الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع في أن البكاء من خشية النار ينجي منها وأن التعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها
قد تكاثرت الأحاديث في أن البكاء من خشية الله مقتضٍ للنجاة من النار، والبكاء من نار جهنم هو البكاء من خشية الله، لأنّه بكاء من خشية عقاب الله وسخطه والبعد عنه وعن رحمته وجواره ودار كرامته.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع" أخرجه النسائي (1) والترمذي (2) وقال: صحيح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت في جوف الليل من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله عز وجل" خرّجه الترمذي (3) وقال: حسن.
وعن أبي ريحانة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "حرمت النار عَلَى عين دمعت أو
(1) في المجتبى (6/ 12).
(2)
برقم (2311) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
برقم (1639) وقال: وحديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق. وقال الترمذي في العلل الكبير (495): سألت محمدًا عن هذا الحديث فَقَالَ: شعيب بن رزيق مقارب الحديث، ولكن الشأن في عطاء الخراساني، ما أعرف لمالك بن أنس رجلاً يروي عنه مالك يستحق أن يترك إلَاّ عطاء الخراساني قلت له: ما شأنه؟ قَالَ: عامة أحاديثه مقلوبة.
وأخرج العقيلي في الضعفاء (4/ 345) الحديث من وجه آخر ثم قَالَ: والرواية في هذا الباب لينة، وفيها ما هو أصلح من هذا الإسناد.
بكت من خشية الله، وحرمت النار عَلَى عين سهرت في سبيل الله وذكر عينًا ثالثة. خرجه الإمام أحمد (1) وهذا لفظه، والنسائي (2) والحاكم (3) وقال: صحيح الإسناد.
وخرّجه الجوزجاني ولفظه "حرمت النار عَلَى عين سهرت بكتاب الله، وحرمت النار عَلَى عين دمعت من خشية الله، وحرمت النار عَلَى عين غضت عن محارم الله أو فقئت في سبيل الله".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ما من عبد مؤمن يخرج من عينيه دموع، وإن كان مثل رأس الذباب، من خشية الله، ثم تصيب شيئًا من حر وجهه، إلَاّ حرمه الله عَلَى النار" خرّجه ابن ماجه (4)، وقد رُوي موقوفًا عَلَى من دون ابن مسعود.
وفي الباب أحاديث أخر في المعنى مسندة ومرسلة، وفيه أيضاً عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وابن عباس من قولهما غير مرفوع.
وخرج ابن أبي الدُّنْيَا (5) من طريق نفيع أبي داود، عن زيد بن أرقم، أن رجلاً قَالَ: يا رسول الله، بما أتقي النار؟ قَالَ:"بدموع عينيك، فإن عينًا بكت من خشية الله لا تمسها النار أبدًا" ونفيع سبق أنّه ضعيف.
(1)(4/ 134).
(2)
في المجتبى (6/ 15).
(3)
في المستدرك (2/ 83). قَالَ الهيثمي في المجمع (5/ 278): رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات.
(4)
برقم (4197). قَالَ البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف، وحماد بن أبي حميد، اسمه محمد بن أبي حميد، ضعيف.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 466) وقال:
غريب من حديث عون، تفرد به محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الزرقي المدني ويعرف بحماد بن أبي حميد. ورواه إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن حماد عن عون مثله.
(5)
في "الرقة والبكاء"(15).
ومن طريق النضر بن سعيد، رفعه قَالَ:"ما اغرورقت عين عبد بمائها من خشية الله إلَاّ حرم جسدها عَلَى النار، فإن فاضت عَلَى خده لم يرهق وجهه فتر ولا ذلة، ولو أن عبدًا بكى في أمة من الأمم، لأنجي الله عز وجل ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلَاّ وله وزن أو ثواب إلَاّ الدمعة، فإنها تطفئ بحورًا من النار"(1).
وقد رُوي هذا المعنى أو بعضه موقوفًا من كلام الحسن وأبي عمران الجوني وخالد بن معدان وغيرهم.
وعن زاذان أبي عمر قَالَ: بلغنا أن من بكى خوفًا من النار أعاذه الله منها، ومن بكى شوقًا إِلَى الجنة أسكنه الله إياها.
وكان عبد الواحد بن زيد يقول: يا إخوتاه، ألا تبكون شوقًا إِلَى الله عز وجل؟
ألا إنه من بكى شوقًا إِلَى سيّده لم يحرمه النظر إِلَيْهِ، يا إخوتاه، ألا تبكون خوفًا من النار؟
ألا إنه من يبكي خوفًا من النار أعاذه الله منها.
وعن فرقد السبخي، قَالَ: قرأت في بعض الكتب أن الباكي عَلَى الجنة لتشفع له الجنة إِلَى ربها، فتقول: يا رب، أدخله الجنة كما يبكي علي، وإن النار تستجير له من ربها، فتقول: يا رب، أجره من النار كما استجارك مني، وبكى خوفًا من دخولي.
وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قَالَ:"رأيت الليلة رؤيا" فذكر الحديث بطوله، وفيه قَالَ: رأيت رجلاً من أمتي عَلَى شفير جهنم، فجاءه وجله (2) من الله، فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي يهوي في النار،
(1) أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "الرقة والبكاء"(25) وهو مرسل.
(2)
قَالَ صاحب نوادر الأصول (3/ 242): الوجل هو في وقت انكشاف الغطاء لقلب المؤمن، وهو خشية العبد.
فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله عز وجل، فاستخرجته من النار (1).
وروى الكديمي، حدثنا سهل بن حماد، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا ثابت، عن أنس، قَالَ: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]. وبين يديه رجل أسود، فهتف بالبكاء، فنزل جبريل عليه السلام، فَقَالَ: من هذا الباكي بين يديك؟
قَالَ: رجل من الحبشة وأثنى عليه معروفًا.
قَالَ: إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، لا تبكي عين عبد في الدُّنْيَا من خشيتي إلَاّ أكثرت ضحكه في الجنة (2).
…
(1) أخرجه بحشل في "تاريخ واسط"(1/ 170)، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" كما في تفسير ابن كثير (2/ 536)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1165، 1166).
قال ابن الجوزي: وهذا حديث لا يصح،
أما الطريق الأول ففيه هلال أبو جبلة وهو مجهول، وفيه الفرج بن فضالة قَالَ ابن حبان: يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتاج به.
فأما الطريق الثاني: ففيه علي بن زيد قَالَ أحمد ويحيى: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: يهم ويخطي فاستحق الترك، وفيه مخلد بن عبد الواحد قَالَ ابن حبان: منكر الحديث جدًّا ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات.
وقال الهيثمي في المجمع (7/ 179 - 180): رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف.
(2)
أخرجه البيهقي في "الشعب"(799) قَالَ البيهقي: وبمعناه رواه سهيل بن أبي حازم عن ثابت في الحبشي وبكائه.