الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
نموذج من كتاب أسرار البلاغة
قلنا: إن هذا الكتاب يعطي صاحبه البلاغة علمًا وعملاً ، وإننا نذكر مثالاً
لتأييد قولنا جزءًا من الفصل الذي وضعه الإمام عبد القاهر في مواقع التمثيل وتأثيره
في النفوس لأن التمثيل أعظم أركان البلاغة، ولا نكاد نجد في كتب البيان التي
نتداولها شيئًا مما كتب هذا الإمام كأن مواقع التمثيل ومواضعه والبحث في تأثيره
في النفوس وهزّه للوجدان ليس من هذا العلم ، وما هو إلا روح العلم الذي لولاه لم
يكن للناس من حاجة به. وقد توسعنا في أمثلة ضروب التمثيل في الهامش زيادة
على ما ذكره المصنف؛ لأن الأمثلة هي أمثل طرق التعليم ، ولا نكاد نجد في
الكتب التي نتدارسها إلا مثل: (ما لي أراك تقدم رجلاً، وتؤخر أخرى) فلنعرض
عما أمات العلم من الكتب ولنرجع إلى كتب الأئمة الذين قرنوا العلم بالعمل وإمامهم
في فنون البلاغة الشيخ عبد القاهر قال رحمه الله تعالى:
فصل
في مواقع التمثيل وتأثيره
واعلم أن مما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو
برزت هي باختصار في معرضه [1] ، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته
كساها أبهة، وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشبَّ من نارها، وضاعف قواها
في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة
وكلفًا، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفًا.
فإن كان مدحًا كان أبهى وأفخم، وأنبل في النفوس وأعظم، وأهزّ للعطف،
وأسرع للإلف، وأجلب للفرح، وأغلب على الممتدح، وأوجب شفاعة للمادح،
وأقضى له بغُرّ المواهب والمنائح، وأَسْيَر على الألسن وأذكر، وأولى بأن تعلقه
القلوب وأجدر [2] .
وإن كان ذمًّا كان مسُّهُ أوجع، وميسه ألذع، ووقعه أشد، وحدُّه أحدّ [3] .
وإن حجاجًا كان برهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبيانه أبهر [4] .
وإن كان افتخارًا كان شأوه أبعد، وشرفه أجد، ولسانه ألدّ [5] .
وإن كان اعتذارًا كان إلى القبول أقرب، وللقلوب أخلب، وللسخائم أسلّ،
ولغرب الغضب أفل، وفي عقد العقود أنفث، وعلى حسن الرجوع أبعث [6] .
وإن كان وعظًا كان أشفى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه
والزجر، وأجدر بأن يجلّي الغيابة، ويبصّر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفي
الغليل [7] .
وهكذا الحكم إذا استقريت فنون القول وضروبه، وتتبعت أبوابه وشعوبه [8] ،
وإن أردت أن تعرف ذلك وإن كان تقل الحاجة فيه إلى التعريف، ويستغنى في
الوقوف عليه عن التوقيف، فانظر إلى نحو قول البحتري:
دانٍ على أيدي العفاة وشاسع
…
عن كل ند في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضوءه
…
للعصبة السارين جدّ قريب [9]
وفكر في حالك وحال المعنى معك وأنت في البيت الأول لم تنته إلى الثاني
ولم تتدبر نصرته إياه، وتمثيله له فيما يملي على الإنسان عيناه، ويؤدي إليه
ناظراه، ثم قسهما على الحال وقد وقفت عليه، وتأملت طرفيه، فإنك تعلم بُعد ما
بين حالتيك، وشدة تفاوتهما في تمكن المعنى لديك، وتحببه إليك، ونبلهُ في
نفسك، وتوفيره لأنسك، وتحكم لى بالصدق فيما قلت، والحق فيما ادعيت [10] .
وكذلك فتعهد الفرق بين أن تقول: فلان يكدّ نفسه في قراءة الكتب ولا يفهم
منها شيئًا وتسكت. وبين أن تتلو الآية [11] وتنشد قول الشاعر:
زوامل للأشعار لا علم عندهم
…
بجيّدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
…
بأوساقه أو راح ما في الغرائر
والفصل بين أن تقول: (أرى قومًا لهم بهاء ومنظر، وليس هناك مخبر،
بل في الأخلاق دقة، وفي الكرم ضعف وقلة) وتقطع الكلام. وبين أن تتبعه نحو
قول الحكيم: (أما البيت فحسن وأما الساكن فرديء) .
وقول ابن لنكك:
في شجر السرو منهم مثل
…
له رواء وما له ثمر
وقول ابن الرومي:
فغدا كالخلاف يورق للعيـ
…
ـن ويأبى الإثمار كل الإباء
وقول الآخر:
فإن طُرَّة راقتك فانظر فربما
…
أمَرَّ مذاق العود والعودُ أخضر
وانظر إلى المعنى في الحالة الثانية كيف يورق شجره ويثمر، ويفتر ثغره
ويبسم، وكيف تشتار الأرْي من مذاقته [12] ، كما ترى الحسن في شارته وأنشد قول
ابن لنكك:
إذا أخو الحسن أضحى فعله سمجًا
…
رأيت صورته من أقبح الصور
وتبين المعنى واعرف مقداره ثم أنشد البيت بعده:
وهَبْك كالشمس في حسن أَلَمْ تَرَنَا
…
نفرُّ منها إذا مالت إلى الضرر
وانظر كيف يزيد شرفه عندك وهكذا فتأمل بيت أبي تمام [13] :
وإذا أراد الله نشر فضيلة
…
طويت أتاح لها لسان حسود
مقطوعًا عن البيت الذي يليه، والتمثيل الذي يؤديه، واستقص في تعرّف
قيمته على وضوح معناه، وحسن مزيته [14] ثم أتبعه إياه:
لولا اشتعال النار فيما جاورت
…
ما كان يعرف طيب عرف العود
وانظر هل نشر المعنى تمام حلته، وأظهر المكنون من حسنه وزينته،
وعطَّرك بعرف عوده، وأراك النضرة في عوده، وطلع عليك من مطلع سعوده،
واستكمل فضله في النفس ونُبله، واستحق التقديم كله، إلا بالبيت الأخير، وما فيه
من التمثيل والتصوير.
وكذلك فرق في بيت المتنبي:
ومن يك ذا فم مُرّ مريض
…
يجد مُرًّا به الماء الزلالا
لو كان سلك بالمعنى الظاهر من العبارة كقولك: إن الجاهل الفاسد الطبع
يتصور المعنى بغير صورته ويخيل إليه في الصواب أنه خطأ. كنت تجد هذه
الروعة؟ وهل كان يبلغ من وقم الجاهل ووقذه [15] وقمعه وردعه والتهجين له
والكشف عن نقصه ما بلغ التمثيل في البيت وينتهي إلى حيث انتهى [16] .
وإن أردت اعتبار ذلك في الفن الذي هو أكرم وأشرف فقابل بين أن تقول:
إن الذي يعظ ولا يتعظ يضر بنفسه من حيث ينفع غيره. وتقتصر عليه ، وبين أن
تذكر المثل فيه على ما جاء في الخبر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل السراج الذي يضيء للناس ويحرق نفسه)
ويروى: (مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها) . وكذا فوازن بين قولك
للرجل وأنت تعظه: (إنك لا تجزى على السيئة حسنة فلا تغر نفسك) وتمسك.
وبين أن تقول في أثره: (إنك لا تجني من الشوك العنب، وإنما تحصد ما تزرع)
وأشباه ذلك. وكذا بين أن تقول: لا تكلم الجاهل بما لا يعرفه ونحوه. وبين أن
تقول: (لا تنثر الدرّ قدَّام الخنازير) . أو (لا تجعل الدر في أفواه الكلاب) وتنشد
نحو قول الشافعي رحمه الله: (أأنثر درًّا بين سارحة الغنم)، وكذا بين أن تقول:
(الدنيا لا تدوم ولا تبقى) . وبين أن تقول: (هي ظل زائل ، وعارية تسترد،
ووديعة تسترجع) وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من في الدنيا ضيف،
وما في يديه عارية، والضيف مرتحل والعارية مؤداة) وتنشد قول لبيد:
وما المال والأهلون إلا ودائع
…
ولا بدّ يوماً أن ترد الودائع
وقول الآخر:
إنما نعمة قوم متعة
…
وحياة المرء ثوب مستعار
_________
(1)
يقول: إن للتمثيل مظهرين ، ويتجلى للأنظار في ثوبين: أحدهما: أن يجيء المعنى ابتداء في صورة التمثيل - وهو النادر القليل ولكنه على قلته في كلام البلغاء كثير في القرآن العزيز فمنه قوله تعالى: [مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً](البقرة: 17) الآية وقوله بعدها: [أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ](البقرة: 19) الآية وقوله عز وجل: [وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَاءً وَنِدَاءً](البقرة: 171) وقوله تبارك وتعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً](العنكبوت: 41) الآية وقوله تبارك اسمه: [أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ](الرعد: 17) الآية وغير ذلك.
(وثانيهما) : ما يتأثر المعاني ويجيء في أعقابها لإيضاحها وتقريرها في النفوس ، وإيداعها التأثير المخصوص وهو الذي جعله المصنف أولاً ومثاله من القرآن قوله تعالى:[ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ](الزمر: 29) فقد أورده بعدما قرر أمر التوحيد من أول السورة وشنع على الذين اتخذوا من دونه أولياء يقربونهم إليه زلفى ، ونصب الدلائل على نفي هذا الشرك وذكر الجزاء ومثاله من الشعر ما يجيء في ضروب الكلام الآتية.
(2)
مثاله من القرآن قوله تعالى في وصف الصحابة: [وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ](الفتح: 29) ومن الشعر قولنا في المقصورة:
وإن قسا وديده لان وإن
…
... يكدر عليه راق وردًا وصفا
لم يخش منه الطيش في شرته
…
والحلم والإغضاء منه يرتجى
تواضع عن شمم ورفعة
…
... ورقة من غير عجز وونى
ألم تر الهواء في رقته
…
... ولطفه لديه شدة القوى
يزاحم النجوم في أفلاكها
…
عُلًى وكم يمسي يصافح الثرى
والمراد بمزاحمة النجوم المبالغة في الارتفاع ومنها قول بعضهم:
فتًى عيش في معروفه بعد موته
…
كما كان بعد السيل مجراه مرتعا.
(3)
مثاله من القرآن قوله تعالى في الذي أوتي الآيات فانسلخ منها: [فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث](الأعراف: 176) وقوله تعالى: [إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَداًّ وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداًّ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ](يس: 8-9) ومن الشعر قوله:
رأيتكم تبدون للحرب عدّة
…
ولا يمنع الأسلاب منكم مقاتل
فأنتم كمثل النخل يشرع شوكه
…
ولا يمنع الخراف ما هو حامل
ومنه المثال:
ولو لبس الحمار ثياب خزٍّ
…
لقال الناس: يا لك من حمار.
(4)
مثاله من القرآن ما تقدم من الآيات في بيان طريقتي التمثيل، ومن الشعر قول أبي العتاهية:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تجري على اليبس
وقول غيره:
ونارٍ لو نفخت بها أضاءت
…
ولكن أنت تنفخ في رماد
ومن الأمثال (إن العوان لا تعلِّم الخمرة) و (كدابغة وقد حلم الأديم)، أي: أفسده الحلم وهو دود صغير.
(5)
ما يجيء في القرآن من بيان عظمة الله تعالى وكماله لا يسمى افتخارًا ، ومثال هذا الضرب من الكلام العزيز وإن اختلفت التسمية قوله:[وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ](الزمر: 67) ومثاله من الشعر قول عبد المطلب:
لا ينزل المجد إلا في منازلنا
…
كالنوم ليس له مأوى سوى المقل.
(6)
الاعتذار لا يوجد في القرآن إلا حكاية عن أصحاب المعاذير الكاذبة ليكون الاعتذار حجة عليهم، فهو اعتذار في الظاهر واحتجاج في المعنى وأثره ما ذكر في الاحتجاج دون ما ذكر هنا كقوله تعالى:[وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ](فصلت: 5) وأما أمثلته في الشعر فكثيرة منها:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طرب
…
فالطير يرقص مذبوحًا من الألم
ومنها في الاعتذار عن صدود الحبيب:
بأبي حبيبًا زارني في غفلة
…
فبدا الوشاة له فولى معرضا
فكأنني وكأنه
…
وكأنهم
…
أمل ونيل حال بينهما القضا
ومن الاعتذار بذكر التمثيل ما وقع لأبي تمام في قصيدة يمدح بها أحمد بن المعتصم قيل: إنه كان ينشده إياها فبلغ قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
…
في حلم أحنف في ذكاء إياس
فلامه بعض الناس قائلاً قد شبهت ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم بأجلاف العرب (أو ما هذا معناه) فأطرق هنيهة ، وقال ولم يكونا من القصيدة:
لا تنكروا ضربي له من دونه
…
مثلاً شرودًا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره
…
مثلاً من المشكاة والنبراس
ومما يصلح للاعتذار من الأمثال قولهم: (كل امرئ في بيته صبي) يعتذر به عن الدعابة والاسترسال في المباسطة في الخلوة وقولهم: (لو ترك القطا ليلاً لنام) .
(7)
مثاله من القرآن الكريم قوله تعالى في وصف نعيم الدنيا: [كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراًّ ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً](الحديد: 20) الكفار: الزراع لأنهم يكفرون الحب أى يسترونه بالتراب وقوله تعالى: [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ](الزمر: 21) الآية وقوله تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً](الأحزاب: 72) وقوله عز وجل: [لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ](الحشر: 21) وقوله سبحانه: [فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ](المدثر: 49-51) وقوله: [مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ](البقرة: 261) وقوله في الآية الأخرى: [كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ](البقرة: 265) وقوله: في تمثيل من يحبط عمله الصالح بالإيذاء أو الرياء: [أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ](البقرة: 266) وفي معناه قوله تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَاّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعِيدُ](إبراهيم: 18)
ومن الأمثال حديث: (إن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى) وحديث: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) ومن الشعر قول ابن النبيه:
الناس للموت كخيل الطراد
…
فالسابق السابق منها الجواد
وقول غيره:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى
…
طبيب يداوي والطبيب مريض.
(8)
يشير المصنف إلى سائر مناحي الكلام كالغزل والرثاء والوصف والشكوى وهي مع الذي ذكر وشائج متشابكة وأمشاج متمازجة وأعمها الوصف فهو الطويل الذيل المتدفق السيل ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: [ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ](فصلت: 11) ومثله قوله تعالى: [وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي](هود: 44) الآية ومن ذلك الرؤى فإنما تمثيل للواقع الذي تعبر به كالرؤى المذكورة في سورة يوسف عليه السلام ومنها قوله تعالى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا](إبراهيم: 24-25) وقوله بعدها:
[وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ](إبراهيم: 26) وهكذا الحق يثبت والباطل يزهق ومثاله من الشعر قول ابن النبيه:
والليل تجرى الدراري في مجرته
…
كالروض تطفو على نهر أزاهره
وقول بعضهم في وصف الكاس يعلوها الحباب والساقي: (أو هذا من تعدد التشبيه) :
وكأنها وكأن حامل
…
كاسها
…
إذ قام يجلوها على الندماء
شمس الضحى رقصت فنقط وجهها
…
بدر الدجى بكواكب الجوزاء
وفي وصف الأمير والجيش:
يهز الجيش حولك جانبيه
…
... كما نفضت جناحيها العقاب
ومن قولنا في المقصورة في وصف الوفاق:
لم نختلف في مبتدا مسألة
…
إلا وكان للوفاق المنتهى
كمن على المحيط من دائرة
…
أنَّى تفارقا فبعدُ ملتقى
ومنها في وصف روضة:
والشمس تبدو من خلال دوحها آونة تَخْفَى وطورًا تجتلى
كغادة وضاحة قد أتلعت من خلل السجوف ترنو والكوى
تلقي على الروض نثير عسجد
…
فتحسب الروض عروسًا تجتلى
ومنها:
والباسقات رفعت أكفها
…
تستنزل الغيث وتطلب الندى
ثبت في العلوم الطبيعية أن الأشجار تكون سببًا لنزول المطر فمثلت هنا بحال المستسقين يجاب دعاؤهم وقول ابن دريد في وصف النوق:
يرسبن في بحر الدجى وفي الضحى
…
يطفون في الآل إذا الآل طفا
ومن أحسن ما يدخل في باب الغراميات قول المجنون:
وقد كنت أعلو حبّ ليلى فلم يزل
…
بي النقض والإبرام حتى علانيا
وقوله:
كأن القلب ليلة قيل يغدى
…
بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرها شرك فباتت
…
تجاذبه وقد علق الجناح
وقول بعضهم:
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت
…
وَقْع السهام ونزعهن أليم
وقول الآخر:
إني وإياك كالصادي رأى نهلاً
…
ودونه هوة يخشى بها التلفا
رأى بعينيه ماء عز مورده وليس يملك دون الماء منصرفا
ومن الأمثال التي تدخل من باب الشكوى: (ليس لها راع ولكن حَلََبَة) حلبة بالتحريك جمع حالب والمثل يضرب للأمة المظلومة و (لو كويت على داء لم أكره) يضرب لمن يعاقب على غير ذنب.
(وسال بهم السيل وجاش بنا البحر) .
(9)
أي بالغ الغاية في القرب.
(10)
مثال المدح ويتلو مثال الذم.
(11)
يريد قوله تعالى: [مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً](الجمعة: 5) .
(12)
الأري: العسل، واشتياره: اجتناؤه.
(13)
شروع في مثال الحجاج.
(14)
وفي نسخة بزّته.
(15)
وقم الرجل قهره وأذله ورده عن حاجته أقبح الرد والوقذ الضرب ويسند للكلام تجوزًا.
(16)
شروع في أمثلة الوعظ ولم يمثل للافتخار والاعتذار.