الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنَّه أرضى لك أن أوقد نارًا عظيمة فأقع فيها فعلت، ولو أعلم أنَّه أرضى لك عني أن ألقي نفسى في الماء فأُغرق نفسي فعلت، وإني لا أقول هذا إلا أريد وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيّبني وأنا أريد وجهك (1).
وقُتل لبعض الصالحين ولدان في الجهاد، فعزّاه الناس فيهما فبكى وقال: ما أبكى لفقدهما، إِنَّمَا أبكي كيف كان رضاهما عن الله حيث أخذتهما السيوف.
وكان بعض العارفين يطوف بالبيت، فهجمت القرامطة عَلَى الناس فقتلوهم في الطواف، فوصلوا إِلَيْهِ فلم يقطع الطواف حتى سقط من ضرب السيوف صريعًا فأنشد:
ترى المحبين صرعى في ديارهم
…
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
أقل ثمن المحبة بذل الروح:
بدم المحب يباع وصلهم
…
فمن الَّذِي يبتاع بالثمن
قال بعض العارفين: إن كنت تسمح ببذل روحك في هذه الطريق، وإلا فلا تشتغل بالترهات:
خاطر بروحك في هوانا واسترح
…
إن شئت تحظى بالمحِّل الأعظم
لا يشغَلَنَّك شاغل عن وصلنا
…
وانهض عَلَى قدم الرجاء وقدَّم
ولما كانت محبة الله عز وجل لها لوازم، وهي محبة ما يحبه الله عز وجل من الأشخاص والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، سأل النبي صلى الله عليه وسلم الله مع محبته محبة شيئين آخرين.
أحدهما: محبة من يحب ما يحبه الله تعالى.
فإن من أحبَّ الله أحبَّ أحبَّاءه فيه ووالاهم، وأبغض أعداءه وعاداهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 142 - 143) عن عمار بنحوه.
أَحَبّ إِلَيْهِ مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
…
" (1). الحديث.
وأعظم من تجب محبته في الله أنبياؤه ورسله، وأعظمهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الَّذِي افترض الله عَلَى الخلق كلهم متابعته، وجعل متابعته علامةً لصحة محبته كما قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وتوعد من قدم محبة شيء من المخلوقين عَلَى محبته ومحبة رسوله ومحبة الجهاد في سبيله في قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} [التوبة: 24].
ووصف المحبين له باللين للمؤمنين: من الرأفة بهم والرحمة والمحبة لهم، والشدة عَلَى الكافرين: من البغض لهم والجهاد في سبيله، فَقَالَ تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
والثاني: محبة ما يحبه الله تعالى من الأعمال وبها يبلغ إِلَى حبه.
وفي هذا إشارة إِلَى أن درجة المحبة لله إِنَّمَا تُنال (بطاعته)(*) وبفعل ما يحبه، فإذا امتثل العبد أوامر مولاه وفعل ما يحبه أحبه الله تعالى ورقّاه إِلَى درجة محبته كما في الحديث الإلهي الَّذِي خرّجه البخاري:"وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"(2).
فأفضل ما استجلبت به محبة الله فعلُ الواجبات، وتركُ المحرَّمات، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وجدان حلاوة الإيمان أن يكره أن يرجع إِلَى الكفر كما يكره أن يلقى في النار.
(1) أخرجه البخاري (16) ومسلم (43) عن أبي هريرة.
(*) بطاعة الله: "نسخة".
(2)
أخرجه البخاري (6502) عن أبي هريرة.
وسئل ذو النون: متى أَحَبّ ربي؟
قال: إذا كان ما يكرهه عندك أمرَّ من الصبر.
ثم بعد ذلك الاجتهاد في نوافل الطاعات، وتركُ دقائق المكروهات والمشتبهات.
ومن أعظم ما تحصل به محبة الله من النوافل: تلاوة القرآن، وخصوصًا مع التدبر، قال ابن مسعود: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فمن أَحَبّ القرآن فهو يحب الله ورسوله.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال: إني أَحَبّ سورة (قل هو الله أحد) لأنها صفة الرحمن. فَقَالَ: "أخبروه أن الله يحبه"(1).
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة خطب، فَقَالَ في خطبته:"إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره عَلَى ما سواه من الأحاديث، إنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا من أَحَبّ الله، أحبوا الله من كل قلوبكم"(2).
وكان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ثم فتر عن ذلك فرأى في المنام قائلاً يقول له:
إن كنت تزعم حبي
…
فلم جفوت كتابي
أما تدبّرت ما فيـ
…
ـه من لطيف عتابي
فاستيقظ وعاد إِلَى تلاوته.
ومن الأعمال التي توصل إِلَى محبة الله تعالى وهي من أعظم علامات المحبين: كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان.
(1) أخرجه البخاري (7375)، ومسلم (813) عن عائشة.
(2)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 524 - 525) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلاً.
قال بعضهم: ما أدمن أحد ذكر الله إلا وأفاد منه محبة الله.
وقال ذو النون: من أدمن ذكر الله قذف الله في قلبه نور الاشتياق إِلَيْهِ.
وقال بعض التابعين: علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لن تحب شيئًا إلا أكثرت ذكره.
وقال فتح الموصلي: المحب لله لا يجد مع حب الله للدنيا لذة، ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين.
المحبون إن نطقوا نطقوا بالذكر، وإن سكتوا اشتغلوا بالفكر:
فإن نطقتُ فلم ألفظ بغيركم
…
وإن سكتُّ فأنتم عقد إضماري
ومن علامات المحبين لله وهو مما يحصل به المحبة أيضاً حب الخلوة بمناجاة الله تعالى، وخصوصًا في ظلمة الليل:
الليل لي ولأحبابي (أحادثهم)(*)
…
وأنتجيهم لي يسمحوا بوصالي
قال الفضيل: يقول الله عز وجل: كذب من ادعى محبتي فإذا جنَّه الليل نام عني، أليس كل (حبيب)(**) يحب خلوة حبيبه، ها أنا مطَّلع عَلَى أحبابي إذا جنَّهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم، ومثلت نفسي بين أعينهم (1)، فخاطبوني عَلَى المشاهدة، وكلموني عَلَى حضوري، غدًا أقر عين أحبابي في جناني:
تنام عيناك وتشكوا الهوى
…
لو كنت صبًّا لم تكن نائمًا
قلوب المحبين جمرة تحت فحمة الليل، كلما هب عليها نسيمُ السحر التهبت،
يذكرني مرّ النسيم عهودكم
…
فأزداد شوقًا كلما هبت الريح
(*) أسامرهم: "نسخة".
(**) محب: "نسخة".
(1)
قال الشيخ جاسم الدوسري: تعالى الله عز وجل عن مثل هذا الكلام، ولا أدري كيف يصبح القول عَلَى الله بهذه السهولة واليسر نسأل الله السلامة.
أراني إذا ما أظلم الليل أَشْرَقَتْ
…
بقلبي من نار الغرام مصابيح
كلما جنَّ الغاسق حَنَّ العاشق:
لو أنك أبصرت أهل الهوى
…
إذا غابت الأنجم الطلع
فهدا ينوح عَلَى ذنبه
…
وهذا يصلي وذا يركع
من لم يكن له مثل تقواهم لم يدر ما الَّذِي أبكاهم، ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الَّذِي آلم قلب يعقوب.
[وسُئل السري السقطي عن حاله فأنشد:](*).
من لم يبت والحب حشو فؤاده
…
لم يدر كيف تفتت الأكباد
أين رجال الليل؟! أين ابن أدهم والفضيل؟! ذهب الأبطال وبقي كل بطال، يا من رضي من الزهد بالزي، ومن الفقر بالاسم، ومن التصوف بالصوف، ومن التسبيح بالسبح، أين فضل الفضيل؟! أين جد الجنيد؟! أين سر السري؟! أين بشر بشر؟! أين همة ابن أدهم؟! ويحك إن لم تقدر عَلَى معرفة معروف فاندب عَلَى ربع رابعة
هاتيك ربوعهم وفيها كانوا
…
بانوا عنها فليتهم ما بانوا
ناديتُ وفي حشاشتي نيران
…
يا دار متى تحوَّل السكان؟!
يا من كان له قلب فانقلب، يا من كان له وقت مع الله فذهب، قيام الأسحار يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك عَلَى انقطاعك:
تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا
…
وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا
وأقسمتم أن لا تحولوا عن الهوى
…
فقد وحياة الحبِّ حلتم وما حلنا
ليالي كنا نجتني من ثماركم
…
فقلبي إِلَى تلك الليالي لقد حنّا
(*) من المطبوع.
إخواني! مجالسُ الذكر شراب المحبين، وترياق المذنبين {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60]، مجالس الذكر مآتم الأحزان، فهذا يبكي لذنوبه، وهذا يندب لعيوبه وهذا يتأسف عَلَى فوات مطلوبه، وهذا يتلهف لإعراض محبوبه، وهذا ييوح بوجده، وهذا ينوح عَلَى (فقده)(*).
ما أذكر عيشنا الَّذِي قد سلفا
…
إلا وجف القلبُ وكم قد وجفا
واهًا لزماننا الَّذِي كان صفا
…
وا أسفًا وهل يَرُدُّ فائتًا واأسفا
يا ليتنا بزمزم والحجر
…
(يا حيرتنا)(**) قُبيل يوم النَّفر
هل يرجع صفو ما مضى من عمري
…
أدري ما كان ليتني لا أدري
كأني أرى الخلع خُلعت عَلَى المقبولين، كأني أرى الملائكة تصافح التائبين، تعالوا نبكي عَلَى المطردوين:
ما زالت دهرًا (للقلى) (
…
) متعرضا
…
ولطالما قد كنت عنا معرضا
جانبتنا دهرًا فلما لم تجد
…
عوضًا سوانا صرت تبكي ما مضى
لو كنت لازمت الوقوف ببابنا
…
للبست من إحساننا خلع الرضا
لكن تركت حقوقنا وهجرتنا
…
فلذاك ضاق عليك متسع الفضا
تم الكتاب بحمد الله
وحسن توفيقه وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
…
(*) بعده: "نسخة".
(**) ترى حيرتنا: "نسخة".
(
…
) للرضا: "نسخة".
التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال شيخنا، الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ الإسلام، أوحد الأعلام، بركة الأنام؛ حافظ مصر والشام، أبو الفرج عبد الرحمن زين الدين ابن رجب البغدادي الحنبلي، فسح الله في مدته:
الحمد لله العزيز المجيد، ذي البطش الشديد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإِنذار بها والوعيد، المكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد، فسبحان من قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].
أحمده وهو أهل الحمد والثناء والتمجيد، وأشكره، ونعمه بالشكر تدوم وتزيد.
وأشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، ولا كفو ولا عدل ولا ضد ولا نديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إِلَى التوحيد، الساعي بالنصح إِلَى القريب والبعيد، المحذر للعاصين من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفذ نعيمها ولا يبيد.
صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تزال على كر الجديدين في تجديد، وسلم تسليمًا.
أما بعد، فإن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة عَلَى عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا (أكثر)(*) سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إِلَى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إِلَى خشيته
(*) في حاشية الأصل، كرر:"نسخة".
وتقواه، والمسارعة إِلَى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السنة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب، وكذلك سيرة السَّلف الصالح أهل العِلْم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي رقاهم إِلَى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلاً عن المحرمات، ولهذا قال بعض السَّلف:
خوف الله تعالى حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدُّنْيَا وعوارض الشبهات.
وقد ضمن الله سبحانه الجنة لمن خافه من أهل الإِيمان، فَقَالَ تعالى:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].
قال: مجاهد: في هذه الآية الله قائم عَلَى كل نفس بما كسبت، فمن أراد أن يعمل شيئًا فخاف مقام ربه عليه فله جنتان.
وعنه أنَّه قال: هو الرجل يذنب فيذكر مقام الله فيدعه.
وعنه قال: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيتركها.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه وأدوا فرائضه الجنة (1).
وعن الحسن، قال قالت الجنة: يا رب لمن خلقتني، قال: لمن يعبدني وهو يخافني.
وقال يزيد بن عبد الله بن الشخير: كنا نحدث أن صاحب النار الَّذِي لا تمنعه مخافة الله من شيء خفي له.
وعن وهب بن منبه، قال: ما عبد الله بمثل الخوف.
وقال أبو سليمان الداراني: أصل كل خير في الدُّنْيَا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وكل قلب ليس فيه خوف الله فهو قلب خرب.
(1) أخرجه ابن جرير في "تفسيره"(27/ 145 - حلبي).
وقال وهيب بن الورد: بلغنا أنَّه ضرب لخوف الله مثل في الجسد، قيل: إِنَّمَا مثل خوف الله كمثل الرجل يكون في منزله فلا يزال عامرًا ما دام فيه ربه، فإذا فارق المنزل ربه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف الله تعالى إذا كان في الجسد لم يزل (معمورًا)(*) ما دام فيه خوف الله، فإذا فارق خوف الله الجسد خرب، حتى إن المار يمر في المجلس من الناس فيَقُولُونَ: بئس العبد فلان، فيقول بعضهم لبعض: ما رأيتم منه، فيَقُولُونَ: ما رأينا منه شيئًا إلا أنا نبغضه، وذلك أن خوف الله تعالى فارق جسده، وإذا مر بهم الرجل فيه خوف الله، قالوا: نعم والله الرجل، فيَقُولُونَ: أي شيء رأيتم منه: فيَقُولُونَ: ما رأينا منه شيئًا غير أنا نحبه، وذلك أن خوف الله سكن قلبه.
وقال الفضيل بن عياض: الخوف أفضل من الرجاء ما كان الرجل صحيحًا، فإذا نزل الموت فالرجاء أفضل.
وسئل ابن المبارك عن رجلين أحدهما خائف والآخر قتل في سبيل الله عز وجل، قال: أحَبهما إِلَيَّ أخوفهما.
وقد استخرت الله تعالى في جمع كتاب أذكر فيه صفة النار، وما أعد الله فيها لأعدائه من الخزي والنكال والبوار، ليكون بمشيئة الله قامعًا للنفوس عن غَيِّها وفسادها، وباعثًا إِلَى المسارعة إِلَى فلاحها وإرشادها فإن النفوس ولا سيما في هذه الأزمان قد غلب عليها الكسل والتواني، واسترسلت في شهواتها وأهوائها وتمنت علي الله الأماني، والشهوات لا يذهبها من القلوب إلا أحد أمرين، إما خوف مزعج محرق، أو شوق مبهج مقلق، وسميته "كتاب التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار" وقسمته ثلاثين بابًا، والله المسؤول أن يجيرنا من النار، وأن يجعل بيننا وبينها حجابًا بمنه وكرمه.
الباب الأول: في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها.
الباب الثاني: في الخوف من النار وأحوال الخائفين.
الباب الثالث: في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها.
(*) في حاشية الأصل، عامرًا:"نسخة".
الباب الرابع: في أن البكاء من خشية النار ينجي منها، وأن التعوذ بالله من النار يوجب الإِعاذة منها.
الباب الخامس: في ذكر مكان جهنم.
الباب السادس: في ذكر طبقاتها وأدراكها وصفتها.
الباب السابع: في ذكر قعرها وعمقها.
الباب الثامن: في ذكر أبوابها وسرادقها.
الباب التاسع: في ذكر ظلماتها وشدة سوادها.
الباب العاشر: في ذكر شدة حرها وزمهريرها.
الباب الحادي عشر: في ذكر سجر جهنم وتسعرها.
الباب الثاني عشر: في ذكر تغيظها وزفيرها.
الباب الثالث عشر: في ذكر دخانها وشررها ولهبها.
الباب الرابع عشر: في ذكر أوديتها وجبالها وآبارها وعيونها وأنهارها.
الباب الخامس عشر: في ذكر سلاسلها وأغلالها وأنكالها.
الباب السادس عشر: في ذكر حجارتها.
الباب السابع عشر: في ذكر حياتها وعقاربها.
الباب الثامن عشر: في ذكر طعام أهل النار وشرابهم فيها.
الباب التاسع عشر: في ذكر كسوة أهل النار ولباسهم.
الباب العشرون: في ذكر عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيآتهم.
الباب الحادي والعشرون: في ذكر أنواع عذاب أهل النار، وتفاوتهم في العذاب بحسب أعمالهم.
الباب الثاني والعشرون: في ذكر بكائهم، وزفيرهم وشهيقهم، وصراخهم، وعويلهم الَّذِي لا يستجاب لهم.
الباب الثالث والعشرون: في ذكر نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار، وكلام بعضهم بعضًا.
الباب الرابع والعشرون: في ذكر خزنة جهنم وزبانيتها.
الباب الخامس والعشرون: في ذكر مجيء النار يوم القيامة وخروج عنق منها يتكلم.
الباب السادس والعشرون: في ضرب الصراط عَلَى متن جهنم ومرور الموحدين عليه.
الباب السابع والعشرون: في ذكر ورود النار.
الباب الثامن والعشرون: في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين.
الباب التاسع والعشرون: في ذكر أكثر أهل النار.
الباب الثلاثون: في ذكر صفات أهل النار وأصنافهم وأقسامهم.
***