الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل أحوال بعض الخائفين
خرج مسلم في "صحيحه"(1) من حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ: "والذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قَالَ: رأيت الجنة والنار".
وفي "الصحيحين"(2) عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: "لما كسفت الشمس رأيت النار، فلم أر منظرًا كاليوم أفظع".
وروى الأعمش عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا:"لو أبرزت النار للناس ما رآها أحد إلَاّ مات" ورُوي موقوفًا.
وخرج أبو يعلى الموصلي في "مسنده"(3) وغيره من حديث ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه خطب فَقَالَ: "لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار، ثم بكى حتى جرى وبل دموعه جانبي لحيته ثم قَالَ: والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة، لمشيتم إِلَى الصعيد، ولحثيتم عَلَى رءوسكم التراب".
وروى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده، عن مسعر، عن عبد الأعلى: ما جلس قوم مجلسًا، فلم يذكروا الجنة والنار، إلَاّ قالت الملائكة: أغفلوا العظيمتين؟!.
وعن عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: قطع قلوب الخائفين، طول الخلدين في الجنة أو النار.
وعن ابن السماك، قَالَ: قطع قلوب العارفين بالله، ذكر الخلدين الجنة
(1) برقم (426).
(2)
أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (907).
(3)
كما في المطالب العالية (3335)، وإتحاف الخيرة (7098 - دار الوطن).
والنار.
وعن بكر المزني، وإن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه خطب الناس بالبصرة، فذكر في خطبته النار، فبكى حتى سقطت دموعه عَلَى المنبر، قَالَ: وبكى الناس يومئذ بكاء شديدًا.
وعن إبراهيم بن محمد البصري قَالَ: نظر عمر بن عبد العزيز إِلَى رجل عنده متغير اللون، فَقَالَ له: ما الَّذِي أرى بك؟ قَالَ: أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين إن شاء الله، فأعاد عليه عمر، فأعاد الرجل مثل ذلك ثلاثًا، ثم قَالَ: إذا أبيت إلَاّ أن أخبرك، فإني ذقت حلاوة الدُّنْيَا، فصغر في عيني زهرتها وملاعبها، واستوى عندي حجارتها وذهبها، ورأيت كان الناس يساقون إِلَى الجنة وأنا أساق إِلَى النار، فأسهرت لذلك ليلي، وأظمأت نهاري، وكل ذلك صغير حقير في جنب ثواب الله عز وجل وجنب عقابه.
وهذا الكلام يشبه حديث حارثة المشهور، وهو حديث رُوي من وجوه مرسلاً، ورُوي مسندًا متصلاً من رواية يوسف بن عطية الصفار، وفيه ضعف، عن ثابت عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لشاب من الأنصار:"كيف أصبحت يا حارثة؟ قَالَ: أصبحت مؤمنًا بالله حقًّا، قَالَ: انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة قَالَ: يا رسول الله عزفت نفسي عن الدُّنْيَا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني بعرش ربى بارزًا، وكأني أنظر إِلَى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتعاوون فيها، قَالَ: أبصرت فالزم، عبد نور الله الإيمان في قلبه"(1) والمرسل
(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 455)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(362)، والبيهقي في "الشعب" (10590) قَالَ العقيلي: ليس لهذا الحديث إسناد يثبت.
وذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة الحارث بن مالك الأنصاري طرق الحديث ثم قَالَ: ورواه البيهقي في "الشعب" من طريق يوسف بن عطية الصفار -وهو ضعيف جداً عن أنس
…
فذكره، ثم قَالَ الحافظ: قَالَ البيهقي: هذا منكر، وقد خبط فيه يوسف فَقَالَ مرة: الحارث، وقال مرة: حارثة .... ثم قَالَ الحافظ: قَالَ ابن صاعد بعد أن أخرجه عن الحسين بن الحسن المروزي عن ابن المبارك: لا أعلم صالح بن=
أصح.
وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا علي بن أبي الحر، قَالَ: أوحى الله إِلَى يحيى بن زكريا عليه السلام: يا يحيى، وعزتي، لو اطلعت إِلَى الفردوس اطلاعة، لذاب جسمك، ولزهقت نفسك اشتياقًا، ولو اطلعت إِلَى النار اطلاعة لبكيت بالصديد بعد الدموع، وللبست الحديد بعد المسوح.
وذكر ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده عن سفيان، قَالَ: كان عمر بن عبد العزيز ساكتًا وأصحابه يتحدثون، فقالوا: مالك لا تتكلم يا أمير المؤمنين، قَالَ: كنت مفكرًا في أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها، ثم بكى.
وعن مغيث الأسود أنّه كان يقول: زوروا القبور كل يوم بفكركم، وتوهموا جوامع الخير كل يوم بعقولكم، وشاهدوا الموقف كل يوم بقلوبكم، وانظروا إِلَى المنصرف بالفريقين إِلَى الجنة أو النار بهممكم، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها.
وعن صالح المري أنّه قَالَ: للبكاء (*) دواعي: الفكرة في الذنوب، فإن أجابت عَلَى ذلك القلوب وإلا نقلتها إِلَى الموقف وتلك الشدائد والأهوال، فإن أجابت إِلَى ذلك وإلا فأعرض عليها التقلب بين أطباق النيران، قَالَ: ثم صاح، وغشي عليه، وتصايح الناس من جوانب المسجد.
وعن أبي سليمان الداراني، قَالَ: خرج مالك بن دينار إِلَى قاعة الدار وترك أصحابه في البيت، فأقام إِلَى الفجر قائمًا في وسط الدار، فَقَالَ لهم: إني كنت في وسط الدار خطر ببالي أهل النار، فلم يزالوا يعرضون علي بسلاسلهم وأغلالهم حتى الصباح.
وكان سعيد الجرمي يقول في وصف الخائفين: إذا مروا بآية من ذكر النار، صرخوا منها فرقًا، كأن زفير النار في آذانهم، وكأن الآخرة، نصب أعينهم.
= مسمار أسند إلا حديثًا واحدًا، وهذا الحديث لا يثبتُ موصولا.
(*) من المطبوع، وفي الأصل:"البكاء".
وقال الحسن: إن لله عبادًا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين.
وقال أيضاً: والله ما صدق عبد بالنار قط إلَاّ ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره، لم يصدق بها حتى يهجم عليها.
وقال وهب بن منبه: كان عابد في بني إسرائيل قام في الشمس يصلّي حتى اسود وتغير لونه، فمر به إنسان، فَقَالَ: كأن هذا حرق بالنار، قَالَ: إن هذا من ذكرها، فكيف بمعاينتها؟ ".
وقال ابن عيينة قَالَ إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة، آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها.
فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟
قالت: أريد أن أرد إِلَى الدُّنْيَا، فأعمل صالحًا.
فقلت: فأنت في الأمنية فاعملي.
***