الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في شراب أهل النار
وأما شرابُهم فقالَ اللَّهُ تعالى: {فَشَارِبونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيم} [الواقعة: 54].
وقالَ تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].
وقالَ تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 24 - 25].
وقالَ تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص: 57 - 58].
وقال تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ (1) وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 16 - 17}.
وقالَ تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (2)[الكهف: 29].
فهذه أربعة أنواع من شوابهم، ذكرها الله في كتابه:
النوع الأولي: الحميم.
قَالَ عبد الله بن عيسى الخزاز (*)، عن أبي رواد، عن عكرمة، عن ابن عباس: الحميم: الحار الَّذِي يحرق.
(1)"يتجرعه": أي يتكلف بلعه لحرارته ومرارته. "لا يكاد يسيغه": أي يبتلعه لشدة كراهته ونتنه.
(2)
"مرتفقا": أي متكئًا أو مقرًّا.
(*) في الأصل: "الحراز"، والمثبت من حاشية الأصل وهو الصواب، وانظر الإكمال لابن ماكولا (2/ 183).
وقال الحسن والسدي: الحميم: الَّذِي قد انتهى حره.
وقال جويبر عن الضحاك: يسقى من حميم يغلي منذ خلق الله السماوات والأرض، إِلَى يوم يسقونه، ويصب عَلَى رؤوسهم.
وقال ابن وهب، عن ابن زيد الحميم: دموع أعينهم في النار، تجتمع في حياض النار، فيسقونه، وقال تعالى:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44].
قَالَ محمد بن كعب: حميم آن: حاضر، وخالفه الجمهور، فقالوا: بل المراد بالآن: ما انتهى حره.
وقال شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس: حميم آن: الَّذِي قد انتهى غليه (1).
وقال سعيد بن بشير عن قتادة: قد آن طبخه، منذ خلق الله السماوات والأرض. وقال الله تعالى:{تسقى من عين آنية} قَالَ مجاهد: قد بلغ حرها، وحان شربها.
وعن الحسن، قَالَ: كانت العرب تقول للشيء، إذا انتهى حره، حتى لا يكون شيء أحر منه: قد أنى حره.
فقالَ اللَّهُ عز وجل: "مِنْ عَينٍ آنِيَة" يقول قد أوقدَ اللَّهُ عليها جهنمَ منذُ خُلقتْ، وآنى حرُّها.
وعنه قال: آنَ طبخُها منذُ خلقَ اللَّهُ السمواتِ والأرضَ.
وقال السديُّ: انتهى حرُّها، فليس بعدَه حرٌّ.
وقد سبقَ حديثُ أبي الدرداء، في دفع الحميم إليهم بكلاليبِ الحديدِ.
النوع الثاني: الغسَّاقُ.
قَالَ ابن عباس: الغساق: ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه.
وعنه قَالَ: الغساق: الزمهرير البارد، الَّذِي يحرق من برده.
وعن عبد الله بن عمرو قَالَ: الغساق: القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق
(1) أخرجه الطبري في "تفسيره"(27/ 144) من طريق آخر مسلسل بالضعفاء.
في المغرب، لأنتنت أهل المشرق، ولو تهراق في المشرق، لأنتنت أهل المغرب.
وقال مجاهد: غساق: الَّذِي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده.
وقال عطية: هو ما يغسق من جلودهم -يعني يسيل من جلودهم.
وقال كعب: غساق: عين في جهنم يسيل إليها (1) حمة كل ذي حمة، من حية وعقرب أو غير ذلك، فيستنقع، فيؤتى بالآدمي، فيغمس فيها غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام، ويتعلق جلده ولحمه في عقبيه وكعبيه، ويجر لحمه، كما يجر الرجل ثوبه.
وقال السدي: الغساق: الَّذِي يسيل من أعينهم من دموعهم، يسمونه مع الحميم.
وروى دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لو أن دلوًا من غسَّاقٍ، يُهرَاقُ في الدنيا، لأنتنَ أهلَ الدُّنيا" خرَّجَه الإمامُ أحمدُ (2) والترمذيُّ (3) والحاكم (4) وصححه.
وقال بلال بن سعد: لو أن دلوًا من الغساق، وضع عَلَى الأرض، لمات من عليها.
وعنه قَالَ: لو أن قطرة منه، وقعت عَلَى الأرض، لأنتنت ما فيها. خرجهما أبو نعيم.
فقد صرح ابن عباس، في رواية عنه، ومجاهد، بأن الغساق هنا هو البارد الشديد البرد.
ويدل عليه قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}
(1) الحُمَة: بالتخفيف: السم، وقد يُشَدّد.
(2)
(3/ 28، 83).
(3)
برقم (2584) وقال: هذا حديث إِنَّمَا نعرفه من حديث رشدين بن سعد، وفي رشدين مقال، وقد تُكلِّمَ فيه من قبل حفظه.
(4)
(2/ 602).
[النبأ: 24 - 25] فاستثنى من البرد الغساق ومن الشراب الحميم.
وقد قيل: إن الغساق هو البارد المنتن، وليس بعربي.
وقيل: إنه عربي، وإنه فعال من غسق، يغسق، والغاسق: الليل، وسمي غاسقًا لبرده.
النوع الثالث: الصديد.
قال مجاهد في قولِه تعالى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16] قَالَ: يعني القيح والدم.
وقال قتادة في قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} قَالَ: ما يسيلُ من بينِ لحمِه وجلدهِ.
قالَ: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17] قالَ قتادةُ: هلْ لكُم بهذا يدانِ، أم لكُم على هذا صبر؟ طاعةُ اللَّهِ أهونُ عليكُم يا قوم فأطيعُوا اللَّهَ ورسولَه.
وخرَّج الإمامُ أحمدُ (1) والترمذيُّ (2)، "من حديثِ أبي أمامةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في قوله:{وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم: 16، 17] قال: يقربُ إلى فيه فيكرهُهُ، فإذا أُدني منه، شَوى وجهَه، ووقعت فروةُ رأسِه، فإذا شَرِبه قطَّعَ أمعاءَه، حتَّى يخرجَ من دبرِه، يقولُ اللَّهُ تعالى:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].
وقال: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29].
وروى أبو يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس، قَالَ: في جهنم أودية من قيح تكتاز، ثم تصب في فيه.
وفي صحيح مسلم (3) عن جابر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إن عَلَى الله عهدًا،
(1)(5/ 265).
(2)
برقم (2583) وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وهكذا قَالَ محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر، ولا نعرف عبد الله بن بسر إلَاّ في هذا الحديث.
(3)
برقم (2002).
لمن شَرِبَ المسكر أن يسقِيَه من طينةِ الخبالِ.
قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟
قَالَ: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار".
وخرج الإمام أحمد (1) والنسائي (2) وابن ماجه (3) وابن حبان في "صحيحه"(4) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوه، إلَاّ أنّه ذكر ذلك في المرة الرابعة. وفي بعض الروايات:"من عين الخبال"(5).
[وخرج الترمذي (6)، من حديث عبد الله بن عمر، نحوه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قَالَ: "من نهر الخبال"](*).
قيل: يا أبا عبد الرحمن ما نهر الخبال؟
قَالَ: نهر من صديد أهل النار. وقال: حديث حسن.
وخرج أبو داود (7)، من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال:"من طينة الخبال".
قيل: يا رسول الله، ما طينة الخبال؟
قَالَ: "صديد أهل النار".
وفي رواية أخرى، قَالَ:"ما يخرج من زهومة (8) أهل النار وصديدهم".
وخرّجه الإمام أحمد بمعناه أيضًا من حديث أبي ذر (9) وأسماء بنت يزيد (10)،
(1)(2/ 178).
(2)
لم أجده عند النسائي بلفظ أحمد.
(3)
برقم (3377).
(4)
برقم (1378 - مواردّ).
(5)
أخرجه البزار في البحر الزخار (2469)، والحاكم (4/ 162) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(6)
برقم (1862).
(*) من المطبوع.
(7)
برقم (3680).
(8)
زهومة: الريح المنتنة.
(9)
(5/ 171).
(10)
(6/ 460).
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
وخرّجه الإمام أحمد (1) وابن حبان (2) في صحيحه، من حديث أبي موسى عن النّبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "من مات، مدمن خمر، سقاه الله من نهر الغوطة. قيل: وما نهر الغوطة؟
قَالَ: نهر يخرج من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهم".
وقد سبق حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في المتكبرين، وفيه:"يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال".
النوعُ الرَّابعُ: الماءُ الذي كالمهلِ.
خرج الإمام أحمد (3) والترمذي (4)، من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله: كالمهل قَالَ: "كعكر الزيت، فَإِذَا قرب إِلَى وجهه، سقطت فروة وجهه فيه".
قَالَ عطية: سئل ابن عباس عن قوله: "كالمهل" قَالَ: غليظ. كدردي الزيت (5).
قَالَ علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أسود كمهل الزيت (6).
وكذا قَالَ سعيد بن جبير وغيره.
(1)(4/ 399).
(2)
برقم (1380 - موارد).
(3)
(3/ 71).
(4)
برقم (2584) وقال: هذا حديث إِنَّمَا نعرفه من حديث رشدين بن سعد، وفي رشدين مقال، وقد تكلم فيه من قبل حفظه.
(5)
أخرجه الطبري في تفسيره (25/ 131) من طريق قابوس عن أبيه عن ابن عباس دون قوله: "غليظ".
وأخرجه الطبري (15/ 240) بإسناد مسلسل بالضعفاء قَالَ: هو ماء غليظ مثل دردي الزيت.
(6)
أخرجه الطبري (25/ 131).
وقال الضحاك: أذاب ابن مسعود فضة بيت المال، ثم أرسل إِلَى أهل المسجد، فَقَالَ: من أَحَبّ أن ينظر إِلَى المهل، فلينظر إِلَى هذا.
وقال مجاهد: بماء كالمهل: مثل القيح والدم، أسود كعكر الزيت.
وخرج الطبراني (1)، من طريق تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لو أن غربًا، جعل من حميم (2) جهنم، جعل وسط الأرض، لآذى نتن ريحه وشدة حره ما بين المشرق والمغرب".
وفي موعظة الأوزاعي للمنصور قَالَ: بلغني أن جبريل، قَالَ للنبي صلى الله عليه وسلم:"لو أن ذنوبًا من شراب جهنم، صب في ماء الأرض جميعًا، لقتل من ذاقه".
خرج بعض المتقدمين، فمر بكروم بقرية، يقال لها: طيز ناباذ، وكأنه كان يعصر فيها الخمر، فأنشد يقول:
بطيز ناباذ (3) كرم ما مررت به
…
إلا تعجبت ممن يشرب الماء
فهتف به هاتف يقول:
وفي جهنم ماء ما تجرعه
…
حلق فأبقى له في البطن أمعاء
…
(1) في الأوسط (3681) وقال: لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلَاّ تمام بن نجيح.
وقال الهيثمي في المجمع (10/ 387): وفيه تمام بن نجيح وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله أحسن حالاً من تمام.
(2)
في "الأوسط": "لو أن غربًا من جهنم".
(3)
طيزناباذ: موضع بين الكوفة والقادسية، بينها وبين القادسية ميل، وهي كلمة أعجمية، والشعر لأبي نواس الحسن بن هانئ.