الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث والعشرون في ذكر نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار وكلام بعضهم بعضًا
قَالَ الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} الآيات إِلَى قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 44 - 50].
قَالَ سفيان (1)، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في هذه الآية قَالَ: ينادي الرجل أخاه: إني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول:{إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50].
وقال سنيد، في تفسيره: حدثنا حجاج عن أبي بكر بن عبد الله، قَالَ:[ينادون](*) أهل النار: أهل الجنة، أن يا أهل الجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله، ثم يقال: أجيبوهم، وقد قطع الرحم والرحمة، فيقول أهل الجنة: يا أهل النار، عليكم لعنة الله، يا أهل النار، عليكم غضب الله، يا أهل النار، لا لبيكم ولا سعديكم، ماذا تقولون؟ فيَقُولُونَ: ألم نكن في الدُّنْيَا آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم؟ فيَقُولُونَ بلى، فيَقُولُونَ:{أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50].
قَالَ الله عز وجل: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات: 50 - 52].
(1) في "تفسيره" ص 113 برقم (288).
(*) كذا بالأصل والصواب: ينادي.
قَالَ خليد العصري في قوله تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] قَالَ: في وسطها، ورأى جماجم تغلي، فَقَالَ فلان: والله، لولا أن الله عز وجل عرفه إياه لما عرفه، لقد تغير حبره وسبره (1)، فعند ذلك يقول:{إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56].
وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} الآيات [المدثر: 38 - 43].
روى أبو الزعراء، عن ابن مسعود، لا يترك في النار غير هؤلاء الأربعة، قَالَ: وليس فيهم من خير.
وفي حديث مسكين أبي فاطمة، عن اليمان بن يزيد، عن محمد بن حمير، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في خروج أهل التوحيد من النار، قَالَ:"ثم يقول الله لأهل الجنة: اطلعوا إِلَى من بقي في النار، فيطلعون إليهم فيَقُولُونَ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43]. أي إنا لم نك منهم، لو كنا لخرجنا معهم". خرّجه الإسماعيلي وغيره، وهو منكر كما سبق ذكره.
قَالَ الإمام أحمد: حدثنا علي بن حفص، حدثنا الثوري، عن أبي خالد، عن الشعبي، قَالَ: يشرف قوم في الجنة عَلَى قوم في النار، فيَقُولُونَ ما لكم في النار، وإنما كنا نعمل بما كنتم تعلمونا؟ فيَقُولُونَ: إنا كنا نعلمكم ولا نعمل به.
وقال سعيد بن بشير: عن قتادة: إن في الجنة كوى (2) إِلَى النار، فيطلع أهل الجنة من تلك الكوى إِلَى النار، فيَقُولُونَ: ما بال الأشقياء، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم؟ فقالوا: إنا كنا نأمركم [ولا نأتمر،](*) وننهاكم ولا ننتهي.
(1) الحبر: أثر الجَمَال والهيئة الحسنة، والسبر: حسن الهيئة والجمال.
(2)
الكوة: الحرق في الحائط، والثقب في البيت.
(*) من المطبوع.
وقال معمر، عن قتادة، قَالَ كعب: إن بين أهل النار وأهل الجنة كوى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إِلَى عدوه من أهل النار إلَاّ فعل.
وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا عبد الله بن عتاب، عن الفزاري، قَالَ: لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب، باب يدخل عليه زواره من الملائكة، وباب يدخل عليه أزواجه من الحور العين، وباب مقفل في ما بينه وبين أهل النار، يفتحه إذا شاء أن ينظر إليهم لتعظم النعمة عليه، وباب فيما بينه وبين دار السلام، يدخل فيه عَلَى ربه إذا شاء.
وخرج ابن أبي حاتم بإسناده، عن الضحاك، في قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الأَرَائِكِ} [المطففين: 34، 35]. من الدر والياقوت {يَنظُرُون} . يعني عَلَى السرر ينظرون، كان ابن عباس يقول: السرر بين الجنة والنار، فيفتح أهل الجنة الأبواب، فينظرون عَلَى السرر إِلَى أهل النار كيف يعذبون، ويضحكون منهم، ويكون ذلك مما يقر الله به أعينهم، أن ينظروا إِلَى عدوهم كيف ينتقم الله منه.
وخرج البيهقي (1) وغيره (2) من حديثِ عليِّ بنِ أبي سارةَ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً من أهل الجنةِ يشرفُ يومَ القيامةِ على أهلِ النارِ، فيناديه رجلٌ من أهلِ النارِ: يا فلانُ هل تعرفُني؟
فيقولُ: لا واللهِ، لا أعرفُك من أنتَ؟
فيقولُ: أنا الذي مررتَ بي في دارِ الدنيا فاستسقيتني شربةَ ماء فسقيتُك، قال: قد عرفتُ،، قَالَ: فاشفع لي بها عند ربك، قَالَ: فيسأل الله عز وجل ويقول: "شفعني فيه. فيؤمر به فليخرج من النار".
(1) عزاه المنذري في الترغيب (2/ 39 - علمية) للبيهقي في "الشعب".
(2)
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(3490)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 202) وقال ابن عدي. وهذه الأحاديث التي ذكرتها لعلي بن أبي سارة عن ثابت كلها غير محفوظة، وله غير ذلك عن ثابت مناكير أيضاً.