المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط على متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه - مجموع رسائل ابن رجب - جـ ٤

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول في ذكر الكفَّارات

- ‌السبب الثاني من مكفّرات الذنوب: المشيُ عَلَى الأقدام إِلَى الجماعات وإلى الجُمُعات

- ‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات

- ‌الفصل الثاني في ذكر الدرجات المذكورة في حديث معاذ

- ‌الفصل الثالث في ذكر الدعوات المذكورة في هذا الحديث

- ‌ومحبة الله عَلَى درجتين:

- ‌أقل ثمن المحبة بذل الروح:

- ‌الباب الأول في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها

- ‌الباب الثاني في ذكر الخوف من النار وأحوال الخائفين

- ‌فصل [الخوف من عذاب جهنم لا يخرج عنه أحد]

- ‌فصل [في القدر الواجب من الخوف]

- ‌فصل [من السَّلف من كان إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله]

- ‌فصل من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم

- ‌فصل ومنهم من منعه خوف النار من الضحك

- ‌فصل ومنهم من حديث له من خوفه من النار مرض، ومنهم من مات من ذلك

- ‌فصل أحوال بعض الخائفين

- ‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها

- ‌فصل وهذه النار التي في الدُّنْيَا تخاف من نار جهنم:

- ‌الباب الرابع في أن البكاء من خشية النار ينجي منها وأن التعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها

- ‌فصل[التعوذ من النار]

- ‌الباب الخامس في ذكر مكان جهنم

- ‌فصل [البحار تسجر يوم القيامة]

- ‌الباب السادس في ذكر طبقاتها وأدراكها وصفتها

- ‌الباب السابع في ذكر قعرها وعمقها

- ‌فصل سعة جهنم طولا وعرضًا

- ‌الباب الثامن في ذكر أبوابها وسرادقها

- ‌فصل وقد وصف الله أبوابها أنها مغلقة عَلَى أهلها

- ‌فصل [إحاطة سرادق جهنم بالكافرين]

- ‌فصل وأبواب جهنم قبل دخول أهلها إليها يوم القيامة مغلقة

- ‌الباب التاسع في ذكر ظلمتها وشدة سوادها

- ‌الباب العاشر في شدة حرها وزمهريرها

- ‌فصل [في زمهرير جهنم بيت يتميز فيه الكافر من برده]

- ‌الباب الحادي عشر في ذكر سجر جهنم وتسعيرها

- ‌فصل وجهنم تسجر كل يوم نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أحيانًا في غير نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أيضاً يو القيامة

- ‌فصل وتسجر عَلَى أهلها بعد دخولهم إليها

- ‌الباب الثاني عشر في ذكر تغيظها وزفيرها

- ‌الباب الثالث عشر في ذكر فى دخانها وشررها ولهبها

- ‌الباب الرابع عشر في ذكر أوديتها وجبالها وآبارها وجبابها وعيونها وأنهارها

- ‌فصل [في تفسير قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}]

- ‌فصل [في أودية جهنم]

- ‌فصل في جهنم واد هو: جب الحزن

- ‌الباب الخامس عشر - في ذكر سلاسلها وأغلالها وأنكالها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ولهم مقامع من حديد

- ‌الباب السادس عشر - في ذكر حجارتها

- ‌الباب السابع عشر - في ذكر حياتها وعقاربها

- ‌الباب الثامن عشر - في ذكر طعام أهل النار وشرابهم فيها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في تنغص السَّلف عَلَى عند ذكر طعام أهل النار

- ‌الباب التاسع عشر في ذكر كسوة أهل النار ولباسهم

- ‌فصل في أن سرابيل أهل النار من قطران

- ‌فصل تفسير قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ

- ‌الباب العشرون في ذكر عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيئاتهم

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها

- ‌فصل في تسويد وجوه أهل النار ومد جسومهم

- ‌فصلذو الوجهين في الدُّنْيَا له وجهان من نار يوم القيامة

- ‌فصل ومنهم من تمسخ صورته عَلَى صورة قبيحة

- ‌فصل في نتن ريح أهل النار

- ‌الباب الحادي والعشرون في ذكر أنواع عذاب أهل النار فيها وتفاوتهم في العذاب بحسب أعمالهم

- ‌فصل ومن عذاب أهل النار: الصهر

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: التي تطلع عَلَى الأفئدة

- ‌فصل ومن أنواع عذابهم سحبهم في النار عَلَى وجوههم

- ‌فصل

- ‌فصل ومنهم من يدور في النار ويجر معه أمعاءه

- ‌فصل ومن أهل النار من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة

- ‌فصل

- ‌فصل ومن أهل النار من يتأذى بعذابه أهل النار، إما من نتن ريحه، أو غيره:

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ويأتيه الموت من كل مكان

- ‌فصل وعذاب الكفار في النار، لا يفتر عنهم، ولا ينقطع، ولا يخفف، بل هو متواصل أبدًا

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يتحف به أهل النار عند دخولهم إليها -أجارنا الله منها

- ‌الباب الثاني والعشرون في ذكر بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الَّذِي لا يستجاب لهم

- ‌فصل في طلب أهل النار الخروج منها

- ‌فصل

- ‌فصل وأما عصاة الموحدين، فربما ينفعهم الدعاء في النار

- ‌الباب الثالث والعشرون في ذكر نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار وكلام بعضهم بعضًا

- ‌الباب الرابع والعشرون في ذكر خزنة جهنم وزبانيتها

- ‌فصل وقد وصف الله الملائكة الذين عَلَى النار، بالغلظة والشدة

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ

- ‌فصل تفسير قوله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ

- ‌الباب الخامس والعشرون في ذكر مجيء النار يوم القيامة وخروج عنق منها يتكلم

- ‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط عَلَى متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه

- ‌الباب السابع والعشرون - في ذكر ورود النار نجانا الله منها بفضله ورحمته

- ‌فصل إذا وقف العبد بين يدي الله تستقبله النار

- ‌الباب الثامن والعشرون في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين

- ‌فصل حسن الظن بالله تعالى

- ‌الباب التاسع والعشرون في ذكر أكثر أهل النار

- ‌الباب الثلاثون في ذكر صفات أهل النار وأصنافهم وأقسامهم

- ‌فصل في ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين

- ‌الأصل العظيم

- ‌بيان معنى الباء في الآية والحديث

- ‌الحمد لله ثمن كل نعمة

- ‌بيان معنى النعم وأنّ الحمد منها

- ‌الجنة والعمل من فضل الله تعالى

- ‌الشقاء والسعادة بعدله ورحمته جلَّ وعلا

- ‌ما يجب عَلَى العبد معرفته

- ‌الاشتغال بالشكر أعظم النعم

- ‌العمل لا يوجب النجاة

- ‌الاعتراف بفضل الله عز وجل

- ‌ما عَلَى العبد للفوز والنجاة

- ‌بيان أَحَبِّ الأعمال إِلَى الله

- ‌معنى سدِّدوا وقاربوا

- ‌بيان ما تفوَّق به الصحابة

- ‌قاعدة جليلة

- ‌بيان جملة من التيسير في التشريع

- ‌معنى الغدوة والروحة وأوقاتها وفضائلها

- ‌معنى القصد في السير

- ‌سلوك صراط الله عز وجل

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌فضل تقرب العبد إِلَى الله عز وجل

- ‌أنواع الوصول إِلَى الله تعالى

- ‌حال من التزم الإِسلام أو الإِيمان أو الإِحسان

- ‌فضل وَقْتَي الغَدّاة والعَشِي والمقصود بهما

- ‌حال من ركن إِلَى الآخرة ومن ركن إِلَى الدُّنْيَا

- ‌فصل في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]

- ‌بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌النوع الرابع:

- ‌النوع الخامس

- ‌النوع السادس

- ‌النوع السابع

- ‌هم الدُّنْيَا وشقاء الآخرة

- ‌الحذر…الحذر

الفصل: ‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط على متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه

‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط عَلَى متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه

روى زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا طويلاً، قَالَ:"ثم يضرب الجسر عَلَى جهنم، وتحل الشفاعة، فيَقُولُونَ: اللهم سلم سلم". قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الجسر؟ قَالَ: "دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة، يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق وكالريح وكالطير، وكأجاود الخيل والركاب، فناج مُسَلَّمٌ، ومخدوش مرسل، ومكدوس في النار" خرجاه في الصحيحين (1).

وفي رواية للبخاري (2)"حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا".

وفي رواية لمسلم (3) قَالَ أبو سعيد الخدري بلغني أن الجسر أدق من الشعر وأحد من السيف.

وروى آدم بن أبي إياس، في تفسيره:"أنبأنا [أبو عمر] (*) الصنعاني، عن زيد ابن أسلم، فذكر الحديث، ولفظه: "يمر المؤمنون عَلَى الصراط بنورهم، فمنهم من يمر كطرف العين (4) " وذكر الحديث.

وخرجاه في الصحيحين (5) أيضاً، من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه قَالَ: ويضرب الجسر بين

(1) أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183).

(2، 3) نفس الحديث السابق.

(*) في الأصل: أبو عمران، والصواب ما أثبتناه، وهي كنية حفص بن ميسرة.

(4)

وأخرجه الطبري في "تفسيره"(16/ 113) من طريق يزيد بن أبي هلال عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

(5)

أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (182).

ص: 336

ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزه، ولا يتكلم يومئذ إلَاّ الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان؟

قالوا: "نعم يا رسول الله.

قَالَ: فإنَّه مثل شوك السعدان، غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلَاّ الله عز وجل، تخطف الناس بأعمالهم، [فمنهم الموبق بعمله]، ومنهم المجازى حتى ينجى".

وذكر الحديث. وفي آخره قَالَ: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئًا.

وخرج مسلم (1)، من حديث أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبي مالك، عن ربعي، عن حذيفة، كلاهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الشفاعة، وفيه قَالَ: فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقوم، ويؤذن له، وترسل معه الأمانة والرحم، فيقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق قَالَ: قلت بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قَالَ: ألم تروا إِلَى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟! ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم صلى الله عليه وسلم، قائم عَلَى الصراط يقول:"رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، وحتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلَاّ زحفًا قَالَ: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه، فمخدوش ناج، ومكردس في النار. والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفًا".

وفي حديث الصور الطويل، الَّذِي سبقت الإشارة إِلَيْهِ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، كَقَدْر الشَّعْرَة أو كحد السيف، له كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، دونه جسر دحض مزلقة". وهو يشعر بالتفريق بين الجسر والصراط، والأحاديث الصحيحة السابقة تدل عَلَى أنهما واحد.

وروى أبو خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا طويلاً، وفيه قَالَ: والصراط

(1) برقم (195).

ص: 337

كحد السيف، دحض مزلة قَالَ: فيَقُولُونَ: "انجوا عَلَى قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأشد الرجال ويرمل رملاً، فيمرون عَلَى قدر أعمالهم، حتى يمر الَّذِي نوره عَلَى إبهام قدمه، تخر يد وتتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، فتصيب جوانبه النار". خرّجه الحاكم (1) وصححه هو وغيره من الحفاظ.

وفي سنن أبي داود (2)، عن الحسن، عن عائشة رضي الله عنها، أنها ذكرت النار فبكت، فَقَالَ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا عائشة؟ قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؛ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزإنه أم يثقل؟ وعند الكتب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أو من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثيرة، يحبس الله بها من شاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا؟.

وروى ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه. إلَاّ أنّه ذكر الميزان وتطاير الكتب وخروج عنق من النار، وقال:"لجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف، وعليه كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، والناس عليه كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاود الخيل والركاب، والملائكة يَقُولُونَ: رب سلم سلم، فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار عَلَى وجهه" خرّجه الإمام أحمد (3).

وروى أبو سلام الدمشقي: حدثني عبد الرحمن، حدثني رجل من كندة، قال: أتيت عائشة، فقلت: حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّه يأتي عليه ساعة لا يملك

(1) في "المستدرك"(2/ 376 - 377). وقال الهيثمي في المجمع (10/ 340 - 343): رواه الطبراني من طرق، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني، وهو ثقة.

(2)

برقم (4755).

(3)

(6/ 110).

ص: 338

لأحد فيها شفاعة؟ قالت: [لقد](*) سألته عن هذا، قَالَ: نعم، حين يوضع الصراط، لا أملك لأحد فيه شفاعة، حتى أعلم أين يسلك بي؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ماذا يفعل بي أوقال: يوحى إلي؟ وعند الجسر، حين يستحد ويستحر.

قلت: وما يستحد ويستحر؟

قَالَ: يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة، فأما المؤمن، فيجيزه ولا يضره، وأما المنافق، فيتعلق، حتى إذا بلغ وسطه، خر من قدميه، [فهوى بيده إِلَى قدميه. قالت: فهل رأيت من يسعى حافيًا، فتأخذه شوكة حتى كادت تنفذ قدميه؟!] (*) فإنها كذلك، يهوي بيده ورأسه إِلَى قدميه، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدميه، فتقذفه في جهنم، فيهوي فيها مقدار خمسين عامًا. قلت: وما ثقل الرجل؟ قَالَ: ثقل عشر خلفات سمان فيومئذ: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: 41]. خرّجه بقي بن مخلد في "مسنده" وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1) وفي إسناده جهالة، وفي بعض ألفاظه نكارة.

والأحاديث الصحيحة تدل عَلَى أن الصراط، إِنَّمَا يوضع بعد الإذن في الشفاعة كما سبق.

وخرج الإمام أحمد (2)، من حديث أبي بكرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يحمل

(*) من المطبوع.

(1)

وأورده ابن كثير في تفسيره (4/ 276) قَالَ: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام أنّه سمع أبا سلام -يعني: جده- أخبرني عبد الرحمن، حدثني رجل من كنده .. فذكره.

قَالَ ابن كثير: غريب جدًّا، وفيه ألفاظ منكر رفعها، وفي الإسناد من لم يسم، ومثله لا يحتج به والله أعلم.

(2)

(5/ 43) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 359): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في "الصغير" و"الكبير" بنحوه. ورواه البزار أيضاً، ورجاله رجال الصحيح.

ص: 339

الناس عَلَى الصراط يوم القيامة، فتتقاذع بهم جنبتا الصراط، تقاذع الفراش في النار، فينجي الله برحمته من يشاء".

وخرج الحاكم (1)، من حديث سلمان الفارسي، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من ينجو عَلَى هذا؟

فيقول: "من شئت من خلقي فيَقُولُونَ: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".

وقال: صحيح. قلت: المعروف أنّه موقوف عَلَى سلمان الفارسي، من قوله.

وخرج الحاكم (2) أيضاً، من حديث أبي رزين العقيلي، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فتسلكون جسرًا من النار، يطأ أحدكم الجمرة، فيقول: حس حس، فيقول ربك: ادنه".

وخرج البيهقي، من حديث زياد النميري، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الصراط كحد الشفرة أو كحد السيف، وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات، وإن جبريل لآخذ بحجزتي، وإني لأقول: "يا رب سلم سلم، فالزالون والزالات يومئذ كثير".

وخرج أيضاً (3)، من حديث سعيد بن زربي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "عَلَى جهنم جسر مجسور، أدق من الشعر وأحد من السيف، أعلاه نحو الجنة دحض مزلة، بجنبتيه كلاليب وحسك النار، يحبس الله بها من يشاء من عباده، الزالون والزالات يومئذ كثيرٌ، والملائكة بجانبيه قيام ينادون: اللهم سلم سلم، فمن جاء بحق يوم القيامة جاز، ويعطون النور يومئذ عَلَى قدر إيمانهم وعمالهم، فمنهم من يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم من يمضي

(1) في "المستدرك"(4/ 586) وقال: صحيح عَلَى شرط مسلم ولم يخرجاه.

(2)

في "المستدرك"(4/ 606) مطولاً جدًّا وقال: حديث جامع في الباب صحيح الإسناد كلهم مدنيون، ولم يخرجاه.

(3)

في "شعب الإيمان"(1/ 331 - 332 - دار الكتب العلمية) وقال البيهقي: وهذا إسناد ضعيف، غير أن معنى بعض ما روى فيه موجود في الأحاديث الصحيحة التي وردت في ذكر الصراط.

ص: 340

عليه كمر الريح، ومنهم من يمضي عليه كمر الفرس السابقة، ومنهم من يشتد عليه شدًّا، ومنهم من يهرول، ومنهم من يعطى نوره إِلَى موضع قدميه، ومنهم من يحبو حبوًا، وتأخذ النار منهم بذنوب أصابوها، فعند ذلك يقول المؤمنون:"بسم الله حس حس ويلتوي، وهي تحرق من شاء الله منهم عَلَى قدر ذنوبهم". ثم قَالَ البيهقى في زياد النميري ويزيد الرقاشي وسعيد بن زربي: ليسوا بأقوياء.

وخرج أيضاً (1) من حديث "عبيد بن عمير"، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الصراط عَلَى جهنم مثل حرف السيف، بجنبتيه الكلاليب والحسك، فيركبه الناس، فيختطفون، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر". وهذا مرسل.

وخرّجه من وجه آخر موقوفًا عَلَى عبيد بن عمير مختصرًا.

وخرج أيضاً (2) بإسناده، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ:"الصراط عَلَى جهنم مثل حد السيف".

وخرج الترمذي (3)، بإسناد فيه ضعف، عن المغيرة بن شعبة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"شعار المؤمنين عَلَى الصراط رب سلم سلم".

ويروى نحوه من حديث أنس مرفوعًا بإسناد لا يصح.

وروى منصور بن عمار، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"شعار أمتي إذا حملوا عَلَى الصراط: لا إله إلَاّ أنت"(4). وهذا فيه نكارة، والله أعلم.

(1) عزاه المنذري في "الترغيب"(4/ 232 - دار الكتب العلمية) للبيهقي قَالَ: مرسلاً وموقوفًا عَلَى عبيد بن عمير.

(2)

عزاه المنذري في "الترغيب"(2/ 232) لابن أبي الدُّنْيَا والطبراني والحاكم، ولم يعزه للبيهقي.

(3)

برقم (2432) وقال الترمذي! هذا حديث غريب من حديث المغيرة بن شعبة لا نعرفه إلَاّ من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، وفي الباب عن أبي هريرة.

(4)

أخرجه ابن عدي (6/ 395) في ترجمة منصور بن عمار السري وترجم له بأنه منكر الحديث.

ص: 341

وفي صحيح مسلم (1)"عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، أنها سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ قَالَ: عَلَى الصراط".

وفيه أيضاً (2) عن ثوبان، أن حبرًا من اليهود، سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟

قَالَ: "هم في الظلمة دون الجسر.

قَالَ: فمن أول الناس إجازة؟ فَقَالَ: فقراء المهاجرين" وذكر الحديث. ويمكن الجمع بين الحديثين، بأن الظلمة دون الجسر حكمها حكم الجسر، وفيها تقسيم الأنوار للجواز عَلَى الجسر، فقد يقع تبدل الأرض والسموات وطي السماء، من حين وقوع الناس في الظلمة، ويمتد ذلك إِلَى حال المرور عَلَى الصراط، والله أعلم.

واعلم أن الناس منقسمون إِلَى مؤمن يعبد الله وحده لا شريك به شيئًا، ومشرك يعبد مع الله غيره، فأما المشركون فإنهم لا يمرون عَلَى الصراط إِنَّمَا يقمعون في النار قبل وضع الصراط، ويدل عَلَى ذلك ما في الصحيحين" (3) عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فذكر الحديث إِلَى أن قَالَ: ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزه".

وفيهما أيضاً (4)، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إذا كان يوم القيامة، أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله

(1) برقم (2791).

(2)

برقم (315) وهو قطعة من حديث طويل.

(3)

أخرجه البخاري (7437) ومسلم (182) وتقدم تخريجه.

(4)

أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (183).

ص: 342

من الأصنام والأنصاب إلَاّ يتساقطون فى النار، حتى إذا لم يبق إلَاّ من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغُبَّرِ أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله.

قَالَ لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟

قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون؟

فيحشرون إِلَى النار، كأنها سراب، يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم من تعبدون؟

قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟

فيَقُولُونَ: عطشنا يا ربنا فاسقنا. قَالَ: فيشار إليهم ألا تردون؟

فيحشرون إِلَى جهنم، كأنها سراب، يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلَاّ من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين".

فذكر الحديث إِلَى أن قَالَ: "فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلَاّ أذن الله له بالسجود، ولا يبقى إلَاّ من كان يسجد اتقاء ورياء، إلَاّ جعل الله ظهره طبقًا واحدًا، كما أراد أن يسجد، خر عَلَى قفاه، ثم يرفعون رءوسهم، وقد تحول من صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: "أنا ربكم. فيَقُولُونَ: أنت ربنا. ثم يضرب الجسر عَلَى جهنم". وذكر الحديث.

وعند البخاري (1) في رواية "ثم يؤتى بجهنم، تعرض كأنها السراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ " وذكر الباقي بمعناه.

فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله، كالمسيح وعزير من أهل الكتاب، فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط، إلَاّ أن عباد الأصنام والشمس والقمر وغير ذلك من المشركين تتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدُّنْيَا، فترد النار مع معبودها أولاً، وقد دلّ القرآن

(1) برقم (7439).

ص: 343

عَلَى هذا المعنى، في قوله تعالى في شأن فرعون:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود: 98].

وأما من عبد المسيح والعزير من أهل الكتاب، فإنهم يتخلفون مع أهل الملل المنتسبين إِلَى الأنبياء، ثم يردون النار بعد ذلك.

وقد ورد في حديث آخر: "أن من كان يعبد المسيح، يمثل له شيطان المسيح فيتبعونه، وكذلك من كان يعبد العزير".

وفي حديث الصور أنّه. "يمثل لهم ملك عَلَى صورة المسيح، وملك عَلَى صورة العزير، ولا يبقى بعد ذلك إلَاّ من كان لا يعبد غير الله وحده في الظاهر، سواء كان صادقًا ومنافقًا من هذه الأمة وغيرها، ثم يتميز المنافقون عَلَى المؤمنين بامتناعهم من السجود، وكذلك يمتازون عنهم بالنور الَّذِي يقسم للمؤمنين".

وقد اختلف السَّلف، هل يقسم للمنافق نور مع المؤمنين ثم يطفأ، أو لا يقسم له نور بالكلية، عَلَى قولين:

فَقَالَ أحدهما: إنه لا يقسم له نور بالكلية.

قَالَ صفوان بن عمرو: حدثني سليم بن عامر، سمع أبا أمامة يقول: يغشى الناس ظلمة شديدة -يعني يوم القيامة- ثم يقسم النور، فيعطى المؤمن نورًا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئًا، وهو المثل الَّذِي ضربه الله في كتابه قَالَ تعالى:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير، و {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد: 13]. قَالَ: وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين، قَالَ عز وجل:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} فيرجعون إِلَى المواضع التي قسم فيها النور، فلا يجدون شيئًا، فينصرفون إليهم {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} إِلَى قوله:{وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

ص: 344

[الحديد: 13 - 15] قَالَ سليم: فما يزال المنافق مغترًّا، حتى يقسم النور، ويميز الله بين سبيل المؤمن والمنافق. خرّجه ابن أبي حاتم (1).

وخرج أيضاً من رواية مقاتل بن حيان والضحاك، عن ابن عباس (2)، ما يدل عَلَى مثل هذا القول أيضاً، ولكنه منقطع.

والقول الثاني: أنّه يقسم للمنافقين النور مع المؤمنين كما كانوا مع المؤمنين في الدُّنْيَا، ثم يطفأ نور المنافقين إذ بلغ السور. قاله مجاهد.

وروى عتبة بن يقظان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قَالَ: ليس أحد من أهل التوحيد إلَاّ يعطى نورًا يوم القيامة، فأما المنافقين فيطفأ نوره، فالمؤمن يشفق مما يرى من إطفاء نور المنافق فهم:{يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8].

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه. وكذا روى جويبر عن الضحاك.

وسنذكره في الباب الآتي إن شاء الله، من حديث جابر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ما يدل عَلَى صحة هذا القول.

وقال آدم بن أبي إياس: "أنبأنا المبارك بن فضالة، عن الحسن"، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدفع يوم القيامة إِلَى كل مؤمن نور، وإلى كل منافق نور، فيمشون معه، فبينا نحن عَلَى الصراط إذ غشينا ظلمة، فيطفأ نور المنافق، ويضيء نور المؤمن، فعند ذلك {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8] حين طفئ نور المنافقين"(3).

وقد سبق صفة مشي المنافق عَلَى الصراط في حديث عائشة، وإن كان في إسناده ضعف.

وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قَالَ: "يوضع الجسر عَلَى

(1) في "تفسيره" كما في تفسير ابن كثير (4/ 309).

(2)

كما في تفسير ابن كثير (4/ 310) قَالَ: وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس.

(3)

مرسل منقطع، ومراسيل الحسن البصري كالريح، وهي ضعيفة جدًّا.

ص: 345

جهنم، ثم ينادي مناد: أين أحمد وأمته؟

فيقوم، فتتبعه أمته برها وفاجرها، قَالَ: فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها من شمال ويمين وينجو النبيّ صلى الله عليه وسلم والصالحون معه، ثم ينادي مناد: أين عيسى وأمته؟

فيقوم، ويتبعه أمته برها وفاجرها، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون فيها من شمال ويمين، وينجو النبيّ صلى الله عليه وسلم والصالحون معه، ويتبعهم الأنبياء والأمم، حتى يكون آخرهم نوح، رحم الله نوح". خرّجه ابن خزيمة وغيره (1).

وقد تبين بما ذكرنا في هذا الباب، من حديث ابن مسعود وأنس وغيرهما أن اقتسام المؤمنين الأنوار، عَلَى حسب إيمانهم وأعمالهم الصالحة، وكذلك مشيهم عَلَى الصراط في السرعة والإبطاء. وهذا أيضاً مذكور في حديث حذيفة وأبي هريرة وغيرهما.

وروى أبو الزعراء، عن ابن مسعود، قَالَ: يأمر الله بالصراط، فيضرب عَلَى جهنم، فيمر الناس عَلَى قدر أعمالهم زمرًا زمرًا، أوائلهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كمر البهائم، حتى يمر الرجل سعيًا، وحتى يمر الرجل مشيًا، وحتى يجيء آخرهم يتلبط عَلَى بطنه، فيقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: "إني لم أبطئ بك، إِنَّمَا أبطأ بك عملك"(2).

وذلك لأنّ الإيمان والعمل الصالح في الدُّنْيَا هو الصراط المستقيم في الدُّنْيَا [الَّذِي أمر الله العباد بسلوكه والاستقامة عليه، وأمرهم بسؤال الهداية إِلَيْهِ، فمن استقام سيره عَلَى هذا المستقيم في الدُّنْيَا](*) ظاهرًا وباطنًا، استقام مشيه عَلَى ذلك الصراط المنصوب عَلَى متن جهنم، و [من](*) لم يستقم سيره عَلَى هذا الصراط المستقيم في الدُّنْيَا بل انحرف عنه إما إِلَى فتنة الشبهات أو إِلَى فتنة

(1) وأخرجه البيهقي في "الشعب"(366).

(2)

أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم "قدر الصلاة"(282)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 641) وقال: هذا حديث صحيح عَلَى شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

(*) من المطبوع.

ص: 346

الشهوات، كان اختطاف الكلاليب له عَلَى متن جهنم بحسب اختطاف الشبهات أو الشهوات له عن هذا الصراط المستقيم، كما في حديث أبي هريرة:"إنها تخطف الناس بأعمالهم"(1).

وروى الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله، في قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] قَالَ: من وراء الصراط ثلاثة جسور، جسر عليه الأمانة، وجسر عليه الرحم، وجسر عليه الرب تبارك وتعالى.

وقال أيفع بن عَبْدٍ الكلاعي: لجهنم سبع قناطر، والصراط عليها، وذكر أنّه يحبس الخلق عند القنطرة الأولى، فيسألون عن الصلاة، فيهلك من يهلك وينجو من ينجو ويحبسون عند القنطرة الثانية، فيسألون الأمانة، هل أدوها أم أضاعوها فيهلك من يهلك، وينجو من ينجو، ثم يحبسون عند الثالثة، فيسألون عن الرحم.

وقد ذكرنا فيما تقدم غير حديث في حبس الولاة عَلَى جسر جهنم، وتزلزل الجسر بهم.

وخرج أبو داود (2) من حديث معاذ بن أنس الجهني، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"من رمى مسلمًا بشيء يريد به تشيينه، حبسه الله عَلَى جسر جهنم حتى يخرج مما قَالَ".

وقد رُوي بلفظ آخر وهو "من قَالَ في مؤمن ما لا يعلم، حبسه الله عَلَى جسر جهنم، حتى يخرج مما قَالَ"(3).

وروى ابن أبي الدُّنْيَا بإسناده، عن أبي سليمان الداراني، قَالَ: وصفت لأختي عبدة قنطرة من قناطر جهنم، فأقامت يومًا وليلة في صيحة واحدة ما

(1) أخرجه مسلم (182) وتقدم تخريجه.

(2)

برقم (4883).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 188 - 189) من حديث معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه مرفوعًا. قَالَ أبو نعيم: وهو حديث غريب، تفرد به إسماعيل عن سهل.

ص: 347

تسكت، ثم انقطع عنها بعد، فكلما ذكرت لها صاحت.

قِيلَ لَهُ: من أي شيء كان صياحها؟

قَالَ: مثلت في نفسها عَلَى القنطرة وهي تكفأ بها.

وكان أبو سليمان يقول: إذا سمعت الرجل يقول لآخر: بيني وبينك الصراط فإنه لا يعرف الصراط فإنه لا يعرف الصراط ولا يدري ما هو، لو عرف الصراط أَحَبّ أن لا يتعلَّق بأحد ولا يتعلَّق به أحد.

وكان أبو مسلم الخولاني يقول لامرأته: يا أم مسلم، شدي رحلك، فليس عَلَى جسر جهنم معبر.

وروى ابن أبي الدُّنْيَا، من طريق معاوية بن صالح، عن أبي اليمان، وإن رجلاً كان شابًّا أسود الرأس واللحية، فنام ليلة، فرأى في منامه، كان الناس حشروا، وإذا بنهر من لهب نار، وإذا جسر يجوز الناس عليه، يدعون بأسمائهم، فإذا دعي الرجل أجاب، فناج وهالك، قَالَ: فدعي باسمي، فدخلت في الجسر، فإذا حده كحد السيف، يمور بي يمينًا وشمالاً، قَالَ: فأصبح الرجل أبيض اللحية والرأس مما رأى.

وسمع أسود بن سالم رجلاً ينشد هذين البيتين:

أمامي موقوف قدام ربي

فيسألني وينكشف الغطاء

وحسبي أن أمر عَلَى صراط

كحد السيف أسفله لظاء

فغشي عليه.

ورُوي عن بشر بن الحارث، قَالَ: قَالَ لي فضيل بن عياض: يا بشر، مسيرة الصراط مسيرة خمسة عشر ألف فرسخ، فانظر كيف نكون عَلَى الصراط.

وقال محمد بن السماك سمعت رجلاً من زهاد أهل البصرة يقول: الصراط ثلاثة آلاف سنة، [ألف سنة](*) يصعدون [فيه](*)، وألف سنة يستوي بهم،

(*) من المطبوع.

ص: 348

وألف سنة يهبطون منه.

وروى فيض بن إسحاق، عن الفضيل، قَالَ: الصراط [أربعون](*) ألف فرسخ.

وروى ابن أبي الدُّنْيَا، في "كتاب الأولياء"، من حديث جعفر بن سليمان، قَالَ: سمعت مالك بن دينار يسأل علي بن زيد -وهو يبكي- فَقَالَ: يا أبا الحسن، كم بلغك أن ولي الله يحبس عَلَى الصراط؟

قَالَ: كقدر رجل في صلاة مكتوبة، أتم ركوعها وسجودها.

قَالَ فهل بلغك أن الصراط يتسع لأولياء الله؟

قَالَ: نعم.

ومن حديث رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، قَالَ:[بلغنا](*) أن الصراط يكون عَلَى بعض الناس أدق من الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع.

وقال سهل التستري، من دق عليه الصراط في الدُّنْيَا عرض عليه في الآخرة، ومن عرض عليه الصراط في الدُّنْيَا دق عليه في الآخرة.

ومعنى هذا، أن من ضيق عَلَى نفسه في الدُّنْيَا، باتباع الأمر واجتناب النهي، وهو حقيقة الاستقامة عَلَى الصراط المستقيم [في الدُّنْيَا](*)، كان جزاؤه أن يتسع له الصراط في الآخرة، ومن وسع عَلَى نفسه في الدُّنْيَا، باتباع الشهوات المحرمة، والشبهات المضلة، حتى خرج عن الصراط المستقيم، ضاق عليه الصراط في الآخرة بحسب ذلك، والله أعلم.

رأى بعض السَّلف رجلاً يضحك، فَقَالَ له: ما أضحكك؟

ليس تقر عينك أبدًا أو تخلف جهنم وراءك.

(*) من المطبوع.

ص: 349

وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا يونس الحذاء، عن أبي حمزة البيساني، عن معاذ بن جبل يرفعه، قَالَ:"إن المؤمن لا تسكن روعته، ولا يأمن أضرابه، حتى يخلف جسر جهنم خلف ظهره". خرّجه ابن أبي حاتم، وقال: أبو حمزة مجهول، ويونس الحذاء، قَالَ: وأبو حمزة عن معاذ مرسل، والله أعلم.

***

ص: 350