المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الاحتفال الأول

بامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

احتُفل في أصيل يوم الجمعة الماضي في قبة الغوري الاحتفال الأول بامتحان

تلامذة مدرسة مصر القاهرة لهذه الجمعية النافعة تحت رئاسة فضيلة الأستاذ الأكبر

الشيخ محمد عبده أفندي مفتي الديار المصرية ، وأحد أركان مؤسسي الجمعية

وأعضائها العاملة ، وقد حضر الاحتفال سعادة الفاضل الهمام ماهر باشا محافظ

مصر ، وكثيرون من العلماء والوجهاء ، وافتتح الاحتفال بقراءة آيات من الكتاب

العزيز قرأها أحد التلامذة بصوت رخيم وتجويد وترتيل انشرحت له الصدور ، ثم

قام رئيس الاحتفال فشكر للحاضرين عنايتهم بالجمعية وتنشيطها بالسعي لحضور

احتفالها ورؤية ثمرة أعمالها ، ثم بين أن الغرض الأول من تأسيس الجمعية تربية

أولاد الفقراء من يتامى وغيرهم تربية يحافظون فيها على عقائدهم وآداب دينهم

وأخلاقه وأعماله ، ويستعينون بها على معايشهم وتحصيل أرزاقهم ، ومن عساه

يوجد في مدارس الجمعية من أولاد الأغنياء، فوجوده غير مقصود بالذات.

قال: وإن الامتحان الذي يعرض أمام حضراتكم اليوم هو مطابق لهذا الغرض

ومبني على هذا الأصل ، ولهذا لا تسمعون فيه ذكر لغة أجنبية ، ولقد كان من رأي

بعض الأعضاء المؤسسين أن تُعلَّم في مدارس الجمعية اللغات الأجنبية لأجل

الترغيب في الإقبال عليها ، وقد كان الجواب عن هذا الرأي أنه ليس الغرض من

مدارس الجمعية التجارة فنرغب الناس فيها بما ليس من موضوعها ، وإنما الغرض

تربية أولاد الفقراء ، فلو أمكننا أن نلتقطهم من الشوارع ثم نرضي أولياءهم لفعلنا.

لم تنشأ الجمعية لمقصد أعلى من هذا في مدارسها كأخذ الشهادات والاستعداد

للوظائف ، بل من أهم مقاصدها أن تنزع من النفوس اعتقاد أن التعليم لا فائدة فيه

إلا الاستخدام في الحكومة ، وهذا الفكر كان مستوليًا على الأمة ، ونحمد الله أن

كثيرًا من الناس قد انتبه لما في هذا الفكر من الخطأ والضرر ، والجمعية توطن

نفوس التلامذة في مدارسها على أن يعمل الواحد منهم عمل أبيه بإتقان ، ويعيش مع

الناس بالأمانة والاستقامة ، فولد النجار يكون نجارًا ، وولد الحداد يكون حدادًا

وولد الفراش يكون فراشًا ، والتربية والتعليم يساعدان كلاًّ على إتقان عمله

وصناعته ، فيكون أكثر كسبًا لأنه أكثر إتقانًا للعمل مع الأمانة والاستقامة. ولا شك

أن الإنسان إذا ظفر بفراش كاتب مهذب يزيد في أجره ويطول عنده مكثه. ومن

كان فيه استعداد لشيء أعلى مما كان عليه آباؤه وظهر عليه ذلك، فإنه ينبعث إليه

من نفسه ، والجمعية تساعده عليه ، وقد حصل هذا لبعض التلامذة ، والجمعية

مهتمة في إنشاء قسم صناعي في مدارسها لأنه من مقاصدها الأصلية ، ثم قال:

هذا الاحتفال بامتحان تلامذة مدارس الجمعية لم يكن بمواطأة ، ولا كان تركه

في الماضي إلى هذه السنة وهي الخامسة من سني المدارس عن قصد ، وإنما هو

شيء جاء من نفسه ، واقتضته طبيعة العمل ، فمثل الجمعية فيه كمثل الطفل الذي

يظهر فيه بعد خمس سنين ثمرة العلم. وقد ظهرت الرغبة فيه قبلاً من أعضاء

الجمعية على ثقتهم بحسن النتيجة لما فيه من ظهور ثمرة العمل التي يُسر بها العامل ،

وتكون مدعاة لمساعدة إخوانهم الآخرين له ، ومسرة من لم يستطع المساعدة ، فإن

كل مسلم يسره أن يرى إخوانه المسلمين موفقين للأعمال النافعة للأمة التي لا

يستطيعها هو ، وهذا هو السبب في دعوة حضرتكم إلى هذا الاحتفال ، وشكرنا لكم

حسن الإجابة والقبول.

ثم وقف أحد الأطفال فسأله أحد المعلمين أولاً عن وجه حاجة البشر إلى

إرسال الرسل فأجاب بأحسن جواب - أجاب بملخص ما هو مذكور في كتاب (رسالة

التوحيد) التي لم يؤلف مثلها في بيان حقيقة الإسلام ، فصفق له النادي تصفيق

استحسان ، وأعطاه فضيلة الأستاذ الرئيس جائزة مالية ، ثم وقف آخر فقرأ نبذة من

كتاب الدروس الحكمية ، واختار الأستاذ مما قرأه جملة أمره بكتابتها وإعرابها وهي

(وبلغ بهم هذا الحب المتبادل إلى حد من ثقة بعضهم ببعض أن كان أحدهم ثقة

بإخوانه ، لا يأتي أمرًا إلا بمشورتهم) فأحسن إعرابها إلا أنه توقف بكلمات ، ثم

فطن لها من السؤال ، فدل هذا على إعراب عن فهم لا عن حفظ ألفاظ

واصطلاحات [1] وعلمت أنه كان في نية المعلمين أن يلقوا عليه للإعراب قوله

تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} (الحشر: 9) الآية لما فيها من المناسبة للمقام

ثم وقف آخر ، وألقيت عليه مسألة حسابية فحلها قولاً وكتابة ، ثم آخر فسئل عن

مسألة هندسية فأحسن الجواب ، وكان موضوع المسألة بناء حوض صفته كيت

وكيت ، ثم طلب منه أن يرسمه بحسب الوصف فرسمه رسمًا حسنًا. ثم وقف آخر

وطلب منه أن يرسم قارة أسيا ففعل وسئل فيها بعض المسائل فأجاب ، ثم وقف

آخر صغير جدًّا يظهر أنه في السنة الأولى ، وأن عمره لا يتجاوز الخمس سنين ،

وقرأ في كتاب التعليم قصة المرأتين اللتين اختصمتا إلى داود وسليمان عليهما

الصلاة والسلام في الولد المتنازع فيه، فأحسن القراءة ، وسئل أن يحل المعنى بالكلام

البلدي فحله حل الحاذق الفهم ، ثم اعتذر بصغره وقصره وأنه لولا ذلك لأجاد الكلام

وأتى بما يعجب به الحاضرون ، فكانت الوجوه تتدفق سرورًا وتتلالأ بشرًا لكلامه

وبراعته ، وأخذ الجائزة المالية من فضيلة الرئيس ، وصفق له النادي كما صفق

لإخوانه من قبله ، ثم قام آخر وتلا الخطاب الآتي، ألقاه إلقاء خطيب متمرن يعطي

كل جملة حقها من الإشارات وهو:

غير خافٍ أن الإنسان محتاج بطبعه في هذه الحياة الدنيا إلى الاجتماع ببني

جنسه على هيئة يكون بها التعاون والتعاضد ليحصل بهذا الاجتماع على ما تقوم به

حياته من الغذاء واللباس والمسكن والدفاع ، ويتم ما أراده الله به من العمران.

ولهذا الاجتماع العمراني علوم وفنون جمة ولدتها الحاجات ، وحققتها التجارب

حتى صارت حقائق ثابتة يتوقف على معرفتها تمتع أفراد المجتمع الإنساني بالراحة

التامة والرفاهية الكاملة ، وعلى قدر التمسك بهذه العلوم والفنون والعمل بمقتضاها،

تكون سعادة الأمة وغناها ، وبمقدار إهمالها والتقاعد عنها يكون شقاء الأمة وعناؤها

ومن قارن بين الأمم الغربية والشرقية في هذا العصر تحقق ما قلناه ، واعتبره

مسبرًا يسبر به غور الأمم، فمتى وجد أمة ينمو بين أفرادها حب التربية والتعليم

حتى يمتزج ذلك بدمائهم ويرسخ في نفوسهم ، ويصير أسمى مطلب وأنفس مأرب

يتيقن أنها سائرة إلى مجد شامخ وشرف باذخ لا بد وأن تبلغه يومًا ما ، ومتى وجد

أمة على الضد من ذلك جزم بأنها هاوية إلى البوار ومتقهقرة إلى الدمار.

وإننا نحمد الله حيث نرى أن أمتنا المصرية قد نهضت نهضة سريعة في

الميل إلى التربية والتعليم ، واتجهت لذلك أنظارهم وتسابقت إليه همهم ، فبذلوا في

هذا السبيل أنفس النفائس ، وأسسوا كثيرًا من المدارس حتى صار هذا التقدم في

الحال مما يبشر بحسن الاستقبال.

وكان الباعث الأول لهذه النهضة الوطنية تأسيس هذه الجمعية الخيرية

الإسلامية ، وغرسها أطيب المغارس بإنشائها هاتيك المدارس لتربية أبناء الفقراء

واليتامى الذين ليس لهم أولياء مع مواساة من أخنى عليهم الزمان من بيوت كانت

من المجد بمكان. فما ظهر هذا المشروع المحمود من العدم إلى حيز الوجود إلا

وتلقته أيدي النفوس الزكية بالارتياح حيث كان أفضل عمل يوصل إلى النجاح

والفلاح.

كان تأسيس هذا العمل المبرور والفعل الحميد المشكور بهمة نخبة أصفياء من

العلماء والوجهاء. في سنة 1310 هلالية الموافق سنة 92 شمسية. مؤيدًا

بالعناية الإلهية ، ومعززًا بالرعاية الخديوية العباسية. حيث أساسه البر والتقوى ،

وغايته الترقي في معارج السعادة إلى الدرجة القصوى.

وفي مبدأ الأمر لم يبلغ عدد الأعضاء المؤسسين له سوى اثنين وعشرين ،

وما زالت سراة الأمة تحنو بالإشفاق عليه ، وتتجاذب نفوسهم إليه. حتى بلغ عدد

الأعضاء العاملين والمشتركين ما يزيد عن الستمائة والثمانين ، ولما كان روح

النجاح في الأعمال هو ملازمة الثبات لبلوغ الآمال. قد وفق الله الأعضاء العاملين

للتمسك بحبل العزم المتين والاعتصام بروابط الاتحاد والدأب على ما فيه الصالح

بكل جيد واجتهاد حتى تم في زمن غير مديد كثير من العمل المفيد.

فأول عمل ينبغي أن يذكر فيشكر ويشهر بين العاملين وينشر: إنشاء هذه

المدارس الأربع الزاهرة في أسيوط ، وطنطا والإسكندرية ، والقاهرة ، رحمة

بأبناء الفقراء وانتياشًا لهم من وهدة الشقاء وتعهدهم بالتربية الحميدة. وتثقيف عقولهم

بالعلوم المفيدة حتى يشبوا على حب العمل والاعتماد على الله ، ثم على النفس في

بلوغ الأمل. فينتفعون وينتفع بهم ، ولا يكونون عالة على غيرهم ، وقد أثمر ولله

الحمد هذا الغرس وطابت منه كل نفس. فبلغ متوسط عدد تلامذة هذه المدارس

الأربع 350 تلميذًا ، وعدد النابغين منهم منذ الإنشاء إلى سنة 1316 هجرية ثمانين

تلميذًا التحق منهم بقسم الصنائع 43 تلميذًا على نفقة الجمعية. وانتظم الباقون في

أعمال أخرى تحسنت بسببها حالتهم المعاشية. وكلهم من أبناء الفقراء المعوزين.

وإني أيها السادة الكرام والعلماء الأعلام ممن شملتهم هذه التعطفات الرحمانية،

وغمرتهم نعمة التعليم في مدرسة مصر من مدارس هذه الجمعية ، وأوصلني الحظ

الجميل إلى وقوفي هذا الموقف الجليل بين يدي الحاضرين من العلماء والفضلاء

والأعيان والوجهاء. وهو موقف كان يصعب على مثلي أن يقفه ، وأن يتلفظ فيه

ببنت شفة. فلله الحمد والمنة على جليل هذه النعمة. ومن أعمال الجمعية المشكورة ،

وآثارها الجليلة المبرورة مد يد المساعدة بالبر والإحسان لبيوت تقلبت بها

صروف الحدثان؛ فأصبحت بعد العسر في يسر ، وصارت بعد الشقاء في هناء

وهذا لعمر الحق إحساس شريف ، ومقصد سامٍ منيف يقوي دعائم الفضيلة ، ويشيد

أركان الخلال الجميلة ، ويرغب النفوس في حب السخاء وتوثيق عرى الإخاء.

هذا ولما رأت رجال الجمعية أن التربية قسمان: علمية وعملية، بدأت بالأولى

لتكون كأساس وطيد صالح لأن يرفع عليه خير بناء مشيد ، وعزمت على أن

تردفها بالثانية بقدر الاستطاعة. فتنشئ قسمًا عمليًّا لِما تمس الحاجة إليه من فنون

الصناعة؛ لتتم الفائدة للنابغين من التلامذة ، ويتيسر لهم بهذه التربية الكاملة التي

نمت بها قواهم العاقلة والعاملة أن يعيشوا عيشة راضية حائزين في هذه الشركة

الإجتماعية حظوظًا وافية. حقق الله أماني جمعيتنا الإسلامية وأعانها على تتميم

هذه المساعي الخيرية وجعلها نموذج كمال ينسج على منواله ، وتتسابق الهمم

السامية إلى الحذو على مثاله. حتى نرى الوطن العزيز رافلاً في حلل البهاء بآثار

نبل هذه الأيادي البيضاء. وفق الله الأمة للسداد ويسر لها أسباب السعادة والإسعاد.

وأيدها بالتعاضد والالتئام. حتى يبشر المبدأ بحسن الختام

آمين آمين لا أرضى بواحدة

حتى أبلغها آلاف آمينا

...

...

...

...

...

اهـ

وقد طلبنا هذا الخطاب ونشرناه لما فيه من الفائدة المتعلقة بتاريخ الجمعية

وثمرتها.

ثم صعد مرقى الاحتفال ثلة من التلامذة ولحنوا نشيدًا جميلاً يتضمن شكر الله

تعالى وشكر مؤسسي الجمعية ومساعديها والدعاء للحضرة الخديوية العباسية التي

جعلتها تحت رعايتها ، وأمدتها بالرفد والمساعدة ، ثم ختم الاحتفال كما افتتح بتلاوة

القرآن الكريم وشكر رئيسه للحاضرين. فانفض الجمع منشرحة صدورهم بهذا

النجاح الباهر لا سيما بما رأوا من الهدوء والسكينة والنظام التي هي من آثار كمال

التربية والتهذيب.

(رجاء)

قد ظهرت ثمرة هذه الجمعية للعيان ، وتبين أنها أحق الجمعيات بمساعدة أهل

البر والإحسان؛ لأنها سالكة أمثل الطرق في تربية أبناء فقراء المسلمين. وهو ما

يؤهلهم لاكتساب خيري الدنيا والدين ، وإن أساسها لمتين وركنها لركين

وأعضاءها من خيرة الرجال العاملين، فلا عذر لأحد بعد ظهور الثمرة ووجود الثقة

بنجاح العمل وثباته في عدم الإقبال على مساعدتها إلا العجز. فالرجاء من أصحاب

الغيرة الحقيقية على الأمة والبلاد أن يقبلوا على الاشتراك فيها ومساعدتها لتتمكن من

إتقان مدرسة الصناعة المتأهبة لها ، وتردفها بمدرسة أخرى للزراعة فإن النجاح

الحقيقي لا يكون إلا بالتربية على قرن العلم بالعمل كما هو مبدأ الجمعية ، وعسى

أن يقل بنموها واتساع نطاقها عدد المتسولين والشحاذين الذين غصت بهم الطرقات ،

وضاقت بهم الأسواق والشوارع حتى إنه يخيل لمن يجيء القاهرة من البلاد

الأجنبية أن ثلث أهلها من الشحاذين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

_________

(1)

ذكرني هذا مجاورًا في الأزهر يطلب العلم فيه من 29 سنة ، وحضر جميع الكتب العالية ، وقد أمره فضيلة مفتي الديار المصرية من أيام أن يعرب جملة في غاية الوضوح ، فأخطأ في البديهيات. العبارة فيما أذكر (ولما كان القضاء هو المقصود

قدمه تقدمة للأصل) إلخ فقال: لما: حينية، وكان: فعل ماض، والقضاء: فاعل و (هو) ضمير فصل، والمقصود: فاعل إلخ ، واشتبه في كلمة (تقدمة) فقال مرة: إنها فعل ولكنه لم يعين نوعه ، فسأله الأستاذ هل هو معرب أم مبني؟ فقال: كل فعل مبني

ثم أنكر أنها فعل، وقال: إنها اسم، لكنه لم يعرف ما هو، ثم أنكر كونها اسمًا كما أنكر من قبل كونها فعلاً أو حرفًا إلخ! ! ! فما هذا التعليم؟ .

ص: 294

الكاتب: محمد رشيد رضا

آثار علمية وأدبية

(ملخص خطاب مولانا الأستاذ الحكيم في ختام درس المنطق)

وعدنا بأن نأتي بما وعيناه من ذلك الخطاب البليغ، وها نحن أولاء منجزو

موعدنا، قال الأستاذ بعد ما تقدمت الإشارة إليه من ذم الإطراء ما مثاله ملخصًا:

سعادة الناس في دنياهم وأخراهم بالكسب والعمل؛ فإن الله خلق الإنسان وأناط

جميع مصالحه ومنافعه بعمله وكسبه ، والذين حصَّلوا سعادتهم بدون كسب ولا سعي

هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحدهم لا يشاركهم في هذا أحد من البشر مطلقًا ،

والكسب مهما تعددت وجوهه فإنها ترجع إلى كسب العلم؛ لأن أعمال الإنسان إنما

تصدر عن إرادته ، وإرادته إنما تنبعث عن آرائه ، وآراؤه هي نتائج علمه ، فالعلم

مصدر الأعمال كلها دنيوية وأخروية، فكما لا يسعد الناس في الدنيا إلا بأعمالهم كذلك

لا يسعدون في الآخرة إلا بأعمالهم ، وحيث كان للعلم هذا الشأن فلا شك أن الخطأ

فيه خطأ في طريق السير إلى السعادة عائق أو مانع من الوصول إليها ، فلا جرم أن

الناس في أشد الحاجة إلى ما يحفظ من هذا الخطأ ويسير بالعلم في طريقه القويم

حتى يصل السائر إلى الغاية ، وهذا هو المنطق المسمى بالميزان ، والمعيار الذي

يضبط الفكر ويعصم الذهن عن الخطأ فيه ولهذا كانت العناية به من أهم ما يتوجه

إليه طلاب السعادة.

اعتنى العلماء في كل أمة بضبط اللسان وحفظه من الخطأ في الكلام ،

ووضعوا لذلك علومًا كثيرة ، وما كان للسان هذا الشأن إلا لأنه مجلي للفكر

وترجمان له وآلة لإيصال معارفه من ذهن إلى آخر، فأجدر بهم أن تكون عنايتهم

بضبط الفكر أعظم. كما أن اللفظ مجلي الفكر هو غطاؤه أيضًا فإن الإنسان لا يقدر

على إخفاء أفكاره إلا بحجاب الكلام الكاذب حتى قال بعضهم: إن اللفظ لم يوجد إلا

ليخفي الفكر.

إنما ينتفع بالميزان الذي هو علم الفكر من كان له فكر ، والفكر إنما يكون

فكرًا له وجود صحيح إذا كان مطلقًا مستقلاًّ يجري في مجراه الذي وضعه الله تعالى

عليه إلى أن يصل إلى غايته ، وأما الفكر المقيد بالعادات المستعبد بالتقليد فهو

المرذول الذي لا شأن له وكأنه لا وجود له. وقد جاء الاسلام ليعتق الأفكار من رقها ،

ويحلها من عقلها ، ويخرجها من ذل الأسر والعبودية ، فترى القرآن ناعيًا على

المقلدين ذاكرًا لهم بأسوأ ما يذكر به المجرم ، ولذلك بنى على اليقين الذي علمتم

معناه موضحًا في درس سابق [1] لا ينبغي للإنسان أن يذل فكره لشيء سوى الحق ،

والذليل للحق عزيز. نعم يجب على كل طالب علم أن يسترشد بمن تقدمه سواء

أكانوا أحياء أم أمواتًا ، ولكن عليه أن يستعمل فكره فيما يؤثر عنهم فإن وجده

صحيحًا أخذ به وإن وجده فاسدًا تركه ، وحينئذ يكون ممن قال الله تعالي فيهم:

{فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ

هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: 17-18) وإلا فهو كالحيوان ، والكلام كاللجام له أو

الزمام يمنع به عن كل ما يريد صاحب الكلام منعه عنه ، ويقاد إلى حيث يشاء

ذلك المتكلم أن يقاد إليه من غير عقل ولا فهم.

ما الذي يعتق الأفكار من رقها وينزع عنها السلاسل والأغلال لتكون حرةً

مطلقةً؟ الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى شرح طويل لأن تخليص الأفكار من

الرق والعبودية من أصعب الأمور ، ويمكن أن نقول فيه كلمة جامعة يرجع إليها كل

ما يقال وهي (الشجاعة) .

الشجاع هو الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، فمتى لاح له يصرح به ويجاهر

بنصرته وإن خالف في ذلك الأولين والآخرين ، ومن الناس من يلوح له نور الحق

فيبقى متمسكًا بما عليه الناس ويجتهد في إطفاء نور الفطرة ، ولكن ضميره لا

يستريح فهو يوبخه إذا خلا بنفسه ولو في فراشه. لا يرجع عن الحق أو يكتم الحق

لأجل الناس إلا الذي لم يأخذ إلا بما قال الناس ، ولا يمكن أن يأتي هذا من موقن

يعرف الحق معرفة صحيحة.

إن استعمال الفكر والبصيرة في الدين يحتاج إلى الشجاعة وقوة الجنان ، وأن

يكون طالب الحق صابرًا ثابتًا لا تزعزعه المخاوف فإن فكر الإنسان لا يستعبده إلا

الخوف من لوم الناس واحتقارهم له إذا هو خالفهم أو الخوف من الضلال إذا هو

بحث بنفسه ، وإذا كان لا بصيرة له ولا فهم فما يدريه لعل الذي هو فيه عين

الضلال. إذن (إن الخوف من الضلال هو عين الضلال) . فعلى طالب الحق أن

يتشجع حتى يكون شجاعًا، والله تعالى قد هيأ الهداية لكل شجاع في هذا السبيل ، ولم

نسمع بشجاع في فكره ضل ولم يظفر بمطلوبه.

وههنا شيء يحسبه بعضهم شجاعة وما هو بشجاعة وإنما هو وقاحة ، وذلك

كالاستهزاء بالحق وعدم المبالاة بالمحق، فترى صاحب هذه الخلة يخوض في الأئمة

ويعرض بتنقيص أكابر العلماء غرورًا وحماقة ، والسبب في ذلك أنه ليس عنده من

الصبر والاحتمال وقوة الفكر ما يسبر به أغوار كلامهم ، ويمحص به حججهم

وبراهينهم ليقبل ما يقبل عن بينة ويترك ما يترك عن بينة ، وهذا لا شك أجبن من

المقلد لأن المقلد تحمل ثقل التقليد على ما فيه ، وربما تنبع في عقله خواطر ترشده

إلى البصيرة أو تلمع في ذهنه بوارق من الاستدلال لو مشى في نورها لاهتدى

وخرج من الحيرة ، وأما المستهزئ فهو أقل احتمالاً من المقلد، فإن الهوس الذي

يعرض لفكره إنما يأتيه من عدم صبره وثباته على الأمور وعدم التأمل فيها.

والحاصل أن الفكر الصحيح يوجد بالشجاعة والشجاعة هنا (هي التي يسميها

بعض الكتاب العصريين الشجاعة الأدبية) قسمان: شجاعة في رفع القيد الذي هو

التقليد الأعمى ، وشجاعة في وضع القيد الذي هو الميزان الصحيح الذي لا ينبغي

أن يقر رأي ولا فكر إلا بعد ما يوزن به ويظهر رجحانه ، وبهذا يكون الإنسان حرًّا

خالصًا من رق الأغيار عبدًا للحق وحده. وهذه الطريقة طريقة معرفة الشيء بدليله

وبرهانه ما جاءتنا من علم المنطق ، وإنما هي طريقة القرآن الكريم الذي ما قرر

شيئًا إلا واستدل عليه وأرشد متبعيه إلى الاستدلال ، وإنما المنطق آلة لضبط

الاستدلال كما أن النحو آلة لضبط الألفاظ في الإعراب والبناء كما قلنا. ولا يمكن

أن ينتفع أحد بالمنطق ولا بغيره من العلوم مهما قرأها وراجعها إلا إذا عمل بها

وراعى أحكامها حيث ينبغي أن تراعى، فالذي يحفظ العلم حفظًا حقيقيًّا هو العمل به

وإلا فهو مَنسيّ لا محالة ، وإننا نرى المجاور يقضي السنين الطويلة في الأزهر

يدرس العلوم العربية ولا ينتفع بها بتحصيل ملكة العربية قولاً وكتابة ، وإنما ذلك

لعدم الاستعمال. فأنصح لكل من يسمع كلامي أن يستعمل ما يحصله من العلم ،

وأن يحصل لنفسه ملكة الشجاعة ، وبدون هذا لا ينتفع بعلم ولا عمل ويكون

الاشتغال بالدروس في حقه من اللغو المنهي عنه المذموم صاحبه شرعًا. بل يقضي

حياته كسائر الحيوانات العجم وربما كان أتعس منها. وأحب أن يكون كل منكم

إنسانًا كاملاً والإنسان يطلب الجميل النافع لأنه حسن في نفسه لا لأن غيره يطلبه ،

فلو كفر كل الناس لوجب عليه أن يكون أول المؤمنين ، وهذا هو الإسلام الصحيح

ثم ختم الأستاذ الخطاب بالدعاء والثناء على الله تعالى وانفض الاجتماع.

***

(قصيدة)

من القصائد التي نظمت بمناسبة الاحتفال بختم درس المنطق ، قصيدة غراء

لصديقنا الفاضل الشيخ أحمد عمر المحمصاني البيروتي قال في مطلعها يخاطب

الأستاذ:

لعلياك مجد لا يماثله مجد

وفضلك فضل لا يرام له حد

وأنت إمام العصر بل أنت شمسه

وأنت وحيد الدهر والعلم الفرد

أقمت منار الشرع فينا بهمة

هي الهمة العلياء والفطنة النقد

(ومنها)

فللت جموع الزيغ بالحق والهدى

وهابتك حتى في مرابضها الأسد

وذدتَ عن الدين الحنيفي مخلصًا

على حين أن القوم ليس لهم ذود

بتفسيرك الشافي كشفت سحابة

من الجهل قد غشت وطال بها العهد

على أمة في غفلة عن حياتها

وقل نصير الحق وانتشر الصد

عن المنهج الأقوى عن الخير كله

ولولا كتاب الله لانفرط العقد

وأحييت ألبابًا بتقريرك الذي

تباهت به الأقطار والسند والهند

هو الحق والعلم الصحيح بيانه

هو الذهب الإبريز واللؤلؤ النضد

بك اعتز دين الله من بعد فترة

تحكم فيها الجهل والحقد والجحد

فكنت بنصر الحق أفضل قائم

وليس سوى الإخلاص عون ولا جند

ومنها في نصيحة طلاب العلم:

أيا معشر الطلاب للخير سارعوا

ولا تهنوا في العلم فالوقت يشتد

إذا عرف الإنسان قيمة نفسه

... تسامى إلى العليا وطاب له السهد

وإن فتى الفتيان في العلم همه

طلاب المعالي لا الثراء ولا الرفد

وقال في الختام يخاطب الأستاذ:

ويا شمس هذا العصر لا زلت راقيًا

من المجد ما يبقى له الذكر والحمد

ودام بك النفع العميم مؤزرًا

وخادمك الإقبال واليمن والسعد

***

(كتاب البصائر النصرية)

نوًهنا بهذا الكتاب الجليل في ذكر الاحتفال بختامه في الجزء الماضي ، وهو

من تصنيف العلامة الجليل القاضي الزاهد زين الدين عمر بن سهلان الساوى. ألفه

باسم السيد نصير الدين بهاء الدولة كافي الملك أبي القاسم محمود بن أبي توبة

ونسبه إليه.

والكتاب جزل العبارة كبير الفائدة يمتاز على جميع الكتب المتداولة في الفن

بالتحقيق والتحرير وتحري المسائل التي يحتاج إليها من يريد استعمال الفن فيما

وضع له ، ويزيد عليها بأبواب ومسائل لا توجد فيها كالأجناس العشرة التي تسمى

بالمقولات ، وإطالة البيان فيما قصرت فيه لا سيما في باب القياس فعقد فصولاً

لاكتساب المقدمات ولتحليل القياسات ولاستقرار النتائج التابعة للمطلوب الأول ،

وللنتائج الصادقة عن مقدمات كاذبة ، وللقياسات المؤلفة من مقدمات متقابلة ،

وللمصادرة على المطلوب الأول ، وللأمور الشبيهة بالقياس وليست منه،

والقياسات المخدجة، وتكلم في هذا الفصل على الاستقراء والتمثيل والضمير

والرأي والدليل والعلامة والقياس الفراسي، بما لا نكاد نجده في غيره. وتوسع في

مواد القياس توسعًا نافعًا لا يستغني عنه طالب هذا الفن. وقد علق عليه مولانا

الأستاذ الشيخ محمد عبده تعليقًا وجيزًا تُعلم فائدته مما كتبناه في الجزء الماضي ،

وأحسن ما يقرظ به الكتاب قول الأستاذ في مقدمة هذا التعليق:

(وهو حاو مع اختصاره لما لم تحوِه المطولات التي بأيدينا من المباحث

المنطقية الحقيقية ، وخالٍ مع كثرة مسائله من المناقشات الوهمية التي لا تليق

بالمنطق ، وهو معيار العلوم من مثل ما نجده في المطالع وشروحها وسلم العلوم وما

كتب عليه (قال) : ووجدته على ترتيب حسن لم أعهده فيما وقفت عليه من كتب

المتأخرين من بعد الشيخ الرئيس ابن سينا ومن في طبقته من علماء هذا العلم) ثم

ذكر استحسانه لقراءته في الجامع الأزهر وعرضه على شيخ الجامع وأعضاء

مجلس إدارته وإعجابهم به وإقرارهم على قراءته في الأزهر لأنه من أفضل ما

يهدى إليه ثم قال:

(على أن الكتاب وإن كان جزل العبارات صحيح البيان إلا أن فيه ألفاظًا

وعبارات ومسائل اعتمد في الإتيان بها على ما كان عليه أهل زمانه من درجته في

العرفان ، وهي اليوم تحتاج إلى شيء من الإيضاح والشرح، فاستخرت الله تعالى في

وضع بعض تعاليق على ما رأيته محتاجًا إلى ذلك ، وأسأل الله أن ينفع به الطلاب

ويجزل فيه الثواب) .

والكتاب يباع في محل السيد عمر الخشاب في السكة الجديدة وثمنه عشرة

غروش أميرية ، وهي قيمة الاشتراك به قبل طبعه لم يزد عليها تسهيلاً على طلاب

العلم.

***

(طوفان نوح)

جاء في جريدة نور الإسلام المفيدة تحت هذا العنوان ما نصه:

رفع سؤال إلى مولانا الأستاذ الأكبر والعلم الأشهر حكيم الأمة وخاتمة الأئمة

الشيخ محمد عبده أفندي مفتي الديار المصرية، مصحوبًا هذا السؤال برسالة ألفها

الأستاذ الشيخ بكر التميمي النابلسي في مسألة الطوفان ، وهل كان عامًّا أم لا؟

يطلب رافعه من فضيلة المفتي حكمه فيما نشر في هذه الرسالة ، وبيان ما يجب

اعتقاده شرعًا في هذه المسألة التي كثر فيها الاختلاف. فأجاب -أطال الله وجوده- بما

يأتي:

الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اطلعت على رسالة الطوفان التي حررها

حضرة الشيخ بكر التميمي النابلسي فرأيت أن حضرة الكاتب يبني رأيه فيها على

أصول مقررة تعرفها الشريعة الإسلامية ، ولا ينكرها أحد من العارفين بها إلا إذا

صدق بعضًا وأنكر بعضًا ، وهو ليس من خلائق أهل الإسلام ، أو ناقض بعض

آرائه بعضًا وهو ليس من شأن العقلاء.

وقد ورد عليّ من عدة أشهر سؤال في هذه الحادثة من أحد أهل العلم بمدينة

نابلس وفيه ذكر لما يستند إليه منكرو عموم الطوفان وعموم رسالة نوح عليه السلام.

فأجبته بجواب أكتفي بنقل صورته ، وهو يؤيد رأيي في الرسالة وهذا نصه:

(أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عموم الطوفان ولا عموم

رسالة نوح عليه السلام ، وما ورد من الأحاديث على فرض صحة سنده فهو آحاد

لا يوجب اليقين ، والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عُدَّ

اعتقادها من عقائد الدين. وأما المؤرخ ومريد الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما

ترجحه عنده ثقته بالراوى أو المؤرخ أو صاحب الرأي. وما يذكره المؤرخون

والمفسرون في هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها ولا

يتخذ دليلاً قطعيًّا على معتقد ديني ، وأما مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي

موضوع نزاع بين أهل الأديان وأهل النظر في طبقات الأرض ، وموضوع خلاف

بين مؤرخي الأمم ، فأهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية على أن الطوفان كان عامًّا

لكل الأرض ، ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر ، واحتجوا على رأيهم بوجود

بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال لأن هذه الأشياء مما لا يتكون

إلا في البحار، فظهورها في رءوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من

المرات ، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض. ويزعم غالب أهل النظر من

المتأخرين أن الطوفان لم يكن عامًّا ، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها غير أنه

لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عامًّا لمجرد حكايات من أهل

الصين أو لمجرد احتمال التأويل في آيات الكتاب العزيز، بل على كل من يعتقد

بالدين أن لا ينفي شيئًا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التي صح سندها

وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد ، والوصول

إلى ذلك في هذه المسألة يحتاج إلى بحث طويل وعناء شديد وعلم غزير في طبقات

الأرض وما تحتوي عليه ، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية ، ومن هذى

برأيه بدون علم يقيني فهو مجازف ، ولا يسمع له قول ، ولا يسمح له ببث

جهالاته ، والله سبحانه وتعالى أعلم) .

هذا ما كنت كتبته جوابًا عن السؤال الوارد إلي ، أما وقد اطلعت على رسالة

الشيخ بكر التميمي فأرى أنه لم يخطئ الصواب فيما كتب ، ولا أجد في كلامه ما

يشم منه رائحة التطوح مع الهوى فيما وجه إليه قصده من ترجيح أحد الرأيين على

الآخر ، والله الموفق للصواب.

_________

(1)

قال الأستاذ: هو اعتقاد أن الشيء كذا وأنه لا يمكن أن يكون إلا كذا لأنه مطابق للواقع وهو بمعنى قولهم: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وأما قولهم: عن دليل، فلا معنى له لأن اليقين أكثر ما يكون في البديهيات وهي لا يدلل عليها.

ص: 302