المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: مصطفى صادق الرافعي - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: الكاتب: مصطفى صادق الرافعي

الكاتب: مصطفى صادق الرافعي

‌الشعر العربي

تتمة

لحضرة الأديب اللوذعي مصطفى صادق أفندي الرافعي

أما فنون الشعر فما زالت الأيام تلد أخًا بعد أخ من لدن امرئ القيس حتى

وقف أبو تمام في طريق أبنائها فقبض على عشر بأصابعه وقام عليها بحماسته

يعرفها الشعراء فلا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلا ومنها في أذهانهم ما يفعله

شؤبوب الغادية بالروضة القحلاء وهنالك ضرب بينهم وبين معشش الأبناء (كذا)

بسد فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا.

بينما كان الشعراء في هذا القيد يهيمون في كل واد بين حماسة ومراثٍ وأدب

وتشبيب وهجاء وإضافات وصفات وسير ومُلح ومذمة الجنس اللطيف - كان عبد

العزيز بن أبي الأصبع يستنزل الفنون من شعف القلال إلى سهل الخيال حتى مثلت

لديه ثمانية عشر ليس وراءها مطلع لناظر. فجعلها غزلاً ووصفًا وفخرًا ومدحًا

وهجاءً وعتابًا واعتذارًا وأدبًا وخمريات وزهدًا ومراثي وبشارة وتهانيَ ووعيدًا

وتحذيرًا وتحريضًا ومُلحًا وبابًا مفردًا للسؤال والجواب. على أنه في ذلك لم يخل

من خطل في الرأي ، أما وإن لكل من تلك المنازع طريقًا لا يجوزه الشاعر حتى

يتزود بعد إجادة الصناعة مع الأدب الحقيقي قول ابن رشيق المتقدم.

وإن لنكوص العمران على عقبيه تأثيرًا في أذهان الشعراء، فقد وجد منذ عنَّ

قريب فيما جاور البلاد العربية كبغداد والموصل وديار بكر وغيرها، شعراء لا

يميزهم عن أهل الجوابي والبضيع وحومل إلا ضعف الأسلوب، هذا ديوان الشيخ عبد

الغفار الأخرس لو بسط فيه النظر جناحيه حتى يجمع إلى أوله آخره ما خرج الفكر

بمعنى جديد على كثرة ما فيه من الأبيات.

ولقد بقي ذلك البرق يلمع حتى انخدع بخلبه شعراء اليوم في تلك الجهات

وأمثالها. وعجيب أن ينطق بلسانهم المصريون وأمامهم الغور الذي لا يدرك

والبحر الذي لا يخاض ، وفي بلادهم ما يأخذ بمعاقد البيان ويغنيهم عن جرعاء

الحمى وحسك السعدان. انتشر في مصر الشعراء كالجراد المنتشر حتى لم تكن

سهمة أكثرهم (قسمته وحظه) من الشعر إلا كالهباءة في الأجواء الثائرة وكيف لا

يكون أكثرهم عالة على الشعر وأهليه والأدب ومنتحليه ما دامت البلاغة (خاوية

الوفاض بادية الانفضاض) .

أذكر أن ليلة جمعتني بعالم يدرس البلاغة فأخبرني أن له في الشعر يدًا وأن

هذا الفن من السهولة بحيث لا يعتبر كغيره من الفنون فحدا بي الشوق أن أرى ما

وراء كلامه فقلت له: إن رأى الأستاذ أن يجيز (ورد الخدود ودونه شوك القنا [1] )

فما هي إلا هنيهة جال فيها بخاطره ثم استرعى الأسماع واستفرغ الأفكار وظهر

عليه الطرب حتى خِلت أن مِن وراء استرعائه ما يُخجل أبا تمام وحزبه، فإذا هو

يقول:

ورد الخدود ودونه شوك القنا

فذِ يا أخيّ فارحما

فوالله ما تصيب القنافذ بأشواكها

ما أصاب منا شوك قنافذه

هذه نادرة لم يظفر ابن الأعرابي بمثلها ولم يكن في تاريخ الشعر العربي كله أحسن منها.

ولشد ما لقي الأدب من أولئك! فإنه أكثر مما لقي البازي عند المرأة العجوز [2] .

ألم تر كيف زعم الغربيون ومن يتعصب لهم من أبناء الشرق أن العرب لم

تذق ألسنتهم من البلاغة إلا كما تذوق الأعين من النوم غرارًا ومضمضة. وإن لهم

لعذرًا في ذلك ما دام شعراؤنا بمعزل عما يقوله الشاعرون ، وربما ركب هواه من

ليس يعرف مبلغ العرب من الحكمة فارتفع بشكسبير وروبرت وألفرد ده موسييه

وجايتي وأضرابهم إلى الذروة ونزل بامرئ القيس وزهير والمتنبي وأمثالهم إلى

الحضيض واستدرج بأبي العلاء - الذي يلقبه الإفرنج بحكيم المشرق- وعلاء

الدين الوداعي وأنداد هؤلاء من سالفيهم، ولكنه كدم في غير مكدم واستسمن ذا ورم.

لعمري - وما عمري علي بهين - لو كان الملك الضليل [2] في عصر الإفرنج

الذي ينطق الأبكم ويحل عقدة البيان من اللسان، لتهافتوا على أقدامه تهافت الذباب

على الشراب ، وما وجدوا إلى شق غباره من سبيل.

هذا الشيخ علاء الدين بن مقاتل الحموي جاء في زجله المجرد من الإعراب

تجريد السيف من القراب بما يضارع أعظم خيالات الإفرنج قاطبة وهو من

المتأخرين لم ينسم من عرف المدنية ما نسموه، حيث يقول في وصف خياط سأله

أن يصفه:

صف جبيني وشعري من تفصيل

نظمك المبتكر

قلت: خيط الصباح يستفتح

ذيل الدجى في السحر

قال لي قصرت بل هو ستر الله

حين علي أسبلوا

حابك الزرقا فاتق الخضرا

بالهلال كللوا

ولست أرى فيما ينم عن فضل العرب في شعرهم أطيب من قول النعمان وقد

حاجه كسرى في قومه: (وأما حكمة ألسنتها فإن الله أعطاهم في أشعارهم ورونق

كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم بالإشارة وضرب الأمثال وإبلاغهم في

الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس) .

إنما العبء على عاتق شعرائنا اليوم. كيف يضيء المغرب ويظلم المشرق؟

فما لنا وللجزع اليماني وهذا اللؤلؤ والمرجان ، وما لنا ولحصباء العقيق وهذا العقيق

والعقيان ، وما لنا ولماء الغدران ينساب كالحيات وهذه سحب النعيم غاديات

رائحات وأمام العين ما يذكر الجنان ويعلم الإنسان ، كيف يكون الشعر في الشعراء

ولا أخال أطروفة ابن الجهم تخفى على أديب.

بقي أن الناس يقولون: إن الشعر العربي كشجرة الدفلى، إذا أكلها مغتر

برونقها أودت به إلى حيث لا يردد أنفاسه وضربت أسدادها بينه وبين السعادة.

ولقد يصيب هذا القول غرضه من الحق ما دامت الدلاء ينهز بها الناس مع الغواة

وما دامت الأمة لا توقظ الأفئدة من سباتها العميق.

هذه حالة أولئك يعدون ما كان من هذا القبيل كأنه حماسة العصر تركها أبو

تمامه. وغير أمتنا جرى شأوًا مغربًا لا يرغبون من الشعراء إلا أن يلقوا بين

أعينهم مجد البلاد وفخر العباد فلا ينظمون غير منثور الآثار ولا يدَعون لسوء

الأحدوثه من قرار وكل منهم كما قال شاعرنا أبو النجم البُستي:

له قلم حده لا يكل

إذا كان في الحرب سيف يكل

فيوجز لكنه لا يخل

ويطنب لكنه لا يمل

وهل سبقهم لذلك إلا نابغة بنى ذبيان؟ حُصر أربعين يومًا فانتصر قومه فأخذه

الطرب لمجدهم حتى قال الشعر ونبغ فيه؟

يستشف الناس معائب شعر العرب القديم في عصر التمدن الجديد فلا يجدون

من الشعر ما كان يجده القائلون من قبل وهيهات أن يكون منه في شيء قول امرئ

القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

إذا أنشد الناس في الأزبكية مثلاً حيث لا تكركره صبا نجد ، ولا تهتف به أجلاف

العرب في سقط اللوى بين الدخول فحومل. وما أحسن الشعر إذا كان ملبسه يشوق

ومنظره يروق لا تلج به الصلابة ولا تملؤه الصبابة يتناول المعنى دونه النجم علوًّا

والنسيم رقة ولطافة ، وحبذا أن يكون للشاعر غير البلج والدعج إلخ مما يعيد مجد

بلاده ويرفع ما تأود من عمادها ، وأسلوب الشعر المتين أن يكون اللفظ بقدر المعنى

لا زائدًا فيفرط، ولا ناقصًا فيفرّط.

قال خلاد لبشار بن برد: إنك لتجيء بالشيء المتفاوت ، فقال: وما ذاك؟

قال: بينما تجيء بالشعر يثير النقع ويخلب القلوب مثل قولك:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية

هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

إذا ما أعرنا سيدًا من قبيلة

ذرى منبر صلى علينا وسلما

إلى أن تقول:

ربابة ربة البيت

تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجات

وديك حسن الصوت

فقال: لكل شيء وجه وموضع ، وهذا قلته في جاريتي ربابة وهو من قولي

عندها أحسن من (قفا نبك) من ذكرى حبيب ومنزل.

وفيما قدمناه ما يكفل للمتأمل أن يمر به في المجلة البيضاء حتى يجيء من

البيان بالسحر ومن الشعر بالحكمة.

_________

(1)

صدر بيت لناصح الدين الأرجاني الفقيه المشهور القائل:

أنا أشعر الفقهاء غير مدافع بالعصر أو أنا أفقه الشعراء

وتمامه (فمن المحدث نفسه أن يجتني) أصلها فيما قيل أنه كان لبعض الملوك باز وكان به مغرمًا فأطلقه يومًا على صيد فذهب ولم يعد وكان قد نزل في بيت عجوز فلما رأت منقاره ظنت أن شكله بدونه يكون جميلاً فقطعته ثم ارتأت ذلك في مخالبه فألحقتها بالمنقار وجزت جناحيه وبينما أتباع الملك يبحثون عنه وجدوه عندها فلما رآه سيدهم أمرهم أن ينادوا عليه أمام الأعين: هذا جزاء من رمى بنفسه عند من لا يعرف مقداره.

(2)

هو امرئ القيس لقبه بهذا الإمام علي عليه السلام.

ص: 391

الكاتب: محمد رشيد رضا

أمالي دينية [*]

(الدرس العاشر)

م (31) صفات الكمال:

ثبت منا في الدروس السابقة أن هذا الوجود الممكن الذي نشاهده صادر عن

وجود واجب ، وأن واجب الوجود منزه عن مشابهة الممكنات وأنه واحد لا شريك

له وأن هذا الواجب هو إله الخلق المستحق لعبادتهم المسمى بلسان الشرع: (الله -

جل جلاله وأنه ليس لغيره سلطة ولا تأثير فيما وراء الأسباب التي يتعلق بها

كسب العباد ، بل له وحده السلطان الغيبي المطلق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأن

الخضوع الذي يبنى على الاعتقاد بهذا السلطان وهو روح (العبادة) وسرها مهما

تعددت مظاهرها واختلفت أشكالها لا يكون إلا له. وهذا هو التوحيد الحقيقي والدين

الخالص الذي بعث الأنبياء عليهم الصلاة لتقريره عندما فشت الوثنية في الناس.

ونقول الآن: إن هذا الاله الواجب الوجود يدلنا العقل والنقل على أنه متصف بما

يليق به من صفات الكمال لأنه لما كانت ذاته أكمل الذوات لا جرم كانت صفاته

أكمل الصفات. وللناس على اختلاف مللهم مذاهب في فهم الصفات الإلهية أكثرها

يرجع إلى قياس الغائب على الشاهد والحكم بالممكن على الواجب وبالحادث على

القديم وإلى الأخذ بظواهر الألفاظ التي وردت في الكتب المنزلة وكلام الأنبياء

والمرسلين من غير فهم ولا عقل ، ولا يليق بصاحب البصيرة في الدين أن يأخذ

بمذهب من تلك المذاهب أو يتقيد برأي من آراء أربابها بل عليه أن ينظر بعقله؛

ليثبت له بالبرهان ما تتوقف عليه الألوهية من الصفات للواجب ثم ينظر في إثبات

الرسالة وبعد ثبوتها بالعقل يمكنه أن يفهم ما يسنده الرسول إلى الله - تعالى - من

الصفات على الوجه المطابق لما قام عليه البرهان العقلي.

م (32) يقسمون الصفات الثبوتية [1] إلى:

صفات ذات وصفات أفعال ، ويقسمونها باعتبار آخر إلى محكمات ومتشابهات

ويقسمون صفات الذات إلى نفسية ومعاني ومعنوية ، وقالوا: إن الوجود هو

الصفة النفسية وأنه لا صفة نفسية سواه وهي أغلوطة علمية صدرت من بعض

المتأخرين فتبعه عليها من لا نحصي من أسرى التقليد إلى يومنا هذا كما تبعوه في

إثبات الصفات المعنوية ولكن فضل الله تعالى لم يحرم المسلمين في عصر من

الأعصار من علماء نبهوا على أن هذا الاصطلاح ما أنزل الله به من سلطان ولم

يقم عليه في العقل حجة ولا برهان. والمشهور عن العلماء في القرون الأولى أنهم

كانوا يطلقون لفظ (الصفات) على المتشابهات فقط ، وجماهير العلماء حتى اليوم

على إثبات صفات المعاني ولهم فيها تفسير وأحكام لم تعرف عن السلف الصالح.

فلم يرد في الكتاب العزيز ولا في السنة السَّنية ولا في آثار التابعين شيء من هذه

الاصطلاحات (إلا المحكم والمتشابه) ولا أن الصفات عين الذات أو غير الذات أو

لا عين ولا غير أو أنه لو كشف عنا الحجاب لرأيناها. ونحن لا نطعن بعلم

واضعي هذه الاصطلاحات ولا بدينهم بل نقول كما أمرنا الله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ

لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ

رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر: 10) وإنما نختار طريقة السلف الصالحين فهي باتفاق

الخلف أسلم وأحكم. ونقول أيضا: إنها أعلم، خلافًا لكثيرين يتوهمون أن هذه

الاصطلاحات في علم العقائد تعطي الباحث بصيرة وتكون أعون له على الفهم

وأقرب إلى البصيرة والبرهان لأننا نعتقد اعتقادًا يؤيده الاختبار والمشاهدة أن الذين

يأخذون عقيدتهم من هذه الاصطلاحات أكثرهم يتخبط في ظلمات الحيرة يأخذها

بالتقليد الأعمى فيضمها إلى التقليد بأصل العقيدة ويضم إليها ما يوردونه عليها من

الحجج تقليدًا على تقليد، فإذا طولب بالبرهان ممن يناقشه في تلك الألفاظ المحفوظة

أو سئل كشف شبهة غشيتها حاص حيصة الحمر واضطرب واضطراب الرشاء

في البئر البعيدة القعر.

طريقة القرآن الحكيم التي استقام عليها الصدر الأول هي الطريقة المثلى وهي

عرض المخلوقات على العقول ومطالبتها بالنظر فيها بأي وجه من الوجوه، فلنرجع

إلى هذه الطريقة ولنثبت بها الصفات التي لا تتحقق الألوهية في العقل بدونها وهي

العلم والإرادة والقدرة، وكذا الحياة على الوجه الذي جرى عليه أستاذنا (في رسالة

التوحيد) وهذا هو الذي اشترطناه في ابتداء إلقاء هذه الدروس وإنما أشرنا إلى

اصطلاحات المتأخرين في الصفات وبينا أن فهم العقيدة أقرب بدونها؛ لأن الذين

تعلموا على الطريقة الشائعة في العقائد - طريقة السنوسي رحمه الله تعالى -

يظنون أن العقيدة التي لم تذكر فيها الصفات العشرون عقيدة ناقصة وربما توهم

الغارقون في الجهل أنها غير كافية في الإيمان؛ لأن الإيمان بالله عندهم إنما يكون

بحفظ الصفات العشرين وأضدادها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأما

المتشابهات فقد عقدنا لها فيما مضى درسًا مخصوصًا فليرجع إليه من أراد.

***

حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين

أجل وأوسع ما ألف في المعجزات الشريفة كتاب (حجة الله على العالمين في

معجزات سيد المرسلين) صلى الله عليه وسلم؛ فإن اسمه طابق مسماه، فقد جمع كثيرًا من معجزاته الشريفة وبشائر ودلائل نبوته العظمى بأوضح نقل وأشهره، فهو كتاب نافع جليل الإفادة لا نظير له في بابه ، تأليف العلامة العامل والمفضال التقي الكامل حضرة صاحب الفضيلة الشيخ يوسف النبهاني المكرم رئيس محكمة الحقوق ببيروت حفظه الله تعالى. وطبع بالمطبعة الأدبية فيها بأجمل حرف على ورق جيد وجلد تجليدًا حسنًا وهو 896 صفحة مع الرسالة الغراء التي في آخره بعد الفهرسة المسماة (خلاصة الكلام في ترجيح دين الإسلام) وهي غرر ودرر وموعظة حسنة وحكمة نافعة لكل إنسان وفقه الله إلى الهدى ، ويوجد بمصر في مكتبة الترقي وسائر المكاتب وثمنه ستة عشر قرشًا صاغًا ما عدا أجرة البريد.

...

...

...

...

عبد الحليم أنسي

...

...

...

...

... بالأزهر

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(*) الأمالي دروس كنا نمليها في جمعية شمس الإسلام ثم اقتُرح علينا أن نثبت ملخصها في المنار، وآخر درس منها نشر في الجزء الثالث من منار هذه السنة.

(1)

المراد بالصفات الثبوتية ما يقابل الصفات السلبية المستنبطة من معنى واجب الوجود وتنزيهه كالقدم والبقاء وقد تكلمنا عليها في مبحث التنزيه من الدروس السابقة، وتسميتها صفات، وضع اصطلاحي لبعض المتأخرين قلده فيه المؤلفون إلى اليوم.

ص: 397