المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المشروع الحميدي الأعظم - مجلة المنار - جـ ٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (3)

- ‌غرة ذو القعدة - 1317ه

- ‌فاتحة السنة الثالثة

- ‌التعصب

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌دار علوم في مكة المكرمة

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌منثورات

- ‌11 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الجنسية والديانة الإسلامية

- ‌مقاومة رجال الدين لأجل الإصلاح

- ‌كلمة للمؤرخين

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 ذو القعدة - 1317ه

- ‌الكتب العربية والإصلاح

- ‌نجاح التعليم في الأزهر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌غرة ذو الحجة - 1317ه

- ‌إعادة مجد الإسلام

- ‌التعليم في الأزهر الشريف

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌استماحة وتهنئة

- ‌21 ذو الحجة - 1317ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مدرسة زعزوع بك للبنين

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة المحرم - 1318ه

- ‌الوحدة العربية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌تأسيس فرعي سمالوط ومعصرة سمالوطلجمعية شمس الإسلام

- ‌سيرة المرحوم عثمان باشا الغازي

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 محرم - 1318ه

- ‌الدنيا والآخرة(2)

- ‌فرنسا والإسلام

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌21 محرم - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌الدين والدنيا والآخرة(3)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة صفر - 1318ه

- ‌الترك والعرب

- ‌التعليم النافع

- ‌السنوسي وأتباعه

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثانى

- ‌11 صفر - 1318ه

- ‌الحركة الإسلامية الحاضرة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم المفيد

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌الأخبار والآراء

- ‌21 صفر - 1318ه

- ‌أوروبا والإصلاح الإسلامي

- ‌نصيحة أمير أفغانستان إلى ولده وولى عهده

- ‌هانوتو والإسلام

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌غرة ربيع الأول - 1318ه

- ‌القضاء والقدر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ختام درس المنطق للأستاذ الأكبر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قليل من الحقائق عن تركيافي عهد جلالة السلطان عبد الحميد الثاني

- ‌11 ربيع الأول - 1318ه

- ‌الاحتفال الأولبامتحان مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الأول - 1318ه

- ‌المشروع الحميديُّ الأعظم

- ‌مدرسة جمعية شمس الإسلام في الفيوم

- ‌القديم في الحديث والأول في الآخر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌السؤال والجوابعن حل طعام أهل الكتاب

- ‌غرة ربيع الثاني - 1318ه

- ‌هانوتو والإصلاح الإسلامي

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المشروع الحميدي الأعظم

- ‌11 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌محبة الله ورسولهفي إعانة السكة الحديدية الحجازية

- ‌الشعر العربي

- ‌قصيدة الجزائر

- ‌الاحتفال الثاني عشربمدرسة ديروط الخيرية

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 ربيع الثاني - 1318ه

- ‌الشعر العربي

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌غرة جمادىالأولى - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ملاحظة على مقالة الشعر العربي

- ‌أُفْكُوهَة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌11 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌ميزان الإيمان وسلم الأمم

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌21 جمادى الأولى - 1318ه

- ‌الدعوة حياة الأديان

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌مكتوب من بعض بلغاء مصرلسماحة أبي الهدى

- ‌ البدع والخرافات

- ‌1 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الدعوة وطريقها وآدابها

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة والمنكرة(1)

- ‌التبرك وشفاء الأمراض

- ‌الموالد والمواسم

- ‌التهتك في مصر وتلافيه

- ‌11 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌الرجال أم المال

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌قسم الأحاديث الموضوعة(2)

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌21 جمادى الآخرة - 1318ه

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌أسباب وضع الحديث واختلافه(1)

- ‌البدع والخرافات

- ‌غرة رجب - 1318ه

- ‌العلم والجهل

- ‌الشوقيات

- ‌البدع والخرافات

- ‌11 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبدادية

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البدع والخرافات

- ‌21 رجب - 1318ه

- ‌الحكومة الاستبداديةتتمة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌فخر نساء العرب

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌البدع والخرافات

- ‌مقاومة التهتك والدجل والبدع

- ‌غرة شعبان - 1318ه

- ‌الإسلام وأهله

- ‌نموذج من كتاب أسرار البلاغة

- ‌الشعر العصري

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌ الأحاديث الموضوعة

- ‌مسيح الهند

- ‌الإفراط والتفريط

- ‌16 شعبان - 1318ه

- ‌الطاعون والفأر

- ‌الهدايا والتقاريظ

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌التعليم في مدارس الحكومة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌ الموالد والمواسم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌رد مسيح الهند على الطاعنين

- ‌غرة رمضان - 1318ه

- ‌مسألة زيد وزينب

- ‌حكمة الصيام

- ‌القسم الأدبي

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 رمضان - 1318ه

- ‌عقوبة الإعدام

- ‌محاورة الماء والنار في توليد البخار

- ‌إلى الله المشتكى

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌عيد جلوس الخديوي المعظم

- ‌الأحاديث الموضوعة

- ‌غرة شوال - 1318ه

- ‌كتب المغازي وأحاديث القصاصين [

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌وعظ رمضان والمسجد الحسيني

- ‌16 شوال - 1318ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المرأة الجديدة

- ‌الأخبار التاريخية

- ‌خاتمة سنة المنار الثالثة

الفصل: ‌المشروع الحميدي الأعظم

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌المشروع الحميديُّ الأعظم

سكة حديد الحجاز

سرور المسلمين بالمشروع. غلط الواهم بمضرته ، غير المسلمين ممنوعون من

الحجاز رسميًّا ، استعداد الإفرنج لدخول الحجاز بالتظاهر بالإسلام ، الخطر على

الحجاز من البحر دون البر ، إمكان إماتة أوربا أهله بالجوع إذا لم توجد هذه

السكة ، مقاصد الأعداء في الكعبة والقبر الشريف. ردة الجهلاء إذا وقع بهما

سوء. وجوب مساعدة المشروع دينًا.

لقد رقصت قلوب المسلمين جذلاً وسرورًا لمشروع السكة الحديدية الحجازية ،

وهتفت ألسنتهم بالثناء والدعاء لمولانا السلطان الأعظم لتوجيه عنايته الشريفة إلى

هذا العمل المبرور الذي يرضي الله تعالى ويرضي الرسول صلى الله عليه وسلم

في ملحودة قبرة الشريف.

ولا التفات لذي نظرة حمقاء يتوهم أن في المشروع مضرة لأنه يسهل على

الأوروبيين دخول البلاد المقدسة متَّجرين، وهي الوسيلة الوحيدة لنفوذ سلطتهم فيها ،

وربما يجيء بعد ذلك يوم من الأيام يزحفون عليها بقوة عسكرية لحماية رعاياهم من

ضرر يتوقع نزوله بهم كما هو المعهود منهم في كل بلاد شرقية يعتدون عليها.

وكأن صاحب هذا الوهم يعتقد أن المانع الآن للأوروبيين من دخول البلاد الحجازية

هو حزونة الطريق وبُعد الشُّقة ، والصواب أن المعاهدات التجارية بين الدولة العلية

وسائر الدول الغير المسلمة تُستثنى منها تلك البلاد الشريفة، فهم ممنوعون من دخولها

منعًا رسميًا متفقًا عليه لأنها معتبرة معبدًا من المعابد الإسلامية كالجوامع ، ومن

دخلها مستخفيًا وسُفك دمه فالدولة العلية لا تسأل عنه مطلقًا. وهذا المنع الرسمي

هو الذي جعل المولعين بحب الاكتشاف من الأوربيين إذا أرادوا التسلل للوقوف

على شئون البلدين المكرمين وما يكتنفهما من البلاد العربية يستعدون لذلك زمنًا

طويلاً يتعلمون فيه لغة شرقية كالعربية أو التركية أو الفارسية أو الأوردية ،

ويتعلمون العبادات الإسلامية كالطهارة والصلاة ومناسك الحج ، ثم ينسلون مع

الحجاج ، ويؤدون معهم المناسك ويستخفون أشد الاستخفاء في أخذ رسوم البلاد

بالفوتغرافيا حتى إن أحدهم جعل الآلة الفوتغرافية في نوط الساعة. ولم ينس قراء

المنار ما قصصناه عليهم في المجلد الأول من خبر ذلك الأوروبي الذي أراد اكتشاف

البلاد الحجازية وغيرها من شبه جزيرة العرب فاستعد لذلك بإظهار الإسلام وتعلم

العربية وأخذ شهادة من أشراف حلب بأنه قرشي هاشمي النسب ، وصدق على نسبه

هذا في الأستانة العلية وأخذ عليه فرمانًا شاهانيًّا ، ثم كان من أمر دخوله ما كان

وكتب عن تلك البلاد ما كتب. فلو أن دخول البلاد الحجازية مباح للأوروبيين لما

احتاج مثل ذلك الرجل وغيره إلى كل ذلك العناء في التوسل إليه.

وأكثر الناس يعرفون أن الوصول إلى مكة المكرمة من جدة والمسافة بينهما

تعد بالساعات أيسر من الوصول إليها في السكة الحديدية التي تمتد إليها من الشام

حيث المسافة تعد بالأيام. هذا وإن التجار الأوربيين لا نجاح لهم في مثل دمشق

وطرابلس ونحوها من البلاد التي يغلب عليها العنصر الإسلامي، فكيف تروج

تجارتهم في مكة والمدينة والقياس على البلاد المصرية قياس مع الفارق ، فإنه

لا يوجد في الدنيا كلها بلاد تعظم الإفرنج وتحترمهم كهذه البلاد ، والسبب في ذلك

أمراؤهم كإسماعيل باشا وغيره.

لا ريب في أن الرغبة من الإفرنج في دخول تلك البلاد محصورة في أهل

العلم والسياسة ، وأما الحصول على هذه الرغيبة جهرًا فهو غير مطموع فيه ما دام

للدولة العلية صفة رسمية في أوربا ، وما دام الأوربيون يرون أن تهييج الرأي العام

الإسلامي مضر بهم وعاقبته وخيمة عليهم. ولكن لا نأمن أن يجيء يوم من الأيام

يفور فيه التنُّور ويؤمَن المحذور وتتصدى الدول الأوروبية كلها أو بعضها لتدمير

الكعبة المشرفة ونقل قبر المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام إلى متحف اللوفر

عملاً بنصيحة كيمون ومن على شاكلته ، ولا يمكن أن يكون زحفهم عن طريق

الشام لتكون هذه السكة الحديدية عونًا لهم لأن هذا يحتاج أولاً إلى تدمير البلاد

الشامية نفسها وإفناء أهلها ، وعندما تشتعل النار في الشام يمكن للعربان الضاربين

بين القطرين أن يقتلعوا القضبان الحديدية ، ويمحوا أثر هذه السكة الحديدية إما بعد

بعث البعوث عليها لنجدة أهل الشام ، وإما قبل ذلك ، فكيف يختار الأعداء هذا

الطريق المحفوف بالأخطار على طريق جدة القريب؟ . وإذا هم زحفوا من جدة

فسكة الحديد هي الوسيلة الوحيدة لحماية البلاد المقدسة منهم لأن الدولة العلية لا

يتسنى لها في عشرات السنين أن تنشئ لها أسطولاً كأسطول فرنسا أو إنكلترا فما

بالك إذا اتفق الدول يومئذ اتفاقهن الآن على الإيقاع بالصين.

هذا ضرب من الاستعداد للمستقبل ، ونرجو الله أن يقينا شواظ ناره ويحفظنا

من أخطاره. وثم خطر أقرب من هذا حصولاً وهو إمكان إماتة أهل البلاد

الحجازية بالجوع. من المعلوم أن تلك البلاد ليس فيها من القوت ما يقع أدنى موقع

من كفاية أهلها فمعظم أهلها من بدو وحضر يقتاتون مما يرد إليهم من الخارج ،

وأكثره الأرز الهندي الذي تفرغه البواخر الإنكليزية في مواني البحر الأحمر كجدة

وقنفذة، فإذا تسنى لإنكلترا أن تستبد بالبحر الأحمر وهي الآن صاحبة النفوذ الأكبر

فيه باحتلالها لمصر وامتلاكها لعدن فإن حياة البلاد الحجازية تكون حينئذ في قبضتها ،

وإذا كانت أوربا تحول دون هذه الأمنية الإنكليزية فهل من البعيد أن تتفق دولها

البحرية مع الإنكليز على منع البواخر العثمانية من العبور في قنال السويس. وإذا

كان هذا والعياذ بالله تعالى فهل يكون إلا لمنع الحج ومنع دخول القوت إلى بلاد

الحجاز؟ كلا إنه ليس لنا ما نتلافى به هذه الأخطار المتوقعة إلا هذه السكة الحديدية

التي تصل البلاد الحجازية ببلاد الشام الخصبة القوية ، ولذلك توجهت إليها عناية

مولانا أمير المؤمنين أيده الله تعالى فيتحتم على كل مسلم أن يمد إليه ساعد المساعدة

لسرعة إنجازها {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلَاّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا} (الطلاق: 7) .

يا أيها الذين آمنوا إن كعبتكم التي ينهدم بانهدامها - والمستغاث بالله - ركن

من أعظم أركان دينكم تستغيث بكم فأغيثوها ، وإن قبر نبيكم عليه الصلاة والسلام

يستنجد بكم لحمايته وحفظه فانجدوه ولا تقولوا: إن الله تولى حفظهما، فإن الله يحفظ

ما يريد حفظه بالناس ، ولكل شيء سبب ، وقد شُجَّ رأس النبي صلى الله عليه

وسلم وهو حيٌّ وكسرت رباعيته وهدمت الكعبة من بعده {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ

بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرا

وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40) .

يا أيها الذين آمنوا إن صدى صوت كيمون الحاضّ على هدم الكعبة ونقل قبر

النبي صلى الله عليه وسلم إلى باريس لا يزال يرنٌ في مسامعكم ولا تزال آلامه

تدمي قلوبكم وتنفعل لها أرواحكم فليزعجكم هذا إلى مساعدة هذا المشروع العظيم إذا

كنتم نسيتم ما تمثل به المقطم الأغر إنذارًا لكم في مقالة له أيام الفتنة الأرمنية وهو:

ها مصر قد أودت وأودى أهلها

إلا قليلاً والحجاز على شفا

لقد أنذركم الله بطشته فلا تتماروا بالنذر {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن

يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ

الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المنافقون: 10-11) .

يا أيها الذين آمنوا اسمعوا ما قال شيخ الإسلام في المجلس العالي الذي عقد

للمذاكرة في المشروع في دار السعادة، قال: (إن الدولة العلية إذا لم تتم هذا العمل

تسقط قيمتها من نظر العالم الإسلامي) ولقد قال حقًّا وكان لقوله أحسن الأثر عند

مولانا السلطان الأعظم رئيس اللجنة وسائر أعضائها.

ونحن نزيد على سماحته فنقول: إذا لم يتم هذا المشروع فإن العالم الإسلامي

كله يسقط من نظر العالم الإنساني بل ومن نظر نفسه أيضًا وييأس المسلمون من

كل عمل نافع للملة والأمة. بل يخشى أن يرتد الملايين من المسلمين إذا أصيبت

الكعبة أو القبر الشريف بسوء، وما أجدرهم باليأس إذا كان خليفتهم ورئيسهم الدنيوي

يحاول القيام بعمل يعد صغيرًا بالنسبة لأمثاله من الخطوط الحديدية ثم تعجز الدولة

والأمة الإسلامية كلها عن إتمامه! ! ! وكيف لا يرتدُّون وهم لجهلهم يعتقدون أن

تلك المواضع محفوظة بالخوارق؟ وأعوذ بالله أن يرضى مسلم يؤمن بالله واليوم

والآخر بهذه الإهانة الكبرى لأمته ، وأن يقصر في عمل عاقبته اليأس والقنوط

{وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّالُّونَ} (الحجر: 56) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ

بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ

تَعْلَمُونَ} (الحجر: 56) ومن آمن بالله لا يقصر في حفظ بيت الله وتسهيل

السبيل لحجاجه. ومن يؤمن برسوله يتمنى تسهيل زيارته على نفسه وعلى إخوانه

المؤمنين. ومن أفضل المجاهدة بالمال بذله في هذا العمل المبرور فمن فاته الجهاد

بالنفس لا يفوته الجهاد بالمال {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ: 39) .

يا أيها الذين آمنوا تفكروا في ماضيكم وحاضركم واسمعوا ما تقول الأمم فيكم

اليوم، يزعمون أن المسلم يستحيل أن يقوم بمشروع نافع وأن يأتي بعمل عام مفيد ،

وأن السعادة مختصة بهم ومحصورة فيهم فكذبوهم بأعمالكم. وهذا المشروع فرصة

سانحة لتكذيبهم فاغتنموها {لِئَلَاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَلَاّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِن فَضْلِ

اللَّهِ وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} (الحديد: 29) .

_________

ص: 313

الكاتب: محمد رشيد رضا

مدنية العرب

النبذة الثانية

الجهاد في الإسلام كان للضرورة. الميل للعلوم والفنون استفاده العرب من

القرآن. زيغ العقيدة ليس من لوازم العلوم الطبيعية. فساد الأخلاق والأعمال ليس

من لوازم الفقه. الخلاصة أن مدنية العرب من دينهم.

كان أول أثر للإسلام في العرب جمع كلمتهم وتكوين وحدتهم وتأليف قلوبهم ،

وهذه هي الغاية القصوى من المدنية التي من شأنها ألا تحصل إلا بعد ما تقضي

الأمة زمنًا طويلاً في مزاولة تعميم التربية والتعليم ، ومن هنا نقول: إن الوحدة

العربية لأول عهدها كانت بإمداد سماويّ وعناية إلهية لا بسياسة القيّم الكسبية

وبراعة الداعي الطبيعية ، ولذلك قال تعالى مخاطبًا النبي عليه الصلاة والسلام:

{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (الأنفال: 63) ولقد حسدتهم الأمم على هذه النعمة ، وناوأتهم الشعوب للاختلاف في

الدين فاضطروا إلى المدافعة ، ثم أُمروا بالدعوة بالتي هي أحسن فقابلهم المدعوون

بالتي هي أسوأ لما كانت عليه جميع الأمم لذلك العهد من الفساد والإفساد والبغي في

الأرض بغير الحق فاضطروا لمكافحتهم وكتب الله لهم النصر {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن

يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40) ثم كان لهم ولوع بالفتوح وهي سنة

الكون: العالِم يستولي على الجاهل ، والضعيف ذو الإصلاح يغلب القوي ذا

الإفساد. فلما تمكنوا في الأرض وأمنوا المناصبة والمواثبة؛ ظهر فيهم الميل إلى

ما يرشد إليه القرآن من النظر في ملكوت السموات والأرض ورغبوا في الكمال في

هذا النظر؛ فاهتدوا بذلك إلى الاستعانة بعلم من كان قبلهم فترجموا الكتب اليونانية

وغيرها وصححوا غلطها وزادوا عليها ما شاء الله أن يزيدوا كما سيأتي تفصيله.

يظن بعض الجاهلين أن الميل في العرب إلى العلوم الرياضية والطبيعية كان

من طبيعة الملك والعمران لا من إرشاد السنة والقرآن ، ويتهم بعضهم المسلمين

بأنهم هم الذين أحرقوا مكتبة الإسكندرية اكتفاءً بالدين عن كل ما عداه. وقد جاءوا

بقولهم هذا ظلمًا وزورًا. فإن ما ورد في القرآن من الحث على النظر في ملكوت

السموات والأرض والانتفاع بكل ما يمكن الانتفاع به من هذه الخليقة هو أكثر مما

ورد في أحكام الصلاة والصيام أو أي عبادة أخرى. ومن هؤلاء الجاهلين من يزعم

أن العلم الذي كثر الترغيب فيه في هذا الكتاب العزيز إنما هو علم الأحكام الفقهية ،

ولكن حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى قال: إن أفضل العلوم العلم بالله تعالى

وبسننه في خلقه ، وإنما كمال العلم بالله تعالى تابع لكمال العلم بأسرار صنعه وإبداع

خلقته وتدخل في هذا جميع العلوم الطبيعية ، واتلُ عليهم إن شئت قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ

جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ

مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر:

27-

28) فذِكر العلماء بهذه المنقبة الجليلة بعد الاستلفات إلى إنزال المطر وإخراج

الثمرات به وإلى اختلاف ألوان الجماد والحيوان والإنسان - يدل على أن

المراد بالعلم الذي يورث الخشية هو العلم بهذه المخلوقات من جماد

ونبات وحيوان التي لها في هذا العصر أسماء كثيرة منها: التاريخ الطبيعي

والجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية والنبات وغير ذلك.

فإن قيل: إننا نرى المشتغلين بهذه العلوم لهذا العهد لا توجد عندهم خشية الله

تعالى، بل يقال: إن منهم من ينكر وجوده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون

علوًّا كبيرا. فالجواب أن المشتغلين بالعلم الذين يسمونه فقهًا ربما كانوا أبعد من

هؤلاء عن الخشية، فإن هؤلاء المتفقهة اتخذوا الدين حيلة للكسب وأحبولة لصيد

الحطام يحتالون على الله ، ويعلمون الناس الحيل لأكل الحقوق ، وقد فشا فيهم

الكذب والخيانة والطمع وغيرها من الصفات الخسيسة التي يتنزه عنها في الغالب

العالمون بعلوم الخليقة ، ولا يصح أن نضيف هذا الفساد لعلم الفقه كما لا يصح أن

نضيف ما عليه بعض علماء الكون من زيغ العقيدة إلى أنه من لوازم العلوم الكونية

لأنه لا دليل على وجود البارئ وكماله إلا هذه الأكوان البديعة التي خلقها في أحسن

نظام ، ولكن الفساد في الأخلاق والأعمال والزيغ في العقائد يرجعان إلى فساد

التربية التي يؤخذ بها الإنسان من نشأته الأولى. وقد صرّح الفيلسوف سبنسر بأن

العالم بأسرار الخليقة يجب أن يكون أعلم الناس بالله تعالى وأشدهم تعظيمًا له، قال:

وهذا هو الدين الصحيح المرضي عنده تعالى ، وهذا القول صحيح لكن الذي قاله

هو أساس الدين لا كل الدين.

وإن تعجب فعجب قولهم: إن من يتعلم العلوم الطبيعية يفسد اعتقاده، قياسًا

على بعض فاسدي العقيدة من علمائها ، وهو قياس مع الفارق ولا يخاف على دينه

إلا من لم يكن في عقائده على يقين فإن الموقن لا يخطر على باله أن يزول اعتقاده

لأنه جازم بأنه الحق المطابق للواقع ، والواقع لا يزول. والإيمان بغير يقين لا

يقبل من أحد فقد قال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئا} (يونس: 36)

وقال تعالى حاكيًا عن الذين لا إيمان لهم: {إِن نَّظُنُّ إِلَاّ ظَنا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (الجاثية: 32) إن أكثر مسائل العلوم الطبيعية العصرية مبنية على المشاهدة

والاختبار فهي ثابتة يقينًا ، واليقين لا يناقض بعضه بعضًا فيخاف على العقيدة من

شبه فيها وأما المسائل النظرية التي تخالف بعض قضايا الدين فهي غير مقطوع بها

عند أهل العصر ويسهل علينا أن لا نُعلِّم الأحداث هذه المسائل إلا بعد معرفة

البراهين الصحيحة على عقائدهم فتكون العقيدة أقوى منها. ولو كانت هذه العلوم

في عصر العلماء المتقدمين الذين ذموا الفلسفة كما هي في هذا العصر ولها من

الفوائد مثلما لها الآن؛ لكان كلامهم فيها غير الذي كان. ولقد خضنا في هذا

الموضوع مرارًا فلا حاجة للإطالة فيه بعد ذلك.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 319