء الاجتماع عامة وعلماء البيدلجوجيا (التربية والتعليم) خاصة

مجمعون على أن التربية هي أقوى الركنين وأنفع العنصرين وأن السعادة قد تنال

بتربية من غير تعليم - غير ما تستلزمه هي - ولكن التعليم وحده لا يغني غناءَها

ولا يسد مسدها ، ولا توجد في الدنيا مدرسة لملة من الملل لا يوجد فيها للتربية اسم

ولا مسمى كمدرسة الأزهر ، وعذر مشيخة الأزهر في هذا أن إلزام طلاب العلم

بالنظافة والأدب والنظام في المعيشة والسيطرة عليهم في سيرتهم الشخصية أمر لم

يجر عليه الشيوخ السابقون وتحكم في حريتهم بغير مسوغ شرعي والجواب عنه أنه

من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين بنص الكتاب العزيز وأن المعلم

قيم شرعي كالوالدين فيطلب منه من التربية ما يطلب من الوالدين ، وإننا نرى

كثيرين من الشيوخ المدرسين يشتمون المجاورين ويهينونهم لأمور ليست بذات بال

ويتسنى لهم إرشادهم للآداب والفضائل باللين والهداية من غير تحكم يسيء. على

أن هذه الحرية المطلقة هي التي جعلت الأزهر عبرةً للمعتبرين واستعبارًا

للمستعبرين (كما استعبر تلك الكونتة الروسية التي جاءت من بلاد روسيا إلى

مصر لتشاهد عز الإسلام وأعظم مدارسه العالية - الأزهر - فلما دخلت هذه

المدرسة الطائرة الصيت لم تملك عبرتها أن تسيل على خدودها حتى خرجت آسفة

حزينة) .

ونطلب أمرًا ثالثًا مهمًّا وهو أن يكون لطلاب العلم في الأزهر إلمام بمبادئ

العلوم التي عليها مدار المدنية الحاضرة والسعادة الدنيوية ، فإن الإسلام ما جاء إلا

ليهب الناس السعادتين والفوز بالحسنيين وذلك كعلم الاجتماع وعلم حفظ الصحة

ومبادئ التاريخ الطبيعي وغير ذلك من الفنون المتداولة بين الناس في هذا العصر

وبذلك يستعدون للدعوة إلى الدين وحفظه ومخاطبة الناس على قدر عقولهم كما

يجب على ورثة الأنبياء.

ونطلب من نظارة المعارف أن تقرن في المدارس التربية الدينية بالتربية

الجسدية والعقلية وأن تزيد عنايتها باللغة العربية لكيلا تتلاشى أمام اللغة الإنكليزية

إذا دامت هذه على تقدمها وتلك على تأخرها.

ونطلب من المدارس الأهلية ما نطلبه من المدارس الأميرية وزيادة مهمة إذا

وجدت كانت هذه المدارس قرة عيون الأمة ومنتهى رجاء البلاد ، وهي إشراب

قلوب التلامذة أن ثمرة التعليم والتربية ليست محصورة في وظائف الحكومة وإنما

ثمرتها سعادة الحياة والاستعداد لإتقان أي عمل يتصدى له المتعلم من زراعة

وصناعة وتجارة وإمارة ، إذ المطلوب لإسعاد الأمة أن يعم التعليم والتربية جميع

أفرادها وتبقى مع ذلك كل طبقة من الطبقات على عملها وكسبها.

نرحب بالمدارس الأهلية ونثني على مؤسسيها ونلهج بشكرهم وحمدهم

وسخائهم ورفدهم ، وإن كنا نعلم أن منهم من لا يقصد بإنشاء المدرسة إلا التجارة

والكسب ، ومنهم من يطلب الأحدوثة وحسن الذكر ، ولا يهمه بعد ذلك استفاد

المتعلمون ما هي الغاية الحقيقية من التربية والتعليم أم لم يستفيدوا لعلمنا أن الرياء

قنطرة الإخلاص وأن المتعلم أقرب إلى الإصلاح من الجاهل المطلق وإن كان هذا

محل نظر.

أرأيتك هذا الفَلَاّح الذي يلعب به المرابون لعب الصبيان بالكرة فيأخذون منه

الربا أضعافًا مضاعفة ، ثم يشترون قطنه بثمن بخس لو كان متعلمًا هذا التعلم

الناقص هل كان يتسنى لهم غشه إلى هذا الحد؟ ؟

أرأيتك هذا العامي الذي أفسدت عقله وروحه ونفسه التقاليد الباطلة والخرافات

القاتلة ولا يفهم لك دليلاً ولا برهانًا. ولا يراجع في تقليده عقلاً ولا وجدانًا؟ لو

تعلم هذا التعلم الناقص ألا يستعد بذلك عقله لفهم الدلائل. والتمييز بين الحق

والباطل. إذا ألقي إليه ذلك ممن يفهمه ، وتصدى لتعليمه إياه من يعلمه؟

بلى إنه يستعد بهذا التعليم تعليم المدارس لكل هذا ولما هو أعلى منه، وذلك

أن فيها روح استقلال الفكر ولكن هذا الروح مفقود من الأزهر ، وكل ما فيه من

العلم تقليدٌ أعمى لبعض المصنفين من المتأخرين لحسبان أن من يفند قول واحد

منهم يخرج من الدين أو العلم ، ولكننا نرى هذا الروح قد رضي عن الأزهر

وطفق يسري فيه بالتدريج، ونسأل الله التوفيق للكمال.

_________

ص: 553

الكاتب: محمد رشيد رضا

أمالي دينية

(الدرس السادس عشر)

م (46) طول العمر:

هذه المسألة من فروع عقيدة القضاء والقدر والنظر فيها من حيث الأسباب

واتصال المسببات بها لا إشكال فيه؛ لأنه مبني على الظواهر ، وللإنسان عمر

طبيعي هو مستعد لأن يبلغه إذا لم تعارضه أسباب أخرى تحول دون ذلك كالقتل

والغرق وكالأمراض التي تفضي إلى سرعة الانحلال وانطفاء سراج الحياة أو

ينقطع عنه مدد النموّ الذي تقوم به الحياة حتى تبلغ الأجل المستعدة لبلوغه في أصل

نظام الفطرة. ومثل الإنسان في هذا سائر الأجسام الحية حتى النبات فإن القطن

مثلاً له أجل محدود في الطبيعة ولكنه لا يبلغه إذا حالت دون ذلك الأسباب العارضة

كأن يقلع بعد نباته بشهر أو شهرين ، أو يمنع عنه السقي الذي يغذيه ويمده حتى

يبلغ أجله. فإذا عَدَا عادٍ على حرث قوم فاقتلع بعض هذا القطن ، يصح أن نقول:

إنه لو لم يقلعه لبقي حيًّا إلى أن يثمر ، كما يصح أن نقول: إن ذلك الشاب لو لم

يغرق لعاش مدة طويلة لأن بنيته مستعدة لذلك ، وكذلك لو لم يتعرض للمرض

الفلاني الذي أصابه بالعدوى؛ لكان جديرًا بأن يطول عمره ويعيش عيشة راضية.

كل هذا يصح أن يقال بالاعتبار الذي ذكرناه وهو ما ثبت عقلاً ووجودًا وشرعًا

بالوجه العام المثبت لارتباط الأسباب بالمسببات.

ثم إنهم يطلقون لفظ (الأجل) ولفظ (العمر) على المدة التي يعيشها الإنسان

وغيره بالواقع، ونفس الأمر لا على المدة التي هو مستعد لبلوغها عند انتفاء

الموانع ، والأجل بهذا المعنى لا يعرف إلا بالوقوع فمتى مات المرء يعلم أن هذه

المدة التي قضاها هي أجله في الواقع ونفس الأمر ، ولما كان الله وحده هو الذي

يعلم ما سيعرض على الأحياء من الفواجع الفجائية. والتهاون بالتدابير الصحية.

فيقطع آجالهم الطبيعية الاستعدادية. أطلق الأجل على علم الله تعالى بالعمر ، وبهذا

المعنى قالوا: إن العمر لا يزيد ولا ينقص وهو صحيح إذ لو وقع في الوجود

خلاف ما يعلم الله تعالى أنه سيقع لكان العلم جهلاً وقد فرضناه علمًا وبرهنا عليه.

الدين دين الفطرة والشريعة حنيفية سمحة ليلها كنهارها لا شبهة فيها ولا حيرة

ولكن انتشار الجهالة في المسلمين بعد السلف قذفهم في تيهور الحير وطوّح بهم في

مهاوي المشكلات. وأعظم بلاء حل بهم من قبل دينهم عدم فهم القضاء والقدر على

وجهه المعقول الذي شرحناه حيث خرجوا به إلى الجبر وإنكار أثر الأسباب في

المسببات حتى صار من يطلب الشيء من سببه ويرى أنه يوجد بوجوده وينتفي

بانتفائه يعد من فاسدي الاعتقاد كأن الإنسان عندهم لا يكون مسلمًا صحيح الاعتقاد

حتى يمتلخ عقله وينتزع وجدانه ويكابر حسه وينكر الوجود نفسه ، وكأن المسلم

خلق لأن يجهل كل شيء ويترك كل سعي وكسب ويبسط يديه إلى القضاء والقدر

لتفيض عليه الأرزاق والبركات والخيرات بإبطال نظام الكون وتبديل سنن الخليقة

ونواميس الطبيعة التي لا تتبدل ولا تتحول. إذا قال الطبيب: إن مداراة الصحة

على الوجه الفلاني سبب في طول العمر أو يطيل العمر؛ يقول الجاهلون: قد كفر

وإذا صدقه المؤرخ الإحصائي فذكر عدة بلاد وممالك قلت فيها الوفيات منذ

انتشرت فيها المعارف الطبية ، وصار تعليم فن حفظ الصحة (الهيجين) عامًّا في

ذكرانها وإناثها؛ يقولون: قد كذب واختلق. أفلا يرون كيف يفتك الطاعون في

الهند كما كان يفتك بأوربا في العصور الغابرة وكذلك الهيضة المعروفة بالهواء

الأصفر سالمت الغرب ولم تزل عدوة فتاكة في الشرق. إذا أوردت مثل هذا؛

يعترضك المتحذلقون الشاكون المشككون بذكر شواذ لا يعرفون أن لشذوذها أسبابًا

وقف عليها الطبيب ونحوه ، وإذا لم يقف على بعضها يتلمسه حتى يجده كما وقع

للأطباء وغيرهم من علماء الكون في مسائل لا تحصى.

إذا قال الطبيب: إن كذا يطيل في العمر أو يقصر فهو لا يعني بالعمر ما قدر

الله في سابق علمه لأن وظيفته ليس من موضوعها انكشاف المعلومات لله تعالى أو

عدم انكشافها - على فرض جواز ذلك ، وإنما موضوعه بدن الإنسان من حيث

يمرض ويصح وما يكون من أثر ذلك في طول البقاء وعدمه واستمداده من التجارب

التي تنكشف بها سنن الله في الخلق وتعرف بها الأسباب التي أناط الله تعالى بها

الحوادث وجودًا وعدمًا فهو بهذا أعلم منهم بقضاء الله وتقديره لوقوفه على سننه في

هذا التقدير.

كيف ينكر مسلم أن شيئًا من الأشياء. يكون سببًا في بسطة الأجل وطول

البقاء. وهو أمر ثابت في الفطرة ، ودينه دين الفطرة وثابت في العقل ودينه مبني

على العقل وثابت بالنقل أيضًا. روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه

وينسأ له في أثره (أي يؤخر له في أجله) فليصل رحمه) وروى ابن ماجه من

حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد

القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب

يصيبه) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، والبحث في زيادة الرزق كالبحث في

طول العمر سواء لأن لكل منهما أسبابًا ، وعلماء الكون إنما يتكلمون باعتبار

الأسباب ، وأما بالنسبة لما في علم الله تعالى فليس من موضوعهم ولا غيرهم لأن

ما في علم الله إنما يعرفه الناس بوقوعه إلا ما له سنن مطردة لا تنازعها سنن

أخرى كسير الكواكب فإننا نعلم أن الشمس تغرب بعد كذا ساعة وتكسف في يوم كذا

ومتى يبتدىء الكسوف ومتى ينتهي. ولما تصدى المسلمون لإدخال الدين في كل

بحث ، وخلطوا الكلام في الأسباب الظاهرة بالكلام في العقائد جعلوا لهذه المسألة

مخرجًا سموه (القضاء المعلق) يعنون أن المسببات معلقة في علم الله تعالى

بأسبابها فإذا وقعت الأسباب؛ وقعت معها المسببات لا محالة وإلا فلا ، وهو قول

صحيح ولا فرق فيه بين السبب الذي علم بالاختبار والوجود والسبب الذي علم

بالشرع ، بل الأول أقوى لأن الثاني يحتمل التأويل فيما إذا لم يكن نصًّا قطعيًّا والله

أعلم.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 558