المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أميل القرن التاسع عشر - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: ‌أميل القرن التاسع عشر

الكاتب: عبد العزيز محمد

من كتاب

‌أميل القرن التاسع عشر

(باب الولد)

(10)

من أراسم إلى هيلانة في 3 يونية - 185

إن معظم من كتبوا في علم التربية يغالون بأصول علم الأخلاق ويرفعون من

شأنها ، وأنا مثلهم أعتقد أن المواعظ الحسنة وقواعد التهذيب المفيدة قد تبعث العزائم

في بعض الأحوال على القيام بصالح الأعمال ولكني لا أعتقد أن ما يلقفه الناشئون

منها من أفواه معلميهم في دروسهم يغير طباعهم تغييرًا حقيقيًّا ، وهيهات أن أعول

عليها في ذلك فإننا نرى كل يوم في المجتمع الإنساني أناسًا من الظرفاء الأكياس

جُفاةً غُلف القلوب على أنهم لم يحرموا من النصائح العامة الداعية إلى التحابِّ

والتراحم المرغبة في لذة الاتصاف بهما ، فما من فاسق أو شرير أو بخيل إلا وقد

سمع ألف مرة من ألسنة الوعاظ قولهم: (كن حكيمًا مهذبًا تكن عزيزًا مغتبطًا)[1]

(لا تفعل بغيرك ما لا ترضى أن يفعله بك)[2] (لا تجعل لحطام الدنيا حظًّا من

قلبك) [3] إلى غير ذلك من النصائح والحكم.

الإنجيل كله مواعظ رائقة وأمثال شائقة فليت شعري من ذا الذي يراعيها.

هل تجدين كثيرًا من الأغنياء أنفقوا جميع أموالهم على الفقراء بعد سماعهم آية (إن

دخول الجمل في سم الخياط أيسر من دخول الغني في ملكوت السموات؟) [4] هل

تلاقين ولو في القسيسين أنفسهم عددًا كبيرًا ممن يفضلون عبادة الله (سبحانه) على

عبادة الدنيا والدرهم؟ هل يرضى أوائل الناس أو الذين يعتبرون أنفسهم كذلك أن

يعاملوا معاملة الأواخر؟ هل يسهل على الحاكمين أن ينقلبوا محكومين؟ كلا إننا

نرى علماء الدين يغالطون في فهم نصوص الكتاب مخادعين وجدانهم غاشين

ضمائرهم وما أكثر ما يؤوّلونه منها تخلصًا من قضائها عليهم وفرارًا من عواقب

الأخذ بصريحها.

جاء المسيح يدعو إلى السلام في كل قول من أقواله، فهل رأيتِ الممالك

أصبحت أقل قتالاً؟ ندب إلى التآخي بقوله الجليل: (كلكم إخوان)[5] فهل هدم

هذا القول دعائم الاستعباد ومحا من النفوس ميلها إلى التسلط؟ توعد من يصلت

سفيه بغيًا وعدوانًا بالهلاك، فقال ما معناه:(من سل سيف البغي به قتل)[6] فهل

ردع هذا الوعيد من كان بيدهم الحول والقوة عن انتهاك حرمة القانون بالبغي

والفساد في الأرض. قال (من أخذ قميصك فأعطه رداءك)[7] فلو أن أحدًا منا

معشر الفرنساويين المتشددين في التمسك بالدين اتبع هذا الأمر وجرى على نصه

حرفيًّا لسجن في شارنتون [8] خصوصًا إذا كان له من أقاربه وارثون.

لم يختص المسيحيون بهذه المواعظ الحسنة فإن لليهود أيضًا والصينيين

والفرس كتبًا فيها حكمة بالغة وكلم نابغة ، ولكنهم لم يصيروا بها أحسن منا حالاً

فإنه لو كان يكفي في تحسين أحوال الناس وتهذيب نفوسهم وجود كتاب مفيد في علم

الأخلاق لكانت الدنيا قد بلغت غاية الكمال من زمن طويل لأنها والحمد لله لم تخل

من علماء الأخلاق يومًا، على أننا لا نسمع في جميع أرجائها إلا أصوات آلام

المنكوبين والمكروبين وتحريق الأرَّم من المقهورين المتغيظين.

أرى أنه لا ارتباط بين مذهب المرء وبين عمله غالبًا إلا في الخيال والوهم

فلو أن الخير كله والشر كله كان كل منهما بمعزل عن الآخر في مجرى الحياة

وسياق أعمالها لسهل على الناس الحكم فيما اختلفوا فيه من آرائهم ومذاهبهم ،

ولانقطع من بينهم سبب الخلاف بأسرع ما يكون ، ولكن هيهات أن يكون الأمر

كذلك وقد علمت أنه لا يعمل منهم بعلمه إلا الشذّاذ! انظري إلى أصول الأخلاق

الإنجيلية - مثلاً - تجدي أن من لا يؤمنون بألوهية المسيح هم في الغالب أكثر اتباعًا

ورعاية ممن اتخذوا الإيمان بتلك الألوهية مهنة لهم.

أنا لا أعني بجميع ما قلته هنا أن علم الأخلاق لا فائدة له في التربية وإنما

الذي أريده بهذا الكلام هو أن أحسن ما يوجد بهذا العلم من الأصول في الدنيا بأسرها

لا ينشئ رجالاً كملة مهذبين ، وقد فهم ذلك حق الفهم واضعو الشرائع فعززوا ما

دوّن من تلك الأصول في الكتاب بأوضاع تامة للثواب والعقاب.

ثم إن الطفل لا يستفيد مما يلقى عليه من دروس الأخلاق إلا إذا كان من

الاستعداد والكفاءة بحيث يقدر أسباب أعماله وعواقبها، فأنَّى له إذن أن يفهم هذا

الأصل الوجداني وقد حجبه عنه إدراك مشاعره الظاهرة واشتداد أهوائه وشرّة

غرائزه؟ وأنَّى له أيضًا بأن يكون جميع ما يراه من الأسى والأمثال من شأنه أن

يأخذ بزمام عزيمته إلى الخير ويصرفه عن الشر؟ وليت شعري هل تجري أمة

دائمًا على مقتضى ما ترشده إليه من صالح الأخلاق وجميل الصفات؟ إن الوالد

ليلقي على ولده خطبة طويلة في وجوب مواساة الفقراء والإحسان إلى المساكين ثم

لا يلبث هو نفسه أن يلومه إذا أعطى لفقير درهمًا من الفضة، فهو بذلك يبذر بإحدى

يديه في ذاكرته أصول الإنجيل وينقش بيده الأخرى على قلبه صور النفاق والرياء

اهـ[*] .

(13)

من أراسم إلى هيلانة في 4 يونيه سنة -185:

يُعوِّل علماء الأخلاق كثيرًا في تربية الأطفال على قوة القدوة وتأثير الأسوة،

وأنا في هذا موافق لهم ولكن أيّ والد يصح له أن يتبجح بأنه على الدوام قدوة

صالحة لولده.

نحن في الجملة نسعى في غش الأطفال وخداعهم بما نتزين به لهم من لباس

الرياء الذي يجعلنا في أعينهم أحسن مما نحن عليه في الحقيقة والواقع وبما يصدر

عنا كثيرًا أمامهم من الأقوال والآداب المغايرة كل المغايرة لمعتقداتنا وآرائنا الذاتية

وحقيقة الأمر أننا نقصد أن نربي طباعهم على ما نشأنا عليه؛ موافقة لحسن رأينا

في أنفسنا ، ورغبة في تحقيق غيرنا بهذا الرأي ، وأن نكسوهم من الفضائل ما

نتظاهر لهم بأننا متحلُّون به ، ولكن هيهات أن ينخدعوا بهذه الحيل ، ومن ظن بهم

ذلك فقد أخطأ في فهم معنى سذاجتهم وصفاء قلوبهم خطأً بينًا. الأطفال يعرفون

كمال المعرفة ما يعتمدون عليه في كشف مقاصد آبائهم والوقوف على شئونهم وهم

يدركون بالحدس والتخمين ما يجتهد هؤلاء في كتمانه عنهم ، وإني لفي شك من أن

هذا الكتمان وإن حمدت أسبابه يزيدهم في نفوسهم إجلالاً وتعظيمًا.

عاقب والد ابنًا صغيرًا له لم يتجاوز الخامسة من عمره على أكذوبة قالها ولم

يكد ينتهي من عقابه حتى دخل عليه خادمه مخبرًا له بأن زائرًا ثقيلاً ينتظره في

الخارج ، فقال له ذلك الرجل الوقور: أخبره بأني لست هنا. فيا له من درس

يستفيد منه الطفل الصدق والإخلاص! .

أنا على يقين من أن (أميل) لن يجد فيك إلا أحسن أسوة وأكمل قدوة ، وهذا

هو الذي يملأ قلبي اطمئنانًا عليه. ولكن أقول لك الحق غير مُداجٍ فيه ولا مُدارٍ

وهو أن غرضي من تربيته أن يكون ذا طبع مستقل لا مفرغ في قالب طبع آخر

مهما كان لهذا الطبع من الكمال. وأذكر لك هنا واقعة حضرتني الآن تدلك على أني

محق في قصدي وهي أني رأيت ذات يوم طفلاً في السادسة من عمره راجعًا مع

والدته من تشييع جنازة وهو من الأطفال الناجحين المتقدمين جدًّا على حسب اعتقاد

الناس ، وكان يبكي أو يتباكى فارتبت في أمره وظننت أنه مخطئ في معرفة من

فجع به لأن المتوفى لم يكن إلا ابن عم بعيد له (على أن الأطفال لا يفهمون حقيقة

الموت كما تعلمين) فسألته عن سبب بكائه وكدره العظيم فكان جوابه لي أن قال:

(لا سبب سوى أني رأيت الآن والدتي تمسح عينيها بمنديلها فبكيت) فأضحكني منه

هذا التأثر التقليدي وإن كان صادرًا بلا شك عن طبع ساذج وقلب سليم ، فلا أريد

أن يكون (أميل) مثل هذا الغلام في تأثره بل أودُّ أنه متى بلغ السن الذي يرقُّ فيه

لمن تصيبه مصيبة ويعطف عليه يكون ذلك منه ناشئًا عن غم كارث ألم بنفسه

وحزن ممض يضطرم في قلبه.

يجب أن يلحق ما يرى من أعمال الحيوانات وسيرها في حياتها بما للقدوة من

التأثير في التربية. وكيف لا ونحن نرى كتاب الأمثال عندنا على بعد مجتمعاتنا من

معاهد الفطرة تزدان تآليفهم وتزدهي دروسهم بما يودعونها من سير الحيوانات

وأخلاقها ، وأن الطفل من أولادنا لا يكاد يقدر على النطق المفهوم والحفظ حتى

يحمل على حفظ أسطورة من أساطير لافونتين [9] كأسطورة الصرصار والنملة مثلاً

أنا لا أنكر أن في حياة الحيوانات عبرًا كثيرة وعلومًا شتى يجب علينا تعلمها ،

ولكني أقول: ألا ينبغي لهذا العالم الصغير الذي يحفظ سير هذه المخلوقات الممثِّلة

رواية الكون الكبرى في مشهده الأعظم أن يعرفها ليهتم بشأنها اهتمامًا حقيقيًّا؟ . فكم

نرى من الأطفال الذين نشأوا في حواضرنا الكبرى وقرأوا أساطير ذلك الكاتب

الشهير من لم ير في حياته تلك المخلوقات التي يحكى لهم قصصها ويمثل لهم

أحوالها إلا قليلاً، فهم على جهل تام بأخلاقها وعوائدها. وفي رأيي أن سليمان

عليه السلام أعقل من واضعي التعليم الحديث إذ قال للكسلان: عليك بالتعلم في

مدرسة النملة [10] فإنه دله بهذا الإرشاد على ينابيع علم الأخلاق الفياضة لا على

حياضه التي لبعدها عن تلك الينابيع لا توجد فيها إلا صُبابة لا تروي ظمأ ولا تبرد

غُلة اهـ.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

الحكمة واردة في أمثال سليمان عليه السلام في التوراة بهذا النص وهو: (الرجل الحكيم في عز)[وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ](البقرة: 129) .

(2)

نص الكتاب المقدس في هذا المعنى هو: (وكما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضًا بهم هكذا) راجع من إنجيل لوقا الإصحاح السادس العدد 31.

(3)

نص الكتاب في هذا المعنى هو (لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ) راجع العدد 16 و19و21 من الإصحاح السادس من إنجيل متَّى.

(4)

راجع العدد 24 من الإصحاح 19 من إنجيل متَّى.

(5)

نص ما ورد في الكتاب المقدس في هذا المعنى هو: (وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد هو المسيح وأنتم جميعًا إخوة) راجع الإصحاح 23 والعدد 98 من إنجيل متَّى.

(6)

عبارة الكتاب في هذا المعنى هي: فقال يسوع: (رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون) راجع الإصحاح 26 والعدد 52 من إنجيل متى.

(7)

عبارة الكتاب هى: (ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضًا) راجع الإصحاح 6 والعدد 49 من إنجيل متى.

(8)

شارنتون اسم لقريتين من قرى فرنسا إحداهما تدعى شارنتون لويون وهي أشهر قرية في إقليم السين بقضاء سو واقعة على نهر مارن، والثانية تسمى شارنتون سور لوشير وهي أشهر قرية في إقليم شير بقضاء سانت أمندمونت روند، يظهر أن إحداهما فيها سجن للمجانين.

(*) المنار: محصل كلامه أن تعليم الأخلاق والآداب قليل الجدوى إذا لم يتربَّ الإنسان عليها عملاً وهذا صحيح ، ولم توضع أصول التهذيب لأجل الدراسة وإنما وضعت ليجري عليها المربون فعلاً. اقرأ قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم:[وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ]

(البقرة: 129) فلم يكتف بالتعليم بل أضاف إليه التزكية وهي التربية العلمية على أصول الخير والفضائل.

(9)

لافونتين واسمه جان دول فونتين من أشهر كتاب الأساطير في فرنسا ولد في ساتوتيري سنة 1621 ومات سنة 1695.

(10)

عبارة الأمثال في هذا المعنى هي: اذهب إلى النملة أيها الكسلان تأمل طرقها وكن حكيمًا (هي) التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط وتعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها. راجع الباب 6 من أمثال سليمان والأعداد 6 و7 و8.

ص: 345

الكاتب: محمد رشيد رضا

آثار علمية وأدبية

(حكم الفلاسفة ونوادرهم)

(2)

قال أرسطوطاليس: من عُدم العقل لم يزده السلطان عزًّا ومن عُدم القناعة لم

يزده المال غنًى ، ومن عدم الإيمان لم تزده الرواية فقهًا. أقول: نسب هذا الكلام

لهذا الفيلسوف صاحب كتاب (الكلم الروحانية في الحكم اليونانية) وهو ليس له

وإنما هو لأحد حكماء الإسلام لأن أخذ الفقه من الرواية من وضع المسلمين

واصطلاحهم وظاهر أن المراد بالرواية رواية الحديث ، ولم يكن عند فلاسفة

اليونان فقه يستمد من رواية ، وكثيرًا ما راجت الأكاذيب والموضوعات على أهل

النقل لعدم المعرفة التامة بتاريخ اللغة، فكم من خبر وأثر فيه ألفاظ لم تكن تستعمل

في عصر من نسبت إليهم بالمعنى الذي تروى به.

وقال: الحُسْنُ رديء لصاحبه جيدٌ لغيره ، وقيل له: لم تناقض صديقك

أفلاطون فقال: أفلاطون صديقي والحق أولى بالصداقة منه. وقال له رجل:

أخْبَرني ثقة عنك بما يوحش، فقال: الثقة لا ينمُّ ، وسئل: أي شيء ينبغي للفاضل

أن يقتنيه؟ فقال: الأشياء التي إذا غرقت به سفينة تنجو معه إذا نجا، يعني العلوم

والمعارف الحقة. وقال: ظاهر العتاب خير من مكتوم الحقد ، وقال: ضربة الناصح

خير من تحية الشانئ (العائب) وقال: العقل عقلان: مطبوع ومسموع. أقول: إن

هذه الحكمة تؤثَر عن الإمام علي كرم الله وجهه ولم يكن وصل إلى العرب شىء من

علم اليونان. وقال: قوت الأجساد المطعم، وقوت العقول الحكم فإذا فقدت العقول

الحكمة ماتت موت الأجساد عند فقد الطعام. وقال: المعلم الرفيق يربي المتعلم بصغار

الحكمة قبل كبارها كما تربي الوالدة ولدها بالرضاع قبل الطعام. وقال: العاقل لا

يجزع من جفاء الولاة إيّاه وتقريبهم للجهال دونه لعلمه بأن الأقسام لم توضع على قدر

الأخطار (أي ليست الحظوظ عندهم بحسب مراتب الشرف الحقيقية فيرى أن خطره

وشرفه لم يقدر قدره) وقال: الحكيم الصالح لا يخدع أحدًا والعاقل الكامل لا يخدعه

أحد. يريد أنه لا ينجح في خداعه ليقظته وانتباهه. ويتوهم بعض من يقرأ كتب

الأدب أن المخدوع ممدوح لما في ذلك من الآثار والأشعار المسطورة فيها كأثر (من

خادعنا في الله انخدعنا له) وكقول الشاعر:

خادع خليفتنا عنها بمسألة

إن الخليفة للسؤَّال ينخدع

وكقول عبد الباقي في أمير المؤمنين رضي الله عنه:

قد خادعوا منك في صفين ذا كرم

إن الكريم إذا خادعته انخدعا

وهذا الانخداع هو الإغضاء عن الذنب في موضعه والتغافل عنه من باب

(تجاهل العارف) ولقد نزه الله نفسه والمؤمنين عن أثر خديعة المنافقين فقال:

{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 9) .

وقال أرسطوطاليس: نصيحة العاقل مبذولة للعامة، وسرُّه مكتوم إلا عن

الخاصة. وقال: أيّ ملك جاوز سرُّه وزيره فهو في حد ضعفاء السوقة. وقال

للإسكندر: كن رحيمًا من غير أن تكون رحمتك فسادًا ، وقال له: اعتبر بمن

مضى قبلك ولا تكن عبرة لمن يأتي بعدك ، وقال له أيضًا: يا إسكندر اعلم أن

عيوب عمالك عيوبك ، وقال له: إذا فرضت لجندك فلا تفرض لمن لا تعرف والده

ومن وُلد على العبودية؛ فإن الناس يقاتلون بالأنفة والحمية. أقول: لا مندوحة عن

مراعاة عزة النفس ومعرفة البيوت في الضباط والقوَّاد حتى في هذا العصر ، وقال

له: لا يكن لجائزتك حد فإن هذا أبسط للأمل فيك ، وقال له: اعمر ما خرب مما

أنشأه مَن قبلك يُعِّمر ما تبنيه من يتبعك ، وقال له: تفقد أمر عدوك قبل أن يطول

باعه ، وارتق الفتق قبل أن يتجاوز اتساعه ، وقال له: امنع أن يظهر في عسكرك

الفجور والسكر فإنهما مفتاح الوهن ، وقال: أيُّ ملك نازع السوقة هتك شرفه ،

وأيّ ملك تصدّى للمحقرات فالموت أكرم له. وكلمه رجل بكلام طويل جدًّا فقال له:

أما أول كلامك فقد أنسيته لطول عهده وأما آخره فلم أفهمه لتفلّت أوله ، وقال: قد

استحسنت قول (لا أدري) حتى أقوله فيما أدري.

***

(القسم الثاني من عينية الكاظمي)

وهو ما يتعلق بمصر

ولما نقلنا للبواخر رحلنا

وعفنا المطايا وهي حسرى وضلع

هجمنا على جيش من الموج ضارب

بزخاره نحو السما يترفع

يطالعنا من كل فج كأنه

جبال شرورى أصبحت تتقلع

ولما تبينت (السويس) وسار بي

إلى (النيل) سيار من البرق أسرع

هرعت إليه عاطفًا من حشاشتي

وقلت لصحبي هذه مصر فاهرعوا

سقى الله دارًا تيم الصب نشرها

وأخرى بها داريَّة تتضوع

لقد صرت في هذي وقلبي معلق

بتلك إذن ماذا أنا اليوم أصنع

وأصبحت أسوانًا فلا أنا ميت فأسلو ولا حي يرجى فأطمع

أنادي فلا (شمعون) يسمع دعوتي فيدنو ولا ينأى بوجدي (يوشع)

وما لي منه يعلم الله لو دنا سوى نظرة تدنو إلي فأقنع

ذر الدمع يدمي ناظريّ فإنني رأيت بعيني طرف (شمعون) يدمع

ويا أهل هذا الحي خلوا لنا الجوى نقضي به ليل الصبابة واهجعوا

على داركم شق الجيوب ودارنا يشق وريد في ثراها وأخدع

فلو أن مثلي في سراة قبيلكم من الحب مضنى أو من البين موجع

لأعلنت بالشكوى وصرحت بالجوى وقلت: اسعدوني أيها الصحب أو دعوا

تمكنت الأوجاع من كل مفصل وليس لهذا الصب من يتوجع

وآيسني طول النوى من طماعتي ولا يأس إلا حين لم يبق مطمع

تكلفني عيناي في الحي هجعة فأغمض علمًا أنني لست أهجع

وآمل من نومي المشرّد رجعة وأكبر ظني أنه ليس يرجع

أقول لجيران لهم بين أضلعي مراح وفي الأحشاء مرعى ومرتع

أيا جيرتي جف الرقاد فعاذر إذا رحت في كأس من السهد أكرع

ملكتم فؤادي بالتودد خدعة وكل كريم بالتودد يخدع

تعسفتموا ما كان مني شيمة وأين من المطبوع من يتطبع

وكيف أرجى منكمو ذا حفيظة وأكثر شيء في الأنام التصنع

إلا أن دهري موجعات فعاله وأفعال أهليه أمض وأوجع

أمثل (فلان) يحفظ الناس وده ومثلي في هذي البلاد يضيع؟

فوالله ما أدري وقد خامر الحشا هوى أوشكت منه الحشا تتصدع

أأترك مصرًا أم أقيم بجوها وما جوها إلا جوى يتدفع

تساومني خفض الجناح ظباؤها وما شيمتي إلا العلا والترفع

أصد فتثنيني إلى الحي لفتة ويقتادني داعي الغرام فأتبع

وأغضي فتلويني إلى الغيد نظرة ترد غرامي كلما بان برقع

فينزعن في قلبي سهامًا مريشة وأطرب إما قيل في القوس منزع

تعدت صروف الدهر مصر وأهلها ولا زال في أرجائها البِشر يسطع

نعم أهل مصر أنتمو خير أمة وما الخير إلا منكمو يتفرع

لقد شاع عنكم كل فضل وسودد وسوف نرى للفخر ما هو أشيع

فما سرني منكم تجمل أنفس كما ساءني قصد العدا المتشنع

خذوا حذركم فالكاشحون بمرصد وأنتم كما شاء الكواشح هجّع

أرى اليوم موسومًا بكل شنيعة وأخشى غدًا يأتي بما هو أشنع

ولكنني أرجو انتباهة حازم تصرف عنا هول ما نتوقع

دعوا عنكم مرّ الهوان وعرجوا إلى جنبات العز من حيث تنصع

وعودوا بها شم الأنوف تواركًا أنوف الأعادي دونكم وهي جُدَّعُ

ولا تشبعوهم غير يأس فإنهم إلى أكلكم - أخزاهم الله - جوَّع

وشدوا عُرى أوطانكم بمثقف من الرأي تخشاه الظبى وهي قطع

وكونوا لها أطواد عز منيعة يكن لكمو فيها الفخار الممنع

***

(الخزانة)

مجلة شهرية في السياسة والأدب أصدرها في أول يوليو حضرة الوجيه

الفاضل يوسف أفندي الخازن، استعاض بها عن جريدته (الأخبار) اليومية ، وذكر

في فاتحتها أنه ليس القصد منها بث العلوم وعضد الصناعة وترقية الزراعة،

وإنما غرضها الأساسي تفكهة القراء وتسلية الخواطر بمباحث جديدة ذات طلاوة

وفكاهة تلذ مطالعتها ، ومن ذلك أنه ينشر في كل عدد حكاية (رواية) وجيزة ،

وفي العدد الأول منها مقالة سياسية في الشؤون الحاضرة ، ومقالة أخرى في ترجمة

الوزير الكبير صاحب الدولة رياض باشا مأخوذة عن كُتاب أوربا المشهورين ،

ومقالة في زيارة سمو الخديوي لملكة الإنكليز واستحسان سياسة الوفاق والمسالمة

بين مصر والمحتلين، وتقريظ كتاب المحاماة، وشذرات بعض مشاهير الرجال.

وقيمة الاشتراك في المجلة 100 غرش مصري فنرجو لها الرواج والنجاح.

_________

ص: 352