الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم
ومن الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم.
قال أسد بن وداعة: كان شداد بن أوس، إذا أوى إِلَى فراشه، كأنه حبة عَلَى مقلى، فيقول: اللهم إن ذكر جهنم لا يدعني أنام، فيقوم إِلَى مصلاه.
وقال أبو سليمان الداراني: كان طاووس يفترش فراشه، ثم يضطجع عليه، فيتقلى عليه كما تتقلى الحبة عَلَى المقلى، ثم يثب، فيدرجه، ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين.
وقال مالك بن دينار: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبت، مالك لا تنام والناس ينامون؟ فَقَالَ: إن النار لا تدع أباك ينام.
وكان صفوان بن محرز إذا جنه الليل يخور كما يخور الثور، ويقول: منع خوف النار مني الرقاد.
وكان عامر بن عبد الله يقول: ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، فكان إذا جاء الليل قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يصبح، وإذا جاء النهار قال: أذهب حر النار النوم، فما ينام حتى يمسي.
ورُوي عنه أنَّه قِيلَ لَهُ: مالك لا تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أنام.
وقال الحر بن حصين الفزاري: رأيت شيخًا من بني فزارة أمر له خالد بن عبد الله بمائة ألف، فأبى أن يقبلها، وقال: أذهب ذكر جهنم حلاوة الدُّنْيَا من قلبي، قال: وكان يقوم إذا نام الناس، فيصيح النار النار النار.
وكان رجل من الموالي، يقال له صهيب، وكان يسهر الليل ويبكي، فعوتب
عَلَى ذلك، وقالت له مولاته: أفسدت عَلَى نفسك، فَقَالَ: إن صهيبًا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طال خوفه.
وعن ابن مهدي قَالَ: ما كان سفيان الثوري ينام إلَاّ أول الليل، ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ، ويقول عَلَى إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلَاّ فكاك رقبتي من النار.
وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
إذا ما الليل أظلم كَابَدُوهُ
…
فيُسفرُ عنهم وهم ركوعُ
أطارَ الخوف نومهُمُ فقاموا
…
وأهل الأمن في الدُّنْيَا هُجُوعُ (1)
وقال ابن المبارك أيضاً:
وَمَا فَرْشُهُمْ إِلَّا أَيَامِنُ أُزْرِهِمْ
…
وَمَا وُسْدُهُمْ إِلَّا مَلَاءٌ وَأَذْرُعُ
وَمَا لَيْلُهُمْ فيهن إِلَّا تخوف
…
وَمَا نَوْمُهُمْ إِلَّا عُشَاشٌ مُرَوِّعُ
وَأَلْوَانُهُمْ صُفْرٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ
…
عَلَيْهَا جِسَاد عُلْيَ بِالْوَرْسِ (2) مُشْبَعُ
نَوَاحِلُ قَدْ أَزْرَى بِهَا الْجُهْدُ (3) وَالسُّرَى (4)
…
إِلَى اللَّهِ فِي الظَّلْمَاءِ وَالنَّاسُ هُجَّعُ
وَيَبكُونُ أحيانًا كأن عَجِيجَهُمْ (5)
…
إذا نَوَّمَ الناس الحَنِينُ المُرَجَّعُ
وَمَجْلِسُ ذِكْرٍ فِيهِمْ قَدْ شَهِدْتُهُ
…
وَأَعْيُنُهُمْ مِنْ رهبة اللَّهِ تَدْمَعُ
وكان عباد بن زياد التيمي له إخوة متعبدون، فجاء الطاعون فاخترمهم، فَقَالَ
(1) أي: نيام ليلاً.
(2)
الورس: نبت أصفر يصبغ به.
(3)
الجُهُدُ: بضم الجيم، الشيء القليل يعيش به المقل عَلَى جهد العيش، وهو بالفتح المشقة، وقيل: المبالغة والغاية.
(4)
السُّرَى: السير بالليل، يقال: سرى يَسْري سُرّي، وأسرى يُسري إسراء، لغتان (النهاية: مادة "سرى").
(5)
العج: رفع الصوت بالتلبية.
يرثاهم:
فتية يُعْرَفُ التَّخَشُّعُ فيهم
…
كلهم أحكمَ القرآن غُلامًا
بأنين قد بَرَى جِلدهُ التهجد
…
حتى عاد جلده مصفرًا وعظاما
تتجافى عن الفراش من الخوف
…
إذا الجاهلون باتوا نياما
بأنين (1) وعَبْرَةٍ (2) ونَحِيبٍ (3)
…
وَيَظَلُّون بالنهار صياما
يقرءون القرآن لا ريب فيه
…
ويبيتون سجدًا وقياما
…
(1) بأنين: بتأوه.
(2)
عَبْرَة: دمعة.
(3)
نحيب: أشد البكاء.