المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكتب العربية والإصلاح - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: ‌الكتب العربية والإصلاح

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الكتب العربية والإصلاح

لا تسعد الأمة إلا بالأعمال النافعة التي يقوم بها أفرادها ولا يعمل أحد عملاً

إلا إذا كان يعتقد أن فيه منفعة ومصلحة ، فأعمال الناس إذن تابعة لعلومهم ومعارفهم ،

والناس متفاوتون في العلم بالمصالح والمنافع؛ لأن القارئين يكونون أعلم بها من

الأميين ، بل هم الذين يفيضون عليهم المعارف ، ويلقنونهم إياها بطرق مختلفة

أعمها المذاكرة والعمل بها ، وكل ما وراء البديهيات من المعارف يستفيده الناس

من الكتب ، فنتيجة هذه المقدمات كلها أن الأمة لا يصلح حالها إلا إذا كانت الكتب

المتداولة بين أفرادها في التعليم والمطالعة مشتملة على ما فيه صلاحها وطرق

منافعها على الوجه الصحيح من حيث الأخلاق والآداب ، ومن حيث الأعمال.

وهل الكتب التي في أيدي أمتنا لهذا العهد وعليها مدار معارف الأكثرين منهم هي

كذلك؟ كلا ثم كلا ، بل هي بخلاف ذلك: كتب التعليم صعبة لا ترشد إلى العمل،

وكتب المطالعة ملأى بالمجون والخرافات والأوهام التي تفسد العقول والآداب بل

والدين أيضًا.

ألف آباؤنا الأولون كُتبًا نافعة في جميع العلوم والفنون أيام كانت أسواق العلم

في أمتنا نافقة وبضاعة المعارف فيها رائجة ، ثم لما كسدت تلك الأسواق وعمت

الجهالة والبطالة؛ مالت النفوس إلى اللهو الباطل والهذيان وطلب المنافع والمصالح

من غير طرقها الطبيعية لِما لابس النفوس من الكسل، وظهرت فيها كتب الخلاعة

والمجون وكتب الأوهام والخرافات وكتب الروحانيات والطلسمات وراجت بضاعتها

ونفقت أسواقها؛ لأن الناس يميلون في كل عصر إلى ما يناسب حالتهم ، وصارت

الكتب النافعة تخفى عن العيون وتختزل من الأيدي، حتى لم يبق منها بين الأيدي

بل في البلاد العربية التي أُلفتْ فيها إلا أقل القليل ، وهي الآن محشورة في مكاتب

باريس ولندن وبرلين وغيرهم من عواصم أوربا وفي القسطنطينية جملة صالحة

منها لم تقدر أيدي أوربا على انتزاعها كما انتزعت الكتب النافعة من مصر

وسوريا ، ولولا تنظيم الكتبخانة الخديوية أخيرًا على النسق الجديد لما بقي فيها

شيء من مهمات الكتب ، ولا نعرف حال الكتب الإسلامية في الهند وبلاد فارس

على وجه يعتمد. على أنه لا يخلو مصر من الأمصار الإسلامية التي سبقت لها

الحضارة والعلم من بقايا من تلك الكتب غفلت عنها عين الزمان ، ولم تصل

إليها أيدي الحوادث التي أودت بأخواتها ، ونحمد الله أن وفق منا من ألفوا شركة

في مصر لإحياء كل ما يعرفونه من تلك الكتب بالطبع ليعم نفعها ، لكن جميع

هذه الكتب النافعة التي أشرنا إليها إنما ألفت للمشتغلين بالعلم في الأغلب ، فالذين

ينتفعون منها هم العلماء ، وإن من علماء عصرنا من يهاب قراءة كتب الأئمة

المتقدمين لا سيما ما لم يكتب عليه الشروح والحواشي وهو الأكثر، فإحياء هذه

الكتب ونشرها على ما فيه من الفائدة العظيمة لا يغنينا عن نوعين من الكتب نحن في

أشد الحاجة إليهما إذا أردنا العمل للنهوض والخروج من الحضيض الضيق الذي

نحن فيه:

النوع الأول: كتب سهلة مختصرة في اللغة والدين والأخلاق والآداب

والتاريخ وسائر الفنون المتداولة في هذا العصر لأجل تعليم النشء الجديد، يراعي

مؤلفوها فيها أعمار التلامذة وأفكارهم وسائر ما يرشد إليه فن التعليم ، وأساليبه

الحديثة التي ثبتت فوائدها بالتجربة والاختبار ، ولقد بعثت الحاجة أو الضرورة

بعض أساتذة المدارس الأميرية وشبه الأميرية في مصر والمدارس الأجنبية في

سوريا إلى تأليف كتب ورسائل في فنون اللغة العربية ، وبعض العلوم والفنون

الأخرى التي تعلم في هذه المدارس ، ولكن لما يوجد منها ما يفي بالمراد ، بل إن ما

نحن أحوج إليه هو الذي لم يكد يوجد منه عندنا شيء يعتد به ككتب العقائد

والأخلاق والعبادات ومبادئ علم الاجتماع وآداب اللغة العربية ، ألا ترى كيف

تلقفت المدارس كتاب (الدروس الحكمية) عندما ظهر ، وما ذلك إلا لأن مؤلفه ما

كتبه إلا عند ما رأى شدة حاجة المدرسة العثمانية إلى مثله أيام كان ناظرها ، وما

تحتاجه إحدى المدارس تحتاجه سائرها لأن المطلوب واحد للجميع ، وقد طلب مني

بعض أفاضل أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية أن أكتب رسائل في الدين على

الوجه المطلوب لأجل دراستها في مدارس الجمعية ، ومن يشاء من سائر المدارس

الإسلامية ، وسألبي الطلب إن شاء الله تعالى عن قريب.

النوع الثاني: كتب سهلة العبارة صحيحة المعاني لأجل قراءة العوام

ومطالعتهم ، والكتب التي تتوجه إليها رغبات الناس ليست نوعًا واحدًا ، وإنما هي

أنواع شتى منها القصص ، وهذه على ضربين ، الضرب الأول: القصص الدينية

كقصة المولد النبوي الشريف ، وقصص الأنبياء ، وقصة المعراج ، وقصة فتوح

اليمن وقصة تودد الجارية وغير ذلك ، وفي المنتشر بين الأيدي من هذه القصص

من الكذب على الله ورسوله وسائر أنبيائه ودينه العجب العجاب.

الضرب الثاني: القصص الوضعية كقصة عنترة العبسي وألف ليلة وليلة ،

ويسمون ما أُلف في هذا العصر من هذه القصص بالروايات ، ومنها ما له أصل

زيد عليه ، ومنها ما لا أصل له ، وأكثر المتداول منها مشتمل على العشق والغرام

بحيث يُنتقَد ، ويُخشى تأثيره في إفساد الآداب والأخلاق ، والعصري يمتاز على

القديم بالنزاهة والخلو من ألفاظ الفحش والمجون ، ولكنه مع ذلك قليل الجدوى لخلوه

غالبًا من الأفكار الصحيحة والإرشادات القويمة ، ومنها كتب المناقب وحكايات

الصالحين ، وفيها من الخرافات والأكاذيب ما يزلزل ركن التوحيد ويفسد الفكر

والعقل ، ومنها كتب الأوراد والأدعية ، وفيها من الشرور وأسباب الغرور ما نبهنا

عليه في العدد 40 من المجلد الأول ، وناهيك بدعاء عكاشة ، والدعاء الذي طبعه في

العام الماضي عبد اللطيف القباج ، وأمثالهما كثير ، ومنها كتب الروحانيات

والطلاسم والتنجيم والعزائم ، وفي هذه الكتب من المفاسد في الدين والدنيا ما لا سعة

في هذه المقالة لشرحه ، ولكننا نشير إلى أهمه إجمالاً ، فمن ذلك: تعليق الآمال

بحصول المنافع وقضاء الحوائج بغير أسبابها الطبيعية التي علقها الله تعالى بها ، ومنه

طبع النفوس بطابع الخوف والجزع من مس الجن وملابسة الشياطين والعفاريت ،

وهذا الوهم يؤثر في النفوس ، حتى إنه يولد فيها أمراضًا عصبية قد تؤدي بها إلى

الجنون ، ويحملها على بذل المال للعرافين والدجالين الذين يدَّعون إخراج الجن من

المصروعين ونحوهم ، ومنه تعويد العقل على التصديق بما لا دليل عليه ، بل وبما

يقوم البرهان على بطلانه أو استحالته ، وأي جناية على العقل الذي هو مشرق نور

الايمان وقائد الإنسان إلى جميع مصالحه أشد من هذه الجناية؟ ومنه رغبة المعتقدين

بهذه الخرافات عن معالجة الأطباء القانونيين لهم في أمراضهم لا سيما العصبية ،

والتجائهم إلى أصحاب الروحانيات والطلسمات ، وإن تعجب فمن مثارات العجب أن

طلاب العلم في الأزهر الشريف هم أشد الناس تهافتًا على هذا النوع من الكتب ، ومن

كان في ريب من هذا فليسأل الكتبخانة الخديوية؛ فإنها تنبئه بالخبر اليقين ، هذا وهم

يقرءون في كتب الفقه تشديد الفقهاء في ذلك حتى إن منهم من رمى الآخذين بها

بالسحر أو الكفر (انظر فتوى ابن حجر في باب الآثار العلمية) .

والذي أقترحه في الكتب السهلة التي تؤلف للعامة أن تكون نزيهة لا مجون

فيها ، وأن تكون مشتملة على التحذير من الخرافات والأمور المضرة بدلاً من

إقرارها والإغراء بها ، وأن لا يكون فيها كذب على رجال الدين ، لا سيما الشارع

صلى الله عليه وسلم ، وأن تكون خالية مما يخالف عقائد الدين وآدابه وأحكامه ،

هذا ركن عظيم من أركان الإصلاح ، وهو مطلوب من رجال العلوم وحملة الأقلام

لا من رجال السياسة والأحكام ، فعسى أن تتوجه نفوسهم لإقامته خدمة لهذه الأمة

المرحومة والله ولي المحسنين.

_________

ص: 49

الكاتب: محمد رشيد رضا

أمالي دينية

(الدرس التاسع)

(29)

الوحدانية وأقسامها

جعل المتأخرون مبحث الوحدانية ثلاث مسائل، إحداها: وحدانية الذات بمعنى

أن الواجب واحد لا يتعدد ويسمون هذا نفي الكم المنفصل ، وأن ذاته لا تركيب

فيها كما أنها ليست جوهرًا فردًا يدخل في بناء الأجسام ، ويدعون هذا نفي الكم

المنفصل ، والثانية: وحدانية الصفات بمعنى أن صفاته لا تعدد فيها ، فليس له

علمان وإرادتان وقدرتان ، بل علم واحد محيط بكل المعلومات ، وإرادة واحدة نافذة

في جميع الأشياء ، وقدرة واحدة لا يتعاصى عليها شيء من الممكنات ، وهكذا سائر

صفات الكمال ، ويسمون هذا نفي الكم المتصل ، وأنه ليس لغيره تعالى صفة تشبه

صفاته تعالى ، بل ليست الموافقة بين صفات الخلق وصفات الخالق إلا بالتسمية

فقط ، ويسمون هذا نفي الكم المنفصل ، والثالثة: وحدانية الأفعال، ولا يُتصور فيها

إلا الكم المنفصل ، ومعناها أنه لا فعل إلا لله - تعالى - وحده ، هذا ما جرى

عليه المؤلفون في التوحيد من عهد السنوسي إلى الآن ولم يكن المتقدمون يُدخلون

هذه المسائل كلها في مبحث الوحدانية؛ لأن الوحدة بمعنى نفي التركيب ، وكون

صفات الله تعالى لا تشبه صفات أحد من خلقه يدخلان في مبحث التنزيه (راجع عدد

19 و23 من الدرس السادس) وأما تصور تعدد الصفات من جنس واحد ، فقد جاء

من التعمق في فلسفة الأفكار ، فاحتاجوا إلى نفيه ، ولا يوجد أمة من الأمم تعتقد هذا

الاعتقاد ، وليس عليه شُبه ظاهرة يُلتفت إليها ، وأما الاعتقاد بأن الله تعالى خالق

كل شيء ، وإليه يستند وجود كل ممكن ، فهو يدخل في مبحث وجوب الوجود

(راجع الدرس الخامس) نعم إن مسألة أعمال العباد وكسبهم لها تعلق بهذا

المبحث ، وسنفرد لها درسًا مخصوصًا ، فبقي أن الوحدانية إذا أُطلقت تنصرف

إلى مفهوم كلمة (لا إله إلا الله) أي نفي الألوهية عن غير الله - تعالى - والمتبادر

من معنى الألوهية المعبودية ، ومن معنى الإله المعبود ، فالوحدانية إذن هي

وحدانية العبادة التي شرحناها في الدرس الثامن ، ولما كان المعبود بحق هو

خالق الكون ومدبره؛ وجب أن يبرهن في مبحث الوحدانية على كون هذا الخالق

واحدًا لا ند له ولا شريك وهو ما عقدنا له هذا الدرس.

(30)

البرهان:

قام البرهان على وجود الواجب كما بيناه في الدرس الخامس ، وهو يصدق

بواجب واحد ، ولا تقوم حجة على وجود واجب آخر ، بل على عدمه وانتفائه ،

وبيانه من وجوه:

(الأول) : لو جاز التعدد للزم المحال لأنه لا عدد وراء الواحد تقتضيه

ذات الواجب ، فكل عدد يفرض لا بد أن يكون له مرجح يرجحه على سائر الأعداد

المتساوية في نظر العقل بالنسبة لما يجوز عليه التعدد ، فإن وجد المرجح لزم أن

يكون الواجب المسبوق به حادثًا؛ لأنه ليس من ذاته ، والواجب قديم كما سبق

برهانه ، فلا يكون ما فرض واجبًا واجب وهو تناقض محال ، وإن لم يوجد

المرجح؛ لزم ترجيح العدد الذي فرض انتهاء الواجب إليه على غيره بدون مرجح

وهو محال فثبت نقيضه وهو أن الواجب واحد لا يتعدد.

(الثاني) : أن واجب الوجود ما عرف بالحس ، وإنما عرف بالعقل الذي

نظر في هذه الكائنات الممكنة فوجدها بديعة النظام متقنة الصنع سننها مطردة

ونواميسها ثابتة محكمة ، فعلم أنها صادرة عن ذات واحدة واجبة ذات علم وإرادة

وقوة ، ولو كان صدروها عن ذوات واجبة متعددة للزم أن يكون لكل ذات علم

وإرادة وقدرة مغايرات لما للذات الأخرى ، وما كان صادرًا عن قُدر وإرادات وعلوم

متعددة لا يجري على نظام واحد ، بل يختلف باختلاف مصادره ، وهذه الكائنات لا

خلل فيها ولا اختلاف؛ فوجب أن تكون صادرة عن ذات واحدة لا عن ذوات

متعددة {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: 22) .

(الثالث) : يمكن الاستدلال على وحدة الصانع من كل ذرة في الكون كما

يستدل بمجموع الكائنات على ما في الوجه الثاني ، ولهذا قال الشاعر:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

وبيانه بالإيجاز أن كل ذرة من الذرات التي تألفت منها مادة الكون (كالجوهر

الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ) إذا فرضنا تعلق أكثر من إرادة بإيجادها فلا يخلو

إما أن تنفذ واحدة من تلك الإرادات فقط ، وإما أن تنفذ جميعها ، فإن نفذت جميعها

لزم اجتماع أكثر من مؤثر على أثر واحد بسيط وهو محال ، وإن نفذت إرادة واحدة

فقط ووجدت تلك الذرة بقدرة صاحبها وحده كان صاحب الإرادة النافذة والقدرة

المؤثرة هو الواجب الذي يستند اليه الإيجاد ، وماعداه من الواجبين المفروض

وجودهم باطل لا حقيقة له (ألا كل شئ ما خلا الله باطل) هذا إذا فرضنا أن

الواجبين اتفقوا على إيجاد الذرة ، وإذا فرضنا أنهم اختلفوا بأن أراد أحدهم إيجادها

وغيره عدم إيجادها ، فحينئذ إما أن تنفذ الإرادتان معًا؛ فيلزم التناقض المحال وهو

أن الذرة وجدت ولم توجد ، وإما أن تنفذ إرادة واحدة فقط فيكون صاحبها هو

الواجب الذي تصدر عنه الممكنات ، وفرض وجود واجب آخر معه باطل لا حقيقة

له لأننا لا نعرف للواجب معنى إلا الذات التي لها الوجود من نفسها ، وعنها تصدر

سائر الوجودات الممكنة بقدرة وإرادة وعلم.

ويمكن ايراد البرهان بكيفية أخرى ، وهي إذا فرضنا وجود واجبين لكل منهما

علم تام وإرادة نافذة وقدرة كاملة ، وأرادا إيجاد شيء فلا يجوز أن تنفذ الإرادتان

لئلا يكون للشيء الواحد وجودان متغايران لكل واحد منهما مصدر مغاير للمصدر

الآخر ، وهو محال ، ولا يجوز أن تنفذ إحدى الإراتين إذ لا مرجح يرجحها على

الأخرى؛ لأن الفرض أنهما متساويان فيلزم من تعدد الواجب أن لا يوجد ممكن ما ،

لكن وجود الممكنات ثابت بالمشاهدة ، فتعين أن تكون صادرة عن واجب لا إله

غيره ولا رب سواه.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 53