المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات - مجموع رسائل ابن رجب - جـ ٤

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول في ذكر الكفَّارات

- ‌السبب الثاني من مكفّرات الذنوب: المشيُ عَلَى الأقدام إِلَى الجماعات وإلى الجُمُعات

- ‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات

- ‌الفصل الثاني في ذكر الدرجات المذكورة في حديث معاذ

- ‌الفصل الثالث في ذكر الدعوات المذكورة في هذا الحديث

- ‌ومحبة الله عَلَى درجتين:

- ‌أقل ثمن المحبة بذل الروح:

- ‌الباب الأول في ذكر الإنذار بالنار والتحذير منها

- ‌الباب الثاني في ذكر الخوف من النار وأحوال الخائفين

- ‌فصل [الخوف من عذاب جهنم لا يخرج عنه أحد]

- ‌فصل [في القدر الواجب من الخوف]

- ‌فصل [من السَّلف من كان إذا رأى النار اضطرب وتغيرت حاله]

- ‌فصل من الخائفين من منعه خوف جهنم من النوم

- ‌فصل ومنهم من منعه خوف النار من الضحك

- ‌فصل ومنهم من حديث له من خوفه من النار مرض، ومنهم من مات من ذلك

- ‌فصل أحوال بعض الخائفين

- ‌الباب الثالث في ذكر تخويف جميع أصناف الخلق بالنار وخوفهم منها

- ‌فصل وهذه النار التي في الدُّنْيَا تخاف من نار جهنم:

- ‌الباب الرابع في أن البكاء من خشية النار ينجي منها وأن التعوذ بالله من النار يوجب الإعاذة منها

- ‌فصل[التعوذ من النار]

- ‌الباب الخامس في ذكر مكان جهنم

- ‌فصل [البحار تسجر يوم القيامة]

- ‌الباب السادس في ذكر طبقاتها وأدراكها وصفتها

- ‌الباب السابع في ذكر قعرها وعمقها

- ‌فصل سعة جهنم طولا وعرضًا

- ‌الباب الثامن في ذكر أبوابها وسرادقها

- ‌فصل وقد وصف الله أبوابها أنها مغلقة عَلَى أهلها

- ‌فصل [إحاطة سرادق جهنم بالكافرين]

- ‌فصل وأبواب جهنم قبل دخول أهلها إليها يوم القيامة مغلقة

- ‌الباب التاسع في ذكر ظلمتها وشدة سوادها

- ‌الباب العاشر في شدة حرها وزمهريرها

- ‌فصل [في زمهرير جهنم بيت يتميز فيه الكافر من برده]

- ‌الباب الحادي عشر في ذكر سجر جهنم وتسعيرها

- ‌فصل وجهنم تسجر كل يوم نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أحيانًا في غير نصف النهار

- ‌فصل وتسجر أيضاً يو القيامة

- ‌فصل وتسجر عَلَى أهلها بعد دخولهم إليها

- ‌الباب الثاني عشر في ذكر تغيظها وزفيرها

- ‌الباب الثالث عشر في ذكر فى دخانها وشررها ولهبها

- ‌الباب الرابع عشر في ذكر أوديتها وجبالها وآبارها وجبابها وعيونها وأنهارها

- ‌فصل [في تفسير قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}]

- ‌فصل [في أودية جهنم]

- ‌فصل في جهنم واد هو: جب الحزن

- ‌الباب الخامس عشر - في ذكر سلاسلها وأغلالها وأنكالها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ولهم مقامع من حديد

- ‌الباب السادس عشر - في ذكر حجارتها

- ‌الباب السابع عشر - في ذكر حياتها وعقاربها

- ‌الباب الثامن عشر - في ذكر طعام أهل النار وشرابهم فيها

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ}

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في تنغص السَّلف عَلَى عند ذكر طعام أهل النار

- ‌الباب التاسع عشر في ذكر كسوة أهل النار ولباسهم

- ‌فصل في أن سرابيل أهل النار من قطران

- ‌فصل تفسير قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ

- ‌الباب العشرون في ذكر عظم خلق أهل النار فيها وقبح صورهم وهيئاتهم

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها

- ‌فصل في تسويد وجوه أهل النار ومد جسومهم

- ‌فصلذو الوجهين في الدُّنْيَا له وجهان من نار يوم القيامة

- ‌فصل ومنهم من تمسخ صورته عَلَى صورة قبيحة

- ‌فصل في نتن ريح أهل النار

- ‌الباب الحادي والعشرون في ذكر أنواع عذاب أهل النار فيها وتفاوتهم في العذاب بحسب أعمالهم

- ‌فصل ومن عذاب أهل النار: الصهر

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: التي تطلع عَلَى الأفئدة

- ‌فصل ومن أنواع عذابهم سحبهم في النار عَلَى وجوههم

- ‌فصل

- ‌فصل ومنهم من يدور في النار ويجر معه أمعاءه

- ‌فصل ومن أهل النار من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة

- ‌فصل

- ‌فصل ومن أهل النار من يتأذى بعذابه أهل النار، إما من نتن ريحه، أو غيره:

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: ويأتيه الموت من كل مكان

- ‌فصل وعذاب الكفار في النار، لا يفتر عنهم، ولا ينقطع، ولا يخفف، بل هو متواصل أبدًا

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يتحف به أهل النار عند دخولهم إليها -أجارنا الله منها

- ‌الباب الثاني والعشرون في ذكر بكاء أهل النار وزفيرهم وشهيقهم وصراخهم ودعائهم الَّذِي لا يستجاب لهم

- ‌فصل في طلب أهل النار الخروج منها

- ‌فصل

- ‌فصل وأما عصاة الموحدين، فربما ينفعهم الدعاء في النار

- ‌الباب الثالث والعشرون في ذكر نداء أهل النار أهل الجنة، وأهل الجنة أهل النار وكلام بعضهم بعضًا

- ‌الباب الرابع والعشرون في ذكر خزنة جهنم وزبانيتها

- ‌فصل وقد وصف الله الملائكة الذين عَلَى النار، بالغلظة والشدة

- ‌فصل في تفسير قوله تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ

- ‌فصل تفسير قوله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ

- ‌الباب الخامس والعشرون في ذكر مجيء النار يوم القيامة وخروج عنق منها يتكلم

- ‌الباب السادس والعشرون في ضرب الصراط عَلَى متن جهنم وهو جسر جهنم ومرور الموحدين عليه

- ‌الباب السابع والعشرون - في ذكر ورود النار نجانا الله منها بفضله ورحمته

- ‌فصل إذا وقف العبد بين يدي الله تستقبله النار

- ‌الباب الثامن والعشرون في ذكر حال الموحدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين

- ‌فصل حسن الظن بالله تعالى

- ‌الباب التاسع والعشرون في ذكر أكثر أهل النار

- ‌الباب الثلاثون في ذكر صفات أهل النار وأصنافهم وأقسامهم

- ‌فصل في ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين

- ‌الأصل العظيم

- ‌بيان معنى الباء في الآية والحديث

- ‌الحمد لله ثمن كل نعمة

- ‌بيان معنى النعم وأنّ الحمد منها

- ‌الجنة والعمل من فضل الله تعالى

- ‌الشقاء والسعادة بعدله ورحمته جلَّ وعلا

- ‌ما يجب عَلَى العبد معرفته

- ‌الاشتغال بالشكر أعظم النعم

- ‌العمل لا يوجب النجاة

- ‌الاعتراف بفضل الله عز وجل

- ‌ما عَلَى العبد للفوز والنجاة

- ‌بيان أَحَبِّ الأعمال إِلَى الله

- ‌معنى سدِّدوا وقاربوا

- ‌بيان ما تفوَّق به الصحابة

- ‌قاعدة جليلة

- ‌بيان جملة من التيسير في التشريع

- ‌معنى الغدوة والروحة وأوقاتها وفضائلها

- ‌معنى القصد في السير

- ‌سلوك صراط الله عز وجل

- ‌الأعمال بالخواتيم

- ‌فضل تقرب العبد إِلَى الله عز وجل

- ‌أنواع الوصول إِلَى الله تعالى

- ‌حال من التزم الإِسلام أو الإِيمان أو الإِحسان

- ‌فضل وَقْتَي الغَدّاة والعَشِي والمقصود بهما

- ‌حال من ركن إِلَى الآخرة ومن ركن إِلَى الدُّنْيَا

- ‌فصل في قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]

- ‌بيان ما يصير هباء منثورًا من الأعمال

- ‌النوع الأول:

- ‌النوع الثاني:

- ‌النوع الثالث:

- ‌النوع الرابع:

- ‌النوع الخامس

- ‌النوع السادس

- ‌النوع السابع

- ‌هم الدُّنْيَا وشقاء الآخرة

- ‌الحذر…الحذر

الفصل: ‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات

‌السبب الثالث من مكفرات الذنوب الجلوس في المساجد بعد الصلوات

والمراد بهذا الجلوس انتظارُ صلاةٍ أخرى كما في حديث أبي هريرة: "

وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" (1) فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتطاره، بخلاف من صلّى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلّى صلاة جلس ينتظر ما بعدها فقد استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل.

وفي "المسند"(2) وسنن ابن ماجه (3) عن عبد الله بن عمرو قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفزه النفس، قد حسر عن ركبيته فَقَالَ:"أبشروا! هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: أنظروا إِلَى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى".

وفي "المسند"(4) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منتظر الصلاة من بعد

(1) تقدم تخريجه.

(2)

(2/ 186، 208).

(3)

برقم (801) قال المنذري في "الترغيب"(1/ 282): رواته ثقات وأبو أيوب هو المراغي العتكي ثقة ما أراه سمع عبد الله والله أعلم ا. هـ.

وقال البوصيري في الزوائد (1/ 102): رجاله ثقات.

(4)

(2/ 352) قال المنذري في الترغيب (1/ 284) إسناد أحمد صالح وقال الهيثمي في المجمع (2/ 36): وفيه نافع بن سليمان القرشي وثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 32

الصلاة كفارس اشتدَّ به فرسه في سبيل الله عَلَى كشحه (1) تُصلِّي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر".

ويدخل في قوله: "والجلوس في المساجد بعد الصلوات": الجلوس للذكر والقراءة وسماع العِلْم وتعليمه ونحو ذلك، لاسيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإنَّ النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى؛ لأنّه قد قضى ما جاء إِلَى المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى.

وفي "الصحيح"(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصة فهو في صلاة حتى يصلي، وفي "الصحيحين" (3) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم: قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة".

وفيهما أيضاً (4) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الملائكة تصلي عَلَى أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إِلَى أهله إلا الصلاة".

وفي رواية لمسلم (5): "ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه".

وهذا يدل عَلَى أن المراد بالحدث: حدث اللسان ونحوه من الأذى، وفسره

(1) قال ابن الأثير: الكاشح: العدو الَّذِي يُضمر عدواته ويطوي عليها كشحه، أى: باطنه. والكشح: الخصر.

(2)

أخرجه مسلم (2699).

(3)

أخرجه البخاري (572)، ومسلم (640).

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

برقم (649).

ص: 33

أبو هريرة بحدث الفرج، وقيل: إنه يشمل الحدثين.

وفي "المسند"(1) عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إِلَيْهِ".

وفي رواية له (2): "فَإِذَا صلّى في المسجد ثم قَعد فيه كان كالصائم القانت حتى يرجع". وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة.

وبالجملة فالجلوس في المسجد للطاعات له فضلٌ عظيمٌ، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يوطِّنُ رجلٌ المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله عز وجل به كما يتبشبش أهل الغائب إذا قَدِمَ عليهم غائبهم"(3).

وروى درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ألف المسجد ألفه الله"(4).

وقال سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس الله عز وجل.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه عدَّ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إِلَيْهِ"(5).

وإنَّما كان ملازمة المسجد للطاعات مكفرًا للذنوب لأنّ فيه مجاهدة النفس، وكفًا لها عن أهوائها فإنها لا تميل إلا إِلَى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب أو لمجالسة الناس لمحادثتهم أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النَّزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد عَلَى الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد.

(1، 2) أخرجهما أحمد (4/ 159).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 328، 453)، وابن ماجه (800) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 102): هذا إسناد صحيح.

(4)

أخرجه ابن عدي (4/ 152)، والطبراني في الأوسط (6383).

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن دراج إلا ابن لهيعة، تفرد به عمرو بن خالد.

وقال الهيثمي (2/ 23): وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.

(5)

أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031).

ص: 34

وهذا الجنس -أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها- فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلا عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إِلَى الله عز وجل؟!

فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الَّذِي يقتضي تكفير الذنوب كلها.

ولهذا المعنى كان المشيُ إِلَى المساجد كفارة للذنوب أيضًا، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله أيضاً، كما خرّجه الطبراني (1) من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"الغدو والرَّواح إِلَى المساجد من الجهاد في سبيل الله".

كان زياد مولى ابن عباس أحد العباد الصالحين، وكان يلازم مسجد المدينة، فسمعوه يومًا يعاتب نفسه ويقول لها:"أين تريدين أن تذهبي؟! إِلَى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تُبصري دار فلان ودار فلان".

لما كانت المساجد في الأرض بيوت الله أضافها الله إِلَى نفسه تشريفًا لها،

وتعلّقت قلوب المحبين لله عز وجل بها، لنسبتها إِلَى محبوبهم، وارتاحوا إِلَى ملازمتها لإظهار ذكره فيها {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36 - 37].

أين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟!

قلوبُ المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إِلَى بيوت معبودهم مترددة:

يا حبّذا العرعرُ النجدي والبان

ودارُ قومٍ بأكناف الحِمى بانوا

وأطيبُ الأرض ما للقلبِ فيه هوى

سَمُّ الخَياط مع المحبوبِ ميدانُ

لا يُذكرُ الرَّملُ إلا حَنَّ مُغتربٌ

له بذي الرمل أوطارٌ وأوطانُ

يهفو إلى البان من قلبي نوازعُه

وما بيَ البانُ بل مَن دارهُ البانُ

(1) في "المعجم الكبير"(8/ 7739)، وفي "مسند الشاميين" (879) قال الهيثمي في المجمع (2/ 29 - 30): وفيه القاسم بن عبد الرحمن وفيه اختلاف.

وذكر الدارقطني في العلل (8/ 141) برقم (1460) اختلافًا في الحديث في الرفع والوقف ثم قال: والموقوف أولى.

ص: 35