المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها - مجموع رسائل ابن رجب - جـ ٤

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول في ذكر الكفَّارات

- ‌السبب الثاني من مكفّرات الذنوب: المشيُ عَلَى الأقدام إِلَى الجماعات وإلى الجُمُعات

- ‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات

- ‌الفصل الثاني في ذكر الدرجات المذكورة في حديث معاذ

- ‌الفصل الثالث في ذكر الدعوات المذكورة في هذا الحديث

- ‌ومحبة الله عَلَى درجتين:

- ‌أقل ثمن المحبة بذل الروح:

- ‌الباب الأول في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها

- ‌الباب الثاني في ذكر الخوف من النار وأحوال الخائفين

- ‌فصل [الخوف من عذاب جهنم لا يخرج عنه أحد]

- ‌فصل [في القدر الواجب من الخوف]

- ‌فصل [من السَّلف من كان إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله]

- ‌فصل من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم

- ‌فصل ومنهم من منعه خوف النار من الضحك

- ‌فصل ومنهم من حديث له من خوفه من النار مرض، ومنهم من مات من ذلك

- ‌فصل أحوال بعض الخائفين

- ‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها

- ‌فصل وهذه النار التي في الدُّنْيَا تخاف من نار جهنم:

- ‌الباب الرابع في أن البكاء من خشية النار ينجي منها وأن التعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها

- ‌فصل[التعوذ من النار]

- ‌الباب الخامس في ذكر مكان جهنم

- ‌فصل [البحار تسجر يوم القيامة]

- ‌الباب السادس في ذكر طبقاتها وأدراكها وصفتها

- ‌الباب السابع في ذكر قعرها وعمقها

- ‌فصل سعة جهنم طولا وعرضًا

- ‌الباب الثامن في ذكر أبوابها وسرادقها

- ‌فصل وقد وصف الله أبوابها أنها مغلقة عَلَى أهلها

- ‌فصل [إحاطة سرادق جهنم بالكافرين]

- ‌فصل وأبواب جهنم قبل دخول أهلها إليها يوم القيامة مغلقة

- ‌الباب التاسع في ذكر ظلمتها وشدة سوادها

- ‌الباب العاشر في شدة حرها وزمهريرها

- ‌فصل [في زمهرير جهنم بيت يتميز فيه الكافر من برده]

- ‌الباب الحادي عشر في ذكر سجر جهنم وتسعيرها

- ‌فصل وجهنم تسجر كل يوم نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أحيانًا في غير نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أيضاً يو القيامة

- ‌فصل وتسجر عَلَى أهلها بعد دخولهم إليها

- ‌الباب الثاني عشر في ذكر تغيظها وزفيرها

- ‌الباب الثالث عشر في ذكر فى دخانها وشررها ولهبها

- ‌الباب الرابع عشر في ذكر أوديتها وجبالها وآبارها وجبابها وعيونها وأنهارها

- ‌فصل [في تفسير قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}]

- ‌فصل [في أودية جهنم]

- ‌فصل في جهنم واد هو: جب الحزن

- ‌الباب الخامس عشر - في ذكر سلاسلها وأغلالها وأنكالها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ولهم مقامع من حديد

- ‌الباب السادس عشر - في ذكر حجارتها

- ‌الباب السابع عشر - في ذكر حياتها وعقاربها

- ‌الباب الثامن عشر - في ذكر طعام أهل النار وشرابهم فيها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في تنغص السَّلف عَلَى عند ذكر طعام أهل النار

- ‌الباب التاسع عشر في ذكر كسوة أهل النار ولباسهم

- ‌فصل في أن سرابيل أهل النار من قطران

- ‌فصل تفسير قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ

- ‌الباب العشرون في ذكر عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيئاتهم

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها

- ‌فصل في تسويد وجوه أهل النار ومد جسومهم

- ‌فصلذو الوجهين في الدُّنْيَا له وجهان من نار يوم القيامة

- ‌فصل ومنهم من تمسخ صورته عَلَى صورة قبيحة

- ‌فصل في نتن ريح أهل النار

- ‌الباب الحادي والعشرون في ذكر أنواع عذاب أهل النار فيها وتفاوتهم في العذاب بحسب أعمالهم

- ‌فصل ومن عذاب أهل النار: الصهر

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: التي تطلع عَلَى الأفئدة

- ‌فصل ومن أنواع عذابهم سحبهم في النار عَلَى وجوههم

- ‌فصل

- ‌فصل ومنهم من يدور في النار ويجر معه أمعاءه

- ‌فصل ومن أهل النار من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة

- ‌فصل

- ‌فصل ومن أهل النار من يتأذى بعذابه أهل النار، إما من نتن ريحه، أو غيره:

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ويأتيه الموت من كل مكان

- ‌فصل وعذاب الكفار في النار، لا يفتر عنهم، ولا ينقطع، ولا يخفف، بل هو متواصل أبدًا

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يتحف به أهل النار عند دخولهم إليها -أجارنا الله منها

- ‌الباب الثاني والعشرون في ذكر بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الَّذِي لا يستجاب لهم

- ‌فصل في طلب أهل النار الخروج منها

- ‌فصل

- ‌فصل وأما عصاة الموحدين، فربما ينفعهم الدعاء في النار

- ‌الباب الثالث والعشرون في ذكر نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار وكلام بعضهم بعضًا

- ‌الباب الرابع والعشرون في ذكر خزنة جهنم وزبانيتها

- ‌فصل وقد وصف الله الملائكة الذين عَلَى النار، بالغلظة والشدة

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ

- ‌فصل تفسير قوله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ

- ‌الباب الخامس والعشرون في ذكر مجيء النار يوم القيامة وخروج عنق منها يتكلم

- ‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط عَلَى متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه

- ‌الباب السابع والعشرون - في ذكر ورود النار نجانا الله منها بفضله ورحمته

- ‌فصل إذا وقف العبد بين يدي الله تستقبله النار

- ‌الباب الثامن والعشرون في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين

- ‌فصل حسن الظن بالله تعالى

- ‌الباب التاسع والعشرون في ذكر أكثر أهل النار

- ‌الباب الثلاثون في ذكر صفات أهل النار وأصنافهم وأقسامهم

- ‌فصل في ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين

- ‌الأصل العظيم

- ‌بيان معنى الباء في الآية والحديث

- ‌الحمد لله ثمن كل نعمة

- ‌بيان معنى النعم وأنّ الحمد منها

- ‌الجنة والعمل من فضل الله تعالى

- ‌الشقاء والسعادة بعدله ورحمته جلَّ وعلا

- ‌ما يجب عَلَى العبد معرفته

- ‌الاشتغال بالشكر أعظم النعم

- ‌العمل لا يوجب النجاة

- ‌الاعتراف بفضل الله عز وجل

- ‌ما عَلَى العبد للفوز والنجاة

- ‌بيان أَحَبِّ الأعمال إِلَى الله

- ‌معنى سدِّدوا وقاربوا

- ‌بيان ما تفوَّق به الصحابة

- ‌قاعدة جليلة

- ‌بيان جملة من التيسير في التشريع

- ‌معنى الغدوة والروحة وأوقاتها وفضائلها

- ‌معنى القصد في السير

- ‌سلوك صراط الله عز وجل

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌فضل تقرب العبد إِلَى الله عز وجل

- ‌أنواع الوصول إِلَى الله تعالى

- ‌حال من التزم الإِسلام أو الإِيمان أو الإِحسان

- ‌فضل وَقْتَي الغَدّاة والعَشِي والمقصود بهما

- ‌حال من ركن إِلَى الآخرة ومن ركن إِلَى الدُّنْيَا

- ‌فصل في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]

- ‌بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌النوع الرابع:

- ‌النوع الخامس

- ‌النوع السادس

- ‌النوع السابع

- ‌هم الدُّنْيَا وشقاء الآخرة

- ‌الحذر…الحذر

الفصل: ‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها

‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها

النار خلقها الله تعالى لعصاة الإنس والجن، وبهما تمتلئ، قَالَ الله تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 179].

وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119].

وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ} [الأنعام: 128].

وقال تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].

وقال تعالى حاكيًا عن الجن الذين استمعوا القرآن: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 14، 15].

وقال تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلى قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 31 - 40].

ص: 134

ولهذا رُوي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قرأ هذه السورة عَلَى الجن (1)، وأبلغهم إياها، لما تضمنت ذكر خلقهم وموتهم وبعثهم وجزائهم.

وأما سائر الخلق، فأشرفهم الملائكة، وهم متوعدون عَلَى المعصية بالنار، وهم خائفون منها، قَالَ الله تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 26 - 29].

وقد استفاض عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن هاروت وماروت كانا ملكين، وأنهما خُيِّرا بعد الوقوع في المعصية، بين عذاب الدُّنْيَا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدُّنْيَا لعلمهما بانقطاعه.

وقد رُوي في ذلك حديث مرفوع، من حديث ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، خرّجه الإمام أحمد (2) وابن حبان في صحيحه (3)، لكن قد قيل: إن الصحيح

(1) كما في حديث جابر عند الترمذي برقم (3291) وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد، قَالَ ابن حنبل: كأن زهير بن محمد الَّذِي وقع بالشام ليس هو الذي يُروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعني لما يروون عنه من المناكير.

وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة.

(2)

(2/ 134).

(3)

برقم (1717 - موارد). قَالَ العجلوني في كشف الخفاء (2/ 439) هاروت وماروت وقصتهما مع الزهرة أخرجه أحمد وابن حبان وابن السني وآخرون عن ابن عمر مرفوعًا، وفي سنده موسى بن جبير قَالَ فيه ابن القطان: لا يعرف حاله، وقال ابن حبان: إنه يخطئ ويخالف، لكن تابعه معاوية بن صالح فرواه بنحوه عن نافع كما أخرجه ابن جرير في تفسيره.

وأورد ابن كثير الحديث في تفسيره (1/ 139 - دار الجيل) فَقَالَ: ذكر الحديث الوارد في ذلك إن صح سنده ورفعه وبيان الكلام عليه، ثم أورد الحديث بسنده=

ص: 135

أنه موقوف عَلَى كعب.

وخرج الإمام أحمد (1)، من حديث أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه سأل جبريل عليه السلام، فَقَالَ: ما لي لا أرى ميكائيل عليه السلام يضحك؟! قَالَ جبريل: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار.

وروى أيضاً في كتاب "الزهد" من حديث أبي عمران الجوني، قَالَ: بلغنا أن جبريل جاء إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبريل عليه السلام يبكي، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا جبريل؟ قَالَ: وما تبكي أنت يا محمد؟ ما جفت عيناي منذ

=ومتنه عند الإمام أحمد ثم قَالَ: وهكذا روأه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحي بن بكير به، وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا وهو الأنصاري السلمي مولاهم المدني الحذاء

ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" ولم يحك فيه شيئًا من هذا ولا هذا، فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورري له متابع من وجه آخر عن نافع كما قَالَ ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا هشام بن عَلَى ابن هشام حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا موسى بن سرجس، عن نافع، عن ابن عمر، سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بطوله.

وقال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: حدثنا القاسم، أخبرنا الحسين -وهو سنيد بن داود صاحب التفسير- أخبرنا الفرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن نافع قَالَ: سافرت مع ابن عمر

فذكر ابن كثير رواية ابن جرير مرفوعة ثم قَالَ: وهذان أيضًا غريبان جدًّا، وأقرب ما يكون في هذا أنّه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار لا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قَالَ عبد الرزاق في "تفسيره" عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار .. ثم ذكر ابن كثير رواية عبد الرازق ثم قَالَ: رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به، ورواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن عصام، عن مزمل، عن سفيان الثوري به، ثم ذكر ابن كثير رواية أخرى لابن جرير.

(1)

(3/ 224). قَالَ الهيثمي في المجمع (10/ 385): رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفة، وبقية رجال ثقات.

ص: 136

خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها" (1).

وقد رُوي نحوه من وجه آخر مرسلاً أيضاً.

وخرّجه الطبراني (2) من حديث محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا محمد ابن علي [بن خلف العطار، حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن عمر ابن علي](*) حدثنا أبي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، وإن جبريل جاء إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم حزينًا لا يرفع رأسه، فَقَالَ له: مالي أراك يا جبريل حزينًا؟! قَالَ: إني رأيت نفخة من جهنم، فلم ترجع إلي روحي بعد.

وقال: لم يرفعه عن زيد إلَاّ علي، تفرد به ابنه محمد بن علي بن خلف (3)، وهذا يدل عَلَى أن غيره وقفه.

وخرج الطبراني (4) أيضاً، من طريق سلام الطويل، عن الأجلح الكندي، عن عدي بن عدي الكندي، عن عمر بن الخطاب ور قَالَ: "جاء جبريل إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم في غير حينه الَّذِي كان يأتيه فيه، فَقَالَ له: يا جبريل مالي أراك متغير اللون؟

قَالَ: ما جئتك حتى أمر الله عز وجل بمنافخ النار.

قَالَ: يا جبريل، صف النار، وانعت لي جهنم" فذكر الحديث، وسنذكره إن شاء الله تعالى مفرقًا في الكتاب في مواضع، ثم قَالَ: فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي يا جبريل، لا ينصدع قلبي فأموت.

(1) وأخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "صفة النار"(216) وهو مرسل.

(2)

في الأوسط برقم (5340) وفيه: "لفحة" بدلا من "نفخة".

(*) من الأوسط للطبراني.

(3)

كذا بالأصل، وفي "المعجم الأوسط": لم يرو هذا حديث عن زيد بن أسلم إلَاّ علي بن عبد الله، تفرد به محمد بن علي بن خلف.

(4)

في "الأوسط"(2583) وقال: لا يروى هذا الحديث عن عمر إلَاّ بهذا الإسناد، تفرد به سلام.

قَالَ الهيثمي في المجمع (10/ 387): رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سلام الطويل، وهو مجمع عَلَى ضعفه.

ص: 137

قَالَ: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى جبريل وهو يبكي، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبكي يا جبريل، وأنت من الله بالمكان الَّذِي أنت فيه؟

فَقَالَ: وما لي لا أبكي، أنا أحق بالبكاء، لعلي أن أكون في علم الله، عَلَى غير الحال التي أنا عليها، وما أدري لعلي أبتلى بما ابتلي به إبليس، فقد كان من الملائكة، وما أدري لعلى أبتلى بما ابتلي به هاروت وماروت.

قَالَ: فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى جبريل عليه السلام، فما زالا يبكيان حتى نوديا: أن يا محمد ويا جبريل، إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه، فارتفع جبريل، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر بقوم من الأنصار يضحكون، فَقَالَ: تضحكون ووراءكم جهنم؟! فلو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، ولما أسغتم الطعام والشراب، ولخرجتم إِلَى الصعدات تجأرون إِلَى الله عز وجل فنودي:"يا محمد، لا تقنط عبادي، إِنَّمَا بعثتك ميسرًا"(*) ولم أبعثك معسرًا.

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا". وسلام الطويل: ضعيف جدًّا.

وروى ابن أبي الدُّنْيَا، من حديث أبي فضالة عن أشياخه، قَالَ: إن لله عز وجل ملائكة، لم يضحك أحدهم منذ خلقت النار، مخافة أن يغضب الله عليهم فيعذبهم.

وبإسناده عن بكر العابد، قَالَ: قلت لجليس لابن أبي ليلى -يكنى أبا الحسن-: أتضحك الملائكة؟.

قَالَ: ما ضحك مَنْ دون العرش منذ خلقت جهنم.

وعن محمد بن المنكدر قَالَ: لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة من أماكنها، فلما خلق ابن آدم عادت.

وروى أبو نعيم بإسناده عن طاووس، قَالَ: لما خلقت النار طارت أفئدة

(*) في الأصل: "مبشرا".

ص: 138

الملائكة، فلما خلق بنو آدم سكنت.

فأما البهائم والوحش والطير، فقد رُوي ما يدل عَلَى خوفها أيضاً.

قَالَ عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: بلغنا أنّه إذا كان يوم نوح داود عليه السلام يأتي الوحش من البراري، وتأتي السباع من الغياض، وتأتي الهوام من الجبال، وتأتي الطيور من الأوكار، وتجتمع الناس في ذلك اليوم، ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى المنبر، فيأخذ في الثناء عَلَى ربه، فيضجون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ بذكر الجنة والنار، فيموت طائفة من الناس وطائفة من السباع وطائفة من الوحوش وطائفة من الهوام وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات، ثم يأخذ بذكر الموت وأحوال القيامة فيأخذ بالنياحة عَلَى نفسه، فيموت طائفة من هؤلاء، ومن كل صنف طائفة. خرّجه ابن أبي الدُّنْيَا.

وأما غير الحيوان من الجمادات وغيرها، فقد أخبر الله عنها، أنها تخشاه، قَالَ الله تعالى:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74].

قَالَ ابن أبي نجيح: عن مجاهد: كل حجر يتفجر منه الماء فيتشقق عن ماء، تردى عن رأس جبل، فهو من خشية الله عز وجل، نزل بذلك القرآن.

وخرج الجوزجاني وغيره من طريق مجاهد عن ابن عباس، قَالَ: إن الحجر ليقع إِلَى الأرض، ولو اجتمع عليه الفئام من الناس، ما استطاعوه، لأنه يهبط من خشية الله.

قَالَ ابن أبي الدُّنْيَا (1): حدثني أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني، أنبأنا الفضل بن العباس -وكان من الأبدال، وكانت الدموع قد أثرت في وجهه، وكان يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة عَلَى رغيف -قَالَ: مر عيسى عليه السلام بجبل بين نهرين، نهر عن يمينه، ونهر عن يساره، ولا يدري من أين يجيء هذا الماء، [ولا

(1) في "صفة النار"(233).

ص: 139

إِلَى] (*) أين يذهب؟

قَالَ: أما الَّذِي يجري عن يساري فمن دموع عيني اليسرى، قَالَ: مم ذاك؟

قَالَ: من خوف ربي أن يجعلني من وقود النار.

قَالَ عيسى: فأنا أدعو الله عز وجل أن يهبك لي.

فدعا الله فوهبه له.

قَالَ عيسى: قد وهبت لي.

قَالَ: فجاء منه من الماء حتى احتمل عيسى فذهب به.

فَقَالَ عيسى: اسكن بعزة الله، فقد استوهبتك من ربي فوهبك لي فما هذا؟

قَالَ: فأما البكاء الأول فبكاء الخوف، وأما البكاء الثاني فبكاء الشكر.

قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إن القمر ليبكي من خشية الله.

قَالَ طاووس: إن القمر ليبكي من خشية الله ولا ذنب له، ولا يسأل عن ذنب ولا يجازى به.

(*) من المطبوع، وفي "صفة النار": من أين يجيء وأين يذهب.

ص: 140